العربية
المؤلف | عايد القزلان التميمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أعلام الدعاة |
مَعَ قصة إسلام رَجُلٍ عَظِيمٍ، جَلِيلِ الْقَدْرِ، رَفِيعِ الْمَنْزِلَةِ وهو أَحَدُ مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجَنَّةِ، وممّن أسلم مبكراً مع قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة وحليف الأنصار، ومن خواص أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-....
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي اختار لنبيّه خِيرةَ خلقه من الصّحابة، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وعدَ من دعَاه بالاستجابة، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى الآل والصحابة.
أما بعد: فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
عباد الله: إِنَّ التَّارِيخَ لَمْ يَشْهَدْ رِجَالاً اشْتَدَّ بِاللهِ عَزْمُهُمْ، وَصَدَقَتْ للهِ نَوايَاهُمْ، صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ, كَمَا شَهِدَهُ أصحابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم، ورَضِيَ عَنْهُمْ وَأرْضَاهُمْ أجْمَعِينَ- فِي حُبِّهِمْ وَتَضْحِيَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ وَزُهْدِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ للهِ وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: وَالْيَوْمَ نَحْنُ مَعَ قصة إسلام رَجُلٍ عَظِيمٍ، جَلِيلِ الْقَدْرِ، رَفِيعِ الْمَنْزِلَةِ وهو أَحَدُ مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجَنَّةِ، وممّن أسلم مبكراً مع قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة وحليف الأنصار، ومن خواص أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- هو عبدالله بن سلام -رضي الله عنه-.
وكان عبدُ الله بن سَلاَم سيدًا من أسياد اليهود في المدينة، وكبيرًا من كُبرائهم، وعالمًا من علمائهم، مُطَّلعًا على كتبِ اليهود وعارفًا بما جاء فيها من البِشارات بالنبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ -رضي الله عنه، وكان لَمْ يُسْلِم بعدُ-، بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- للمدينة، وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ -أي: يجني الثمر-، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟، وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الجَنَّةِ؟، وَمَا يَنْزِعُ الوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟
قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "نَعَمْ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: "ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، فَقَرَأَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الآيَةَ: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ)[البقرة:97].
"أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ نَزَعَ الوَلَدَ -أي: كان شبه المولود للرجل-، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ نَزَعَتْ" -أي: كان شبه المولود للمرأة-.
قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي، فَجَاءَتِ اليَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ؟"، قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ". فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَانْتَقَصُوهُ، قَالَ: "فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ"(أخرجه البخاري).
أيها المؤمنون: وفي قصة إسلام عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- يظهر لنا أن اليهود قوم بُهْت، أي: أهل إفك وكذب، يقولون ويفترون على غيرهم ما ليس فيه، وهذا يُؤْخَذ من قول أحد علمائهم وأحبارهم, وهو عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- بعد أن شرح الله صدره للإسلام؛ فقال يا رسول الله: "إن اليهود قوم بُهت".
ومن بهتانهم: أنهم كذبوا على الله فوصفوه بما لا يليق، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)[آل عمران: 181]، وقال -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)[المائدة: 64].
عباد الله: وهذه موقف من حياة عبد الله بن سلام مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ففي صحيح البخاري عَنْ قَيْسِ بْنِ عبادٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الْخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ، رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّى فِي رَوْضَةٍ -ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا- وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلاَهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لَهُ: ارْقَهْ. قُلْتُ: لاَ أَسْتَطِيعُ. فَأَتَانِي مِنْصَفٌ -أي: خادم- فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلاَهَا، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ: اسْتَمْسِكْ. فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِى، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلاَمُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ"، وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ.(أخرجه البخاري ومسلم).
وأما عن وفاة عبد الله بن سلام؛ فقد تُوفِّي -رضي الله عنه- بالمدينة سنة ثلاث وأربعين.
فرضي الله عن الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، وعن أصحاب رسول الله أجمعين، وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى في جنات النعيم.
بارك الله لي ولكم |
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً بلغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ورضي الله عن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ فيا أيها المؤمنون: إنَّ ممَّا يثير الغرابة اهتمام كثير من جيل اليوم في حفظ أسماء وألقاب النجوم في مختلف الفنون، بينما نجد أنَّ هناك تقصيراً في معرفة من حفظوا لنا ديننا وشريعتنا، وبلّغوها لنا دون تحريف أو تغيير عبر تاريخنا الإسلامي، وأولهم الصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين وصفهم المولى -تبارك وتعالى- بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29]. وقال أيضاً: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)[الفتح:18].
عباد الله: فيجب علينا تعليم أبنائنا سير الأنبياء والصحابة والسلف الصالح حتى يقتدوا بهم ويتأثروا بسيرتهم.
نسأل الله العلي القدير أن يجمعنا برسولنا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام ووالدينا ومن أحببناهم في الله وأحبونا فيه في الفردوس الأعلى.
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله....