البحث

عبارات مقترحة:

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

أبو بكر الصديق.. وأحقيته بالخلافة

العربية

المؤلف محمد بن عبدالرحمن محمد قاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. مكانة الصحابة .
  2. فضائل أبي بكر ، رضي الله عنه. .
  3. تقديم الرسول الكريم له .
  4. شواهد استخلافه من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. .

اقتباس

فيا ويل من سبَّهم أو أبغضهم! أو أبغض أو سَبَّ بعضهم! ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول، وخيرهم وأفضلهم، أعني الصدِّيق الأكبر، والخليفة الأعظم، أبا بكر -رضي الله عنه -؛ فقد نطقت بفضله الآيات والأخبار، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) [التّوبَة:40].

 

 

 

 

الحمد لله الواحد القهار، يخلق ما يشاء ويختار، اختار محمدًا واختار له أصحابًا هم المهاجرون والأنصار.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ) [التّوبَة:100].

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: "أصحابي كالنجوم" و"لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه" "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر".

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به ووقَّروه، ونصَروه واتَّبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.

أما بعد: فإن خير الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم-، وخير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وخير أصحابه أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم أجمعين-. هذا ترتيبهم في الفضل، ودرجتهم في الخلافة.

وبيان فضائل كل الصحابة- يا عباد الله- وما كانوا عليه من المحبة والتعاون على الحق ودفع الطعن عنهم من الدين، خصوصًا إذا فشا الطعن فيهم من المبتدعين أو عباد القبور أو الملحدين، لأن الصحابة هم حمَلة رسالة الإسلام إلى الأمة، فالطعن فيهم طعن في الرسول، وسوء ظنٍّ بالمرسل تعالى وتقدس، قال الإمام مالك -رحمه الله- وغيره من أهل العلم: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين. اهـ.

وقد قال الله تعالى في الثناء عليهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100]، قال الشعبي: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ): من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية.

وقال محمد بن كعب القرظي: مرَّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الآية: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) فأخذ بيده فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أبي بن كعب. فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتَها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم. قال: لقد كنتُ أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا. فقال أبيّ: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة (وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجُمْعَة:3].

وفي سورة الحشر: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، وفي سورة الأنفال: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ) [الأنفال:75]. فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهو تبارك وتعالى لا يرضى إلا عمَّن علم أنه يموت على الإسلام والإحسان.

فيا ويل من سبَّهم أو أبغضهم! أو أبغض أو سَبَّ بعضهم! ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول، وخيرهم وأفضلهم، أعني الصدِّيق الأكبر، والخليفة الأعظم، أبا بكر -رضي الله عنه -؛ فقد نطقت بفضله الآيات والأخبار، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) [التّوبَة:40].

دُعْيَ إلى الإسلام فما تلعثم ولا أبى، وسار على المحجة فما زل ولا كبا، وصبر من مُدى العدى على وقْع الشبا، وأكثر في الإنفاق حتى تخلل بالعبا، تالله لقد زاد على السبك في كل دينار دينار، (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ).

مَن كان قرين النبي في شبابه؟ من الذي سبق إلى الإيمان من أصحابه؟ من الذي أفتى بحضرته سريعًا في جوابه؟ من أول من صلى معه؟ من آخر من صلى به؟ من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه؟ فاعرفوا حق الجار، (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ).

نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ، وأبان من الكتاب معنى دقَّ عن حديد الألحاظ، فالمحب يفرح بفضائله، والمبغض يغتاظ، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) [الفَتْح:29] فهو ثاني اثنين في الإسلام، وفي النفس، وفي الزهد، وفي الصحبة، وفي الخلافة، وفي العمر، وفي سبب الموت؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مات عن أثر السم، وأبو بكر سُم فمات.

أسلم على يديه من العشرة: عثمان، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم فأنفقها أحوج ما كان الإسلام إليها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر".

كمْ وفَّى الرسول بالمال والنفس، وكان أخص به في حياته، وهو ضجيعه في الرمس، فضائله جليلة وهي خلية من اللبس، يا عجبًا! من يغطي ضوء الشمس في نصف النهار، لقد دخلا غارًا لا يسكنه لابث، فاستوحش الصديق من خوف الحوادث، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما نظرك باثنين والله الثالث، فنزلت السكينة وزال القلق وارتفع خوف الحادث، فقام مؤذن النصر ينادي على منابر الأمصار: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ).

حُبه -والله- رأس الحنيفية، وبغضه يدل على خبث الطوية، فهو خير الصحابة والقرابة، والحجة على ذلك قوية، قال ابن الحنفية، مؤكدًا صحة إمامته: "والله ما أحببناه لهوانا، ولكن أخذنا بقول علي وكفانا: رضيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا؟".

خلافته انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضا بها، وأمر بطاعته وتفويض الأمر له، ودل الأمة وأرشدها إلى بيعته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت كأني على قليب أنزع منها، فأتى ابن أبي قحافة فنزع ذَنوبًا أو ذنوبين" وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ادعي لي أباك حتى أكتب لأبي بكر كتابًا لا يختلف عليه الناس من بعدي. ثم قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر"، وتقديمه في الصلاة، وقوله:"سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر". وغير ذلك من الأحاديث.

