البحث

عبارات مقترحة:

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

لاءات.. حول تطبيق انستقرام وسناب شات

العربية

المؤلف عبد الإله بن سعود الجدوع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. برامج التواصل الانستقرام والسناب شات سلاح ذو حدين .
  2. توصيات لمستخدمي هذه التطبيقات .

اقتباس

لكن ما يهمنا في مقامنا هذا هو تطبيق الانستقرام والسناب شات ونحوها من اللاتي تظهر حياة المرء وتصورَها، وتجعل المتابع يتلهف في تتبع حياة الآخرين، وماذا فعلوا وماذا صنعوا؟ وماذا أظهروا وماذا صوّروا؟ وماذا أكلوا وأين ذهبوا؟ حتى شغل المرء قلبه ووقته بمتابعة فراغ الآخرين وحتى فهم فئام من الناس أن هذه هي الحياة ونَسى أنها هامش الحياة، وأخذت ..

الخطبة الأولى:

أيها المباركون: لقد فتح الله -تعالى- على عباده فتحا عظيما في التقنية والاختراعات، لا سيما في عالم الاتصالاتِ، فبلغ الأمرُ ما لم يكن في الحسبان، ومالا يخطر على قلب إنسان، وبَهرت بعض هذه التطبيقاتُ ألبابَ الناس، فلا تسل عن تعلقِهم بها ومتابعتِهم لها، وهي كثيرة، لكن ما يهمنا في مقامنا هذا هو تطبيق الانستقرام والسناب شات ونحوها من اللاتي تظهر حياة المرء وتصورَها، وتجعل المتابع يتلهف في تتبع حياة الآخرين، وماذا فعلوا وماذا صنعوا؟ وماذا أظهروا وماذا صوّروا؟ وماذا أكلوا وأين ذهبوا؟ حتى شغل المرء قلبه ووقته بمتابعة فراغ الآخرين وحتى فهم فئام من الناس أن هذه هي الحياة ونَسى أنها هامش الحياة، وأخذت شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي من اهتمام المرء ومصالحه الأساسية وهي في الحقيقة ذئبٌ جائع.. غذاؤه الوقت.

ونحن -أيها الكرام- عندما نتكلم عن مثل هذه التطبيقات نريد أن نوجهها لا أن نواجهها؛ أي إن كنت من مرتاديها فلا يعني بالضرورة التحذير منها بالكلية، إنما المراد الحذرُ من مثالبها، وإن كان ولابد فإعطاءها الحجم الطبيعي من الاهتمام والوقت، فهي سلاح ذو حدين، من استعان بها على طاعة الله، وعلى اكتشاف المعارف والعلوم وبثها، وكانت زاداً له في الخير وإصلاح نفسه وتطويرها، وتوازن في التعاطي معها - كانت له خير اًو بركة، وإن كانت تأخذ منه الوقت الطويل، ولا يتابع إلا سفساف الأمور وتوافهها فهذا قد شغل قلبه ووقته بما لا يعود عليه بأجر أو فائدة.

ثم لكم أن تتساءلوا -أيها الفضلاء- لماذا يكثر الانتحار في مملكة السويد أو دولة النرويج -مثلاً- مع أنهما من أكثر الشعوب سعادة على حسب دراسات أجريت بمقاييس غربية؟ قد تعجب إذا عرفت السبب الذي قيل أنه المقارنة فأصبح المرء يقارن نفسه كثيراً بما لدى الآخرين، وهو لا يستطيع أن يصل إلى ما وصلوا له، فيولّد عنده شعور بالاكتئاب الذي هو من الأسباب الجوهوية للانتحار، ناهيك عن تكدر عيشه وحسرة قلبه إن لم ينتحر، والمقارنة التي كانت السبب -والتي نحذر منها- هي من السلبيات التي أظهرتها لنا بعض هذه التطبيقات.

ويا أيها الكرام: لسنا في مقام ذكر إيجابيتها، ولسنا من الذين يشجعون على الخوض فيها، لكن إن كان المرء لديه مثل هذه التطبيقات، أو ينوي الخوض فيها فليستجْمِع لنا القلبَ، وليَرْعِ لنا السَّمْعَ إلى لاءات حول تطبيق الانستقرام والسناب شات:

اللاء الأولى: أوصى الله تعالى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه:131].

قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "أي: لا تمدَّ عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها؛ من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة؛ فإن ذلك كلَّه زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة" ا.هـ. رحمه الله.

