البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

من دلائل الربوبية: إنزال المطر

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. عظمة الخلق من دلائل عظمة الخالق .
  2. نزول المطر من أجمل لحظات الحياة .
  3. الاستدلال على توحيد الله بإنزال المطر .
  4. الاستدلال بالقدرة على إحياء الأرض على البعث .
  5. نعمه تخزين الماء في الأرض .
  6. مظاهر كفر نعمة المطر .

اقتباس

ومن مظاهر قدرته العظيمة، ودلائل نعمته على عباده: هذه المياهُ التي يرزقها عباده، يأمرُ السحاب فيجتمع، ثم يسيرُ بأمر الله تعالى إلى ما أراد من أرضه، ثم ينزله غيثًا مباركًا. ومن أجمل لحظات عيش الإنسان في الدنيا: لحظاتُ نزول المطر، بل لا تكاد توجد صورة في الدنيا أجمل من نزول الغيث من السماء، لا سيما مع حاجة الناس والحيوان والأرض إلى الماء ..

 

 

 

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد: فإنَّ عظمة الله تعالى، وإنعامَه على عباده، ظاهر في كل ما يمر بالناس في حياتهم.

عظمةٌ في خلق السموات وما فيها من أبراج وأفلاك، وشمس وقمر، وعظمةٌ في خلق الأرض وما فيها من جبال وسهول، وأوديةٍ وبطاح، وبحار وأنهار، وأنواع الشجر والثمار، والزروع والحيوان، مخلوقاتٌ في البر، وكائناتٌ في البحر، لا يعلمها ولا يحصيها ولا يرزقها إلا خالقها، تبارك اسمه، وتعالى جَدُّه، ولا إله غيره، سبحانه وبحمده!!

ومن مظاهر قدرته العظيمة، ودلائل نعمته على عباده: هذه المياهُ التي يرزقها عباده، يأمرُ السحاب فيجتمع، ثم يسيرُ بأمر الله تعالى إلى ما أراد من أرضه، ثم ينزله غيثًا مباركًا.

ومن أجمل لحظات عيش الإنسان في الدنيا: لحظاتُ نزول المطر، بل لا تكاد توجد صورة في الدنيا أجمل من نزول الغيث من السماء، لا سيما مع حاجة الناس والحيوان والأرض إلى الماء.

عمليات تتم لنزول هذا الغيث المبارك، من إنشاء السحاب، وإضاءة البرق، وتسبيح الرعد: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ) [الرعد: 12-13].

وإن من طرق القرآن في الاستدلال على ربوبية الله تعالى وتوحيده: لفت الأنظار إلى قيمة هذا الماء، واحتياج الخلق إليه، وامتنانِ الخالق بإنزاله، ومن ثم تقرير ربوبيته ولزوم توحيده: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 22]، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلَى الأَرْضِ الجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [السجدة: 27]، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت: 63]، (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60]، (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 10-11]، فالملاحظ في الآيات السابقات أن الامتنان بنعمة الغيث يعقبه التذكير بلزوم التوحيد لله تعالى.

وغذاءُ الإنسان طيلة حياته إنما كان من ثمرات هذا الماء الذي أنعم الله به على العباد ليتمتعوا ويؤمنوا: (فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [عبس: 24-32].
 

والحياة على الأرض لا تكون بلا ماء؛ فالبشر والحيوان والنبات لا يحيون إلا بالماء: (وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]، (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) [طه: 53-54]، (وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) [النَّبأ: 14-16]، (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) [الفرقان: 48-49].

والأرض تحيا بالماء، وتموت إذا فقدت الماء، وكذلك من عليها من الخلق، (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [النحل: 65].

وإذا كان الله تعالى قادرًا على إحياء الأرض بالماء بعد موتها فهو كذلك قادر على بعث العباد ومحاسبتهم؛ لذا كان الإخبار في القرآن عن إحياء الأرض مثلاً مضروبًا لبعث العباد يوم القيامة: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ) [الحج: 5-7]، (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 57]، (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصِّلت: 39]، (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) [فاطر: 9].

