الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - التوحيد |
فالله -سبحانه وتعالى- يتودد لنا بأفعاله, فهو الذي يعطينا النعم ليل نهار فأعطانا وأكرمنا بالإسلام توددا منه -سبحانه-, وأعطانا الصحة والعافية توددا منه, وأعطانا الزوجة والأولاد توددا منه -سبحانه-, وأعطانا ورزقنا أسباب المعيشة من طعام وشراب ومنازل توددا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
نتكلم عن اسم الله الودود, فهو من أسماء الله -تعالى- الحسنى, وكل أسماء الله -تعالى- بالغة الحسن, واسمه -تعالى- الودود ورد في آيتين في القرآن الكريم, قوله -تعالى-: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)[البروج: 14، 15], وقال -تعالى-: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)[هود: 90].
الله الودود له معانٍ عند بعض أهل العلم:
الأول: إن الودود هو الذي يحب أنبياءه ورسله وأولياءه وعباده المؤمنين.
والثاني: إن الودود بمعنى المحبوب الذي يستحق الحب كله, أكثر من الأنفس وجميع المحبوبات كلها.
والحب والود بمعني واحد إلا أن الحب مشاعر داخلية, أما الود فهو ترجمه فعليه عملية؛ فالله -سبحانه وتعالى- يتودد لنا بأفعاله, فهو الذي يعطينا النعم ليل نهار, فأعطانا وأكرمنا بالإسلام توددا منه -سبحانه وتعالى-, وأعطانا الصحة والعافية توددا منه, وأعطانا الزوجة والأولاد توددا منه -سبحانه-, وأعطانا ورزقنا أسباب المعيشة من طعام وشراب ومنازل توددا منه -سبحانه-, وسخر لنا الأرض والبحار والجبال توددا منه -سبحانه-, وسخر السموات والشمس والقمر والنجوم توددا منه -سبحانه-, وأنزل لنا الأمطار وأنبت الأرض بالزروع والثمار توددا منه, وهيأ لنا كل خير في الدنيا؛ إنما ذلك لمحبته لنا -سبحانه-, مع أنه غني عنا -سبحانه وتعالى-.
وبالمقابل فإن عباده المؤمنين يحبونه ويودونه؛ لأنه صاحب فضل عليهم, فالمؤمنون يؤمنون به ويوحدونه -سبحانه-, ويصلون ويزكون ويصومون ويحجون له -سبحانه-؛ محبه له وودا له, فالله هو الذي جعل المحبة له في قلوب المؤمنين, ويجب أن تكون محبتنا وودنا لله أكثر من أنفسنا وأهلينا ووالدينا والناس أجمعين, نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا حبه, وحب العمل الذي يقربنا إليه.
عباده الله: من محبة الله لنا ووده لنا أنه قد يبتلي المؤمنين أحيانا, ليس بغضا لهم؛ بل حتى يرفع درجاتنا ويكفر أخطاءنا وذنوبنا, فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عظم الجزاء مع عظم البلاء, وإن الله إذا أحب قوم ابتلاهم؛ فمن رضى فله الرضا, ومن سخط فله السخط"(رواه الترمذي).
والودود -سبحانه- ينفرد بود خاص في الآخرة, عند ما تكون في أمس الحاجة إلى من ينقذك من عرصات يوم القيامة, عندما تقترب الشمس من العباد قدر ميل -كيلو ونصف تقريبا-, وترى الناس قد أخذ العرق فيهم, وهم حفاة عراة غرلا, وتحتاج إلى من يساعدك في ذلك الموقف الرهيب, فإن الله المحب للمؤمنين هو الذي يساعدهم, وييسر أمورهم في ذلك الموقف؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم: 96], وقال -سبحانه-: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مريم: 72], ذلك اليوم العظيم تنقطع العلاقات والصداقات, لا صديق ولا قريب ينفع إلا رحمه الله ومحبة الله لعباده.
فعلينا أن نتودد إلى الله بحبه ونتودد إليه بالأعمال الصالحة؛ من صلاة, وصوم, وصدقات, وبر الوالدين, وصلة للأرحام, وإحسان للقريب والبعيد؛ فإن الله -عز وجل- لا يحتاج أعمالنا الصالحة ولكن نحن نحتاج لها, نعم, نحن في حاجتها؛ لأنها سبب في رضا الله عنا ودخول الجنة, فلا تعتقد أنك صاحب الفضل في الأعمال الصالحة؛ بل الله صاحب الفضل أن هداك وجعلك من أهل الإسلام, وأهل الصلاة وأهل الاستقامة, فعليك أن تزيد من الطاعات حتى تزيد محبة الله لك, فاذا أحبك الله كنت من السعداء في الدنيا والآخرة.
نسأل الله أن يرزقنا حبه ووده لنا, أكثر من الماء البارد في اليوم الحار, ونسأل الله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم.
اعلموا أن من الأسباب الجالبة لمحبة الله -تعالى- ووده ما يلي:
التقرب إلى الله بالواجبات المفروضة, وأهمها تحقيق توحيد الله, والصلوات في المساجد جماعة مع المسلمين, الزكاة والصوم, والحج والعمرة, وبر الوالدين وصلة الارحام.
ومنها: الاهتمام بالنوافل, ومنها صلاة النوافل قبل وبعد الفرائض, وهي اثنتي عشرة ركعة؛ أربعا قبل الظهر, واثنتين بعدها, واثنتين بعد المغرب, واثنتين بعد العشاء, واثنتين قبل الفجر, بالإضافة إلى ما تيسر من صلاة الوتر, أقلها ركعة واحدة أو أكثر على قدر الاستطاعة, والأفضل إحدى عشرة ركعه, وصيام التطوع والصدقات.
ومنها: قراءة القرآن الكريم بتدبر وفهم معانيه, والحرص على ختمه ولو في الشهر مرة واحدة.
ومن الأسباب: دوام ذكر الله -عز وجل- باللسان والقلب.
ومنها: تقديم محبة الله على كل محبوبات الدنيا؛ من زوجة وأولاد وطعام وأصدقاء وغير ذلك.
ومنها: معرفة معاني أسماء الله وصفاته؛ فإنها تزيد من التعلق بالله, ومحبة الله -تعالى-.
ومن ذلك: التذلل لله بالدعاء والأعمال الصالحة وقيام الليل, وخاصة في الثلث الأخير؛ حين نزول الرب -سبحانه- وتعالى- نزولا يليق بجلاله.
ومنها: مجالسة الصالحين الصادقين؛ فإنهم يعينوك على ما يرضى الله, والابتعاد عن رفقاء السوء, وكل المعاصي والآثام, والتوبة الصادقة.
نسأل الله أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]