اللاء الثانية: قال -صلى الله عليه وسلم-: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" متفق عليه واللفظ لمسلم، فقوله "لا تنظروا إلى من هو فوقكم" أي فوقكم في الدنيا؛ لأنه يسبب ازدراء ما أنعم الله عليكم، فالذي يتابع أسفار الآخرين ومطاعمهم ومجالسهم ومفاخرهم وهداياهم يتعب قلبه ويشقي نفسه، فيستهين بما لديه من النعم، ثم يحدث له الاكتئاب وحسرة القلب والمقارنة بما عند الآخرين، وهو الذي ذهب للشقاء بيده، والموفق هو من نظر إلى من هو أسفل منه في النعم وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وتأمل بما لديه من النعم وسأل الله من فضله وخيره، والله ذو الفضل العظيم.

اللاء الثالثة: قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28]

فالمرء يغفل قلبُه عن ذكر الله وعن ذكر ما هو أنفع له، إذا شغل قلبه بمتابعة من اتبع هواه، وكانت مصالح دينه ودنياه فرطا، وإنك لتعجب ممن هو محسوب على ذوي العقل والرزانة، ثم تجده يتابع بنهم من لا خلاق له ولا هدف سامي، وربما ظهر صاحب الحساب بمظهر الفكاهة وربما السفاهة في مشاهد أقل ما يقال عنها أنها تزييف للحقائق، وتكوين صورة مزيفة لحياة المرء وادعاء للمثالية، وقد وجِد أن قام بعض من لا يخاف الله بتصوير نفسه بمظاهر البذخ أو بمظاهر اللطافة والفكاهة؛ ليخدع بها الفتيات اللاتي وقعن في حبائله وابتزازه.

ومن كيد الشيطان -عباد الله- أن أوقع شباباً وفتيات في حبائل التعلق والإعجاب بسبب هذه التطبيقات، ومن المؤسف أن تجد فتاة تتحدث عن شاب وعن حياته، وتكتب وتعلق عنه، وربما فرحت وحزنت وعبّرت وكتبت، وهو رجل أجنبي عنها؛ وكل هذا من فراغ القلب وطاعة الهوى ونقص حب الله ورسوله واتباع أوامره.

اللاء الرابعة: لا تطلب المفقود حتى تفقد الموجود، والله -عز وجل- يقول: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) [الإسراء: 29] أي إذا بَخِلت وجعلت يدك مغلولة فستجد لوماً من غيرك على بخلك، وإذا بسطتها كل البسط وأسرفت واشتريت كل ما رأيت، فستقعد متندماً محسوراً، والعاقل خصيم نفسه؛ إن كان ممن لا يصبر إلا أن يشتري ويشتري فالسلامة ألا يتعب قلبه ويفلس ماله ويتابع مشتريات الآخرين وبضائعهم خصوصاً من التي تظهرها هذه التطبيقات، وهذا يقود إلى أن نقول أنه لابد أن تُربى النفوس على الزهد، والزهد هو ترك ما لا ينفع في الآخرة.

دخل رجل على أبي ذر -رضي الله عنه- فجعل يقلب بصره في بيت أبي ذر فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه متاعنا -يقصد الجنة- قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه!

وليُعلم أن المرء إذا مات سيترك ماله كله، ويوم القيامة سيسأل عنه كله. فلابد أن نتبع الميزان الذي وضعه الله عز وجل لنا في قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) أي وكانوا متوسطين لا بخل ولا إسراف.

اللاء الخامسة: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) [يوسف:5] هذا التوجيه صدر من نبي إلى نبي كي لا يقصص رؤياه المبشرة على إخوته؛ فينزغ الشيطان نزغه، ويُحدث الحقد والحسد، وهذا بين إخوة؛ فما بالك عن الغريب والبعيد، والذي يَحدث الآن في الانستغرام والسناب شات من إظهار كل الفرائح صغيرها وكبيرها خاصها وعامها لهو نظير خطر لفشو الحسد والعين والتنازع، إضافة إلى تخريب بيوت كانت آمنة مطمئنة فإذا بها تقارن بغيرها؛ فالزوج يقارن الطبخات ونحوها، والزوجة تقارن الأثاث والرومانسيات -إن صحت التسمية-، والأبناء يقارنون السفريات والصرفيات، وهكذا حتى صارت البيوت في سباق محموم نهايته كثرة المشكلات والويلات.

