الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
أيها المؤمنون: موقفانِ عظيمان يقفهُما العبد بين يدي ربه: أحدهما: في هذه الحياة الدنيا. والآخر: يوم يلقى الله -جل وعلا- يوم القيامة، ويترتبُ على صلاحِ الموقف الأول فلاح العبد وسعادتُه في الموقف الثاني، ويترتب على فساد حال العبد في الموقف الأول ضياعُ أمره وخسرانُه في الموقف الثاني. الموقف الأول هو هذه الصلاة التي كتبها الله -جل وعلا- على عباده، وافترضها عليهم خمس مراتٍ في اليوم والليلة؛ فمن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريمِ المنان، أحمده تبارك وتعالى على نعمهِ العظيمةِ، وعطاياه الجسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلام، وأشهد أن محمداً عبده ُورسولهُ؛ أفضلُ من صلى وصام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الكرام.
أما بعدُ: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه جلَ شأنهُ مراقبةَ من يعلمُ أنّ ربَّه يسمعهُ ويراه.
أيها المؤمنون: موقفانِ عظيمان يقفهُما العبد بين يدي ربه: أحدهما في هذه الحياة الدنيا، والآخر يوم يلقى الله -جل وعلا- يوم القيامة، ويترتبُ على صلاحِ الموقف الأول فلاح العبد وسعادتُه في الموقف الثاني، ويترتب على فساد حال العبد في الموقف الأول ضياعُ أمره وخسرانُه في الموقف الثاني.
أيها المؤمنون: الموقف الأول هو هذه الصلاة التي كتبها الله -جل وعلا- على عباده، وافترضها عليهم خمس مراتٍ في اليوم والليلة؛ فمن حافظَ على هذه الصلاة، واهتمَ لها، واعتنى بها، وأداها في أوقاتِها، وحافظَ على شروطها وأركانها وواجباتها هان عليه الموقفُ يوم القيامة وأفلحَ وأنجحَ.
وأما -والعِياذُ بالله- إذا استهانَ بهذا الموقف فلم يُعْنَ بهذه الصلاة، ولم يهتم لها، ولم يواظب عليها، ولم يحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها عَسُرَ عليه موقف يوم القيامة.
ألا فلنتق الله -عز وجل- في صلاتنا، ولنتق الله -جل وعلا- في هذه العبادة العظيمة التي هي أول ما نُسأل عنه يوم القيامة، روى الترمذيّ والنسائي وغيرهما عن حُريث بن قَبيصَةَ -رحمه الله- قال: "أتيت المدينة فسألت الله -جل وعلا- أن يرزقني جليساً صالحا، فجلست إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- وقلت له: يا أبا هريرة إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحا؛ فعلمني حديثاً سمعتَه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعل الله أن ينفعني به؟ فقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ"، وهو حديث صحيح.
فتأملوا -رعاكم الله- ترتُبَ صلاح الموقف الثاني على صلاح الموقف الأول، والخسرانَ في الموقف الثاني على الخسران في الموقف الأول.
نعم -أيها المؤمنون- إنّ من ضيّع هذه الصلاة واستهان بها وفرط في أدائها والمحافظةِ عليها حكم على نفسه -شاء أم أبى- بالخسران المبين في الموقف الثاني يوم يلقى الله -جل وعلا-، وفي ذلك الموقف يندمُ ولا ينفعهُ الندم، روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة فقال: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلاَ بُرْهَانٌ، وَلاَ نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ".
عباد الله: من ضيَّع الصلاة حكم على نفسه -شاء أم أبى- أن يحشر يوم القيامة جنباً إلى جنب مع صناديد الكفر وأعمدةِ الباطل لما رضي لنفسه في هذه الحياة أن يشغَلَه عن صلاته لهوٌ وباطل وزيفٌ وضلال وفِسقٌ ومُجون وتتبع لأئمة الرذيلة، ودعاة الفساد كان حشره يوم القيامة مع شاكلته: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ)[الصافات: 22]، فكلٌّ يوم القيامة يحشر مع شاكلته في هذه الحياة؛ فإن كان من أهل الصلاة والمحافظين عليها في بيوت الله شَرُفَ يوم القيامة بأن يُحشر مع المصلين، بأن يُحشر مع المطيعين، بأن يُحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ومن أبى -أيها المؤمنون- على نفسه ذلك بأن ألهاه عن صلاته فِسقٌ وضلال ولهوٌ وباطل فإنه يحشر يوم القيامة مع شاكلته، قال عليه الصلاة والسلام: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى" قالوا: يا رسول الله، ومن يأبَى؟ قال: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى".
ثم تفكر -رعاك الله- في موقف يوم القيامة، تفكر في ذلك الموقف فإنك واقفه -إي والله-، موقفٌ عصيب، موقفٌ مهيل، موقفٌ أتدري ما مقداره؟
إن مقداره خمسون ألف سنة، يقف الناس يوماً واحدا مقداره خمسون ألف سنة، ماذا يقارن ذلك اليوم بأيامك في هذه الحياة؟! لنفرض أنك عشت ستين سنة أو سبعين سنة أو ثمانين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ماذا تُقارن تلك السنوات أو السُنيّات بذلك الموقف العصيب؟ ماذا تقارن تلك السُنيّات بيوم مقداره خمسون ألف سنة؟
ثم أيضا لو تأملت لو كان عمرك على سبيل المثال: ستين سنة فقد أمضيت ثلثها في النوم؛ لأنك تنام في اليوم والليلة تقريباً ثمانيَ ساعات والنائمُ مرفوعٌ عنه القلم؛ فمن عاش ستين سنة فقد نام في حياته عشرون سنة، ومنها خمس عشرة سنة تقريباً في أول الحياة العبد فيها ليس مكلف فماذا بقي لك في هذه الحياة من سُنيّات؟!
