العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | د عبدالله بن مشبب القحطاني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
الْجَمِيلُ فِي أَوْصَافِهِ؛ فَإِنَّ أَوْصَافَهُ كُلَّهَا أَوْصَافُ كَمَالٍ، وَنُعُوتُ ثَنَاءٍ وَحَمْدٍ. وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا جَمِيلَةٌ؛ فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا وَيُشْكَرُ.. بَلْ هُوَ الْجَمَالُ كُلُّهُ، وَالْجَمَالُ كُلُّهُ مِنْهُ، يَفْعَلُ الْجَمِيلَ، وَيُكَافِئُ عَلَى الْجَمِيلِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ صُهَيْبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلُمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلُمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنْجِنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-".
فَسُبْحَانَ مَنْ حَارَتِ الْأَفْكَارُ فِي جَمَالِهِ، وَسُبْحَانَ مَنِ اضْطَرَبَتِ الْأَفْهَامُ فِي عَظَمَتِهِ، وَسُبْحَانَ مَنْ ذُهِلَتِ الْأَذْهَانُ لِأَنْوَارِهِ؛ فَاللَّهُ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، بَلْ هُوَ الْجَمَالُ كُلُّهُ، وَالْجَمَالُ كُلُّهُ مِنْهُ، يَفْعَلُ الْجَمِيلَ، وَيُكَافِئُ عَلَى الْجَمِيلِ.
وَمِنْ أَسْمَائِهِ: "الْجَمِيلُ" -عَزَّ جَاهُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ-.
وَهُوَ الْجَمِيلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَيْفَ لَا | وَجَمَالُ سَائِرِ هَذِهِ الْأَكْوَانِ |
مِنْ بَعْضِ آثَارِ الْجَمِيلِ فَرَبُّهَا | أَوْلَى وَأَجْدَرُ عِنْدَ ذِيِ الْعِرْفَانِ |
جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ"؛ يَقُولُ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْجَمِيلُ مَنْ لَهُ نُعُوتُ الْحُسْنِ وَالْإِحْسَانِ، فَإِنَّهُ جَمِيلٌ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَلَا يُمْكِنُ لِمَخْلُوقٍ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ بَعْضِ جَمَالِ ذَاتِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ -مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَاللَّذَّاتِ وَالسُّرُورِ، وَالْأَفْرَاحِ الَّتِي لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهَا-؛ إِذَا رَأَوْا رَبَّهُمْ وَتَمَتَّعُوا بِجَمَالِهِ نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَتَلَاشَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْأَفْرَاحِ، وَوَدُّوا أَنْ لَوْ يَدُومَ هَذَا الْحَالُ؛ لِيَكْتَسُوا مِنْ جَمَالِهِ وَنُورِهِ جَمَالًا إِلَى جَمَالِهِمْ؛ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ فِي شَوْقٍ دَائِمٍ وَنُزُوعٍ إِلَى رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ، وَيَفْرَحُونَ بِـ"يَوْمِ الْمَزِيدِ" فَرَحًا تَكَادُ تَطِيرُ لَهُ الْقُلُوبُ!
وَكَذِلِكَ هُوَ الْجَمِيلُ فِي أَسْمَائِهِ؛ فَإِنَّهَا كُلَّهَا حُسْنَى، بَلْ أَحْسَنُ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَجْمَلُهَا؛ (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الْأَعْرَافِ: 180]؛ فَكُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى غَايَةِ الْحَمْدِ وَالْمَجْدِ وَالْكَمَالِ، لَا يُسَمَّى بِاسْمٍ مُنْقَسِمٍ إِلَى كَمَالٍ وَغَيْرِهِ؛ هُوَ الْجَمِيلُ فِي أَوْصَافِهِ؛ فَإِنَّ أَوْصَافَهُ كُلَّهَا أَوْصَافُ كَمَالٍ، وَنُعُوتُ ثَنَاءٍ وَحَمْدٍ. وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا جَمِيلَةٌ؛ فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا وَيُشْكَرُ".
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَيَكْفِي فِي جَمَالِهِ أَنَّهُ لَوْ كَشَفَ الْحِجَابَ عَنْ وَجْهِهِ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُهُ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ. وَيَكْفِي فِي جَمَالِهِ أَنَّ كُلَّ جَمَالٍ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَمِنْ آثَارِ صَنْعَتِهِ؛ فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ هَذَا الْجَمَالُ؟ وَيَكْفِي فِي جَمَالِهِ أَنَّ لَهُ الْعِزَّةَ جَمِيعًا، وَالْقُوَّةَ جَمِيعًا، وَالْجُودَ كُلَّهُ وَالْإِحْسَانَ كُلَّهُ، وَالْعِلْمَ كُلَّهُ، وَالْفَضْلَ كُلَّهُ، وَلِنُورِ وَجْهِهِ أَشْرَقَتِ الظُّلُمَاتُ".