اللاء السادسة: قال -صلى الله عليه وسلم موجها علي بن أبي طالب-: "يا علي ! لا تتبع النظرةَ النظرةَ، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة" وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة فأمره بصرف بصره. فقد يقع بصرك وأنت تقلب هذه التطبيقات على صور محرمة أو نظرة شهوانية؛ فاعلم أن الله يراك ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلا تتبع النظرة النظرة، واصرف بصرك فورا، ومن رأيته يتساهل في إنزال صور محرمة فالأغلى لديك هو قلبك وحسناتك.

اللاء السابعة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33] لا تغرنكم الحياة الدنيا بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، لا يغرنكم ما يُصور من زينة ومفاخر في مثل هذه التطبيقات والمنافسة المحمومة بين الناس في ذلك، إضافة أن مثل هذه التطبيقات الخادعة تظهر أفضل لحظات المرء من بذخ وتزيين ومفاخرة وحب للمظاهر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم..". فالحذر الحذر يا كرام.

(اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) [الحديد:20]

اللاء الثامنة: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر عليه" حسنه الألباني.

فيوجد من يتكلف لضيفه حتى يصور هذه السفرة وينزلها في هذه التطبيقات مسايرة لكثير كمن يفعل ذلك، وهو الذي تكلف لضيفه وخالف قول الرسول وهديه -ولو قلنا أنه يستطيع على ما قدّم- فالنبي -صلى عليه وسلم- قال لسعد -رضي الله عنه-: "لا تسرف ولو كنت على نهر جار".

ويؤخذ منه أنك لا تسرف حتى ولو كنت قادرا والمال عندك وافراً، ثم إن تصوير وإظهار ما لذ وطاب على الملأ قد يكون كسراً لقلوب فقراء وبؤساء، وإذا كان فيه سرف وتبذير فهو هتك لستر الله عليك، ونشر لسلوك مقيت يُغضب الله ويمقته عقلاء المجتمع، وربما شاهده سفيه فشجعته وفعل أكثر مما فعلت و صوّرت!!

اللاء التاسعة: (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) [الحجرات:11].

فبعض الناس يكون منشأ مشاركته في مثل هذه التطبيقات السخرية من الآخرين والضحك عليهم ونحو ذلك، ومما انتشر تصوير الأطفال في أوضاع لو كانوا يملكون من أمرهم شيئا وتكلموا لقالوا إنهم لا يحبوا أن يظهروا بمثل ما ظهروا به، والذي لربما سينعكس سلبا على شخصية الطفل المصوّر.

اللاء العاشرة: لا تهتك سر البيوت والأفراح؛ فبعض الناس -ومن غير استئذان- يصور فرائح أناس لا يشاؤوا أن تظهر، والأخطر أن تتحول بعض الزواجات والحفلات -لدى النساء خصوصاً- إلى خطر محدق على الكل جرّاء الإفراط في التصوير دون أدنى مسؤولية واعتبار وتفكير في العواقب، وتحت الغرر بأن البرنامج هذا مشفر أو لا يتابعه إلا نساء ونحو ذلك من الخدع التي انخدع فيها كثير، فوجدوا عاقبة أمرهم خسراً وندامة.

اللاء الحادية عشر: إن مما عم وطم هو تصوير النساء وإظهار أيديهن وأرجلهن وربما بلغ الأمر لوجوههن وأجسادهن، وقل ما شئت من الذرائع والحجج الواهية التي يُحتج بها، لكن نقول أن من تصور نفسها أو جزء منها، فهي تفقد قيمة الحياء شيئا فشيئا، والله قد سترها وهي تهتك ستر الله عليها، وعائشة -رضي الله عنها- قالت -بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم-: "لو علم رسول الله ما أحدثن النساء لمنعهن المساجد" وهذا في زمن عائشة، والمكان الذي يُذهب له المسجد؛ فكيف لو رأت عائشة حال النساء والفتيات اليوم في مثل هذه التطبيقات التي جلبت الويلات تلو الويلات على الفتيات، وكان دافع التصوير وقتها بريئا كما يقال، أو كان الزعم والثقة في التقنية عالية وأنها لا تخترق ونحو ذلك من الحجج؟! فالحذر الحذر -يا كرام-، والنصيحة النصحية لأهليكم ومن تحبون.

وختاما -يا كرام- الحياة من حولنا تدفع للتفاهة وتضيع الأوقات، وإن من المجاهدة هذه الأيام ألا تكون تافها، وأن لا تكون صفرا، والذي ينبغي لك أن تكون رقماً وأن تكون نافعاً، والمرء يوم القيامة سيسأل "عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه"

فاللهم اصرف قلوبنا وأوقاتنا وأعمالنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بنواصينا للبر والتقوى، إنك تحب الدعاء والنجوى.