البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

ما جاء في التطير

العربية

المؤلف عبد الملك بن محمد القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصلاة - التوحيد
عناصر الخطبة
  1. النهي عن التطير وذمه .
  2. التطير من أعمال المشركين   .
  3. من أنواع التشاؤم والخرافات في القديم والحديث .
  4. الفرق بين الطيرة والفأل وحكمهما .
  5. حقيقة الطيرة والواجب نحوها .
  6. صلاة الاستخارة .

اقتباس

وهو التشاؤم بالشيء بما يقع من المرئيات أوالمسموعات في قلوب أهل الشرك والعقائد الضعيفة، الذين لا يجعلون توكلهم على الله، وأصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء والعطاس والنجوم وغير ذلك، فكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر، وإنما هو خواطر وحدوس وتخمينات لا أصل لها

 

 

 

الحمد لله العظيم في شأنه، والدائم في سلطانه، أحمده -سبحانه- على جزيل برِّه وإحسانه، وأشكره على سوابغ كرمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغ إلى رضوانه، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله، أشاد منار الإِسلام وأحكمه في بنيانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأعوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وأخلصوا له العمل، وتقربوا إليه بالدعاء وحسن التوكل.

أيها المسلمون: الدين الإِسلامي دين تفاؤل وبشر وسعادة وحبور، وانقياد لله واستسلام، عليه يتوكل المتوكلون، وإليه يسعى المتقون.

كان الناس قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعيشون في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، يردهم كل ناعق، ويصدهم صوت طائر؛ خيالات وخرافات، وأوهام ومنكرات، وقد كان من عادات الجاهلية التي أبطلها الإِسلام وحذر منها: التشاؤم.

والتشاؤم -عباد الله- والشؤم ضد اليُمن الذي هو البركة، ويقال رجل مشئوم على قومه؛ أي جر الشؤم عليهم، ورجل ميمون، أي جر الخير والبركة واليُمن على قومه.

والتشاؤم سوء ظن بالله -تعالى- بغير سبب محقق، والتفاؤل حُسن ظن به، والمؤمن يُحسن الظن بالله -تعالى- على كل حال.

وقد ورد النهي والوعيد في التطير، وهو التشاؤم بالشيء بما يقع من المرئيات أوالمسموعات في قلوب أهل الشرك والعقائد الضعيفة، الذين لا يجعلون توكلهم على الله، وأصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء والعطاس والنجوم وغير ذلك، فكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر، وإنما هو خواطر وحدوس وتخمينات لا أصل لها.

قال تعالى: (أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 131]
بين الله -سبحانه- في هذه الآية الكريمة أنَّ التَّطير من أعمال المشركين، وأنه مذموم شرعًا.

فقد كان قوم فرعون إذا أصابهم غلاء وقحط، زعموا أن ما أصابهم من البلاء بشؤم موسى وقومه كما ذكر الله عنهم: (وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ) فرد الله عليهم: (أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) أي: أن ما أصابهم من بلاء إنَّما هو بقضاء الله وقدره بسبب كفرهم وذنوبهم وتكذيبهم لموسى -عليه السلام-، ثم وصف أكثرهم بالجهالة؛ لأن موسى -عليه السلام- رسول رب العالمين، ما جاء إلا بالخير والبركة والفلاح لمن آمن به واتبعه.

وقال تعالى: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) [يس: 19] بين -سبحانه- حال المشركين لما كذبوا الرسل وأصيبوا بالبلاء فتشاءموا، وزعموا أن سببه ما جاء من قِبَل الرسل كما ذكر الله قولهم: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) [يس: 18] فرد الله عليهم: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ)، فما أصاب هؤلاء المشركين من البلاء إنما هو بقضاء الله وقدره بسبب ذنوبهم؛ فإن الرسل ما جاءت إلا بالخير والبركة لمن ابتعهم.

أيها المسلمون: في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر"، وزاد مسلم: "ولا نوء ولا غول".

