الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
والعفو هو محو الذنوب وسترها, والعافيةُ: هي تأمين الله لعبده مِن كلِّ نِقْمَةٍ ومِحنَة، بصرف السُّوء عنه ووقايته من البلايا والأسقام, وحفظه من الشرور والآثام, والعافية في الدين: هي عافيته من الكفر والفسوق والنفاق والغفلة، وعافيته من البدع والضلالات, ومن فتن الشبهات وفتن الشهوات...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
الحمد لله على عظيم فضله وجزيل نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، أما بعد:
فإنَّ من أعظم الأدعية نفعاً تلك التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186] وقال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف: 180] وقال -تعالى-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل: 62], وقال -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60].
عباد الله: من الأدعية النبوية الجامعة سؤال الله العافية, وقد وردت في عدد من الأحاديث، ومنها: دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- في صباح ومساء كل يوم بقوله: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي"(أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني)؛ والعفو هو محو الذنوب وسترها, والعافيةُ: هي تأمين الله لعبده مِن كلِّ نِقْمَةٍ ومِحنَة، بصرف السُّوء عنه ووقايته من البلايا والأسقام, وحفظه من الشرور والآثام.
والعافية في الدين: هي عافيته من الكفر والفسوق والنفاق والغفلة، وعافيته من البدع والضلالات, ومن فتن الشبهات وفتن الشهوات، قال في كتاب فقه الأدعية والأذكار عن العافية في الدنيا: "طَلَب الوقاية من كلِّ أمرٍ يَضُرُّ العبدَ في دنياه؛ مِن مُصيبة أو بَلاء أو ضَرَّاء أو نحو ذلك، وأمَّا في الآخرة: فهو طَلَبُ الوقاية من أَهوال الآخرة وشدائدها, وما فيها من أنواع العقوبات، وأمَّا في الأهل: فبِوِقَايَتِهم مِن الفتَن وحِمايَتِهم من البَلاَيَا والمحن، وأمَّا في المال: فبِحفظِه مِمَّا يُتْلِفُه مِن غَرَقٍ أو حَرْقٍ أو سَرِقَةٍ أو نحو ذلك، فجَمَع في ذلك سؤالَ الله الحفظَ من جَميع العَوارِض المُؤْذِيَة والأخطار المُضِرَّة, ومن عافاه الله في دنياه وآخرته كمل نصيبه من الخير"(ينظر كتاب فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبدالرزاق البدر).
وهذا الدعاء النبوي من الأدعية العظيمة, فحافظوا عليه في الصباح والمساء وعلموه أبناءكم, قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "الصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَجْزَلِ عَطَايَاهُ، وَأَوْفَرِ مِنَحِهِ، بَلِ الْعَافِيَةُ الْمُطْلَقَةُ أَجَلُّ النِّعَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَحَقِيقٌ لِمَنْ رُزِقَ حَظًّا مِنَ التَّوْفِيقِ مُرَاعَاتُهَا وَحِفْظُهَا وَحِمَايَتُهَا عَمَّا يُضَادُّهَا"(الطب النبوي لابن القيم).
عباد الله: ما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من العافية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ"(أخرجه الترمذي وصححه الألباني)؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "جَمَعَ بَيْنَ عَافِيَتَيِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يَتِمُّ صَلَاحُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ إِلَّا بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ؛ فَالْيَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ، وَالْعَافِيَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ"(زاد المعاد), وقال -رحمه الله-: "ما سُئل الربُ شيئاً أحبَّ إليه من العافية؛ لأنَّها كلمة جامعة للتخلص من الشر كله وأسبابه"(شفاء العليل).
وقال مطرف بن عبدالله -رحمه الله-: "نظرت في العافية والشكر فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة، ولأن أعافى فأشكر, أحبَّ إليَّ من أن أبتلى فأصبر"(عدة الصابرين), وقال وهب بن منبه -رحمه الله-: "رؤوس النعم ثلاثة؛ فأولها: نعمة الإسلام التي لا تتم نعمه إلا بها, والثانية: نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها, والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا به"(عدة الصابرين).
عباد الله: قال ابن القيم -رحمه الله-: "أفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان, وكان من الأذكار النبوية, وشهد الذاكر معانيه ومقاصده"(الفوائد لابن القيم).
اللهم إنَّا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة, بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.