الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | د عبدالله بن مشبب القحطاني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
لَا يَكْبُرُ عَلَيْهِ عَيْبٌ أَنْ يَسْتُرَهُ، وَلَا رَحْمَةٌ أَنْ يُوصِلَهَا؛ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ وَقُوَّةٌ يَغْفِرُ وَيَرْحَمُ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَغْفِرُ وَيَرْحَمُ لَهُ قُدْرَةٌ؛ فَهُوَ.. وَمِمَّا عَرَّفَنَا بِهِ رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ: أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَقْبِضُ أَرْضَهُ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: مَنْ أَقَامَ أَمْرَ اللَّهِ أَقَامَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَمْرَهُ، وَمَنْ سَخَّرَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِلَّهِ سَخَّرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكُلُّ هَذَا الْكَوْنِ بِيَدِ اللَّهِ؛ فَهُوَ الْقَدِيرُ وَالْقَادِرُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فَاطِرٍ: 44].
حَدِيثُنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنِ اسْمِ اللَّهِ: "الْقَادِرِ، الْقَدِيرِ، الْمُقْتَدِرِ" -عَزَّ جَاهُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ-؛ فَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُهُ مَطْلُوبٌ، بِخِلَافِ خَلْقِهِ، فَهُوَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْعَجْزُ، وَلَا يَعْتَرِيهِ الْفُتُورُ.
وَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ الَّذِي يَقْوَى عَلَى الشَّيْءِ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كَامِلُ الْقُدْرَةِ؛ فَبِقُدْرَتِهِ أَوْجَدَ الْمَوْجُودَاتِ، وَبِقُدْرَتِهِ دَبَّرَهَا، وَبِقُدْرَتِهِ سَوَّاهَا وَأَحْكَمَهَا، وَبِقُدْرَتِهِ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيَبْعَثُ الْعِبَادَ لِلْجَزَاءِ؛ فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ.
وَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ الَّذِي؛ (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يس: 82]، وَبِقُدْرَتِهِ يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ وَيُصَرِّفُهَا عَلَى مَا يَشَاءُ وَيُرِيدُ.
وَمِنْ قُدْرَةِ رَبِّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَّهُ (يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْمَائِدَةِ: 40]، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)[الْأَنْعَامِ: 65].
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ: أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِنَا وَيَجْمَعَنَا أَيْنَمَا كُنَّا وَحَيْثُمَا حَلَلْنَا؛ (أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 148].
وَمِمَّا عَرَّفَنَا بِهِ رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ: أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَقْبِضُ أَرْضَهُ بِيَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ، قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزُّمَرِ: 67].
وَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مُقَدِّرُ الْمَقَادِيرِ وَمُقَسِّمُهَا، عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا، ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَدُ؛ (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[يس: 38].
وَاللَّهُ كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ بِآلَافِ السِّنِينَ، صَحَّ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ: "كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
وَلِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْإِيمَانَ؛ لَمَّا سَأَلَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لَهُ).
وَعِنْدَ قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الْمُمْتَحَنَةِ: 7]؛ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَغْفِرَتَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَحْمَتَهُ لِعِبَادِهِ عَنْ كَمَالِ الْقُدْرَةِ؛ فَلَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، وَلَا يَكْبُرُ عَلَيْهِ عَيْبٌ أَنْ يَسْتُرَهُ، وَلَا رَحْمَةٌ أَنْ يُوصِلَهَا؛ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ وَقُوَّةٌ يَغْفِرُ وَيَرْحَمُ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَغْفِرُ وَيَرْحَمُ لَهُ قُدْرَةٌ؛ فَهُوَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَعَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَاللَّهُ الْقَادِرُ فَصَّلَ لَنَا فِي كِتَابِهِ الْقَوْلَ لِيُعَرِّفَنَا بِقُدْرَتِهِ؛ (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فَاطِرٍ: 44].
إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَنْصُرَكَ؛ أَمَرَ مَا لَا يَكُونُ سَبَبًا فِي الْعَادَةِ فَكَانَ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ.
وَإِذَا أَرَادَ الْقَدِيرُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُكْرِمَكَ؛ جَعَلَ مَنْ لَا تَرْجُو الْخَيْرَ مِنْهُ هُوَ سَبَبَ أَعْظَمِ الْعَطَايَا الَّتِي تَنَالُكَ.