فاتق الله -رعاك الله- في هذه الصلاة، وحافظ على هذا الموقف بين يدي الله -جل وعلا-.
عظِّم -رعاك الله- هذه الصلاة يعظم أمرك عند الله، وتعلو مكانتك عند الله، وإياك وإضاعتها فإن إضاعتها الخسران المبين. وقد ثبت في المستدرك للحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر"، وفي تحديد ذلك بما بين الصلاتين تنبيه لمكانة الصلاة وأثرها في تحقق ذلك.
ألا فلنتق الله في صلاتنا، ألا فلنتق الله -أيها المؤمنون- في هذه الفريضة العظيمة التي كثُرت استهانة الناس بها، واستخفافهم بأمرها، وتهاونهم في شأنها وإضاعتهم لها ولشروطها وأركانها وواجباتها في حال أَسِيفَة، وأمورٍ مؤلمة، وواقع أليم، ألا فلنتق الله -أيها المؤمنون-.
اللهم إنّا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا منًّا منك، وتكرماً أن تجعلنا أجمعين من المقيمين الصلاة ومن ذرياتنا.
اللهم اجعلنا من المقيمين الصلاة ومن ذرياتنا يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا من المقيمين الصلاة ومن ذرياتنا يا رب العالمين، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، وأشهد ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عبد الله: اتق الله -تعالى- وحاسب نفسك قبل أن يحاسبك الله، وزن أعمالك قبل أن توزن يوم القيامة، واستعد للعرض على الله (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة: 18]، واتق الله -يا عبد الله- في هذه الصلاة فإن شأنها عظيم، وأمرها جلل، وخطبها جَسِيم، فاتق الله فيها وإياك أن تضيعها، فإن ضياع الصلاة حِرمان؛ حِرمان من كل خير في الدنيا والآخرة، وخُسران مبين، وإياك أن تأبى لنفسكَ إلا أن تعيش الهوان، وتنالَ الذلَ والخسران؛ فإن من ضيع الصلاة حكم على نفسه بذلك ورضي لنفسه بهذه الحياة حياةِ الهوان، بل حياة الحيوان.
نعم -عباد الله- أي خير يُرتجى؟ وأي فضيلةٍ تُؤمَل إذا ضيعت هذه الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين الله، جاء في الحديث الصحيح أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- قال: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا".
فتأمل هذا الارتباط بين الصلاة والثواب، بل بين الصلاة وأعظم الثواب رؤيةَ وجهِ الكريمِ الوهاب -سبحانه-، فمن أبى لنفسه هذه الصلاة فقد حكم عليها بالخسران، ومن غُلب على هذه الصلاة فقد رضي لنفسه بالهوان.
نعم -عباد الله- "إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا" كم هي الأمور التي تغلب الناس على الصلاة؟ منهم من يغلبه على صلاته نومه، ومنهم من يغلبه على صلاته لهوه، ومنهم من يغلبه على صلاته تجارته إلى غير ذلك من الغوالب والصواد، والنتيجة الخسران، والنتيجة الحرمان.
ألا فلنتق الله -أيها المؤمنون- فالصلاةُ شأنها عظيم.
ثم -عباد الله- إن الكيس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
قال أحدهم لائماً ومعاتباً أحد الخطباء: إنك منذ عشرين سنة تخطب فينا فماذا قدمت؟ فقال له: وأنتم منذ عشرين سنة تستمعون فماذا فعلتم؟
عباد الله: إذا سمع المسلم الموعظة أو سمع الخطبة فليودعها في قلبه وليتوجه إلى ربه -جل شأنه- ومولاه أن يوفقه للعمل، وأن يسدده وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وإلا فكم سمع الناس من المواعظ والزواجر، ومنهم من لا يزال مع ذلك غافل، وعند الله -جل وعلا- ملتقى الخلائق والعباد، وهناك المجازاةُ والمحاسبة، فليغنم العبد وجوده في هذه الحياة لإصلاح نفسه، وتزكيةِ حاله، وإطابة عمله، والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنـِّك وكرمِكَ وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
ولنكرر في دعائنا -أيها المؤمنون- دعوة خليل الرحمن: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)[إبراهيم: 40].
اللهم أعنا ولا تُعِن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، إليك أواهين منيبين، لك مخبتين، لك مطيعين.
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.
اللهم وأصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا؛ فأرسل السماء علينا مدرارا.
اللهم يا إلهنا ويا ربنا ويا سيدنا ومولانا نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا رحمن يا رحيم يا جواد يا كريم يا محسن يا معطي يا ذا الجلال والإكرام أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تَنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثا، هنيئاً مريئا، سَحّاً طبقا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل.
اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.