البحث

عبارات مقترحة:

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

واجب الأمة نحو علمائها

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله بن حميد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. فضل علم الشريعة .
  2. فضل العلماء .
  3. لا تتبع زلة العالم .
  4. البعد عن الخصام والخلاف .
  5. اتهام النيات مصيبة .
  6. العلماء الدخلاء على العلم. .
اهداف الخطبة
  1. بيان واجب الأمة تجاه العلماء
  2. التحذير من بعض الأخطاء في التعامل مع العلماء.

اقتباس

مسلكُ العدل والإنصاف، ومنهج الحق والصواب.. أن يُنظر إلى القول دون قائله، وأن يُعرف الرجال بالحق، وتكون لدى طالب العلم والحق، الشجاعة لنقد ذاته، والاعتراف بأخطائه، والترحيب الصادق بالنصح وطلب التقويم. والاستفادة من كل علمٍ وحكمةٍ، والثناء على كل محسنٍ بإحسانه، والتماس العذر للمقصر عند تقصيره، وبخاصة أولئك الأعلام الذين يعلمون الناس الخير، وينصرون دين الله، ويتحملون في سبيل الحق ما يتحملون.

  

الحمدُ لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان علمه البيان، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره. قرن رفعة أهل العلم برفعة أهل الإيمان (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدهُ ورسوله.. بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة. فهو أمينُ الوحيين السنة والقرآن. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي النهى والعلم و العرفان، والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

أما بعدُ:

فاتقوا الله –عباد الله- فأوثقُ العرى كلمةُ التقوى.
أيها المسلمون: علمُ الشريعة هو ميراثُ النبوة، وعنوان الرسالة. لا فلاح في الدارين إلا به، ولا سبيل للنجاة إلا بالتعلق بسببه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) [محمد: 19]، علمٌ في إيمان، من ظفر به فاز وغنم، ومن صُرفَ عنه خاب وحُرم. قطب السعادة ومدارها، ضياء النبوة، ونور الشريعة، الوصولُ إلى الله ورضوانه بدونه محالٌ، وطلبُ الهدى بغيره هو عينُ الضلال. من سلك غير ذلك فطريقه مسدودٌ، ومن ابتغى الحق في غيره فسعيه عليه مردود.

وصلاح الأمة لا يكون راسخ البناء، ولا جميل الطلاء، ولا محمود العقبى، إلا إذا كان موصولاً بحقائق الدين، ومصطبغاً بآداب الشرع. وذلك لا يكون ولن يكون إلا حين يقوم العلماء الربانيون بمسئولياتهم، وينهضوا بما استحفظوا من الدين، وما أوتوا من العلم.

أيها الإخوة في الله: وحين يطالبُ العلماء بمسئولياتهم، فيجبُ على الأمة أن تحفظ حقوقهم، وتعرف مكانتهم، وتقدرهم حق قدرهم، وتلتزم الأدب معهم، إنهم العلماء وارثوا علم الرسالة.. خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، المحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28]، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، هم النجوم بهم يهتدى ويقتدى، فيهم رجاحة الرأي، وصرامة العزم، وخلوص السرائر، إذا رأوا حقاً أعانوا، وإن أبصروا عِوجاً نصحوا، وإن لمحوا تقصيراً نبَّهوا.

ينظرون في أحوال الناس، يصححون العقائد والعبادات، يدلون على السنن، ويحذرون من البدع، ينفون عن الأمة خبث المزاعم الباطلة، والمبادئ المنحرفة. بعلمهم وتعليمهم – بإذن الله- يكون الناس أنقياء الفكر، وأتقياء العمل. يُصلحون في معاملات الناس ما كان فاسداً، ويصلون منها ما كان مقطوعاً، بجهودهم وتوجيههم –بتوفيق الله- يتضح الحق، وينكشف الضر، وتسود السعادة. يرفقون في الخطاب، ويلينون في الإرشاد .. لا يقولون ما ليس بحق، ولا يأتون ما ليس بمصلحة. يأخذون بالتي هي أرضى للخالق.. فهم مثال الاستقامة، وعنوان الصلاح. يحتملون المكاره في سبيل ما يقدمون من نصائح، ويتجلدون عند الأذى، هم أسرعُ الأمة إلى الائتمار بما يأمرون، والمبادرة في الكف عما يحذرون. معقل الدين، ومشرق الهداية.. يبلغون رسالات الله بعد أنبياء الله. هم الجنود يُرمى بهم العدو في كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل صورة. يجمعون بين ما صح من أقوال السلف، وما صلح من أراء الخلف.