وَإِذَا أَرَادَ الْقَادِرُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَصْرِفَ عَنْكَ السُّوءَ؛ جَعَلَكَ لَا تَرَى السُّوءَ، أَوْ جَعَلَ السُّوءَ لَا يَعْرِفُ لَكَ طَرِيقًا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْصِمَكَ مِنْ مَعْصِيَةٍ؛ جَعَلَكَ تَبْغَضُهَا، أَوْ جَعَلَهَا صَعْبَةَ الْمَنَالِ مِنْكَ، أَوْ أَوْحَشَكَ مِنْهَا، أَوْ جَعَلَكَ تُقْدِمُ عَلَيْهَا فَيَأْتِي عَارِضٌ فَيَصْرِفُكَ عَنْهَا؛ فَمَا أَحْرَانَا أَنْ نَطْرُقَ بَابَ الْقَدِيرِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُسْلِمُ أَهْلَهُ لِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَيَدْعُو: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[إِبْرَاهِيمَ: 37]؛ فَكَانَتْ مَكَّةُ حَنِينَ الْقُلُوبِ عَلَى مَدَارِ الْعُصُورِ.
وَهَذَا سُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَدْعُو؛ (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[الشُّعَرَاءِ: 83]؛ فَمَلَّكَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- رِقَابَ الْجِنِّ.
وَيُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالْبَحْرِ وَفِي بَطْنِ الْحُوتِ يَدْعُو؛ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87]؛ فَيُصْبِحُ بَطْنُ الْحُوتِ لَهُ وِعَاءً.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ -لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ".
اللَّهُمَّ يَا قَادِرُ ثَبِّتْنَا عَلَى دِينِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطَّلَاقِ: 3] فَمَنِ اتَّقَى رَبَّهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَتَبَاطَأُ عَوْنُ اللَّهِ لَهُ، وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رُوحِهِ، وَلَا يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَتِهِ؛ فَالْفَرَجُ آتِيهِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَلَكِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا؛ لَهُ زَمَنٌ لَا يَتَجَاوَزُهُ، وَوَقْتٌ لَا يَتَخَطَّاهُ، فَإِذَا جَاءَ مَوْعِدُ الْمَقْدُورِ؛ فَلَا يَسْتَأْخِرُ عَنْ دَفْعِهِ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُ.
لِلْكُرْبَةِ وَقْتٌ ثُمَّ تَزُولُ، وَلَهَا زَمَنٌ ثُمَّ تَتَحَوَّلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا.
لَا تُثْمِرُ الشَّجَرَةُ حَتَّى يَحِينَ وَقْتَهَا، وَلَا تَبْزُغُ الشَّمْسُ حَتَّى يَحِلَّ مِيقَاتُهَا، وَلَا تَضَعُ الْحَامِلُ حَمْلَهَا إِلَّا بِأَجَلٍ: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطَّلَاقِ: 3].
قُلْ لِلطَّبِيبِ تَخَطَّفَتْهُ يَدُ الرَّدَى | مَنْ يَا طَبِيبُ بِطِبِّهِ أَرْدَاكَا؟ |
وَاسْأَلْهُ كَيْفَ تَعِيشُ يَا ثُعْبَانُ أَوْ | تَحْيَا وَهَذَا السُّمُّ يَمْلَأُ فَاكَا؟ |
وَآثَارُ قُدْرَةِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذَا الْكَوْنِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى! فَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِهَا عِبَارَةٌ، أَوْ يُشَارَ إِلَيْهَا بِإِشَارَةٍ، فَأَيْنَمَا وَقَعَ النَّظَرُ عَلَى شَيْءٍ فِي الْآفَاقِ وَفِي الْأَنْفُسِ؛ رَأَيْتَ كَمَالَ قُدْرَةِ الْقَادِرِ؛ فَإِذَا الْمُؤْمِنُونَ رَأَوْا ذَلِكَ زَادَهُمْ إِيمَانًا وَأَوْرَثَهُمْ تَقْوَى وَقُرْبًا مِنَ اللَّهِ وَخَشْيَةً، وَأَكْثَرُوا مِنَ الدُّعَاءِ بِهَذَا الِاسْمِ؛ حَتَّى فِي أَقَلِّ شَأْنِهِمْ وَفِي أَكْبَرِهِ، وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).
وَقُدْرَةُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-يُسْتَعَاذُ بِهَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَأَذًى؛ فَفِي الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمَرِيضِ: "أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ، سَبْعَ مَرَّاتٍ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
وَخُتِمَتْ بَعْضُ الْأَدْعِيَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِهَذَا الِاسْمِ وَالْإِقْرَارِ لَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِأَنَّهُ؛ (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 20]، وَغَيْرِهَا؛ فَوَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي دُعَاءٍ عَلَّمَهُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِلرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 26].
وَفِي دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حِينَ خَشُوا أَنْ تَنْطَفِئَ أَنْوَارُهُمْ حَوْلَ الصِّرَاطِ كَمَا انْطَفَأَتْ أَنْوَارُ الْمُنَافِقِينَ؛ (أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التَّحْرِيمِ: 8].
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.