فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الخير والعطاء، والخير باقٍ فيها إلى قيام الساعة, وبين الحين والآخر تُطرح مشاريع ووسائل دعوية ينفع الله بها, ومن أميَزها ما يتعلَّق بحفظ كتاب الله عز وجل. ومن هذا المنطلق ورغبةً في تعميم الخير؛ كانت هذه الرسالة التي تشحذ الهمم، وتُحيي الأمل في النفوس لحفظ كتاب الله عز وجل أو بعضه عبر وسيلة الاتصال الهاتفي.
التفاصيل
برنامج حفظ القرآن الكريم عن طريق الهاتف مقـدمـة مـدخــل أثر القرآن على النفس: طريقة حفظ القرآن: أولاً: كيف تحفظ القرآن الكريم؟([1]) إذا أردتَّ حفظ وجه جديد في يوم غد فكيف تفعل؟ كيف تجمع بين الحفظ والمراجعة؟ كيف تراجع القرآن كاملاً إذا انتهيت من هذه المراجعة: قواعد وضوابط في الحفظ: ثانيًا: كيف تحفظ المتون العلمية؟ ماذا تحفظ من المتون؟ الخـاتمـــة برنامج حفظ القرآن الكريم عن طريق الهاتفالقسم العلمي بدار القاسم مقـدمـةمقدمةالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.وبعد: فإن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أمة الخير والعطاء، والخير باق فيها إلى قيام الساعة, وبين الحين والآخر تُطرح مشاريع ووسائل دعوية ينفع الله بها, ومن أميزها ما يتعلق بحفظ كتاب الله – عز وجل – ومن هذا المنطلق ورغبة في تعميم الخير؛ كانت هذه الرسالة التي تشحذ الهمم وتحيي الأمل في النفوس لحفظ كتاب الله – عز وجل – أو بعضه عبر وسيلة الاتصال الهاتفي.نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.* * * * مـدخــللقد امتن الله – سبحانه وتعالى – على هذه الأمة بحفظ كتابه فقال – سبحانه ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر﴾ [القمر: 17] فالصغير والكبير، والكفيف والبصير، والأعجمي والعربي، والذكر والأنثى؛ الكل يتنافسون في حفظ كتاب الله، فكم نسمع عن صغير يحفظ القرآن وعمره لا يتجاوز السابعة، وكم نرى من شيخ كبير أتم حفظ كتاب الله بعد أن بلغ من الكبر عتيًا، وكم علمنا عن كفيف حفظ كتاب الله وعيناه قد طُمس نورهما لم ير حرفًا من المصحف، وكم نسمع من أعجمي حفظ كتاب الله وهو لا يحسن الحديث باللغة العربية، وكم من امرأة عجوز لا تعرف القراءة والكتابة فإذا بها تسارع إلى حفظ كتاب الله – عز وجل .. وكم وكم! تلك أمة الخير والعطاء.. من يتسابق أفرادها إلى جنة عرضها السموات والأرض؛ أعدت للمتقين. جعلنا الله وإياكم منهم.ومن زار بلادًا عربية أو إسلامية أو جالية في بلاد كافرة إلا وجد من أجل أعمالهم وأعظمها تحفيظ كتاب الله – عز وجل – وفي بعضهم من القلة والعوز ما تراه العين وتبصره. أثر القرآن على النفس:* قال ابن القيم – رحمه الله -: «إن محبة الله تنور الوجه وتشرح الصدر، وتحيي القلب، وكذلك محبة كلام الله؛ فإنها من علامة محبة الله، وإذا أردت أن تعلم ما عندك من محبة الله فانظر محبة القرآن من قلبك، والتلذذ بسماعه أعظم من تلذذ أصحاب الملاهي والغناء المطرِب- بسماعهم؛ فإن من المعلوم أنّ من أحب محبوبًا كان كلامه وحديثه أحبّ شيء إليه».* وقال أيضًا: «لا شيء أنفع من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه؛ فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كرّرها ولو مائة مرة، ولو ليلة؛ فقراءة آية بتفكر خير من قراءة ختمة بغير تدبر وفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف يردّد أحدهم الآية إلى الصباح؛ فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب».* وتأمل في قول خباب بن الأرت – رضي الله عنه – لرجل: «تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه» [رواه الحاكم].* وقال ابن مسعود – رضي الله عنه: «ومن أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله» [رواه الطبراني].* وإن المرء ليعجب من امرئ يدرس سنوات طوال تتجاوز العشر- وربما تقارب من العشرين سنة- وهو لم يحفظ من كتاب الله إلا جزءًا أو أقل!يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : «وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علمًا وهو إما باطل أو قليل النفع». طريقة حفظ القرآن:يسر الله – وله الحمد والمنة – في هذه الأزمنة وسائل عدة لحفظ كتاب الله – عز وجل – ومنها: 1- الالتحاق بالمدارس التي تحفظ القرآن الكريم ضمن مناهجها؛ فيختم الطالب أو الطالبة في ست أو تسع سنوات. 2- الالتحاق بحِلَق التحفيظ في المساجد المنتشرة في كل حي وبجوار كل منزل، وكذلك الالتحاق بالدورات التي تقام أيام الإجازة وتناسب جميع الأعمار والمستويات.3- التحاق النساء بدور التحفيظ النسائية وهي منتشرة في كل مكان وبلد مع اختلاف المسميات، وقد خرّجت – ولله الحمد – خاتمات لكتاب الله – عز وجل – منهن الصغيرة والكبيرة والمبصرة والكفيفة، وتجد فيها المسلمة مجالس الذكر وترديد آيات القرآن والصحبة الطيبة.4- الطلب من أحد معلمي القرآن [الرجال] أو معلمات القرآن [النساء] المجيء إلى المنزل في وقت مناسب مع جعل راتب شهري؛ وقد جربت هذه الطريقة فأثمرت – ولله الحمد، ومن تلك النماذج: - أن إحدى ربات المنزل طلبت من إحدى معلمات القرآن المجيء إليها في بيتها كل يوم مع قراءة تفسير ما يحُفظ، فختمت القرآن في سنة واحدة مع تفسيره.- وأخرى طلبت من إحدى معلمات القرآن المجيء إليها في بيتها كل يوم فحفظت القرآن الكريم في أقل من سنة واحدة، وكان وقت حفظها في طريق الذهاب إلى العمل والرجوع منه.- ومن تلك النماذج حرص الآباء على أبنائهم؛ فقد أحضر أحد الآباء معلمًا لابنه ليحفظ كتاب الله – عز وجل – مع متون العقيدة، فكان لهم ذلك في سنة واحدة.5- إن لم يتيسر ذلك فالحفظ عن طريق الهاتف؛ وهو موضوع هذا الكتاب، وغالب من يستفيد منه من لم يتيسر لهم الأمور المذكورة قبل وخاصةً النساء في البيوت.وفي الصفحات التالية تفاصيل هذا المشروع من صاحبة هذه الفكرة، مع إيراد نماذج لمن اشتركن في المشروع الناجح.[برنامج حفظ القرآن الكريم عن طريق الهاتف] مشروع ييسر على من يسره الله عليه؛ حيث يتم عبر الهاتف الحفظ والمراجعة .. حتى لا تضيع الأوقات سدى والأعمار هباءً؛ خاصة أن أحدنا يمضي الربع والنصف ساعة في أحاديث فارغة ... هذا المشروع لا يستغرق سوى دقائق معدودة، وسنعرض تفاصل هذا المشروع لتعم الفائدة للجميع.* تقول صاحبة المشروع: (كانت بداية الفكرة لما كنتُ أدرس في "دورة الخاتمات" في إحدى دور التحفيظ؛ فكنتُ أحفظ يوميًا وآتي إلى الدار للتسميع يومًا واحدًا في الأسبوع مع مجموعة من الأخوات الملتحقات بهذه الدورة، فلما جاءت الإجازة وعندها سيتوقف الحفظ، اقترحت على المجموعة أن نكمل الحفظ عن طريق الهاتف، فتعللت المجموعة بأنهن سيحفظن وحدهن، أما أنا واثنتان معي فأكملنا حفظ القرآن كاملاً – ولله الحمد ، والمجموعة الأخرى التي قلن سيحفظن وحدهن لم يكملن الحفظ إلى الآن، ومن هنا جاءت الفكرة: (مشروع حفظ القرآن الكريم عن طريق الهاتف) لمن لا تستطيع المجيء إلى دار تحفيظ.عرضت هذه الفكرة على مديرة الدار؛ ليكون للمشروع صبغة رسمية وأدعى للاستمرار والانتشار، فوافقت – جزاها الله خيرًا – ثم أعلنتُ عن استعدادي لمساعدة كل من ترغب الحفظ عن طريق الهاتف، فانهالت عليَّ أرقام الهواتف من الزميلات، هذه تعطيني رقم أختها، وتلك زوجة أخيها، وهذه رقم والدتها، ووصل العدد الآن إلى قرابة المائة؛ بل هناك من تحفظ من خارج الرياض (الخرج، وحفر الباطن).- طريقتي في إدارة المشروع:تتصل عليّ من تريد الحفظ فأسجل اسمها ورقم هاتفها وأسألها عن شهادتها وعملها ومدى تطبيقها للتجويد ثم يتم التقييم:- مثلاً من تعمل موجهة أعطيها رقم موجهة أخرى ترغب في الحفظ، فيتفقان على الوقت المناسب لهما في الحفظ، من تعمل مديرة لمدرسة مثلاً أعطيها رقم مديرة مثلها، ربة البيت التي عندها خادمة مع أخرى ربة بيت عندها خادمة، ربة منزل ليس عندها خادمة مع أخرى ليس عندها خادمة، صاحبة الهمة الضعيفة مع صاحبة الهمة العالية لتُعلي همتها.وهكذا يتم التوزيع على نحو هذا الترتيب؛ مع مراعاة جميع المستويات بما يناسبها، وأجعل من باب التشجيع: قريبة مع قريبة أخرى لها؛ ليكون الحفظ جدِّيًّا، ولا مجال للأحاديث بينهما.ومما يعين على جمع تلك المعلومات إيجاد استمارة لكل مشاركة بحسب التالي:اسم المشاركة: أم عبد الله (يكتفي بالكنية).المستوى التعليمي: العمل: مقدار الحفظ الحالي:الرغبة في الحفظ: جزء 10 أجزاء. القرآن كاملاً.الأوقات المناسبة للتسميع: رغبة أولى رغبة ثانية.رقم الهاتف:الجوال:وبالإمكان الترتيب مع حافظة أخرى؛ حتى تكون المجموعات متناسبة ومتناسقة.منذ متى طُبق هذا المشروع الرائع:طبق من شهر محرم عام 1426هـ؛ أي: مضي على بدايته قرابة أربعة أشهر، ووصلت بعضهن في الحفظ إلى (أحد عشر) جزءًا، ومنهن من حفظت (سبعة) أجزاء، ومنهن (ستة) أجزاء.مقدار الحفظ اليومي:غالب الحفظ وجْه يوميًا، وبعضهن أكثر من وجه، ويوما الخميس والجمعة إجازة.مقدار الحفظ الشهري:إذا حفظت وجها يوميًا تكون أتمت جزءاً واحداً في الشهر، ومن قرأ جزءاً من القرآن فقد نال – بإذن الله – مائة ألف حسنة، والله يضاعف لمن يشاء، فكيف بمن يردد أكثر من ذلك لمن وفقه الله.لا بد من المتابعة: عينت بعض الأخوات لمتابعة الحفظ للجميع، وتكون المتابعة كل أسبوعين أي: (تسميع حزب) لكل من تحفظ معنا في هذا المشروع.عينت مسؤولة لمتابعة مجموعة؛ فمنهن المتفرغة، أعطيتها متابعة عشرين طالبة، ومنهن عشر طالبات، وهكذا يسير الحفظ.. وكل اثنتين يسمِّعان لبعضهما يوميًا, والمتابعة كل أسبوعين من قبل من عينتها للمتابعة.اقتراحات مستقبلية: 1- أن تعم هذه الفكرة الناجحة لكل دور تحفيظ القرآن الكريم؛ فالبعض لديهن ظروف أسرية ولا يتيسر لهن الحضور إلى مقرات الدراسة. 2- أن يجرى امتحان في الدار بصفة رسمية لمن ترغب في ذلك وهذا أدعى للاستمرار والمتابعة.3- إقامة حفل ختامي لتكريم المشتركات في هذا المشروع وتوزع الشهادات عليهن.4- إشاعة هذا المشروع بين الأقارب والمعارف وكذلك الجيران؛ ليعم الخير وينتشر.وبعد عرض طريقة هذا المشروع الرائع لحفظ القرآن الكريم عن طريق الهاتف، سنذكر أراء بعض المشاركات في هذا المشروع، علمًا بأن جميع الملتحقات بهذا المشروع يثنين ثناء كبيرًا على هذا المشروع العظيم؛ فقد أصبح القرآن صاحبًا لهن وسخرن هذه النعمة (الهاتف) إلى ما فيه خيرا الدنيا والآخرة.* * * *آراء المشتركاتأصغر مشاركة:تقول أصغر مشاركة: كنتُ أدرسُ في السنوات الماضية في إحدى دور التحفيظ، في هذا الفصل الدراسي انقطعت عن الدراسة في الدار لظرف طارئ، ولما سمعت بهذا المشروع (حفظ القرآن الكريم عن طريق الهاتف) من إحدى الزميلات اتصلتُ على صاحبة المشروع، وخصصت لي إحدى الأخوات لتقوم بالتسميع لي، وهي في نفس مستواي الدراسي، وأنا أسمَّع لها أيضًا.واتفقنا أن يكون التسميع بيننا يوميًا ما بين صلاة المغرب والعشاء، والآن بفضل الله – سبحانه – أتممتُ مراجعة (ثمانية) أجزاء خلال (أربعة) أشهر.تقول أكبر مشاركة:كنتُ كثيرة القراءة لكتاب الله – عز وجل، حاولت الحفظ ولم يكن هنا من يُسمع لي سوى ابنتي فكانت تأتيني المشاغل من هنا وهناك فلا أستطيع الحفظ، وبعد أن التحقت بهذا المشروع أحسست بأن هناك من يتابعني، فألزمت نفسي بالحفظ، والآن بفضل الله – سبحانه – حفظت (أربعة) أجزاء في أقل من شهرين.أنشط مشاركة:راجعت (سبعة) أجزاء في قرابة شهرين.ميزة المشروع1- أنه لا يحتاج إلى المواصلات التي قد تعوق كثيرًا من الراغبات في حفظ كتاب الله – عز وجل – وجعلتهن يتركن هذا الخير العظيم.2- يقطع العذر على من امتنعت عن الحفظ، فما عذرها الآن بعد أن تكفل غيرها بالاتصال عليها ومتابعتها في حفظ كتاب الله.3- قلة التكاليف؛ حيث إن التعريفة الهاتفية منخفضة جدًا.4- عدم المشقة في الخروج والذهاب في الطرقات والشوارع والسير إلى دور التحفيظ.5- المحافظة على الأعمار وامتلاء الصحف بالأجور العظيمة.6- القضاء على المكالمات الهاتفية الفارغة وتجنب الغيبة والنميمة.7- المحافظة على الأسرة والمنزل؛ حيث إن الحفظ والتسميع يتم والمرأة في مقر دارها، وبعض الأمهات ترغب في البقاء مع أولادها وعدم تركهم وحدهم في المنزل.وهنا خيرات كثيرة في هذا المشروع لمن بدأت به واستمرت عليه.عدد من المشاركات يبدين رأيهن في الفكرة:الأولى: كان من المحال التحاقي بدار تحفيظ القرآن؛ لظروفي الخاصة، فلما سمعت بالمشروع علمت أنه هبة من الله.الثانية: الفكرة ممتازة، وكنت أتوقع أني سأحفظ أجزاء فقط ثم أتوقف، فأخبرتني صاحبة المشروع بأني سأكون معهم حتى أحفظ كتاب الله كاملاً.وبعد: فهذا المشروع جدير بأن يطرح بين الأخوات، ويذكر في المجالس، ويخبر عنه بكل الوسائل؛ فما أعظم أن تكون المرأة المسلمة حافظة لكتاب الله – عز وجل – وهي في قعر بيتها، وتجعل لها يوميًا مجلس ذكر تقرأ فيه القرآن، وفي ذلك من الأجر والمثوبة ما لا يخفى على كل مسلم ومسلمة.* قال - صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجًا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس». [صحيح الحاكم].* القرآن العظيم هو الشفيع يوم الكربة والضيق، قال - صلى الله عليه وسلم -: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» [رواه مسلم].* وفيه الخيرية التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» [رواه البخاري].* وما أعظم الأجر والمثوبة لمن قرأ القرآن، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول "الم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» [رواه الترمذي].* إن من يتدارس القرآن الكريم في عبادة عظيمة، قال - صلى الله عليه وسلم - مخاطبًا أبا ذر: «يا أبا ذر، لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة ...» [رواه ابن ماجه بإسناد حسن].* أن من قرأه وأتقنه ينال المراتب العالية، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ...» [رواه مسلم]. أولاً: كيف تحفظ القرآن الكريم؟([1])هذه الطريقة تتميز بقوة الحفظ ورسوخه، وسرعة الحفظ والانتهاء من ختم القرآن سريعًا، وهذه الطريقة مع التمثيل بوجه واحد من سورة الجمعة ما يلي:1- تقرأ (الآية الأولى) عشرين مرة: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾. 2- تقرأ (الآية الثانية) عشرين مرة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.3- تقرأ (الآية الثالثة) عشرين مرة: ﴿وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *﴾.4- تقرأ (الآية الرابعة) عشرين مرة: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾5- تقرأ هذه الآيات الأربع من أولها إلى آخرها للربط بينها عشرين مرة.6- تقرأ (الآية الخامسة) عشرين مرة: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. 7- تقرأ (الآية السادسة) عشرين مرة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.8- تقرأ (الآية السابعة) عشرين مرة: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.9- تقرأ (الآية الثامنة) عشرين مرة: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.10- تقرأ من (الآية الخامسة إلى الآية الثامنة) عشرين مرة للرَّبط بينها.11- تقرأ من (الآية الأولى إلى الآية الثامنة) عشرين مرة لإتقان هذا الوجه.وهكذا تلتزم هذه الطريقة في كل وجه لكل القرآن، ولا تزد في اليوم الواحد عن حفظ أكثر من ثمان لئلا يزيد عليك المحفوظ فيتفلَّت الحفظ. إذا أردتَّ حفظ وجه جديد في يوم غد فكيف تفعل؟إذا أردتَّ أن تحفظ الوجه الآخر في اليوم التالي، فقبل أن تحفظ الوجه الجديد بالطريقة التي ذكرتها لك، تقرأ من أول الوجه إلى آخره عشرين مرة؛ ليكون محفوظ الوجه السابق راسخًا، ثم تنتقل إلى حفظ الوجه الجديد على الطريقة التي أشرت إليها. كيف تجمع بين الحفظ والمراجعة؟لا تحفظ القرآن بدون مراجعة؛ فإنك لو حفظت القرآن وجهًا وجهًا حتى تختم القرآن، وأردت الرجوع إلى ما حفظته وجدت نفسك قد نسيت ما حفظته، والطريقة المثلى أن تجمع بين الحفظ والمراجعة، وقَسّم القرآن عندك ثلاثة أقسام؛ كلُّ عشرة أجزاء قسم، فإذا حفظت في اليوم وجهًا، فراجع أربعةً حتى تحفظ عشرة أجزاء، فإذا حفظت عشرة أجزاء، توقف شهرًا للمراجعة، كل يوم تراجع ثمانية أوجه.وبعد شهر من المراجعة ابدأ في بقية الحفظ: تحفظ وجهًا أو وجهين حسب القدرة، وتُراجع ثمانية أوجه حتى تَحفظ عشرين جزءًا، فإذا حفظت عشرين جزءًا توقف عن الحفظ مدة شهرين لمراجعة العشرين جزءًا: كلَّ يوم تراجع ثمانية أوجه، فإذا مضى شهران على المراجعة ابدأ في الحفظ، كل يوم وجهًا أو وجهين بحسب القدرة، وتراجع ثمانية أوجه حتى تنتهي من حفظ القرآن كاملاً.فإذا انتهيت من حفظ القرآن، راجع عشرة الأجزاء الأولى بمفردها مدة شهر، كل يوم نصف جزء، ثم تنتقل إلى العشرين جزءًا مدة شهر، كل يوم نصف جزء، وتقرأ من عشرة الأجزاء الأولى ثمانية أوجه، ثم تنتقل إلى مراجعة عشرة الأجزاء من القرآن مدة شهر، كل يوم نصف جزء مع ثمانية أوجه من عشرة الأجزاء الأولى، وثمانية أوجه من العشرين جزءًا. كيف تراجع القرآن كاملاً إذا انتهيت من هذه المراجعة:ابدأ بمراجعة القرآن كاملاً، كل يوم جزءان، وكرر ذلك ثلاث مرات كل يوم، وتكون في كل أسبوعين تختم القرآن كاملاً بالمراجعة.وبهذه الطريقة تكون خلال سنة قد حفظت القرآن كاملاً بإتقان، وافعل وأثناء مراجعتك لاحظ ذلك الفرق مرارًا حتى تتقن المتشابه الذي بين الآيات. قواعد وضوابط في الحفظ:1- يجب أن يكون حفظك على شيخ لتصحيح التلاوة.2- احفظ كل يوم وجهين: وجهًا بعد الفجر، ووجهًا بعد العصر أو بعد المغرب، وبهذه الطريقة تحفظ القرآن كاملاً متقنًا خلال سنة ويكون حفظك متقنًا، أما إذا أكثرتَ من الحفظ فإنَّ المحفوظ يضعف.3- الحفظ يكونُ من سورة الناس إلى سورة البقرة؛ لأنه أيسر، وبعد حفظك للقرآن تكون مراجعتك من البقرة إلى الناس.4- الحفظ يكون من مصحف موحَّد في الطبعة؛ ليكون مُعينًا على رسوخ الحفظ وسرعة الاستذكار لمواطن الآيات وأواخر الصفحات وأولها.5- كل من حفظ القرآن في السَّنتين الأوليين يتفلَّت عليه المحفوظ، وهذه تسمى (مرحلة التجميع)؛ فلا تحزنْ من تفلت القرآن منك أو كثرة خطئك، وهذه مرحلة صعبة للابتلاء، للشيطان منها نصيب؛ ليوقفك عن حفظ القرآن، فدع عنك وساوسه، واستمر في حفظه؛ فهو كنز لا يعطى لأحد. ثانيًا: كيف تحفظ المتون العلمية؟العلم أكثرُ من أن يحاط، والعاقل يأخذ منه زهرته، والنبيلُ يكتب خير ما يسمع، ويحفظُ أحسن ما يكتب، ويُحَدَّث بأحسن ما يحفظ، والعالمُ لا يكون عالمًا بدون حفظ المتون، يقول شيخُ الإسلام: «من حفظ المتون حاز الفنون». والرحبي يقول: والثُّلُثان وهُمَا التَّمَامُ فَاحْفَظْ فكلٌّ حافظٍ إمامُ ولا يكون المرء راسخًا في العلم بدون حفظ أصول العلم، وقد أو عبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابًا؛ فاطلب من العلم آكده وأوجبه وأغزره نفعًا، واحفظ في كل فنًّ مختصرًا، قال شيخ الإسلام: «وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم -».ثم انتقل إلى المبسوطات وتبحَّر فيها، وخذ العلم من أهله، من شيخ يُقتدى به في العلم والعمل.يقول محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دينٌ، فانظروا عمن تأخذون دينكم». وخير العلوم ما ضُبط أصله واستذكر فرعه. ماذا تحفظ من المتون؟ابدأ في مطلع الطلب بحفظ كتاب الله متقنًا مع التدبر، ثم احفظ متونًا في العقيدة؛ فنقاء العقيدة يصحح النية، ويلجم الهوى، ويبارك في العمل، ويخلد الذكر، ثم احفظ متونًا في فنون متنوعة في التجويد والمصطلح والحديث والفقه وأصوله والفرائض والنحو والآداب، وإليك بيانٌ بأهم المتون مرتبة مسلسلة حسب الفنون: 1- القرآن الكريم: وخلال حفظك للقرآن لا تقتصر على حفظه فقط؛ بل اجمع معه حفظ متون أخرى.2- التجويد: وتحفظ منظومة التحفة للجمزوري، وهي (61) بيتًا.3- العقيدة: وتحفظ مسلسلة كما يأتي: نواقض الإسلام، القواعد الأربع، ثلاثة الأصول، كتاب التوحيد، وهذه المتون الأربعة للشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله ، العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، العقيدة الطحاوية.4- مصطلح الحديث: وتحفظ فيه: البيقونية وهي (34) بيتًا، ونخبة الفكر لابن حجر.5- الحديث: وتحفظ من الحديث المتون الآتية: الأربعون النووية، عمدة الأحكام، بلوغ المرام.6- أصول الفقه: متن الورقات للجويني. 7- الفقه: وتحفظ فيه: شروط الصلاة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، زاد المستقنع للإمام الحجاوي؛ وهو خلاصة في فقه الأحكام وقد حوى مسائل عديدة. 8- الفرائض: وتحفظ فيه: متن الرحبية؛ وهي (176) بيتًا. 9- النحو: وتحفظ فيه: الآجرومية، ألفية ابن مالك. 10- في الآداب: تحفظ: منظومة أبي إسحاق الأندلسي، وهي منظومةٌ بديعة مليئة بالحكم وعدد أبياتها (115) بيتًا، ومطلعها:تَفُتَّ فُؤادَك الأيَّامُ فَتَّا وتَنْحتُ جِسْمَك السَّاعَاتُ نَحْتًا * * * * الخـاتمـــةيا أهل القرآن الخير بين يديكم والأجور نصب أعينكم فلا تترددوا ولا تتأخروا؛ فكم ضاع من الأعمار ومضى من السنين!فالمسارعة خير زاد، والمبادرة قبل انقطاع الآجال.أسأل الله العظيم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.([1]) من كتاب (خطوات نحو السعادة) للشيخ عبد المحسن القاسم.