وَلَوْ كَانَتِ الْأَشْجَارُ أَقْلَامًا، وَالْبِحَارُ مِدَادًا، وَالسَّمَاوَاتُ أَلْوَاحًا، وَالْخَلَائِقُ يُمْلُونَ الثَّنَاءَ، وَيَكْتُبُونَ الْمَدِيحَ عَنْ جَمَالِ اللَّهِ؛ لَكَانُوا فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ: مُقَصِّرِينَ، وَفِيمَا يَجِبُ لَهُ: مُتَقَطِّعِينَ، وَبِالْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهِ مُعْتَرِفِينَ.
جَمَالُهُ لَا تُحِيطُ بِهِ الْعُقُولُ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
وَهُوَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
وَمَا فِيهَا مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالْخُضْرَةِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالدَّوَابِّ دَلِيلٌ عَلَى جَمَالِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فَإِنَّهُ مَانِحُ الْجَمَالِ، وَمَانِحُ الْجَمَالِ أَحَقُّ بِالْجَمَالِ مِنْهَا: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 14]، (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)[لُقْمَانَ: 11].
وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: (فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ)[النَّمْلِ: 60]، (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)[النَّحْلِ: 6]، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى هَذَا الْجَمَالِ إِلَّا مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ؛ فَهُوَ يَرَى وَرَاءَ هَذَا الْجَمَالِ جَمَالَ اللَّهِ وَجَلَالَهُ وَكَمَالَهُ -جَلَّ جَلَالُهُ-.
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَتَنَكَّرَ لِنُورِهِ، وَتَمَرَّدَ عَلَى هِدَايَتِهِ؛ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ النَّظَرَ إِلَى إِبْدَاعِ جَمَالِهِ، فَالْعَيْنُ عَمِيَتْ، وَالْبَصِيرَةُ طُمِسَتْ.
أَيُّهَذَا الشَّاكِي وَمَا بِكَ دَاءٌ | كَيْفَ تَغْدُو إِذَا غَدَوْتَ عَلِيلَا |
أَتَرَى الشَّوْكَ فِي الْوُرُودِ وَتَعْمَى | أَنْ تَرَى فَوْقَهُ النَّدَى إِكْلِيلَا |
وَالَّذِي نَفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ | لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ شَيْئًا جَمِيلَا |
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: الْإِيمَانُ بِهَذَا الِاسْمِ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ إِيمَانًا وَشَوْقًا إِلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ الْجَمِيلِ، وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ..."(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
ثُمَّ تَجِدُهُ مُطْمَئِنًّا رَاضِيًا بِمَا يُقَدِّرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا فِيهِ الْحِكْمَةُ وَالْخَيْرُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَفْعَالِهِ جَمِيلَةٌ، وَمَا يَنْشَأُ مِنَ الْفِعْلِ الْجَمِيلِ إِلَّا جَمِيلٌ، وَهَذَا هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ؛ الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ رَبَّ الْعِزَّةِ قَالَ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ).
وَإِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ حَتَّى كَأَنَّنِي | أَرَى بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللَّهُ صَانِعُ |
وَالْمُؤْمِنُ تَرَاهُ جَمِيلًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِهَذَا الْجَمَالِ إِلَى اللَّهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ حَثَّ عَلَى جَمِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ؛ فَيُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يُجَمِّلَ لِسَانَهُ بِالصِّدْقِ، وَقَلْبَهُ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ، وَجَوَارِحَهُ بِالطَّاعَةِ، وَبَدَنَهُ بِإِظْهَارِ نِعَمِهِ عَلَيْهِ فِي لِبَاسِهِ وَتَطَهُّرِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْجَاسِ وَالْأَحْدَاثِ وَالْأَوْسَاخِ وَالشُّعُورِ الْمَكْرُوهَةِ، وَالْخِتَانِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ. فَيَعْرِفُهُ بِالْجَمَالِ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ، وَيَعْبُدُهُ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي هُوَ شَرْعُهُ وَدِينُهُ، فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَالَ: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا)[الْمَعَارِجِ: 5]، وَقَالَ: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)[الْمُزَّمِّلِ: 10]، وَقَالَ: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[الْحِجْرِ: 85]، وَقَالَ: (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 49].
وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْجَمَالَ فِي الدَّارَيْنِ، وَارْزُقْنَا الْجَمَالَ فِي السَّرِيرَتَيْنِ: السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ، وَارْزُقْنَا الْجَمَالَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.