وما يُحدثه المطر من جمالٍ في الأرض -بإذن الله تعالى- مظنة للفخر وغرور البشر لما رأوا من خضرتها وزينتها؛ ولضعفهم فإنهم ينسون موتها قبل الخضرة وبعدها، وكذلك الدنيا ينخدع البشر بزينتها وخضرتها فلربما ألهتهم عن الآخرة؛ فتزول الدنيا كما زالت الخضرة عن الأرض، فالدنيا هي الأرض المزدانة أوقات الأمطار والربيع؛ لكن هذه الزينة في الحياة ليست أبدية وإن طالت، فصاحبها قد يفتقر من بعد الغنى، ويضعف من بعد القوة، ويهرم من بعد الشباب، ولسوف يموت كما مات ذلك النبات الخضر الطيب: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) [الكهف: 45]، (اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ) [الحديد: 20]، (إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24].

فمادام الأمر كذلك فلا بد إذًا من توحيد الله تعالى وطاعته، والحذر من الشرك والعصيان اغترارًا بالدنيا. وفي الآيات القرآنية، وأحوال الأرض قبل المطر وبعده آيات للمدكرين، وعبرة للمعتبرين، ومن لم يعتبر بكلام الله تعالى فليس له مُعتَبر.

جعلنا الله من أهل الاعتبار والادكار، وأعاذنا من الغفلة والذهول والنسيان، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله ربكم، واشكروه على ما أنعم به عليكم؛ فإن الشكر يزيد في النعم، والكفر مع النعم استدراج للعباد، فإياكم إياكم أن تكفروا نعمه؛ فإنه شديد الأخذ والمحال.

أيها الإخوة: إن نعم الله تعالى على عباده تزداد وتتكامل؛ فهو -سبحانه وتعالى- يرزقهم الماء، ويخزنه لهم في الأرض؛ حتى ينتفعوا به دهرًا طويلاً، مع أنه تعالى قادر على إذهابه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18].

والعباد أضعف من أن يستطيعوا تخزينه إلا بأمر الله تعالى وإذنه، وما وهبه لهم من وسائل التخزين والحفظ، وعلمهم من صنع السدود ونحوها: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "وما أنتم له بحافظين؛ بل نحن ننزله ونحفظه عليكم، ونجعله معينًا وينابيع في الأرض، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به؛ ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبًا، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك؛ ليبقى لهم طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم". اهـ.

ومن رحمته بعباده ونعمته عليهم أنه ينزل ماءً عذبًا فراتًا، عظيم النفع، طيب المذاق، ولو شاء لجعله ملحًا أجاجًا لا يطيقه الناس: (أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 68-70].

نعم والله! إن هذه النعمة لحقيقة بالشكر، ليس شكرًا باللسان فقط، وإنما شكرٌ بالأفعال أيضًا.

إن من مظاهر كفر هذه النعمة: الإسراف في المياه: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ) [الأنعام: 141]، ومما يندى له الجبين ما تسخر فيه هذه النعمة من معصية الله تعالى!! نعم والله!! إن كثيرًا من الناس ليسخرونها في معصية الله تعالى، فإذا ما أُمطِروا واخضرت أرضهم وازدانت؛ خرجوا إلى المنتزهات والصحارى مصطحبين منكراتهم ومعاصيهم، من أنواع آلات اللهو المحرَّم؛ ليستمتعوا بها في نزهتهم، يعصون الله في أرضه، ويستمتعون بنعمته! فأي كفران هذا؟! وكثير منهم يضيعون الصلاة، ويؤخرونها عن وقتها؛ بل إن شهواتِ البعض بالغت في العصيان حتى أخذوا يجرون معهم في رحلاتهم أطباق الفضائيات، ينصبونها في الصحارى والبراري؛ ليستمتعوا بما فيها من حفلات ماجنة، وغناء صاخب. وبعضهم لا يحفظ نساءه وبناته في هذه الرحلات؛ بل ربما خرجن وحدهن بلباس فيه من التهتك ما فيه، وفي ذلك عصيان للمولى، وافتتان لعباد الله، فهل هذا من شكر النعم؟!

فاتقوا الله ربكم، وخذوا على أيدي السفهاء منكم، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ) [المائدة: 2]. فهذا من الشكر، وإلا كانت النعم استدراجًا، والعاقبة عذابًا وهلاكًا.

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله كما أمركم بذلك ربكم.