المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وَمَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ بَعْضَ مَا يُدَخَّنُ لَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَلَا يُسْكِرُ فَكَيْفَ إِذًا يَكُونُ مُحَرَّمًا!!.. قُلْنَا: لِأَنَّهُ يَضُرُّ النَّفْسَ وَالْغَيْرَ وَيُهْدِرُ الْمَالَ، وَكُلُّ مَا هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الْعَقْلِ وَنِعْمَةَ الصِّحَّةِ؛ فَأَمَّا الْعَقْلُ فَزِينَةُ الْإِنْسَانِ وَعُنْوَانُهُ؛ فَلَوْ أُوتِيَ الْمَرْءُ مَالَ قَارُونَ وَجَمَالَ يُوسُفَ وَجَسَدَ طَالُوتَ، ثُمَّ نُزِعَ مِنْهُ الْعَقْلُ مَا كَانَ لَهُ وَزْنٌ وَلَا قِيمَةٌ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَهِيَ عِمَادُكَ وَسَاعِدُكَ وَعَضُدُكَ، وَلَوْ خَانَتْكَ صِحَّتُكَ مَا نَفَعَكَ كُلُّ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ، وَسَلْ عَنْهَا الْمَرْضَى يُحَدِّثُوكَ كَمْ هِيَ غَالِيَةٌ ثَمِينَةٌ.. وَإِنَّا لَنَتَعَجَّبُ؛ كَيْفَ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَغْيِيبَ عَقْلِهِ وَإِهْدَارَ صِحَّتِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ؟!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْمُدَخَّنَاتُ الَّتِي تَضُرُّ بِعَقْلِ الْإِنْسَانِ وَجِسْمِهِ كَثِيرَةٌ وَمُتَجَدِّدَةٌ، مِنْ حِينٍ لِآخَرَ نَجِدُهَا تَحْتَ مُسَمَّيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَصِنَاعَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَهِيَ تِلْكَ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا الْمُدْمِنُونَ؛ كَالْمُعَسَّلِ" أَوِ "التُّنْبَاكِ" أَوِ "الشَّمَّةِ" أَوِ "التَّبَغِ" أَوِ "الدُّخَانِ"، أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَشْكَالِ، وَأَيًّا مَا كَانَتْ حَالَتُهَا؛ صُلْبَةً أَوْ سَائِلَةً أَوْ غَازِيَّةً، وَأَيًّا مَا كَانَتْ طَرِيقَةُ تَعَاطِيهَا؛ حَقْنًا أَوِ اسْتِنْشَاقًا أَوْ رَشْفًا أَوْ غَيْرَهَا؛ فَجَمِيعُهَا مَوَادُّ مُضِرَّةٌ بِصِحَّةِ الْإِنْسَانِ وَبَدَنِهِ نَاهِيكَ عَنِ الْمَضَرَّةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ.
وَجَمِيعُ هَذِهِ الْمُدَخَّنَاتِ مِنَ الْخَبَائِثِ الَّتِي جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِتَحْرِيمِهَا؛ لِإِلْحَاقِهَا الضَّرَرَ بِالْعَقْلِ وَالْبَدَنِ، وَكَفَى فِي تَحْرِيمِهَا قَوْلُهُ -تَعَالَى- عَنْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)[الْأَعْرَافِ: 157]، وَهَذِهِ الْأَدْخِنَةُ -بِأَنْوَاعِهَا- مِنَ الْخَبَائِثِ بِلَا شَكٍّ.. وَلَمَّا سَأَلُوا: (مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) أَجِيبُوا: (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)[الْمَائِدَةِ: 4]، وَمَا كَانَتِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَدًا.
وَمَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ بَعْضَ مَا يُدَخَّنُ لَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَلَا يُسْكِرُ فَكَيْفَ إِذًا يَكُونُ مُحَرَّمًا؟!.. قُلْنَا: لِأَنَّهُ يَضُرُّ النَّفْسَ وَالْغَيْرَ وَيُهْدِرُ الْمَالَ، وَكُلُّ مَا هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ: "هَذِهِ الْحَشِيشَةُ الصُّلْبَةُ حَرَامٌ، سَوَاءً سُكِرَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يُسْكَرْ"، وَيَقُولُ الْبُجَيْرَمِيُّ: "وَيَحْرُمُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوِ الْعَقْلَ".
وَإِنَّا لَنَتَعَجَّبُ مِنْ عَاقِلٍ يُدْخِلُ دُخَانًا دَاخِلَ صَدْرِهِ بِرِضَاهُ، وَيُنْفِقُ فِيهِ مَالَهُ لِيُفْسِدَ بِهِ صِحَّتَهُ وَيَهْدِمَ بِهِ بُنْيَانَهُ، مَعَ أَنَّهُ يَتَّقِي الْمَرَضَ وَالْمَوْتَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَهُوَ -مَعَ هَذِهِ الْمُدَخَّنَاتِ- يُوبِقُ نَفْسَهُ وَيُعَرِّضُهَا لِلْمَرَضِ وَالْمَوْتِ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَلَا أَظُنُّ مُتَعَاطِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا قَدْ أَوْبَقَ نَفْسَهُ.
وَهَذِهِ الْمُدَخَّنَاتُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- قَتْلٌ بَطِيءٌ تَدْرِيجِيٌّ لِلنَّفْسِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النِّسَاءِ: 29]؛ فَهِيَ تُسَبِّبُ أَمْرَاضَ الصَّدْرِ بِشَتَّى أَنْوَاعِهَا، وَهِيَ سَبَبٌ مُبَاشِرٌ لِلسَّرَطَانَاتِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي أَنْحَاءِ الْجَسَدِ، وَتَضُرُّ حَتَّى بِنَضَارَةِ الْجِلْدِ وَلَوْنِهِ وَبِمَظْهَرِ الْوَجْهِ.
وَلَا يُنْكِرُ أَضْرَارَ هَذِهِ الْمُدَخَّنَاتِ مِنْ مُعَسَّلٍ وَتُنْبَاكٍ وَتَبَغٍ وَغَيْرِهَا ذُو عَقْلٍ وَبَصِيرَةٍ؛ فَإِنَّهَا مَهْلَكَةٌ لِلصِّحَّةِ، وَإِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ إِلَى الْعَطَبِ وَالْهَلَاكِ، وَقَدْ قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[الْبَقَرَةِ: 195].
وَهِيَ كَذَلِكَ مَضْيَعَةٌ لِلْمَالِ فِي غَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَهَذَا أَمْرٌ كَرِهَهُ اللَّهُ -تَعَالَى-، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"، وَ"لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعَةٍ"؛ مِنْهَا: "وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ".
وَأَمَّا أَضْرَارُهَا فِي الْآخِرَةِ فَأَضْرَارُهَا أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ وَأَخْطَرُ، فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ" أَوْ "عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ بَعْضُ الْمُدَخَّنَاتِ دَرَجَةَ الْمُسْكِرَاتِ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِهَا فِي الضَّرَرِ وَالْحُرْمَةِ؛ وَمِنْ ثَمَّ الْإِثْمِ.
وَمَنْ تَعَاطَى شَيْئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الدُّنْيَا حُرِمَ قَرِينَتَهَا فِي الْآخِرَةِ، مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَإِنَّنَا لَنَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُدْمِنُ التَّبَغِ وَالْمُعَسَّلِ وَالتُّنْبَاكِ وَالْأَدْخِنَةِ بِشَتَّى أَنْوَاعِهَا مُلْحَقًا بِهَؤُلَاءِ جَمِيعًا فِي الْإِثْمِ وَالْوِزْرِ وَالْعَذَابِ وَالْحِرْمَانِ مِنْ لَذَائِذِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: قَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَخَّنَاتُ وَالْمُفَتِّرَاتُ بِهَذَا الْقُبْحِ؛ فَمَا سَبَبُ تَعَاطِيهَا؟! وَالْجَوَابُ: أَنَّ هُنَاكَ أَخْطَاءً وَأَسْبَابًا تُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ؛ وَمِنْهَا:
ضَعْفُ الْإِيمَانِ؛ فَالْإِيمَانُ حِصْنٌ يَحْمِي صَاحِبَهُ مِنَ التَّرَدِّي فِي حَمْأَةِ الْمَعَاصِي، وَالْإِيمَانُ يَرُدُّ صَاحِبَهُ عَنْ فِعْلِ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللَّهَ، لَكِنَّهُ إِنْ ضَعُفَ وَزَوَى لَمْ يُطِقْ مَنْعَ صَاحِبِهِ عَنْ نَزَوَاتِهِ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنْهَا: قِلَّةُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ؛ فَالْعِلْمُ عِصْمَةٌ وَنُورٌ يَهْدِي حَامِلَهُ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَيَصُونُهُ مِنْ كُلِّ مُضِرٍّ وَشَائِنٍ، وَحَامِلُ الْعِلْمِ يُدْرِكُ حُرْمَةَ الْمُسْكِرَاتِ فَيَتَجَنَّبُهَا، وَيَعِي شَرَّهَا فَيَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ قُرْبَانِهَا.
