العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
عباد الله: المجاهرةُ بالمعاصي والرذائلِ والآثامِ تُعدُّ خيانةً من المجاهِر على ستر الله الذي أَسدَله عليه، وتحريكٌ لرغبةِ الشرِّ فيمَن أَسمَعَه أو أَشهَدَه؛ فهما جنايتان انضمَّتْ إلى جنايته الأولى، وهي ارتكابُ الذنبِ واقترافُ الخطيئةِ، فتغلَّظتْ معصيتُه بذلك، فإذا انضافَ إلى ذلك -عباد الله- الترغيبُ للغيرِ في المعصيةِ، وحمْلُ الناسِ عليها صارت جنايةً رابعةً وتفاحشَ بذلك الأمر...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: معاشر المؤمنين: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه مراقبةَ مَن يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
وتقوى اللهِ -جلَّ وعلا-: عملٌ بطاعةِ اللهِ على نورٍ من الله رجاءَ ثوابِ اللهِ، وترْكٌ لمعصية اللهِ على نورٍ من الله خيفةَ عذابِ اللهِ.
ثم اعلموا -رعاكم الله تعالى-: أنَّ من الجرائمِ الكبارِ، والجناياتِ البالغةِ، والتعدِّيات الآثمةِ: المجاهرةَ بالمعاصي والآثامِ، والاستعلانَ بالفواحشِ والرذائلِ؛ فإنَّ هذا فيه من المراغمةِ والعنادِ والاستخفافِ والإفسادِ ما يستحقُّ به فاعلُه عقوبةَ اللهِ وسخطَه ونقمتَه، وعِقابَه في الدنيا والآخرةِ، جاء في الصحيحين من حديثِ أبي هريرةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ".
عباد الله: المجاهرةُ بالمعاصي والرذائلِ والآثامِ تُعدُّ خيانةً من المجاهِر على ستر الله الذي أَسدَله عليه، وتحريكٌ لرغبةِ الشرِّ فيمَن أَسمَعَه أو أَشهَدَه؛ فهما جنايتان انضمَّتْ إلى جنايته الأولى، وهي ارتكابُ الذنبِ واقترافُ الخطيئةِ، فتغلَّظتْ معصيتُه بذلك، فإذا انضافَ إلى ذلك -عباد الله- الترغيبُ للغيرِ في المعصيةِ، وحمْلُ الناسِ عليها صارت جنايةً رابعةً وتفاحشَ بذلك الأمر.
عباد الله: المجاهرةُ بالرذيلةِ والمعصيةِ والاستعلانُ بالفاحشةِ والآثامِ جُرْمٌ من أعظمِ الجرائمِ، وهو من أنكى ما يكون في الإفسادِ في الأرض.
المُجاهِرُ بالرذيلةِ -عباد الله- ماجنٌ أثيمٌ يستحقُّ بمُجاهَرتِه ومُجونِه حلولَ نِقمةِ الله عليه وسخطَه وغضبَه ونقمَتَه.
والمجاهِرُ بالرذيلةِ -عباد الله- يُعرِّضُ نفسَه للحرمانِ من الفوزِ بعفوِ اللهِ؛ لأنَّ كلَّ الأمةِ مُعافَى إلا المجاهرين.
والمجاهِرُ بالرذيلةِ -عباد الله- أسقطَ حرمةَ نفسِهِ بين العبادِ وأباحَ عِرضَهُ بحديثِ الناسِ عنه وعن جرائمِهِ؛ فلا تبقى له غيبةٌ ولا تكون له حُرْمةٌ.
والمجاهَرةُ بالرذيلةِ -عباد الله- تؤدي إلى الإخلالِ بالقيَمِ الدينيةِ والأخلاقيةِ في المجتمعِ، وهو نوعٌ من إشاعةِ الفساد في الأرض.
وفي الجهر بالمعصيةِ والفاحشةِ والرذيلةِ وبالمجاهرة بها استخفافٌ بحقِّ اللهِ ورسولِه وبصالحِ المؤمنينَ، وفيه ضرْبٌ من العنادِ لهم.
