الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الجمعة |
كثير من الناس جعلوا الجمعة كحضورهم لصلاة عادية، فلا يحضرون إلا متأخرين، والبعض يظن أن أهم شيء أن يدرك صلاة الجمعة ولا يأبه لفوات الخطبة، وما علم هؤلاء أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكةً يومَ الجمعة تقف على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول، فإذا دخل الإمام طووا الصحف ولا يكتبون اسم أيّ إنسان بعد ذلك؟...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا مباركًا فيه؛ يفعل ما يشاء، ويخلق ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71-72].
عباد الله: الإبل من الحيوانات التي سخَّرها الله -تعالى- للإنسان، ولقد ورد ذِكْرها في كثير من الأحاديث النبوية، والمتتبع لهذه الأحاديث يكتشف العديد من الأحكام والآداب الشرعية المتعلقة بالإبل.
وقد وقفنا في الخطبة الماضية على بعض فضائل الأعمال التي يعدل ثوابها كمن تصدق بالإبل، وقد عرضت لكم أربعة أعمال هي: قراءة القرآن وتعلمه، وأن كل آية تقرأها أو تتعلمها في المسجد لك ثواب ناقة، وأن قراءة آية من كتاب الله، ثوابها خير من ثواب من تصدق بناقة، وأما العمل الثاني فكان عدم مسح الحصى أو تسوية التراب أثناء السجود في الصلاة، وأن ثواب ذلك عند الله خير من التصدق بمائة ناقة، وأما العمل الثالث، فكان بالمحافظة على صلاة الوتر، وأنها خير من حُمْرِ النَّعَمِ، وهي أنفس وأجود أموال العرب من الإبل، وأما العمل الرابع فكان بالمحافظة على أداء سُنَّة الفجر.
أيها الإخوة في الله: هناك مزيد من فضائل الأعمال التي يعدل ثوابها كمن تصدَّق بالإبل، والصدقة بالإبل من أفضل الصدقات عند الله -عز وجل-، كما بينا ذلك في الخطبة الماضية، لذلك من يعمل بهذه الفضائل له ثواب عظيم عند الله -عز وجل-.
ومن فضائل الأعمال التي يعدل ثوابها التصدق بالإبل: العمل الخامس التبكير إلى صلاة الجمعة، فمن جاء في الساعة الأولى كمن قدَّم بدنة، حيث روى أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(متفق عليه).
والساعة الأولى تبدأ بعد طلوع الشمس عند بعض أهل العلم. ولنعلم أن من السنن التي ماتت: التبكير إلى صلاة الجمعة، فترى الكثير من الناس جعلوا الجمعة كحضورهم لصلاة عادية، فلا يحضرون إلا متأخرين، والبعض يظن أن أهم شيء أن يدرك صلاة الجمعة ولا يأبه لفوات الخطبة، وما علم هؤلاء أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكةً يومَ الجمعة تقف على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول، فإذا دخل الإمام طووا الصحف ولا يكتبون اسم أيّ إنسان بعد ذلك؟ فهل تحب أن تسجل غائباً؟
وروى أبو هُرَيْرَةَ أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلائِكَةٌ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ"(متفق عليه).
إن التأخر عن خطبة الجمعة أصبح ظاهرةً بارزةً في معظم المساجد، فترى الإمام يدخل أحياناً للجمعة فلا يرى أمامه سوى ثلاثين بالمائة من المصلين مما ينبئ عن غفلة الناس عن الخير؛ حيث يغيب سبعون بالمائة من المصلين عن أول الخطبة، ثم تراهم يتتابعون في الدخول بعد دخول الإمام، ولا يمتلئ المسجد إلا قرب نهاية الخطبة الثانية.
فأين كان أولئك الناس عن الخطبة وهم في يوم عطلة عن العمل؟ ولماذا شرعت الخطبة يا ترى ؟ ألم تشرع كي يستفيد الناس ويتعلموا أمر دينهم؟
اعلموا أنه لا يقتصر ثواب المبكر إلى الجمعة في الساعة الأولى على ثواب بدنة، بل جعل الله -تعالى- لمن اغتسل وبكَّر ومشى للخطبة، وأنصت لها؛ بكل خطوة خطاها من بيته إلى المسجد؛ ثواب سنة كاملة أجر صيامها وقيامها.
فلو مشى المصلي مائة خطوة من بيته إلى صلاة الجمعة وهو مبكِّر إليها؛ سجّل الله له ثواب مائة عام كأنه صام نهارها وقام ليلها، وذلك كل أسبوع. فما قدر ثوابه في شهر، وفي سنة، وفي عشر سنين؟ كل ذلك تشجيعاً للناس كي يحضروا أول الخطبة؛ حيث روى أوس بن أوس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن غسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشَى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها".
ومع ذلك كله فإن كثيراً من الناس غافلون عن فضل الله، وعن تحذير الله -عز وجل-، بينما لو قيل لأحد الموظفين: إذا تأخرت عن العمل خمس دقائق ستُخْصَم منك بعض العلاوات لما رأيته يتأخر دقيقة واحدة، وقد تراه أول مَن يفتح باب الدائرة الحكومية في الصباح؛ خوفاً على نقص علاوته.
