العالم
كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
المنعم على عباده في الحقيقة هو الله، والمال مال الله، والعباد وسائط، ولذا اختص الله بالمنّ وجعله صفة لنفسه. فامتنان العباد تكديرٌ وتعييرٌ، وامتنان الله إِفْضَال وتذكيرٌ، قال ابن القيم -رحمه الله-: "قد تولى الله ثواب المعطي، وردَّ عليه أضعاف ما أعطى.. فإذا امتن عليه فقد ظلمه ظلمًا بينًا". منة الله مِنَّة لا تنقطع، وأفضاله لا تنفد،....
الخطبة الأولى:
أسماء الله حسنى، قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف:180]؛ أي بالغة في نهاية الحسن والجمال والجلال. وصفاته -سبحانه- صفات جمال وجلال وعظمة؛ فهو (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11].
فله -سبحانه- من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها، ومن الأفعال أتمّها وأحكمها، فأفعاله -سبحانه- دائرة بين الفضل والعدل.
ومن أسماء الله الحسنى وصفاته العلى: المنان.
ومعناه: كثير العطاء، عظيم المواهب، وافر الإحسان على خلقه، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "المنّان الذي يجود بالنوال قبل السؤال".
فالله منّان على عباده بإحسانه وإنعامه ورزقهم إياهم، فهو المعطي ابتداءً، وله المنة على عباده، ولا مِنَّة لأحد عليه؛ تعالى الله علوًّا كبيرًا.
وقد ورد في الحديث أن رجلاً دعا في صلاته؛ فقال: "اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم"؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد دعا الله باسمه العظيم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى"(رواه ابن ماجه).
وصفة المنّ في حق الله -جل جلاله- صفة كمال، وأما المخلوق فصفة نقص وإذلال. فالله منَّ علينا بأعظم مِنَّة؛ فقال -سبحانه-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آل عمران: 164].
وقال -سبحانه- عندما مَنَّ الأعرابُ بإسلامهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات:17].
فأعظم مِنَّة مَنَّ الله بها على عباده: مبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهداية العباد إلى الله والانقياد لحكم الله وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ومَنُّ الخَلْق فيما بينهم على قسمين:
قسم ممدوح: أن يكون عطاؤه أو مَنُّه لوجه الله -تعالى-، لا لنَيْل عِوَض من الدنيا، ومن هؤلاء: صِدّيق هذه الأمة أبو بكر -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإن مِنْ أمَنّ الناس عليَّ في ماله أبا بكر"، وقال: "ما أحد أمن عليَّ مِن ابن أبي قحافة".
والقسم المذموم: أن يَمُنّ الإنسان بالعطية؛ أي: يذكرها ويمررها له، أو يذكرها لمن لا يحب الأخذ اطلاعه عليه، ومنه قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)[البقرة:264]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"، وقد ورد في الحديث: "لا يدخل الجنة منّان"(رواه النسائي).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ويحرم المن بالصدقة وهو كبيرة".
والمنة لله وحده، فإذا أمكن الله العبد من عطاء لأحد من الناس فعليه أن يتواضع لله الذي وفَّقه لأن يكون معطيًا لا آخذًا. قال ابن سيرين: "لا خير في المعرف إذا أُحْصِيَ".
وسبب المنّة من المخلوق لمخلوق آخر: اغترار العبد بمدح الناس له الذين ربما وصفوه بما ليس فيه، ولربما صدّقهم مع قلة ابتغاء الثواب من الله، قال الهيتمي: "لا يَمُنّ إلا مَن غَفَل أن الله -تعالى- هو المعطي والمتفضل".
الخطبة الثانية:
المنعم على عباده في الحقيقة هو الله، والمال مال الله، والعباد وسائط، ولذا اختص الله بالمنّ وجعله صفة لنفسه.
فامتنان العباد تكديرٌ وتعييرٌ، وامتنان الله إِفْضَال وتذكيرٌ، قال ابن القيم -رحمه الله-: "قد تولى الله ثواب المعطي، وردَّ عليه أضعاف ما أعطى.. فإذا امتن عليه فقد ظلمه ظلمًا بينًا".
منة الله مِنَّة لا تنقطع، وأفضاله لا تنفد، قال -تعالى-: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:96]؛ منَّة المخلوق تنقطع بموته: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)[الطور:30]، قال ابن عباس: "أي يتربصون به الموت".
أعظم مِنَّة نعمة الإسلام، الزمْها، وحافِظْ عليها، وادعُ الله بالثبات عليها، وهي أن هداك لهذا الدين وعبادة رب العالمين، فبها سعادة الدارين (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ)[القلم:3]. واحرص أن تكون صدقتك طيبة بها نفسك دون مَنّ ولا أذًى (لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الإنسان:9].
وصلوا وسلموا....