والمجاهِرُ بالرذيلةِ -عباد الله- يستحقُّ أنْ تُوقَعَ به عقوبتُه علانيةً كما أنَّه استباحَ حرمةَ نفسِه علانيةً؛ لينقطعَ دابِرُه، ولِينطَفئ شرُّهُ وإفسادُه، وليكون في ذلك ردْعٌ لمَنْ أراد مُحاكاتَه في مُراغمتِه وعنادِه، يقول شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه الله تعالى-: "إنَّ المظهِرَ للمُنكر يجبُ الإنكارُ عليه علانيةً ولا تبقى له غيبة، ويجبُ أنْ يُعاقَبَ علانيةً بما يردَعَه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتًا إذا كان فيه ردْعٌ لأمثالِه، فيتركون تشييع جنازتِهِ"(انتهى كلامُه -رحمه الله تعالى-).
أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عظيمِ الإحسانِ، واسعِ الفضلِ والجودِ والامتنانِ، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: إنَّ هذا الإنسان مخلوقٌ من مخلوقاتِ اللهِ -جلَّ وعلا-، أوجَدَهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- على هذه الأرضِ ليكونَ عبدًا مُطيعًا، مُذعِنًا مُستسلِمًا، مُنقادًا لِمَن خَلَقَهُ من العَدَمِ وأَوْجَدَهُ بعد أنْ لم يكن، لكنَّ هذا الإنسانَ عندما يَفسُدُ عقلُهُ وتتغيّرَ فطرتُه ويستولي عليه الشيطانُ يعودُ إنسانًا مُراغِمًا مُعانِدًا، مُكابِرًا مُفسِدًا، مُجرِمًا مُتفحِّشًا، إلى غير ذلك من الجرائمِ والآثامِ التي لم يُخلَق لها.
ومَنْ كان نهجُه وديدَنُه وحياتُه في هذه الحياةِ المراغَمَةَ والعِنادَ والإفسادَ فما أعظمَ مُصيبتَه! وما أكبر عقوبتَه! وما أحراهُ بحلول نِقمةِ اللهِ عليه وسخطه ومَقتِه وعِقابه وعذابه!
اللهمَّ أَجِرنا أجمعين من سخطِك وعقابِك يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهمَّ واستعملنا في طاعتِك، ووفِّقنا لرضاك، واهدِنا إليك صراطًا مُستقيمًا، اللهمَّ واكِفنا بقدرتِك وعزّتِك ومَنِّكَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ إفسادَ المُفسدين، وإلحادَ الملحِدين، وإجرامَ المُجرمين، يا حيُّ يا قيّومُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ يا ربَّ العالمين.
وصلّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد اللهِ كما أمركم اللهُ بذلك في كتابِه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهمّ عن الخلفاءِ الراشدين الأئمةِ المهديين أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وارضَ اللهمّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدينِ، واحمِ حوزةَ الدينِ يا ربَّ العالمين.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل ولايتنا فيمَن خافك واتقاك واتَّبع رضاك يا ربَّ العالمين.
اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا لهداك، واجعل عملَه في رضاك، وأعنْهُ على طاعتِك يا حيُّ يا قيّومُ، وارزقه البطانةَ الصالحةَ الناصِحةَ.
اللهمَّ وفَّق جميعَ ولاةِ أمرِ المسلمين للعمل بكتابِك واتِّباعِ شرعِك يا حيُّ يا قيُّومُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللهمَّ آتِ نفوسَنا تقواها، زكِّها أنت خير مَن زكّاها أنت وليُّها ومولاها.
اللهمَّ أعنّا ولا تُعنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكُر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على مَن بغى علينا.
اللهمَّ اجعلنا لنا شاكرين، لك ذاكرين، إليك أوّاهين مُنيبين، لك مُخبتين لك مُطيعين.
اللهمّ تقبّل توبتَنا، واغسل حوبتَنا، وأجِبْ دعوتَنا، واهدِ قلوبَنا، وسدّد ألسنتَنا، واسلُلْ سخيمةَ صدورِنا.
اللهم وأصلح ذات بينِنا، وألّف بين قلوبِنا، واهدنا سبُل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وأزواجِنا وأموالِنا وأوقاتِنا وذريّاتِنا، واجعلنا مُبارَكِين أينما كنَّا، اللهمَّ ومَن أراد في بلادِنا وبلادِ المسلمين سوءًا وشرًّا وفسادًا فأشغِلْهُ في نفسِهِ يا حيُّ يا قيُّومُ، واجعلْ كيدَه تدميرًا عليه يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
ربَّنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ وآلائِه وأفضالِهِ يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].