القادر
كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...
العربية
المؤلف | راشد بن عبد الرحمن البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق |
فلقائلٍ أن يقولَ: ماذا بيديْ أمامَ هذا الطغيانِ البهوديّ؟ فيُقالُ: تَحرُكُ مشاعرِكَ دليلُ حياتِك، وتحقيقٌ منك لمفهومِ الجسدِ الواحدِ. واقترابُك من اللهِ بأداءِ ما افترضَه عليك اقترابٌ من النصرِ، وابتعادُك عنِ اللهِ باقترافِ ما حرّمَه عليك ابتعادٌ عنِ النصرِ....
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فلنَتقِ اللهَ -تباركَ وتعالَى-؛ فالتقوَى وِقاءٌ وارتقاءٌ.
أيُها المصلونَ: إن رسولَنا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَنا في كلِ ركعةٍ أن نقولَ "آمينَ"، بعدَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحة:6-7]، نُردِدُها في اليومِ أكثرَ من ثلاثينَ مرةً، مُعلنينَ البراءةَ من اليهودِ المغضوبِ عليهم، ومن النصارى الضالينَ. فهل تَفَكرنا في معناها يومَ قُلناها؟
إنهم أعداءُ الأمسِ واليومِ والغدِ، أحفادُ بني قُريظةَ والنَضيرِ وقَينُقاعَ، فهل نَعِيْ حقيقةَ أمةِ الغضبِ والضلالِ بعد أن تَفاقَمَ شرُهم وتَطايَرَ شَرَرُهم؟!
إن يهودَ عدوٌ لا يَرحمُ ولا يَفهمُ، لا يَفهمُ إلا لغةَ القوةِ. ألم نَقرأ قولَ الحقِ -تباركَ وتعالَى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[المائدة:82].
اقرؤُوا التأريخَ لتُدركُوا أن يهودَ اليومِ شرُ خَلَفٍ لشرِ سَلَفٍ، فهم أحفادُ محرِّفي الكلمِ، عُبَّادِ العِجلِ، قَتَلةِ الأنبياءِ، وظَلَمةِ الأبرياءِ: (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)[المائدة:60].
تَطاوَلُوا على مقامِ الربوبيةِ والألوهيةِ، فـقَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[آل عمران:181-182].
وقالوا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[المائدة:64].
آذَوا موسَى، وكفَرُوا بعيسَى، وقَتلوا زكريا ويحيى. ولما قدِمَ رسولُنا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- المدينةَ قالَ زعيمُهم لصاحبهِ الخوَّانِ: أهوَ هوَ؟ فقالَ: نعم إيْ واللهِ هوَ، فَمَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاَللهِ مَا بَقِيتُ!!(سيرة ابن هشام ت السقا: 1/ 519).
وفعلاً بدأتِ العداوةُ التي أَقسمَ عليها زعيمُهم، وكانتْ من النوعِ اللائقِ بيهودَ، ألا وهيَ عداوةُ المُخاتَلةِ، لا عداوةُ المُواجهةِ؛ لأنهم أمةٌ ذليلةٌ، ضُربتْ عليها الذلةُ والمسكنةُ.
فألَّبُوا عليهِ في الأحزابِ، وحاربُوه في خيبرَ، وخادَعُوه في مواقفَ مع المنافقينَ، وأرادُوا اغتيالَه مرتينِ؛ حينَ حَملوا الحَجَر من قَفَاهُ، لكنْ حَماه مَولاه، ووَضَعتْ يهوديةُ خيبرَ السمَ في طعامِه-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-ِ فلفَظَ أولَ لقمةٍ منه، وبقيَتْ منها بقيةٌ في لُعابهِ. ولما حانتْ ساعةُ وفاتهِ قال: "مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ"؛ فقد ماتَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- شهيدًا من أثرِ ذلكَ السمِّ.
ألا إن اليهودَ حلفاءُ كلِ من عادَى الإسلامَ؛ فبالأمسِ حالَفوا مشركي العربِ ضدَّ النبيِ وغدًا يُحالفونَ الدجالَ، ويَتبعونَه ضدَ أمةِ الإسلامِ؛ ففي صحيحِ مسلمٍ أن رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: "يَتْبعُ الدجالَ من يهودِ أصبهانَ سبعونَ ألفًا، عليهمُ الطَّيَالِسةُ"، وقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ"(رواه أحمدُ 17900، وصححهُ الحاكمُ).
