الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم الشعلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
سوف أتخولكم بذكر أهوال هذا اليوم وشدائده كلما رأيت من نفسي ورأيت من أنفسكم غفلة عنه، لما في ذكر أهواله وخطوبه وأحواله من الفوائد العظيمة والآثار الطيبة علينا في حياتنا العملية والعلمية.
الحمد لله الملك الغفار، أحمده سبحانه وأشكره على فضله وكرمه المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والاختيار، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، قال جل وعلا:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ولم ينهها تاقت إلى كل باطل وساقت إليه الإثم والعار بالذي دعته إليه من حلاوة عاجل ..
نقل الذهبي رحمه الله في سيره، عن أحد السلف الكرام أنه قال:" كان العلماء يتواعظون بثلاث، ويكتب بعضهم إلى بعض: من أحسن سريرته أحسن الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه" اهـ.
عباد الله، تمر على ابن آدم أيام لا تنسى، يبقى ذكرها عالقاً بذهنه، وما حصل فيها من بؤس وضراء، أو أنس وسراء أمام عينيه، وتمر على أمة الإسلام أيام لا تنساها مع مرور الشهور، والأعوام، وهذا أمر واقع وحال مشاهدة، لأن تلك الأيام قد عاشها ابن آدم وعاشتها أمة الإسلام، بسَرَّائها إن كانت أيام سراء، وبضرائها إن كانت أيام ضراء.
ولهذا نجد في كلام السلف وأحاديثهم وصفا لبعض الأيام التي عاشوا سرَّاءها أو ضراءها.
ونجد في قصائد الشعراء وصفا لبعض ما مر عليهم من أيام البؤس أو أيام الأنس، فمنهم من يذكر هذه الأيام من أجل الاعتبار والاتعاظ.
ومنهم من يذكرها لغرض الحكاية والتحسر، لكنَّ أكثر الناس اليوم إن لم يكن أغلبهم، قد غفلوا عن يوم لا كأيامهم التي عاشوها من قبل أو يعيشونها الآن، يوم له شأنه العظيم، وقدره الكبير، يوم سيمر على جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، برِّهم وفاجرهم، ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم، غنيِّهم وفقيرهم، شريفهم ووضيعهم، هذا اليوم خلت من ذكره أكثر مجالس الناس، وفَتَرت عن ذكره ألسن أكثر الناس، طغى الحديث عن الدنيا وأيامها وأحوالها ولأوائها وشئونها، على الحديث عن هذا اليوم العظيم الشديد، وكأن هذا اليوم قد جُعل لغيرهم من الخلق لا لهم، وما علموا أنهم ملاقوه، وسيعلم الغافلون والمعرضون عنه أي يوم هذا اليوم، فلا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم يومئذ.
وأظنكم عباد الله قد عرفتم هذا اليوم، إنه يوم القيامة يوم الدين، هذا اليوم الذي أقسم الله به في كتابه فقال جل ذكره: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [القيامة: 1] ، وعظم أمره وشأنه فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار:17-19] .
ونقل لنا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيما أخرجه مسلم رحمه الله في صحيحه أن حبرا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أو يا أبا القاسم، إن الله تعالى يمسك السموات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع، ثم يهُزُّهن فيقول أنا الملك أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له ثم قرأ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67] .
وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض". إن الذي ينبغي منا عباد الله ويليق بنا، أن نتذكر هذا اليوم، أعظم من تذكرنا لأشد الأيام بؤسا في الدنيا وخطبا، وأن نجعله أمام أعيننا، فلا نغيب عن ذكره.
وإنني عباد الله سوف أتخولكم بذكر أهوال هذا اليوم وشدائده كلما رأيت من نفسي ورأيت من أنفسكم غفلة عنه، لما في ذكر أهواله وخطوبه وأحواله من الفوائد العظيمة والآثار الطيبة علينا في حياتنا العملية والعلمية، وإنني في هذه الخطبة سأذكر لكم موقفاً شديداً عظيماً من مواقف هذا اليوم العظيم، فهو موقف جدير بالتأمل والتفكر، وحقيق بأن يبعث في النفس روح الاستعداد والتهيؤ لهذا اليوم العظيم بما ينجي من أهواله وكروبه.
هذا الموقف عباد الله حدث به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، خليل الرحمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونقل لنا حديثه أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، وحبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
وخرَّج ذلك الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، قالت عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا" قلت: يا رسول الله النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض".
يا له من موقف عظيم وشديد، على هذه الحال سوف نحشر إلى ربنا –عباد الله- حفاة لا منتعلين وعراة لا مكتسين وغرلا لا مختونين، الأبدان عارية تماما ليس عليها شيء يسترها، والأرجل حافية مكشوفة غير مغطاة بالخفاف أو النعال أو الجوارب، ونحن غير مختونين، نحشر على الحال التي ولدنا عليها، رجالا ونساء لا فرق، الحال واحدة، بل الرجال والنساء جميعاً.
قد يتبادر إلى الذهن أمر بديهي، وهو ميل الرجل إلى المرأة في الدنيا فتراه ينظر ويفتتن بها وهي متسترة بثيابها، فما الظن بالرجل إذا رآها وهي عارية، فإن الفتنة بها أعظم والميل إليه أشد، هل هذا النظر وهذا الميل للنساء في الدنيا يحصل في يوم القيامة والرجال والنساء جميعاً حفاة عراة غرلا، لقد تعجبت عائشة من هذا فأوردت على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر البديهي، فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض، فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض".
نعم عباد الله ما هم فيه من هول يوم القيامة صرفهم عن أن ينظر الرجال إلى النساء أو النساء إلى الرجال، الأمر الذي هم فيه أشد من أن يحصل منهم نظر إلى بعض، فالأمر شديد، والخطب عظيم، والهول جسيم، إن هذا الموقف عباد الله واحد من المواقف العظيمة التي سيواجهها العباد يوم القيامة، فلنعتبر بها ونتعظ، ونعمل بما أمرنا به من الله عز وجل ومن رسوله عليه الصلاة والسلام، لنتقي هول هذا اليوم وشدته، وحتى يرحمنا ربنا ويلطف بنا فيه، فإن أجسامنا ضعيفة لا تقوى على تحمل شدائد هذا اليوم.
استغفروا ربكم ..
الخطبة الثانية :
عباد الله! حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما نقل لنا هذا الموقف فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين، ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذاتَ الشمال يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح:(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:117-118]، قال: فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم".