السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | د عبدالله بن مشبب القحطاني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
وَرَبُّنَا الْغَفُورُ هُوَ السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، الْمُغَطِّي لِذُنُوبِهِمْ لَهُمْ بِسَتْرِهِ؛ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَى ذُنُوبِهِمْ أَحَدٌ غَيْرُهُ، الْمُتَجَاوِزُ عَنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ؛ فَهُوَ يَغْفِرُ ذُنُوبَ عِبَادِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، إِلَى مَا لَا يُحْصَى، كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ تَوْبَةُ الْعَبْدِ مِنَ الذَّنْبِ تَكَرَّرَتِ الْمَغْفِرَةُ مِنَ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ-؛ ذَكَرَ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: جَاءَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَوِيلٍ: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: "فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟" قَالَ: أَمَّا أَنَا؛ فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "نَعَمْ؛ تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ"، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ! فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى".
وَإِنِّي لَأَدْعُوُ اللَّهَ أَطَلُبُ عَفْوَهُ | وَأَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَعْفُو وَيَغْفِرُ |
لَئِنْ أَعْظَمَ النَّاسُ الذُّنُوبَ فَإِنَّهَا | وَإِنْ عَظُمَتْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَصْغُرُ |
حَدِيثُنَا عَنِ اسْمٍ مَا سَمِعَ بِهِ مُذْنِبٌ وَلَا مُؤْمِنٌ إِلَّا تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ، وَفَرِحَ بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَفُتِحَ لَهُ بَابُ أَمَلٍ؛ إِنَّهُ: اسْمُ اللَّهِ (الْغَفُورُ وَالْغَفَّارُ وَالْغَافِرُ)؛ قَالَ تَعَالَى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الْحِجْرِ: 49]، وَقَالَ: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [نُوحٍ: 10]، وَقَالَ: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) [النَّجْمِ: 32].
وَأَصْلُ الْغَفْرِ فِي اللُّغَةِ: السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ.
وَرَبُّنَا الْغَفُورُ هُوَ السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، الْمُغَطِّي لِذُنُوبِهِمْ بِسَتْرِهِ؛ فَلَا يَطَّلِعَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ أَحَدٌ غَيْرُهُ، الْمُتَجَاوِزُ عَنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ؛ فَهُوَ يَغْفِرُ ذُنُوبَ عِبَادِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، إِلَى مَا لَا يُحْصَى، كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ تَوْبَةُ الْعَبْدِ مِنَ الذَّنْبِ تَكَرَّرَتِ الْمَغْفِرَةُ مِنَ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ-؛ ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحَدُنَا يُذْنِبُ الذَّنْبَ؟ قَالَ: "يُكْتَبُ عَلَيْهِ"، ثُمَّ قَالَ: يَسْتَغْفِرُ مِنْهُ وَيَتُوبُ؟ قَالَ: "يُغْفَرُ لَهُ وَيُتَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا"(حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهُوَ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ).
وَهُوَ الْغَفُورُ فَلَوْ أَتَى بِقُرَابِهَا | مِنْ غَيْرِ شِرْكٍ بَلْ مِنَ الْعِصْيَانِ |
لَأَتَاهُ بِالْغُفْرَانِ مِلْءَ قُرَابِهَا | سُبْحَانَهُ، هُوَ وَاسِعُ الْغُفْرَانِ |
فَتَحَ اللَّهُ بَابَهُ لِكُلِّ التَّائِبِينَ وَالْمُذْنِبِينَ وَالْخَطَّائِينِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزُّمَرِ: 53]؛ بَلْ نَادَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ؛ نَادَاهُمْ بِالتَّوْبَةِ؛ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُمْ؛ فَقَالَ: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الْمَائِدَةِ: 74].
جَمِيعُ الذُّنُوبِ تُغْفَرُ؛ عَدَا مَنْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النِّسَاءِ: 48].
وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: "قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)؛ هَذَا لِمَنْ جَاءَ بِالِاسْتِغْفَارِ مُجَرَّدًا عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ، صَادِقًا فِي تَوْبَتِهِ، وَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَهُ بَدَّلَ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ، وَهَذَا مِنْ جُودِهِ وَكَرَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ.
وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ مُكَفِّرَةٌ لِلذُّنُوبِ؛ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هُودٍ: 114]، وَصَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا"(حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَالْمَصَائِبُ الَّتِي تُصِيبُ الْعَبْدَ -سَوَاءٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ- تُكَفِّرُ سَيِّئَاتِهِ؛ إِذَا احْتَسَبَ ثَوَابَهَا، وَصَبَرَ، وَرَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ -تَعَالَى-.
وَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ فَقَدَ رَاحِلَتَهُ فِي فَلَاةٍ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا، وَمَهْمَا عَظُمَ الذَّنْبُ أَوْ تَكَرَّرَ مِنَ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَوْسَعُ فِي رَحْمَتِهِ؛ مَا دَامَ الْعَبْدُ يَسْتَغْفِرُ؛ (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الْأَعْرَافِ: 156].
وَصَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَحْكِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا؛ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ؛ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ! فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)، أَيْ: مَا دُمْتَ تَائِبًا أَوَّاهًا مُنِيبًا.
وَبَابُ اللَّهِ مَفْتُوحٌ لِكُلِّ التَّائِبِينَ وَالْمُنِيبِينَ، وَهُوَ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ عَفُوًّا غَفُورًا، وَقَدْ وَعَدَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْعَفْوِ لَمِنْ أَتَى بِأَسْبَابِهَا: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82]، وَهَذَا لَا يَعْنِي: أَنْ يُسْرِفَ الْمُسْلِمُ فِي الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ، وَيَتَجَرَّأَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ بِحُجِّةِ: أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ! فَاللَّهُ قَالَ: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا) [الْإِسْرَاءِ: 25].
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا يَا رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مِنَ الْأَوَّابِينَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: قَدْ أُمِرَ جَمِيعُ الْخَلْقِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَعَلَى رَأْسِهِمُ: الْأَنْبِيَاءُ؛ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [نُوحٍ: 10].
وَصَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "وَاللَّهِ! إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ)، هَذَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ؛ فَمَنْ دُونَهُمْ أَوْلَى بِالِاسْتِغْفَارِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "الْعَجَبُ مِمَّنْ يَهْلِكُ وَمَعَهُ النَّجَاةُ! قِيلَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الِاسْتِغْفَارُ".
وَقَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْقُرْآنُ يَدُلُّكُمْ عَلَى دَائِكُمْ وَدَوَائِكُمْ؛ أَمَّا دَاؤُكُمْ فَالذُّنُوبُ، وَأَمَّا دَوَاؤُكُمْ فَالِاسْتِغْفَارُ".
أَشْكُو إِلَيْكَ ذُنُوبًا لَسْتُ أُنْكِرُهَا | وَقَدْ رَجَوْتُكَ يَا ذَا الْمَنِّ تَغْفِرُهَا |
مِنْ قَبْلِ سُؤْلِكَ لِي فِي الْحَشْرِ يَا أَمَلِي | يَوْمَ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَهْوَالِ تَذْكُرُهَا |
أَرْجُوكَ تَغْفِرُهَا فِي الْحَشْرِ يَا أَمَلِي | إِذْ كُنْتَ سُؤْلِي كَمَا فِي الْأَرْضِ تَسْتُرُهَا |
اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.