أيُها المؤمنونَ: أما فلسطينُ فقد عرفناها يومَ استفتحَها محمدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ليلةَ الإسراءِ، وأَمَّ في مَقدِسِها الأنبياءُ، فلسطينُ عَرفناها يومَ دخَلَها عمرُ فاتحاً مطهِرًا، عَرفناها يومَ ندّى سماءَها عمرُ بدعائِهِ، وبلالٌ بندائِهِ. وإن القلوبَ لا تَفتَأ تهفُو إلى القبلةِ الأولى، والمَسرَى أسىً وأسَفاً، إلا وتطيرُ شوقاً، فتمتلئُ فألاً وأمَلاً بأن نصرَ اللهِ قريبٌ.
ولئنْ كانَ سياقُ العاطفةِ قد يَغلبُ عندَ طرحِ هذهِ القضيةِ المؤرقةِ، غير أن عاطفتَنا لا ينبغي أن تَطغَى على عقولِنا، فتَخرجَ بها عن الضوابطِ الشرعيةِ، والأنظمةِ المرعيةِ.
ومن المبشراتِ بيانُ وزارةِ الخارجيةِ السعوديةِ، ففيه صدعٌ وردعٌ، ومبادرةٌ معهودةٌ مبرورةٌ، وغَيرةٌ إسلاميةٌ مشكورةٌ. ونصُهُ: "نُعرِبُ عن إدانتِنا بأشدِ العباراتِ للاعتداءاتِ السافرةِ، التي قامت بها قواتُ الاحتلالِ الإسرائيليِ، لحُرمةِ المسجدِ الأقصى الشريفِ، ولأمنِ وسلامةِ المصلينِ.. وجَددتِ الوزارةُ التأكيدَ على وقوفِ المملكةِ إلى جانبِ الشعبِ الفلسطينيِ" ا.هـ.
الخطبة الثانية:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)[الإسراء:1]، والصلاةُ والسلامُ على من دعانا لربه محبةً وحرصًا.
أما بعدُ: فلقائلٍ أن يقولَ: ماذا بيديْ أمامَ هذا الطغيانِ البهوديِ؟
فيُقالُ: تَحرُكُ مشاعرِكَ دليلُ حياتِك، وتحقيقٌ منك لمفهومِ الجسدِ الواحدِ. واقترابُك من اللهِ بأداءِ ما افترضَه عليك اقترابٌ من النصرِ، وابتعادُك عنِ اللهِ باقترافِ ما حرّمَه عليك ابتعادٌ عنِ النصرِ. ألمْ تقرأْ قولَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران:165].
وإن تربيتَك لأولادِك لطاعةِ وليِّ أمرِهِم، وأنْ تحميَهم منْ أفكارٍ ضالةٍ، ومن شبهاتٍ وشهواتٍ، هو جزءٌ من الصراعِ في هذهِ الملحمةِ. وأما الدعاءُ فغيرُ محجوبٍ ولا مَهجورٍ، بل ليكنْ مبذولاً آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ، وفي السرِ والجِهارِ.
فاللهم احفظِ المسجدَ الأقصى من عدوانِ المعتدينَ، ومن الغاصبينَ المحتلينَ.
اللهم أنجِ إخوانَنا بأكنافِ بيتِ المقدسِ، وانصرهم على يهودَ.
اللهم آمِن أوطانَنا، وأيِّدْ بالحقِ إمامَنا، ووليَ عهدِه، وأعزَّ بهمْ دينَك، وارزقهُم بطانةً صالحةً ناصحةً، دالّةً مُذكِّرةً.
اللهم احفظْ مجاهدِينا ومرابطِينا، وجنودَنا على حدودِنا، واكفِنا وإياهم وبلادَنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجارِ، والحاسدِينَ والمتربِصينَ.
اللهم لك الحمدُ على الهدايةِ للإيمانِ، والأمنِ في الأوطانِ، والعافيةِ في الأبدانِ.
اللهمَ أعنَّا على أنْ نشكُرَكَ على لُطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ. اللَّهُمُّ وَاِرْفَعْ عَنَا البَلاءَ وَالْوَبَاءَ والداءَ.
اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وأصلِح وِلدانَنا، وارحم والدِينا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ.