الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
له -سبحانه- الخلق والأمر وحده، أتقن ما صنع، وأبدع ما خلَق، وقدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، لا رادّ لقضائه، ولا مُعقّب لحكمه، حيّ لا يموت، جميع الخلق تحت قهره وقبضته.. فعلى المسلم أن يُفوّض أمره إلى الله القادر القدير المقتدر، فهو -سبحانه- وحده قادر، وما سواه ضعيف...
الخطبة الأولى:
أثنى الله على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه القادر، والقدير، والمقتدر، وكلها من أسماء الله الحسنى قال -تعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)[الأنعام:65].
والقدير؛ قال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الملك:1]. والمقتدر؛ قال -تعالى-: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر:55].
وفي السُّنَّة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول دُبُر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"(رواه البخاري).
فالقادر هو الذي له القدرة المطلقة، والقوة التامة الكاملة، القادر على ما يشاء، الفعَّال لما يريد، وهو الذي إذا أراد شيئًا (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[البقرة:117].
والمقتدر معناه: المتمكن من كل شيء بإحاطة تامة، وقوة بالغة، لا يمتنع عليه شيء.
ومعنى القدير: المُصْلِح للخلائق على وَجْه لا يقدر عليه أحد إلا هو، وما من شيء تسمع به أو والله هو الذي خلقه فقدَّره تقديرًا.
قدرة الله عظيمة، انظر إلى مخلوقاته وكثرة إعدادها واختلاف أحجامها، وتنوُّع صورها وألوانها (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الطلاق:12].
والله -سبحانه- بقدرته قادر على إخضاع الكائنات أينما كانت، وعلى أي قوة وُجِدَتْ (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة:148].
ومن مظاهر قدرة الله -عز وجل-: إهلاك المكذبين المعاندين لرسله -عليهم السلام- (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر:44]. وقال -سبحانه-: (وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر:41-42].
ولك أن تنظر إلى قدرة الله -تعالى- في آياته الكونية من الزلازل والبراكين والأعاصير وهي لا تكون لحظات وتصبح المدن خرابًا ودمارًا، قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يونس:24].
له -سبحانه- الخلق والأمر وحده، أتقن ما صنع، وأبدع ما خلَق، وقدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، لا رادّ لقضائه، ولا مُعقّب لحكمه، حيّ لا يموت، جميع الخلق تحت قهره وقبضته.
الخطبة الثانية:
لا غنى للمسلم عن قدرة الله -تعالى- في شؤونه؛ فقد علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -رضي الله عنهم- في التوسل والدعاء إلى الله بقدرته؛ قال جابر -رضي الله عنه-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يُعلّمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب"(رواه البخاري). ففي هذا الدعاء ركون العبد إلى قدرة الله، مع إظهار ضعفه وجهله وقله علمه.
وليعلم المسلم أنه لا يحدث شيء في مُلْك الله إلا بأمره -سبحانه-، فلا غنى ولا فقر ولا شفاء ولا مرض ولا أمن ولا خوف إلا بمشيئة الله -تعالى-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران:26].
فعلى المسلم أن يُفوّض أمره إلى الله القادر القدير المقتدر، فهو -سبحانه- وحده قادر، وما سواه ضعيف، والتزام دومًا بالدعاء والتضرع والصدقة والصلاة وتلاوة كلام الله؛ فهن مفاتيح الخيرات والبركات.
وصلوا وسلموا...