كانت حياة الجاهلية مليئة بتلك الخرافات والأوهام، وقد نفى -صلى الله عليه وسلم- ما كان يعتقده أهل الجاهلية مثل: اعتقاد أن الأمراض تُعدي بنفسها: فنفى -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: "لا عدوى" فالأمراض لا تُعدي بنفسها وإنما بتقدير الله -عز وجل-.

ولا تعارض بين حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- السابق في نفي العدوى، وبين الأحاديث الأخرى، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد" رواه البخاري.

إذ أن على المرء أن يتوكل على الله مع اجتناب الأسباب التي تكون سببًا للبلاء؛ لقوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]

وكان من خرافاتهم في الجاهلية -أيضًا-: التشاؤم بمرئي أو مسموع من الأماكن أو الطيور، منه إن صاح طير البوم بالليل عند وقوعه على الدار، تشاءم أهلها وتوقعوا موت أحد منهم، وقد نفى -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: "لا طيرة ولا هامة" فالطيور من مخلوقات الله لا أثر لها في حُكم الله وقضائه.

مر طائر يصيح فقال رجل: خير خير، فقال ابن عباس: "لا خير ولا شر" أنكر عليه لئلا يعتقد تأثيره، ومن ألفاظ الجاهلية التي يكون عند البعض ويجب تركها قول: خير يا طير.

ومن التشاؤم كذلك: التشاؤم بالأرقام كرقم ثلاثة عشر؛ الذي يتشاءم
منه النصارى ظنًا أن له صلة بحادثة الصلب المزعومة التي نفاها الله -سبحانه- بقوله: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء: 157]

ومن التشاؤم كذلك: التشاؤم بالأيام، وكذا بتشبيك الأصابع، أو كسر العود أو ربط القماش عند عقد الزواج؛ فيتشاءم البعض بالفرقة بين الزوجين.

ومن التشاؤم أيضًا بالأشخاص، كقول: فلان وجهه نحس، أو التشاؤم بالألوان كاللوم الأسود وأنه علامة الحزن، أو ما يقوم به البعض عند فتح المصحف طلبًا للتفاؤل عند سفر أو تجارة أو نحوها؛ فإذا وقع نظره على آية فيها ذكر الجنة تفاءل وأقدم على عمله، وإن وقع نظره على آية فيها ذكر النار تشاءم أو أحجم عن السفر؛ وهذا يشبه عمل أهل الجاهلية الذين كانوا يستقسمون بالأزلام.

ومن خرافات الجاهلية: التشاؤم بشهر صفر، فقد كان أهل الجاهلية لا يتزوجون فيه، فنفى -صلى الله عليه وسلم- هذا الاعتقاد بقوله: "ولا صفر" فشهر صفر كبقية الشهور لا أثر له في حكم الله وقضائه.

ومن خرافات الجاهلية: الاعتقاد الباطل في النجوم وبعض الشياطين؛ فقد كان أهل الجاهلية يعتقدون أنَّ النجوم لها أثر في إنزال المطر، وأنَّ الغول تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفى -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: "ولا نوء ولا غول".

فالنجوم ليس لها أثر في إنزال المطر، والغول لا تستطيع أن تضل أحدًا أو تهلكه، ويُشرع للمسلم الاستعاذة بالله من شرها.

فالواجب على المسلم أن يكون حذرًا من هذه الاعتقادات الباطلة، فإن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غير الله، والمسلم يتوكل على ربه الذي بيده مقاليد الأمور، ولا ترده هذه الأوهام والخرافات عن حاجته.

وفي الحديث عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل" متفق عليه.

في هذا الحديث العظيم بيان أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الفأل؛ لما فيه من إدخال السرور على النفس من غير اعتماد عليه؛ والفرق بين الطيرة والفأل: أن الطيرة: لا تكون إلا فيما يسوء. مثل أن يعزم المرء على سفر أو زواج، فيرى أو يسمع ما يكره، فيترك ما عزم عليه.

وحكمها: شرك أصغر، وفيها سوء ظن بالله من غير سبب محقق، وإنَّما أوهام وخيالات، واعتماد القلب على غير الله.

