الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الحياة الآخرة |
إنها الحقيقة الكبرى كل حي سيفنى، وكل جديد سيبلى، ما هي إلا لحظة واحدة في مثل غمضة العين أو لمحة البصر تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا بالعبد في عداد الأموات، ذهب العمر يا أسير الشهوات والمعاصي والآثام، وتقصير في أداء الصلوات، وبقية الأوامر التي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا مباركا فيه يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71-72].
إننا نسمع كل يوم بالموت ونسمع كل يوم بوفاة قريب لنا أو جار، ومع ذلك فإننا لا نعتبر من كثرة الأموات، يقول تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185].
إنها الحقيقة الكبرى كل حي سيفنى، وكل جديد سيبلى، ما هي إلا لحظة واحدة في مثل غمضة العين أو لمحة البصر تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا بالعبد في عداد الأموات، ذهب العمر يا أسير الشهوات والمعاصي والآثام، وتقصير في أداء الصلوات، وبقية الأوامر التي أمر بها الشارع الكريم.
عباد الله: وفي غفلة مع أمور الدنيا ونفاجأ باتصال هاتفي أو رسالة أو غير ذلك بأن فلانا قد مات، وقد كان في كامل صحته وعافيته؛ إنها موت الفجأة تكثر في آخر الزمن، يقول صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا (أي كبيرا) فيقال: لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقا، وأن تظهر موت الفجأة"(رواه الطبراني وحسنه الألباني).
فعجبا لنا كيف نتجرأ على الله وأرواحنا بيده؟! روي "أن ملك الموت دخل على داود -عليه السلام- فقال داود: من أنت؟ فقال: أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فاذًا، أنت ملك الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعد، قال: يا دواد أين فلان قريبك، وأين فلان جارك؟ قال: ماتوا، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد للموت؟!".
نؤمل آمالا ونرجو نتاجها | والموت مما نرجيه أقرب |
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا | وفي كل يوم واعظ الموت يندب |
إلى الله نشكو قسوة قد عمت، وغفلة قد طمت، وأياما قد طويت أضعناها في المغريات، وقتلناها بالشهوات، كم قريب دفناه؟ وكم حبيب ودعناه؟ ثم نفضنا التراب من أيدينا وعدنا إلى دنيانا لنغرق في ملذاتها، بل ربما ترى بعض المشيعين يضحكون ويمزح بعضهم على بعض أيام العزاء لا يأخذون من مجلس العزاء والمقبرة عبرة وعظة، وكان عثمان بن عفان -رضى الله عنه- يبكي عند القبر حتى تبتل لحيته، ويقول: "إن رسول الله -صلى الله على وسلم- يقول: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعد أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشد منه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظر قط إلا والقبر أفظع منه"(رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني).
وقد قيل: "من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط في العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل عن العبادة".
واعلموا أن تذكر الموت لا يعني كثرة الحزن وطول البكاء مع الاستمرار في التقصير في أوامر الدين، بل تذكر الموت يعني الاهتمام بتوحيد الله، وعدم الاشراك به، والاهتمام بالصلوات جماعه مع المسلمين، والاهتمام بحقوق الناس، وارجاع الحقوق إلى أصحابها، وأن تكون جاهزا للموت في أي وقت يفاجئك، ولا نكن كالذين قالوا بعد الموت: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون: 99-100].
نسأل الله أن يجعلنا من المعتبرين من الموت، وأن يصلح أعمالنا، ويغفر ذنوبنا، ولا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا؛ إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطية الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم.
"كفى بالموت واعظا" ولو كان الأمر سينتهي لهان الأمر، لكنه مع شدته هو أهون مما يليه من القير وظلمته، ثم الوقوف في عرصات يوم القيامة حفاة عراة غرلا، ولا ندري هل نكون من أصحاب الجنة أم أصحاب النار؟ هل نأخذ كتبنا باليمين أم اليسار؟ هل نجتاز الصراط أم نسقط في النار؟
إنها أمور عظيمة، وخطيرة أمامنا -نسأل الله السلامة منها-، وعلينا أن تستعد لهذه المهام العصيبة، ولا يكون الاستعداد للموت وما وراءه إلا برحمة الله أولا، ثم بأداء الأوامر، واجتناب النواهي، وأداء الحقوق والواجبات بقدر ما نستطيع، وترك المحرمات، وعدم الاعتداء على حقوق الناس.
نسأل الله أن يوفقنا للتوبة النصوح، والعمل الصالح، ونسأل الله أن يرينا الحق ويرزقنا إتباعه، ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا عسرا الا يسرته، ولا مريضا إلا شفيته.
اللهم وفق ولي أمرنا وأمور المسلمين لما يرضيك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، وأبعد عنهم بطانة السوء الفاسدة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.