العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
والاستقامة التي أمرنا بها وهدى لها سبحانه من يشاء من عباده، هي ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- المعتمدة على إخلاص العمل لله وحده لا شريك له، والبراءة من كل جبت وطاغوت، والكفر بكل ما عبد من دون الله، والبراءة منه ومن أهله ..
الحمد لله الذي له ما في السماوات والأرض وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ القائل جلّ من قائل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27]
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من عبد الله حق عبادته حتى أتاه اليقين من ربه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله وراقبوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه، اتقوا الله، فتقواه سبب لكل خير، ومدرأ لكل شر.
أيها المسلمون: أيها الشباب المتطلع لأعالي الأمور وأفاضلها للحوق بركب الأنبياء والصديقين والشهداء: أذكركم أن واجب المسلم الذي شرح الله صدره للإسلام (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر:22] وأذاقه حلاوة الإيمان "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً" رواه مسلم.
واستشعر هذه النعمة عليه بما أتاه الله من إدراك وتعقل وتذكر وتقى من شيب، أو شبان، ذكور أو إناث، استشعار الفتية الذين قال عنهم سبحانه: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) [الكهف:13] إلى قوله عنهم: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) [الكهف:20]
وأمثالهم في قصة شعيب من قولهم (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا) [الأعراف:89] أن يمتثلوا أمر الله -سبحانه وتعالى- في قوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت:6] وقوله عليه الصلاة والسلام: "قل آمنت بالله، ثم استقم" رواه مسلم.
أي: استقم على شرع الله وأمره وصراطه المستقيم، الأمر الذي يطلب المسلمون من الله في صلواتهم وغيرها أن يلزمهم إياه، ويجنبهم طريق من ضلوا عنه من اليهود، وأشباههم ممن عصوا الله على علم، ومن النصارى وأشباههم ممن عبدوا الله على جهل وضلال بقولهم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:6-7]
يمتثلوا ذلك لا امتثال الجمال وحملة الأثقال، ولكن امتثال من يرجو ثواب الله وفضله ووعده للمستقيمين في قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت:30-32]
ويخاف وعيده وتهديده لمن كفر نعمة أنعم بها عليه لمن تنكب الطريق السوي الذي هداه له أمثال من قال فيهم سبحانه منذراً ومحذراً من حالهم: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) [الأعراف:175-176]
وقوله: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:115]
والاستقامة التي أمرنا بها وهدى لها سبحانه من يشاء من عباده، هي ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- المعتمدة على إخلاص العمل لله وحده لا شريك له، والبراءة من كل جبت وطاغوت، والكفر بكل ما عبد من دون الله، والبراءة منه ومن أهله.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:161-163]
وقال: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج:78]
وقوله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4]
فاتّقوا الله -أيها الأخوة- واستقيموا على شرع الله بلزوم صراطه المستقيم الذي هو دينه الذي أرسل به رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- الذي لا عوج فيه ولا أمتى، ولا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.
وإنما هو استقامة في الاعتقاد بالإيمان بكل ما يجب الإيمان به؛ مما أخبر به تعالى، أو أخبر به رسوله على مراده ومراد رسوله، مما وصف به عباده في قوله سبحانه: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة:3] إلى قوله: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [البقرة:4] واستقامة في القول بقول الحق وتجنب قول السوء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]
واستقامة في العمل؛ بترك ما نهى الله عنه جملة وتفصيلاً، وفعل ما يستطاع مما أمر الله به حسبة لله ووفق منهاج رسول الله، تعز وتكرم، وتلحق بمن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) [الأحزاب:44]
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف:13-14] وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.