أما الفأل: فإنه لا يكون إلا فيما يَسُرُّ، وفسَّره -صلى الله عليه وسلم- بالكلمة الطيبة يسمعها الإِنسان فيسرُّ ويقوى رجاؤه وثقته بالله. مثل أن يكون الإِنسان مريضًا فيسمع من يقول: يا سالم، فيقع في ظنه أنَّه يشفى من مرضه.

وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفأل؛ لما فيه من إدخال السرور على النفس من غير اعتماد عليه.وهو مُستحب؛ لما فيه من حسن الظن بالله -عز وجل-.

عباد الله: عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يُذهبه بالتوكل" رواه أبو داود.

الطيرة شرك أصغر لما يقوم بقلب صاحبها من الالتفات إلى غير الله في حصول خير أو شر، وقد بين ابن مسعود -رضي الله عنه- أن من وقع في قلبه شيء من الطيرة ولم ترده طيرته عن حاجته فإن ذلك لا يضره، بل يُذْهبهُ الله بالتوكل.

ولأحمد من حديث ابن عمر: "من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك" قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: "أن تقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك". وله من حديث الفضل بن عباس -رضي الله عنه-: "إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك" رواه أحمد.

أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن حد الطيرة المنهي عنها والتي هي شرك بقاعدة كلية، وهي: ما حمل الإِنسان على المضي فيما أراده، أو رده عن المضي فيه اعتمادًا عليها.

مثل أن يريد الرجل سفرًا فيسمع: يا راشد، أو يا غانم، أو يا سالم؛ فيمضي في سفره اعتمادًا على ما سمع، أو يريد سفرًا فيسمع صياح الغراب، فيرجع عن سفره تشاؤمًا منه،

كل ذلك شرك؛ لكونه لم يُخْلص توكله على الله، فأحسنوا الظن بربكم، وتوكلوا عليه تفلحوا وتسعدوا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88]

بارك الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته في أمر الطيرة، حيث سُئل عنها فقال: "ذاك شيء يجده أحدكم فلا يصدنه" وفي أثر آخر: "إذا تطيرت فلا ترجع" أي: امض لما قصدت له ولا يصدنك عنه الطيرة.

والتطير -عباد الله- إنما يضر من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يعبأ به شيئًا لم يضره ألبتة، ولاسيما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو سماعه ما علمنا إياه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك".

فالطيرة باب من الشرك، وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته يكبر ويعظم شأنها على من اتبعها نفسه، واشتغل بها، وأكثر العناية بها، وتذهب وتضمحل عمن لم يلتفت إليها، ولا ألقى إليها باله، ولا شغل بها نفسه وفكره.

فأوضح -صلى الله عليه وسلم- لأمته الأمر، وبين لهم فساد الطيرة؛ ليعلموا أن الله -سبحانه- لم يجعل لهم عليها علامة ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببًا لما يخافونه ويحذرونه، لتطمئن قلوبهم ولتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه، وخلق لأجلها السماوات والأرض، وعمر الدارين الجنة والنار.

فبسبب التوحيد ومن أجله؛ جعل الجنة دار التوحيد وموجباته وحقوقه، والنار دار الشرك ولوازمه وموجباته، فقطع -صلى الله عليه وسلم- علق الشرك من قلوبهم، لئلاً يبقى فيها علقة منها، ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهله ألبتة.

أيها المسلمون: المسلم مطمئن القلب، ساكن البال، معتمدُّ على ربه، متوكلُّ عليه، فإذا هَمَّ بأمر دنيوي؛ كسفر، أو نكاح، أو وظيفة، أو تجارة، فليصل صلاة الاستخارة، عن جابر -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هَّم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب.


اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي؛ ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال عاجله وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به"
رواه البخاري.

ويجتهد في إحضار قلبه والخشوع لله والصدق في الدعاء، ويُشرع أن يستشير من يثق به من أهل الدين والنصح والخبرة، ومتى انشرح صدره لأحد الأمرين فذلك علامة على أن الله اختار له ذلك الشيء.

هذا، وصلوا وسلموا.