والقرآن قد دل على الخبر بوقوعها، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) [النُّور:55]، وأمر بطاعته في قوله: (سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفَتْح:116] وأرشد الأمة إلى ذلك فقال: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى) [الليل:17-20].

فاتقوا الله عباد الله، وانظروا إلى استخلاف النبي لأبي بكر في هذه الأحاديث، وشواهدها من الآيات القرآنية، ثم وقوع البيعة من المؤمنين له عن طواعية واختيار، لا عن إكراه ولا بذل مال، وظهور مصداق قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"، ثم هو قد زهد في الخلافة، عرضها على عمر وأبي عبيدة فأبيا، ثم ما كان في خلافته من ثبات الناس على الدين، وانتشاره وقمع المرتدين، ثم إنه اكتفى بدرهمين يتقاضاهما كل يوم حين اشتغل بالخلافة عن التكسب لنفسه وعياله.

فهذا مسلك أهل السنة والجماعة في فضله، واعتباره الخليفة الأول بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المسلك السديد، والقول الرشيد؛ سأل هارون الرشيد مالك بن أنس -رحمه الله-: ما منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أفي شك أنت يا أمير المؤمنين؟ منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته، قُبرا معه. فقال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك. اللهم ارض عن أبي بكر وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين.

أعوذ بالله من الشطيان الرجيم (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:29].

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله معزُّ من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه والحمد لله الذي أيد الإسلام بأبي بكر في حياة رسوله، وحفظه به بعد وفاته، فرضي الله عنه وأرضاه.

وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفى بوعده؛ فاستخلف أبا بكر في الأرض، ومكَّن له دينه ولصحبه، ودعا -رضي الله عنه- الأعراب إلى قتال فارس والروم والمرتدين من بني حنيفة فاستجابوا لأمره. وهو الذي وصفه الله بأنه (الْأَتْقَى)، فهذا ترشيح له من ربه للخلافة العظمى.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اصطفاه الله واجتباه. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فيا عباد الله: لنستمع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصف لنا ليلة ويومًا من أيام أبي بكر ولياليه، روى الطلمنكي من حديث ميمون بن مهران، قال: كان أبو موسى الأشعري إذا خطب بالبصرة يوم الجمعة، وكان واليها، صلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ثنى بعمر بن الخطاب يدعو له. فقام ضبة بن محصن العنزي، فقال: فأين أنت من ذكر صاحبه قبله تفضله عليه -يعني أبا بكر رضي الله عنهما- ثم قعد. فلما فعل ذلك مرارًا أمحكه أبو موسى، فكتب أبو موسى إلى -عمر رضي الله عنه- أن ضبة يطعن علينا، ويفعل، فكتب عمر إلى ضبة أن يخرج إليه، فبعث به أبو موسى.

فلما قدم ضبة المدينة على عمر -رضي الله عنه- قال الحاجب: ضبة العنزي بالباب. فأذن له، فلما دخل عليه قال: لا مرحبًا بضبة، ولا أهلاً. قال ضبة: أما المرحب فمن الله تعالى. وأما الأهل فلا أهل ولا مال. فيم استحللت إشخاصي من بصرى بلا ذنب أذنبت، ولا شيء أتيت؟ قال: ما الذي شجر بينك وبين عاملك؟ قلت: الآن أخبرك يا أمير المؤمنين، إنه كان إذا خطب حمد الله وأثنى عليه، وصلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم ثنى يدعو لك، فغاضبني ذلك منه، وقلت: أين أنت من صاحبه تفضله عليه؟ فكتب إليك يشكوني. قال: فاندفع عمر -رضي الله عنه- باكيًا، وهو يقول: أنت والله أوفق منه وأرشد منه، فهل أنت غافر لي ذنبي، يغفر الله لك؟ قلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

ثم اندفع باكيًا يقول: والله لَليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، فهل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: أما "ليلته" فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما خرج من مكة هاربًا من المشركين خرج ليلاً فتبعه أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعلك". فقال: يا رسول الله! أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك، لا آمن عليك. فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أطراف أصابعه حتى حفيت، فلما رأى أبو بكر -رضي الله عنه- أنها حفيت حمله على عاتقه حتى أتى به فم الغار فأنزله. ثم قال: والذي بعثك بالحق! لا تدخله حتى أدخله، فلما دخل وجد الصديق أجحار الأفاعي، فلما رأى أبو بكر ذلك ألقمه عقبه، فجعلن يلسعنه ويضربنه، وجعلت دموعه تتحادر على خده من ألم ما يجد، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فأنزل الله سكينته وطمأنينته على أبي بكر. فهذه ليلته.

وأما "يومه" فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدت العرب، فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي. وقال بعضهم: نزكي ولا نصلي. فأتيته لا آلوه نصحًا، فقلت: يا خليفة رسول الله، تألَّف الناس وارفق بهم. فقال لي: أجبّار في الجاهلية، وخوّار في الإسلام؟! قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتفع الوحي، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه. فكان والله رشيد الأمر. فهذا يومه. ثم كتب إلى أبي موسى يلومه.

وعن جابر رضي الله عنه قال: قيل لعائشة -رضي الله عنها-: إن ناسًا يتناولون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أبا بكر وعمر. فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر.