البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

تسلية لمن يعيشون من المسلمين بين أوساط جاهلية

العربية

المؤلف عبدالله بن حسن القعود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الاقتداء بالسابقين المصلحين .
  2. نماذج من السلف الصالح .

اقتباس

لفتات وأصداء تداعب النفس البشرية، تداعب نفس المؤمن محاولة معانقتها وجرها لتلتقي بأرواح وآثار أعمال من سبقها في الخير وسلك مثل طريقها، وإن مما جاء في تاريخ الإسلام ونزل به القرآن تسلية وتبصرة لمن ابتلوا من شباب المسلمين بالعيش بين نفوس أو مجتمعات ذات شح وهلع وطمع تركز على الدنيا دون الآخرة، أو بين نفوس أو طواغيت ظاهرة أو مقنعة تنزِّل الموتى منزلة الله ..

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليما كثيراً.

أما بعد: فيقول سبحانه وتعالى: (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:1-3]

أيها الأخوة المؤمنون: اتقوا الله وتذكروا أن الشباب الواعي الملتزم لِما مَنّ الله به عليه من علم وتقبّل لدين الله برضى وطواعية؛ ليعتبر ويتعظ بمن حوله وبمن سبقه في مثل طريقه، وإن فيما سبقنا في تاريخ شباب الإسلام الطويل للفَتَات ودروساً وعبراً وعظات.

لفتات وأصداء تداعب النفس البشرية، تداعب نفس المؤمن محاولة معانقتها وجرها لتلتقي بأرواح وآثار أعمال من سبقها في الخير وسلك مثل طريقها، وإن مما جاء في تاريخ الإسلام ونزل به القرآن تسلية وتبصرة لمن ابتلوا من شباب المسلمين بالعيش بين نفوس أو مجتمعات ذات شح وهلع وطمع تركز على الدنيا دون الآخرة، أو بين نفوس أو طواغيت ظاهرة أو مقنعة تنزِّل الموتى منزلة الله في طلب المنافع أو دفع المضار أو تشبّه الله سبحانه وتعالى بخلقه تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، أو تنطلق في حكمها أو في عبادتها أو سلوكها أو معاملتها من غير شرع الله.

إن مما جاء تسلية وتبصرة ما قصه الله تعالى علينا عن عدد من شباب الإسلام الذين وجِدُوا أو نشأوا بين أحضان جاهليات جهلاء وضلالات عمياء ومحاولات لفتنتهم وردهم عن دينهم فخلصوا منها بعقيدتهم الصافية وتوحيدهم الخالص الذين لم تشبه شائبة كما يخلص اللبن السائغ للشاربين من بين فرث ودم، فسبحان من وفق من شاء من عباده لذلك.

وفي مقدمة أولئكم رسل الله الكرام -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36] ومن تلكم الأمثلة الرائعة والنماذج الحية التي تشهد لهذا من غير الأنبياء قصة أصحاب الكهف -قصة صاحب يس -قصة مؤمن آل فرعون- قصة امرأة فرعون.

قصص تذكر من يعيشون على أي من بقاع الأرض في أوساط الجاهلية ما- كفر أو فسق- ليحتذوا حذوهم ويقتدوا بمواقف أهلها حفاظاً على عقيدتهم وتطلعهم إلى ما وصل إليه أهل تلك القصص من الفردوس الأعلى والنعيم الأبدي في الآخرة.

فهي قصص تركز على العناية بعقيدة التوحيد الخالص في الدرجة الأولى، وتدعو لها وتواجه بها حتى في أقسى الظروف وأمام العتاة والطغاة جهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته سبحانه. قال -عليه الصلاة والسلام-: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" حديث صحيح.

يقول تعالى في مجموعة شباب التقوا على توحيد الله والإيمان به، رغم ما يحيط بهم من فتن شهوات وشبهات ورياسات، فهم من أبناء علية القوم من أبناء ملوك الروم وساداتها: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً) [الكهف:13-14]

ويقول سبحانه عن صاحب يس حبيب المذكور في سورة يس الذي لما رأى قومه كذبوا المرسلين انبرى من بين قومه قائلاً: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ* وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ* إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ* قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يّـس:23-27]

ويقول تعالى عن مؤمن آل فرعون في سورة المؤمن: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) [غافر:28] ويقول في سورة التحريم عن امرأة فرعون التي تعيش تحت من يقول: (يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم:11]

ومما جاء في السنة قصة أبي جندل بن سهيل بن عمرو -رضي الله عنهما- فقد أسلم، وحاول والده سهيل أن يرده، واشترط على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية أن من جاءكم منا تردونه إلينا.

وبعد أن تم الصلح وأخذ في كتابته جيء بأبي جندل بن سهيل يرسف في القيود، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه وضرب وجهه وأخذ بتلابيبه، وقال: يا محمد، لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: "صدقت" فجعل ينتره ويجره بتلابيبه أي يرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين: أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً"، وجعل الله لأبي جندل وأمثاله فرجاً ومخرجاً. وتدور الأيام ويصبح الأب الذي يضرب الابن على وجهه ليرده عن دينه يطلب الأمان يوم فتح مكة فيطلبه له ابنه أبو جندل ويؤمن". وورد أن سعد بن مالك بن سنان -رضي الله عنه- قال: "نزل فيّ قول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) الآية [لقمان:15]

قال: "كنت رجلاً باراً بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الذي أراك قد أحدثت، لتدع دينك هذا، أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، تعير بي، فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلي يا أماه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوماً وليلاً لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً وليلة أخرى، لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت لها: يا أمه، تعلمين والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فكلت".

وأمثال أولئك كثير ممن ابتلوا لردهم عن دينهم كبلال وصهيب وعمار وآله الذين يمر عليهم -صلى الله عليه وسلم- يعذبون، فيقول: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة" فما وهنوا وما نكصوا، بل ظلت عقيدتهم منتصرة وسيرتهم وذكراهم عظة وعبرة.

فيا شباب الإسلام: لا تستضيقوا من أي مضايقة تواجهكم في هذه الحياة من أهل أو عشير أو والد أو ولد أو زوج أو حاكم أو محكوم، فلكم فيمن سلف خير قدوة فاقتدوا بالقوم صابرين محتسبين ناهجين نهج من يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، تدخلوا مدخلهم وتلحقوا بهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً.