الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | صلاح بن محمد البدير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
حداثةُ السنِّ كنايةٌ عن الشبابِ وأولِ العُمُر، وحدثُ السنِّ قليلُ التجربة، ضعيفُ الإدراك، ناقصُ التدبير والتفكير، أسيرُ التأثُّر والإعجاب، سريعُ المُحاكاة والمُماثَلة والتشبُّه، لا ينساقُ غالبًا إلى ما ينفعُه إلا بإشارةِ مُشيرٍ، وتسديدِ كبيرٍ، ومُعاوَنةِ نصيرٍ. ومتى أُعجِبَ الشابُّ الحَدَثُ، أو الفتاةُ الحَدَثَةُ بشخصٍ انحازَ إليه، واقتبسَ منه، واحتذَى مثالَه، ونحا فِعالَه، وأكثرَ من ذِكره، ونظرَ من محجَره، ونطقَ بنغمته، وحاكاه في هيئته وطريقته، وماثَلَه في صورته وحركته ولِبستِه ..
الحمد لله، الحمد لله الرحيم الغفور، الحميد الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تتضاعَفُ بها الأُجور، وتحصُلُ بها النجاةُ يوم البعثِ والنشور، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله، أسفرَ فجرُه الصادقُ فمحَا ظُلُمات أهلِ الزيغِ والشُّرور والفُسوق والسوء والفُجور، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الذكرِ المنشور والفضلِ المشهور، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين ممرَّ الليالي والدهور.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حقَّ التقوى؛ فقد فازَ المُطيعُ المُتَّقِي، وخسِرَ المُذنِبُ الشقيُّ، وهلَكَ العاصِي المُعتدِي: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم) [الأنفال: 29].
أيها المسلمون: حداثةُ السنِّ كنايةٌ عن الشبابِ وأولِ العُمُر، وحدثُ السنِّ قليلُ التجربة، ضعيفُ الإدراك، ناقصُ التدبير والتفكير، أسيرُ التأثُّر والإعجاب، سريعُ المُحاكاة والمُماثَلة والتشبُّه، لا ينساقُ غالبًا إلى ما ينفعُه إلا بإشارةِ مُشيرٍ، وتسديدِ كبيرٍ، ومُعاوَنةِ نصيرٍ.
ومتى أُعجِبَ الشابُّ الحَدَثُ، أو الفتاةُ الحَدَثَةُ بشخصٍ انحازَ إليه، واقتبسَ منه، واحتذَى مثالَه، ونحا فِعالَه، وأكثرَ من ذِكره، ونظرَ من محجَره، ونطقَ بنغمته، وحاكاه في هيئته وطريقته، وماثَلَه في صورته وحركته ولِبستِه.
وحين غابَ دورُ الرقيبِ، وتهدَّمَت قاعدةُ: الدفع أهونُ من الرفعِ؛ تسلَّلت إلى مُجتمعاتنا قُدواتٌ في مُنتهى السوءِ والسقوط، وأمثِلةٌ غايةٌ في الرذالة والانحِطاط والخِسَّةِ والدَّناءَة.
وحين توارَى دورُ الوليِّ الصالح، وضعُف تأثيرُ المُربِّي الناصِح؛ ظهرَت بين شبابنا وفتياتنا سُلوكياتٌ شاذَّة، ومظاهرُ مقيتة، وتصرُّفاتٌ غريبة لم تكن معهودةً ولا موجودةً، وظهرَت المُترجِّلاتُ من النساء، والمُستخنِثين من الرجال في أسواقِ المُسلمين وميادينهم.
شبابٌ أُصيبَ بداءِ التأنُّثِ والتخنُّثِ، والتحلِّي والتفنِّي، والتميُّعِ والتكسُّرِ والتعطُّفِ، والتسكُّعِ في الأسواقِ، والتمايُلِ في مجامعِ النساء.
تراه يضعُ الأقراطَ في أذنه، والمعاصِمَ في يده، والقلائِدَ في صدره، يُلمِّعُ شفَتَه، ويُلوِّنُ بشرَته، ويُحمِّرُ وجهَه، ويلبسُ الملابِسَ المُثيرةَ والشفَّافةَ والضيِّقةَ، ويرتدي سراويلَ أخذَت من الأسماء أخسَّها وأخبثَها، وأدلَّها عليها، تحسُرُ عن عورته، وتكشِفُ عن سوءته.
أفعالٌ غايةً في القُبحِ والشُّذوذِ والغرابَة، وكم هم ضحايا السهَرات الممقوتة، والتجمُّعات المشبوهة، ومقاهي الشيشة البَغيضة؟!
وكم رأينا صغيرًا حدَثَ السنِّ وقد تردَّى وتهاوَى في دُروبِ الدخانِ والشيشةِ والحَشيشَة والمُخدِّرات والمُسكِرات، والفواحِشِ والمُنكَرات.
وفَتياتٌ وبناتٌ، وآهٍ على حالِ فتياتٍ غابَ الرقيبُ عنهنَّ، وغفَلَ المُستحفَظُ عليهن، فتدرَّجنَ في مدارجِ الاختِلاطِ والبُروز والظهور، وتساقَطنَ في مدارجِ التبرُّج والتفلُّت والسفور، وصارت المرأةُ تُزاحِمُ الرجلَ وتُصافِحُه وتُمازِحُه، وتخضعُ له بالقولِ، وتُلايِنُه بالكلام. يا لها من صورةٍ تنفطِرُ منها القلوبُ وتنصدِع!
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، اتقوا الله -أيها الأولياء-، قوموا بما أوجبَ الله عليكم من رعايةِ أولادكم، وصونِهم وتربيتهم، وغرسِ الفضيلةِ في نُفوسهم.
واتقوا الله -أيها التجَّار-، وحاذِروا بيعَ كلِّ ما يُخِلُّ بالعقيدة، ويهدِمُ السلوك، ويُدمِّرُ الأخلاقَ، وحاذِروا بيعَ الملابسِ الفاضِحة، والملابسِ الغريبةِ الشاذَّة التي لا تمُتُّ إلى شرعنا ولا إلى أوطاننا ولا إلى تراثِ آبائنا بشيءٍ.
ويا رِجال التعليمِ! كيف يستفحِلُ هذا الداءُ في صفوفِ شبابِنا وفتياتِنا وأنتم الأساتِذةُ الفُضلاء، والمُعلِّمون الأوفياء، والمُربُّون النُّبَلاء؟! اللهَ اللهَ في رعايةِ أجيالِنا، وصناعةِ نشئِنا، وحمايةِ مُجتمعنا.
أيها المسؤولون: كلٌّ في جهته، وكلٌّ على قدرِ مرتبته وصلاحيته! خُذوا بأيدي شبابنا وفتياتنا إلى الحِشمةِ والفضيلة والحياءِ والمكارِم، وامنَعوا ضياعَهم، وحاذِروا سُقوطَهم في أوهاقِ الفاحِشةِ والرذِيلةِ، والجريمةِ والبلاءِ العظيمِ، والشرِّ المُستطيرِ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، فقد فازَ المُستغفِرون، وسعِدَ المُتَّقون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون) [آل عمران: 102].
أيها الشبابُ والفَتيات، أيها الرجال والنساء: لا يستفِزَّنكم الشيطانُ بخُدعه، ولا يستزِلَّنكم بحِيَله، ولا يُوقِعَنَّكم في شَرَكه، ولا يغُرَّنكم بآماله الباطِلة: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا) [الأعراف: 27].
أظهِروا النَّكيرَ والرَّفضَ لتلك التصرُّفات المُرِيبة، والظواهِر المُخزِية التي لا تليقُ بأهل الإسلام، ولا يجوزُ أن يعُدُّوها واقِعًا مُسلَّمًا لا محيصَ عنه، وقد جاءت السنةُ بتحريمها ولعنِ فاعِلها.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الرجلَ يلبسُ لِبسةَ المرأة، والمرأةُ تلبسُ لِبسةَ الرجل". أخرجه أبو داود.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ -عز وجل- إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المُترجِّلة، والديُّوث». أخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لعنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المُخنَّثين من الرجال، والمُترجِّلاتِ من النساء". أخرجه البخاري.
جعلني الله وإياكم من الهُداة المُهتدين، وحمانا من دُروب الشرِّ والفتنةِ ونزَغاتِ الشياطين.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا | صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا |
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر الطغاةَ والظلمةَ والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها يا رب العالمين.