فانظروا إلى هذا الصنف من الناس، يبكّرون للوظيفة خوفاً من خصم أو طمعاً في ترقية، ألا نخاف من أن تخصم عنا درجات في الجنة إذا تأخرنا عن الجمعة؟ ألا نخاف أن ينقص عنا نعيم الجنة؟ فقد روى سمرة بن جندب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "احضروا الجمعة، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يُؤخَّر في الجنة وإن دخلها"(رواه الإمام أحمد وأبو داود).
والمعنى أنه لا يزال الرجل يتباعد عن استماع الخطبة وعن الصف الأول الذي هو مقام المقربين حتى يُؤخَّر في دخول الجنة، أو تُؤخَّر درجته في الجنة.
كما ينبغي العلم أن المبكِّر للجمعة يُكْتَب له ثواب الصلاة طالما أنه ينتظر الصلاة، وسيكون له متَّسع من الوقت لقراءة سورة الكهف التي من قرأها يوم الجمعة أو ليلة الجمعة كانت له نوراً يوم القيامة يضيء طريقه على الصراط.
فيجب علينا تعظيم هذا اليوم الذي عظمه الله -تعالى-، فهو كما قال -صلى الله عليه وسلم-" :خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدم، وفيه أُدْخِلَ الجنة، وفيه أُخْرِجَ منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة"، ومما يدل على عظمته ومكانته، أنه من مات فيه من المسلمين وُقِيَ من فتنة القبر، حيث روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر".
أسأل الله -تعالى- أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يعيننا على فعل الخيرات وترك المنكرات، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي قدَّر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضلُ من أدى شعائر الإسلام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- واعلموا أن هناك العديد من فضائل الأعمال التي يعدل ثوابها كمن تصدق بالإبل، وهذا من أفضل الصدقة عند الله -عز وجل-، ومن هذه الأعمال:
العمل السادس: الذي ثوابه خير من التصدق بأفضل الإبل، بأن تدعو الناس إلى دين الله -عز وجل-، خصوصاً غير المسلمين، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ"، فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى، فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيٌّ"؟ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَمَرَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: "عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ"(متفق عليه).
لو أنقذت مسلماً من حريق، فلا شك أنك ستفرح بهذا العمل الجليل فرحاً لا يُوصَف، لأنك أنقذت إنساناً من الموت، مع العلم بأنه لو مات لكان شهيداً، فكيف ستكون فرحتك عندما تنقد إنساناً ليس من حريق الدنيا، وإنما من حريق الآخرة الأبدي وهو نار جهنم.
فلا شك أن فرحتك ستكون أكبر لا سيما في الآخرة؛ لأن ثوابك سيكون أعظم، "فلئن يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ"؛ لأن لك مثل أعماله الصالحة التي سيعملها، والتي ستعملها ذريته من بعده إلى يوم القيامة، كلها ستكون في صحيفة أعمالك.
فكيف لنا أن ندعو غير المسلمين إلى الإسلام؟ كلكم تعلمون أنه يعيش في بلادنا بضعة ملايين من الوافدين، ويمثل غير المسلمين منهم نسبة كبيرة، ومعظم هؤلاء لم يقرؤوا عن الإسلام ولا يريدوا ذلك؛ لأن لديهم تصورًا خاطئًا عن الإسلام وأهله رُسِمَ بل حُفِرَ في مخيلتهم قبل قدومهم إلى هذا البلاد، ولا يزال مرسوماً كما هو لم يتغير؛ لأنه لم يتقدّم لهم من يدعوهم إلى هذا الدين، ويمسح عنهم تلك المفاهيم الخاطئة. فهل جلينا هذا الحق لغير المسلمين المتواجدين في بلادنا؟
لقد انتشرت منذ عدة سنوات العديد من مكاتب توعية الجاليات في معظم مدن المملكة أقرت عيون المؤمنين بجهودهم المتواضعة، فلا يمر شهر وإلا عشرات الكفار يدخلون في دين الله ولله الحمد، ومع ذلك فنحن نعترف أننا لا نزال مقصرين تجاه ديننا ومنشغلين بالدنيا على حساب تبليغ هذا الدين، فلم ندعُ بأنفسنا ولم ندعم تلك المكاتب بأموالنا كي ندعو بأموالنا.
فهل كانت لك أخي المسلم أي مشاركة بدنية أو مالية في ذلك العمل الجليل؟ "فلئن يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
إننا لنتصدق وننفق أموالاً لننقذ أناساً مسلمين من براثن الفقر والجوع، فلا شك أن هذا حسن ولكن ما قولك في إنفاقك على إنسان كي تنقذه ليس من براثن الجوع وإنما من براثن جهنم والخلود الأبدي فيها؟ لأن الفقير المسلم لو مات جائعاً لكان مصيره الجنة -بإذن الله-، وأما الكافر فمصيره الخلود في نار جهنم، هذا هو ثواب الإنفاق في الدعوة إلى الله -عز وجل-، فلا تظنوا أن الإنفاق على الفقراء أعظم أجراً من الإنفاق في مجال دعوة الناس إلى دين الله؛ لأن هذا الأمر هو وظيفة الأنبياء والرسل.
أيها الإخوة في الله: بقي بعض فضائل الأعمال التي يعدل ثوابها التصدق بالإبل أرجئها لخطبة أخرى بإذن الله، أسأل الله أن يجعلنا من المستمعين للذكر والمتبعين أحسنه.
اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.