الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
المسلمُ في سيرهِ إلى اللهِ -جلَّ وعلا- يبذلُ قُصَارى جهدِه في سبيلِ إرضاءِ ربِّه، ويُقدِّمُ أحسنَ الأعمالِ الصالحةِ لتكونَ له ذُخْرًا عند لقائِه، لكنَّ بعضَ النَّاسِ -هدانَا اللهُ وإيَّاهم- يَقعونَ في ذنوبٍ تكونُ سببًا في ذهابِ أعمالِهم، وضياعِ حسناتِهم، وهذا أخطرُ ما يكونُ على العبدِ وأشدُّ ما ينبغي الحذرُ منه، وهو سبيلُ ضياعِ الأعمالِ والحسناتِ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبرأَ، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبدعَ كلَّ شيءٍ وذرَا، سبحانه لهُ الحمدُ حمدًا طيبًا، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لهُ الجلالُ والجمالُ والكمالُ والغنَى، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه النَّبيُّ المصطفَى والقدوةُ المجتبى، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومَنْ تَبِعهَم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عباد الله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أيُّها المؤمنونَ: المسلمُ في سيرهِ إلى اللهِ -جلَّ وعلا- يبذلُ قُصَارى جهدِه في سبيلِ إرضاءِ ربِّه، ويُقدِّمُ أحسنَ الأعمالِ الصالحةِ لتكونَ له ذُخْرًا عند لقائِه، لكنَّ بعضَ النَّاسِ -هدانَا اللهُ وإيَّاهم- يَقعونَ في ذنوبٍ تكونُ سببًا في ذهابِ أعمالِهم، وضياعِ حسناتِهم، وهذا أخطرُ ما يكونُ على العبدِ وأشدُّ ما ينبغي الحذرُ منه، وهو سبيلُ ضياعِ الأعمالِ والحسناتِ.
ومن الذنوبِ التي تَتَسبَّبُ في ذهابِ العملِ كلِّه؛ أو بعضِه، ما يأتي:
أولاً: كراهيةُ شيءٍ من الدِّينِ أو ردِّهِ، قال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 9]، وخاصةً حينما لا يوافِقُ الشرعُ هواهُ ورغباتِه.
ثانيًا: الرياءُ، قالَ اللهُ -تعالى-: "أنَا أغنَى الشركاءِ عن الشِّركِ، مَنْ عَمِلَ عملًا أشرَكَ معيَ فيهِ غيري تركتُه وشِرْكَه"(رواه مسلم: 2985)، فأيُّ عبدٍ تقرَّبَ للهِ بقُرْبةٍ يَطلبُ بهَا ثناءَ النَّاسِ فقد حُرمَ ثوابُها، وعرَّضها للحبوطِ والبُطلانِ.
ثالثًا: الذهابُ للسحرةِ والعرَّافينَ والكُهانِ والمنجِّمينَ، قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنْ أتَى عرَّافًا فصدَّقَه بمَا يقولُ فقد كفَر بما أُنزِلَ على محمدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-"(رواه أحمد 10167)، وعندَ مسلمٍ: "مَنْ أتى عرَّافًا فسألَه عن شيءٍ لم تُقبَل له صلاةٌ سبعينَ ليلةً"(رواه مسلم: 2230).
رابعًا: الابتداعُ في الدِّينِ، قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنْ أحدَثَ في أمرِنَا هذا ما ليسَ منه فهوَ ردٌّ"، وفي روايةٍ: "مَنْ عَمِلَ عملاً ليسَ عليهِ أمرُنَا فهوَ رَدٌّ"(رواه البخاري 2697، ومسلم 1718).
خامسًا: التألِّي على اللهِ؛ فعن جُنْدبِ بنِ عبدِ اللهِ البَجليِّ -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- حدَّثَ أنَّ رجلاً قالَ: "واللهِ لا يغفرُ اللهُ لفلانٍ، وإنَّ اللهَ -تعالى- قالَ: ومَنْ ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفر لفلانِ؟ فإنِّي قد غفرتُ لفلانٍ وأحبطتُ عملَه"(رواه مسلم: 2621)، ومعنى: "يتألَّى عليَّ" أي: يُقسِم عليَّ.
سادسًا: عقوقُ الوالدين، لقوله -صلى اللهُ عليه وسلَّم-: "ثَلَاثةٌ لَا يَقْبَلُ اللهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا: عَاقٌّ، وَمَنَّانٌ، وَمُكَذِّبٌ بِالْقَدَر"(رواه ابن أبي عاصم في السنة 323، وحسنه الألباني في تخريج كتاب السنة 323).
سابعًا: انتهاكُ محارمِ اللهِ في الخلواتِ وعدمِ الحياءِ منه -سبحانه-، قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "لَأَعْلَمَنَّ أقوامًا من أمتي يأتونَ يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالَ جبالِ تهامةَ بيضاءَ، فيجعلُها اللهُ هباءً منثورًا"، قال ثوبانُ: يا رسولَ اللهِ، صِفْهُم لنا، جَلِّهم لنا؛ ألَّا نكونَ منهم ونحنُ لا نعلَم. قال: "أمَا إنَّهم إخوانُكم ومن جِلْدَتِكم، ويأخذونَ من الليلِ كما تأخذونَ، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلَوْا بمحارمِ اللهِ انتهكوهَا"(رواه ابن ماجه 4245، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 3442).
ثامنًا: ظلمُ الناسِ، وإيذاؤُهم بالأقوالِ والأفعالِ، وأخذُ أموالهمِ بالباطلِ، قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟"، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"(رواه مسلم: 2581).
تاسعًا: اقتناءُ الكلابِ ووضعُها في البيوتِ، قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنِ اقْتَنى كَلْبًا، إلّا كَلْبًا ضارِيًا لِصَيْدٍ أوْ كَلْبَ ماشِيَةٍ، فإنَّه يَنْقُصُ مِن أجْرِهِ كُلَّ يَومٍ قِيراطانِ"(رواه البخاري 5481، ومسلم 1574).
عاشرًا: عصيانُ الزوجةِ لزوجِها دونَ عذرٍ شرعيٍّ، ومن أمَّ قومًا وهم له كارهونَ، قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ"(رواه الترمذي 360، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 360).
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون)[الأنفال:24].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ أيها المؤمنون، واعلموا أنَّ من محبِطاتِ الأعمالِ أيضًا:
أحدَ عشرَ: الغِيبةُ، وهي ذكرُ المسلمِ لأخيهِ المسلمِ بما يكرهُه، وإذا لم يتحلَّلْ المرءُ من صاحبِها في الدنيا، أُخِذَ من حسناتهِ على قدرِها فتُعطَى لمن اغتابَه.
اثنَا عشرَ: قولُ الزورِ والعملُ به، لقولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "من لم يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه"(رواه البخاري 6057).
ثلاثةَ عشرَ: تركُ صلاةِ العصرِ بدونِ عُذرٍ شرعيٍّ؛ لقوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنْ ترَكَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه"(رواه البخاري 553).
أربعةَ عشرَ: شربُ الخمرِ؛ لقولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنْ شَرِبَ الخمرَ لم تُقبَل له صلاةٌ أربعينَ صباحًا"(رواه الترمذي 1862، وصححه الألباني)، وقال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "لا يدخُلُ الجنَّةَ مدمنُ خَمرٍ"(رواه ابن ماجه 3376، وصححه الألباني).
خمسةَ عشرَ: المنُّ في العطيةِ، لقولِه -جلَّ وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[البقرة:264]. أسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.
فاحذروا -باركَ اللهُ فيكُم- من هذهِ المحبطاتِ وغيرِهَا، ولا تُضيَّعوا حسناتِكم بسببِها.
أسألُ اللهَ أَنْ يحفظَ علينَا أعمالنَا وحسناتِنا، إنَّه وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ -جلَّ وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].