الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | راشد بن عبد الرحمن البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الهدي والأضاحي والعقيقة - |
فلنتفرَّغْ لهذا اليومِ الجليلِ، ولنَتهيَّأْ قبلَهُ بنومِ لَيلِنا، وبقضاءِ أشغالِنا، وتركِ جوالاتِنا، ولنُرتِّبْ أعمالاً صالحةً متعددةً ليستْ صومًا فحسبْ؛ بل دعاءً وذكرًا وتكبيرًا، وإخباتًا، وإحسانًا, وقدْ كانَ بعضُ السلفِ والصالحينَ يجمِّع حوائجَه بين يديْ ربهِ في يومِ عرفةِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ؛ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ، وجاهَدَ في اللهِ حقَّ جهادِه، فاللهم صلِّ وسلِّمْ عليهِ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ, فإننا في موسمٍ تُعظَّمُ فيه التقوَى، وتُعظَّمْ فيهِ شعائرُ اللهِ؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].
ولا زِلْنا نَتفيأُ فضلَ اللهِ علينا في عَشرٍ هيَ أبركُ أيامِ السنةِ، وقد بقي منها الثلث والثلثُ كثيرٌ، وإن مِن العَشرِ لَيَوماً هوَ أعظمُها؛ إنهُ يومُ الاثنين القادمِ، إنهُ يومُ العِتقِ والدنوِّ والمُباهاةِ الذيْ قالَ عنهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ؛ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟"(رواه مسلمٌ)؛ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: "وهو يَدلُّ على أنهمْ مَغفورٌ لهم؛ لأنهُ لا يُباهِيْ بأهلِ الذنوبِ"(التمهيد), أليسَ عرضًا مغريًا؟! أليسَ هذا هو الرصيدُ الحقيقيُ، لا أرصدةُ الريالاتِ؟!.
ومنَ العروضِ الربانيةِ المغريةِ: أن صيامَ يومِ عرفةَ يكفِّرُ صغائرَ الذنوبِ لسَنتينِ، سنةٍ مَضتْ، وسَنةٍ أتتْ، فكأنهُ حِفْظٌ للماضِي والمستقبلِ, وهو "أفضلُ من عاشوراءَ وأكثرُ تكفيراً؛ لأن صومَه من خصائصِ شرعِنا، فضُوعِفَ ببركاتِ المصطفَى -صلى الله عليه وسلم-"(بدائع الفوائد لابن القيم).
فلنتفرَّغْ لهذا اليومِ الجليلِ، ولنَتهيَّأْ قبلَهُ بنومِ لَيلِنا، وبقضاءِ أشغالِنا، وتركِ جوالاتِنا، ولنُرتِّبْ أعمالاً صالحةً متعددةً ليستْ صومًا فحسبْ؛ بل دعاءً وذكرًا وتكبيرًا، وإخباتًا، وإحسانًا, وقدْ كانَ بعضُ السلفِ والصالحينَ يجمِّع حوائجَه بين يديْ ربهِ في يومِ عرفةِ، فيدعو بإلحاحٍ، فلا يلبثُ أن يرَى فضلَ ربهِ في إجابةِ دعائهِ قبلَ عرفةَ القادمِ!.
فيا مَن سيشهدُ عرفةَ صائماً: إنك ستدعُو رَباً عظيماً، بَراً كريماً، لا يَتعاظَمُه ذنبٌ أن يَغفرَه، ولا فَضلٌ أن يعطيَه، فأحسِن ظنَك بربِك؛ فإن ربَك عند ظَنِك، وعطاءَ اللهِ أعظمُ من أمَلِكَ, ولا تَظُنَ بربِكَ إلا أنه قَبِلَكَ، وَوهَبَ لكَ خطأَكَ, فأبشِرْ، "ولا تتحجَّرْ عنْ نفسِكَ، ولا عنِ الناسِ من رحمةِ اللهِ واسعاً"(فتح الباري لابن حجر).
أيُّها المعرِّفُ بعرفةَ: حضِّرْ أدعيتَك، واخْلُ بنفسِكَ، وادعُ اللهَ، وابكِ وألحَّ، وأنتَ مُوقنٌ بالإجابةِ؛ لعلَّ اللهَ أنْ يَرفعَ بدعائِكَ بلاءً نَزلَ، وبلاءً قبلَ أن يَنزِلَ, وخُصَّ بالدعاءِ والدَيكَ وأهلَكَ ووليَ أمرِ المسلمينَ، وادعُ لأقطارِ المسلمينَ، وللمَكروبينَ والمَرضَى والموتَى منَ المسلمينَ.
عبادَ اللهِ: إنَّ اليومَ الذيْ يَليْ عرفةَ، وهوَ يومُ النحرِ, يومٌ مفضَّلٌ ومعظمٌ عندَ اللهِ؛ ولذلكَ سمَّاه اللهُ يومَ الحجِّ الأكبرِ, وفيهِ شَعيرتانِ عَظيمتانِ:
الأولى: شُهودُ صلاةِ العيدِ معَ المسلمينَ، فلا تفوِّتْها فبعضُ العلماءِ يَرى وُجوبَها.
الثانية: الأضحيةُ، ذلكَ القُربانُ العظيمُ موقعُه عندَ اللهِ -سبحانَه-.
ومن عجَزَ عن قيمتِها فهو معذورٌ، وهي مسنونةٌ لا واجبةٌ، ويقال لمنْ عَجَزَ: قد ضحَّى عنكَ حبيبُك -صلى اللهُ عليه وسلمَ- حينَما ضَحَّى بِكَبْشٍ، وَقَالَ: "هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي"(سنن الترمذي).
ومَنْ وجَدَ سَعَةً فليُعطِ دراهمَ لمنْ يعجَزُ، أو يعطيْهِ إحدَى ضحايا وَصايا أمواتِهِ، يذبحونها ويأكلوُنها فيَفرحونَ، وتبقَى نيةُ الوَصِيِ والموصِي على ما هيَ, أو ليجمعْ أهلُ بيتٍ قيمةَ أضحيةٍ، ولْيَهَبُوا المبلغَ لمحتاجٍ مِنْ عادتهِ أنه يُضحيَ، ولكنهُ عجَزَ الآنَ, فما أعظمَ إدخالَ السرورِ على مِثلِ هؤلاءِ!.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إن ربي لغفورٌ رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ يُعطِينا، ويَشكرُ لنا إن أَعطَينا، والصلاةُ والسلامُ على أُسوتِنا وقدوتِنا.
أما بعدُ: فإليكمْ سبعَ مَسائلَ تتعلقُ بالذكاةِ والأضحيةِ:
الأولُى: تُوجدُ عُيوبٌ في الأضحيةِ، ومع ذلك تُجزئُ، فمِنْ تلكَ العُيوبِ المُجزئةِ:
مَقطوعةُ الأذُنِ، والأفضلُ سليمةُ الأُذُنِ.
مَكسورُ القَرْنِ، والأفضلُ سليمُ القَرْنِ.
الأضحيةُ بشاةٍ فيها طُلوعٌ؛ أي: غُدةٌ ظاهرةٌ, والأفضلُ سلامتُها منها.
الثانية: متزوجٌ، وأسكُنُ في شِقةٍ عندَ أبي، فهلْ تكفِي أضحيةُ والديْ؟
الجوابُ: إذا كان مطبخُ الشِقةِ مستقلاً فلا تَكفِي عنكَ أضحيةُ والدِك, فإن قدِرتَ فالأفضلُ أن تُضحي.
الثالثة: أيهما أَفْضَلُ: الأضْحِيَّةُ بالشاةِ أم بالخروفِ؟
الجوابُ: الخروفُ أفضلُ, و"أن يكونَ أقرنَ أفضلُ"(ابن حجر في فتح الباري).
الرابعة: ما حكمُ كَسْرِ عُنقِ الذبيحةِ بعد ذَبحِها مباشرةً؟.
الجوابُ: لا يجوزُ؛ لأنهُ تعذيبٌ لها.
الخامسة: هل تُذبحُ على الجَنبِ الأيمنِ، أم على الأيسرِ؟.
مَن يَذبحُ باليُمنى يُضجِعُها على الأيسرِ، ومَن يَذبحُ باليُسرَى يُضجِعُها على الأيمنِ.
السادة: ما حكم توجيهُ الذبيحةِ للقِبلةِ؟.
لا يَجبُ، وإنما هو سُنةٌ.
السابعة: هل أُمسِكُها بيدَيْها ورِجْلَيْها عند ذَبحِها، أو أُبقِيها تَرفِسُ؟.
الثانيْ أفضلُ؛ "لأن فيه فائدةً في استفراغِ الدمِ"(الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع)
اللهم لكَ صَلاتُنا ونُسُكنُا ومَحيانا ومَماتُنا، وإليكَ مآبُنا, اللهم وَهبتَنا مالاً، فَبَذَلْنا منه بفضلِكَ قُربةً ومَنْسَكًا, فاللهم اقبَلْ ضَحايَانا وارزُقنا بعدَها تقوَى القلوبِ, اللهم إنا عاجزونَ عن شُكرِكَ، فنُحيلُ إلى عِلمِكَ وفضلِكَ, اللهمَ لكَ الحمدُ على حلمِك بعدَ علمِك، ولكَ الحمدُ على عفوِك بعدَ قُدْرَتِك, اللهم سدِّدْ إمامَنا ووليَّ عهدِهِ لهُداكَ، واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ, واجزهم على هذا الحزمِ في الاحترازاتِ في الحجِ والعمرةِ والتجمعاتِ، وعلى توفرِ المسحاتِ واللقاحاتِ, اللهم احفظْ جنودَنا وحجاجَنا ومنظِمي حجاجِنا.