وَمِنْهَا: أَصْدِقَاءُ السُّوءِ؛ فَـ"الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ)، وَ"مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَمَنْ صَاحَبَ الْأَتْقِيَاءَ رَفَعُوهُ، وَمَنْ جَالَسَ أَهْلَ الْمُخَدِّرَاتِ اكْتَوَى بِنَارِهِمْ.
وَمِنْهَا: تَقْصِيرُ الْأُسْرَةِ فِي الِاحْتِضَانِ الْعَاطِفِيِّ لِأَفْرَادِهَا؛ فَلَوْ وُجِدَ بَيْنَهُمُ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ وَالرِّعَايَةُ وَالْحِيَاطَةُ لَمَا تَرَدَّى إِلَى مُسْتَنْقَعِ الْإِدْمَانِ، وَلَوْ كَانُوا يَهْتَمُّونَ بِأَمْرِهِ لَتَدَارَكُوهُ مِنْ أَوَّلِ زَلَّةٍ، لَكِنَّهُمْ أَهْمَلُوهُمْ حَتَّى غَرِقَ فِي وَحْلِهَا.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: إِذَا عَلِمْنَا أَسْبَابَ الْمَرَضِ فَإِنَّ عِلَاجَهُ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَالْوِقَايَةُ أَيْسَرُ مِنَ الْعِلَاجِ؛ فَمِنْ سُبُلِ الْوِقَايَةِ وَالْعِلَاجِ مِنَ الْإِدْمَانِ:
تَقْوِيَةُ الْإِيمَانِ وَتَحْصِيلُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ؛ فَمِنْ ضَعْفِهِمَا كَانَ الْبَلَاءُ.
وَمِنْهَا: التَّوْعِيَةُ وَالتَّبْصِيرُ بِأَضْرَارِهَا؛ فَإِنَّ فِطْرَةَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَنْفِرَ وَيَفِرَّ مِمَّا يَضُرُّهُ، فَإِنْ أَظْهَرْنَا أَضْرَارَهَا لِلنَّاسِ وَأَبْرَزْنَاهَا سَاعَدْنَا ذَوِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ عَلَى تَجَنُّبِهَا.
وَمِنْهَا: الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ وَالتَّبَرُّؤُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَى حَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ -تَعَالَى- هُوَ الشَّافِي، وَهُوَ مَنْ بِيَدِهِ الْأَمْرُ، وَهُوَ مَنْ يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، وَلْنَتَذَكَّرْ كَلِمَةَ يُوسُفَ: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ)[يُوسُفَ: 33]، وَكَلِمَةَ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَنُفَوِّضُ إِلَيْهِ الْأَمْرَ وَنَسْتَحْفِظُهُ أَوْلَادَنَا وَأَنْفُسَنَا فَيَعْصِمُهُمْ مِنَ الزَّلَلِ.
وَمِنْهَا: اجْتِنَابُ مَوَاطِنِ تَعَاطِيهَا؛ فَإِنَّ لِلْكَثْرَةِ تَأْثِيرًا عَلَى النَّفْسِ، وَالْقُرْبُ مِنَ الشَّيْءِ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِيهِ: "كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي الْحَدِيثِ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ)، وَلَمَّا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِأَبِي حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ: عِظْنِي، قَالَ لَهُ: "عَظِّمْ رَبَّكَ أَنْ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ"، وَلَقَدْ نُهِينَا عَنِ الْجُلُوسِ وَسَطَ الْمُدَخِّنِينَ.
فَاللَّهُمَّ جَنِّبْنَا وَأَوْلَادَنَا شَرَّ الدُّخَانِ وَالْمُسْكِرَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ كُلِّهَا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.