يُقال ذلك أيها الإخوة في الله، وهم بأمثال هذا الثناء جديرون، وبتسطير هذا الإطراء حقيقون، فهم بالعلم عاملون، وعلى الحق سائرون. يهدون بالحق وبه يعدلون، وعلى رغم كل هذه الجدارة، وعلى التسليم بهذه الأحقية. فإنهم غيرُ معصومين. تبدر منهم الزلة، وتقع منهم العثرة، وتنبو منهم الكبوة. والعصمة غيرُ مضمونة لأي عالم، ولو جمع شروط الاجتهاد كلها، ومقاييس الصلاح جميعها، ولكنَّ المضمون لهم –إن شاء الله- الأجرُ على اجتهادهم – أصابوا أو أخطئوا.

أيها الشباب، أيها الدعاة، يا طلاب العلم، العالمُ لا يؤخذُ بزلته، ولا يتبع بهفوته. فليس أحدٌ من أفراد العلماء إلا وله نادرةٌ.. ينبغي أن تدفن في بحر علمه، وتنسى في جنب عظيم فضله. اسمعوا إلى مقولة الحافظ الذهبي –رحمه الله-: لو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهادٍ في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له. قمنا عليه، وبدعناه وهجرناه؛ لما سلم معنا لا ابن نصرٍ ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، ونعوذ بالله من الهوى والفظاظة. اهـ كلامه.

ومنْ ظِفِر بخطأ عالم فلا يفرحْ، ولا يتبعْ العثرات. ولكن ليصحَّح الخطأ، و لينبهْ إلى الصواب، وليحذر التشهير والتشنيع. فإن المنصف يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام، قد تظهرُ وقد تخفى في العاجل أو في الآجل.
إن قاصد الحق، وصادق الهدف بحاجة إلى عقل يقظ، وضمير حيَّ. بحاجةٍ إلى علم نافع، وإيمانٍ وازع. يحيط ذلك سياجٌ من الخلق الفاضل، في لسان عفيفٍ، ونظرٍ متورع. وقبل ذلك وبعده.. هو بحاجةٍ إلى إخلاص القصد لله وحده، والتجرد للحق، ومجاهدةِ النفس؛ حتى تتحرر من اتباع هواها، وهوى غيرها.

يا رجال الدعوة، ويا طلاب العلم، احذروا كثرة الخصام، وإطالة الجدل. فالتوسع في ذلك من قلة الورع، وسلوك غير هدي السلف. سمع الحسن –رحمه الله- قوماً تعالى جدلهم، وتنافرت مقالاتهم، فقال: هؤلاء ملوا العبادة، وقل فيهم الورع؛ فخف عليهم القول؛ فتكلموا فيما تكلموا، وخاضوا فيما خاضوا.
 

احذروا التطاول على مناهج الأئمة، وعلماء الأمة، أو التهوين من فقه السلف. أو العلم الموروث. فالتجريح بغير حق لا يجوز، ورفض الدليل محرمٌ لا يسوغ.

والمنهج الحق الأخذ بالدليل مع وافر الحرمة والتقدير لأئمة العلم والدين في الجديد والقديم.
أهل الإسلام ليس لهم سمةٌ سوى الإسلام. فيا طالب العلم، ويا رجل الدعوة بارك الله في علمك، ونفع بدعوتك. اطلبْ العلم، واجتهدْ في العمل، وادعُ إلى الله على طريق محمدٍ صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول والسلف الصالح من بعده.

فلا تخرجْ من سعة الإسلام إلى القوالب الضيقة. فالإسلام كله جادةٌ ومنهج، والمسلمون جميعهم هم الجماعة، وإن يد الله مع الجماعة. ولا يكنْ لك ولاءٌ ولا براءٌ إلا للإسلام.. دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم كنْ طالبَ علمٍ على الجادة، تقفوا الأثر، وتتبع السنن، تدعو إلى الله على بصيرةٍ. عارفاً لأهلِ الفضل فضلهم، ومعترفاً بسابقتهم.

واعلم أنه ليس من الممكن جمعُ الناس على قول واحد فقد اختلف الصحابة والتابعون والأئمة المرضيّون.
ولكن يكمن جمع الناس على رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

ومن ظنَّ أنه قادرٌ على صبّ الناس في قالبٍ واحدٍ يصنعه لهم ويضعهم فيه ويمشون وراءه وفق ما فهمه من الشريعة ونصوصها.. ظاناً أنه سيرفع الخلاف، أو يجمع الناس على كلمةٍ سواءٍ. فقد أبعد النجعة، وأوغلَ في الطلب.

ولكنْ مسلكُ العدل والإنصاف، ومنهج الحق والصواب.. أن يُنظر إلى القول دون قائله، وأن يُعرف الرجال بالحق، وتكون لدى طالب العلم والحق، الشجاعة لنقد ذاته، والاعتراف بأخطائه، والترحيب الصادق بالنصح وطلب التقويم. والاستفادة من كل علمٍ وحكمةٍ، والثناء على كل محسنٍ بإحسانه، والتماس العذر للمقصر عند تقصيره، وبخاصة أولئك الأعلام الذين يعلمون الناس الخير، وينصرون دين الله، ويتحملون في سبيل الحق ما يتحملون. وحقٌ على المسلم إذا سمع مقالة سوء في أخيه المؤمن لا سيما رجلُ العلم، وصاحب الدعوة، ألا يظنَّ به إلا خيراً (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) [النور:12].

والأشدُ من ذلك والأنكى أيها الإخوة، اتهام النيات، والحكم على المقاصد، والتطاول على السرائر التي لا يعلمها إلا ربها ومولاها. ويتسع هذا الأمر ويعرض إذا كان في حق عالم من علماء المسلمين، بذل نفسه للعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، والغيرة على الحق، والدفاع عن الدين، والتضحية في سبيل الله.

وليحذر المسلم الناصح لنفسه ودينه وأمته مسالك المنافقين، وأعداء الملة الذين يصفون رجل العلم والإيمان والدعوة بالعمالة للشرق أو الغرب لمجرد أنه خالف في رأي، أو زل في فتوى.
والأمر لا يعدو مجالات الاجتهاد، ومواطن اختلاف النظر، مما لا ينال دين مسلمٍ أو إيمانه أو تقواه بحالٍ من الأحوال.
ألا فاتقوا الله ربكم، وأصلحوا ذات بينكم، واعرفوا لكل ذي فضل فضله، وأقيموا الدين، ولا تتفرقوا فيه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم:30-32].

  

الخطبة الثانية:

الحمد لله عليِّ الذات، عظيم الصفات، أحمده سبحانه وأشكره، يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله، الهادي إلى طرق الخيرات، والمحذر من مسالك الضلالات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، أولي الفضل والكرامات، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم تُبلى السرائر، وتُكشفُ المكنونات.

أما بعد:

أيها الإخوة في الله: فلئن كان ما تقدم نعوت العلماء الراسخين، وصفات الأئمة العاملين. فإن من غير المنكور أن ثمة منتسبين إلى العلم مريبين مدخولين.. يندسون في الناس كالداء في البدن، وكالسمّ في الدسم. هم في وحدة الأمة مظهر تفريق، وفي قوتها مصدر إضعاف وتعويق. اتخذوا من مجالسهم توليداً للأكاذيب، ومن ندواتهم ومنتدياتهم وسائل لترويج الشائعات، يُشيعون السوء في الذين آمنوا، ويثيرون الريبة في الذين يعملون الصالحات. يقعدون من المصلحين مقاعد التلصص والتربص، وكأنهم لا يَخْتِلون فريستهم إلا في الظلام، ولا يشوون ذبائحهم إلا في لهب الحريق، يفرون من النور كما تفرّ الخفافيش، ويموتون من الطهر كما تموتُ الجراثيم.

هذه بليةٌ، وثمة بلية أخرى، ذلك أن كثيراً من القضايا المطروحة، والمواقف المعلنة من قضايا الإسلام وشخصيات العلم والدعوة –كثيرٌ من هذه القضايا- ظاهرها خلافٌ في العلم والرأي، وحقيقتها حب الذات، واتباع الهوى الذي يُعمي ويُصمُّ ويضل عن السبيل. نعم إنها –مع عظيم الأسى والأسف- في كثيرٍ من صورها وتفسيراتها ترجع إلى أمورٍ شخصية، وتطلعاتٍ ذاتية، حتى ولو كانتْ مغلفةً بالحرص على مصلحة الإسلام وجماعة المسلمين مما قد يدق ويخفى حتى على الإنسان نفسه، فيزين له سوء عمله فيراهُ حسنا، وقد جاء في الحديث: "ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". خلاف على المغانم، وحب للظهور والجاه والتصدر.

يُضم إلى ذلك أن بعض الناس –هداهم الله- إذا وثقوا في دين رجل وعلمه.. ثم سمعوا عنه هفوة، أو ذُكرتْ لهم فيه زلةٌ نبذوه ونابزوه. فتراهم بعثرةٍ واحدةٍ هدموا جهاده وجهوده طول عمره، وأهالوا التراب على تاريخه المجيد كله. ألا فليتق الله هؤلاء.

واتقوا الله جميعاً رحمكم الله، واسلكوا نهج الإسلام، وأحسنوا الظنَّ بإخوانكم المسلمين، وسيروا مسار القصد؛ تفلحوا وتبلغوا.