البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

اقتربت الساعة

العربية

المؤلف د ماجد بن عبدالرحمن آل فريان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. إجابات القرآن عن أسئلة الناس عن الساعة .
  2. الحكمة من تذكير الله بيوم القيامة .
  3. أحوال الناس في التأثر بيوم القيامة .
  4. حقيقتان غائبتان في أمر الساعة .
  5. تقارير ودراسات تنبئ على تغير حاصل في الأرض .
  6. أهمية الاتعاظ والاعتبار بتتابع الآيات والنذر .
  7. كيفية التعامل مع ما يخبر به الإعلام من نهاية العالم .

اقتباس

إنها تقارير مفزعة نسمعها كل يوم فى عصر العلم والاكتشافات!!، ومرت علينا كثير من النذر والآيات، لقد كثر الهرج وهو القتل وما تسمع ولا تقرأ في الأخبار إلا طالعتك بمقتل أعداد هائلة في أيام متتابعة، كثرت الزلازل، وفشت الأمراض، وتكررت التغيرات الكونية والخسوفات؛ فهل غيرت فينا قدر أنملة؟! وهل اهتزت لها شعرة منا!! هل ترك الكافر كفره؟, وهل ترك الظالم ظلمه؟ وهل رجع الباغي إلى رشده؟ ..

 

 

 

إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره .

أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.

معاشر المسلمين: لقد أبدأ ربنا سبحانه وأعاد، وحذر وأنذر، وآتانا من الآيات ما فيه بلاء مبين، وأعطانا من العبر ما فيه تذكرة للمتقين، وموعظة للمؤمنين، ومن أكثر الأشياء ذكراً في القرآن الكريم ما يتعلق بالقيامة وأهوالها، والساعة وأشراطها، والزلزلة ومقدماتها، والحاقة وعلاماتها، وهي أسماء متعددة لأمر عظيم، هو يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين.

وتكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة الكبرى والصغرى حتى حرص الناس على معرفتها وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مرات عن وقتها، وأجاب القرآن في مواضع ثلاثة عن هذا السؤال من الناس بأن علمها عند الله، وأنه يكاد يخفيها إخفاء كاملاً؛ لتجزى كل نفس بما تسعى، وأنها ستأتي بغتة يتفاجأ الناس بها ويذهلون من وقوعها، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس ظن أن الساعة قامت وخرج فزعاً يجر رداءه، وكان واضحاً في القرآن الكريم التخويف من الساعة وإيصال الرسالة الواضحة للمؤمنين بأن الساعة قريبة وستأتي بغتة ولا بد من الإشفاق منها وعدم الأمن من وقوعها في أي لحظة من ليل أو نهار.

وإن المؤمن الصادق ليخاف يوماً عبوساً قمطريراً، يخاف يوماً طويلاً، كان شرُّه مستطيراً، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن ذلك اليوم في كتابه بتفصيلات كثيرة حتى كأن الإنسان ينظر إلى الآخرة رأي العين، ومن سره أن ينظر إلى القيامة رأي العين فليقرأ تلكم السور في جزء عم: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) و (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) و(إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ)

ذكَّرنا الله بذلك اليوم العظيم؛ لنستعد له بالعُدة اللازمة، ونحسِبَ للأمر حسابه، وكثيرٌ من الناس عن هذا اليوم غافلون، مع أن لغةُ النذارةِ والتخويفِ والحثِ على الاستعداد لهذا اليوم العظيم ظاهرة في القرآن الكريم، لا تحتاج إلى طويل تدبر أو تأمل، مما يدل على أن الاستعداد لهذا اليوم مقصود شرعاً، والغفلةَ عنه صدودٌ عن سبيل النجاة وتفريط في الفلاح.

وقد تكلم القرآن عن الممترين في الساعة، والغافلين عنها، والذين يصدون الناس عن تذكرها، وأنهم لا يؤمنون بها ماداموا صادين عنها غافلين عن الاستعداد لها؛ لأن الإيمان ليس قولاً يُعَبَّرُ عنه بمدِّ اللسان، بل لا بد أن يعتقده الجنان وتصدقه الجوارح والأركان: (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) [طـه:15-16]، وأضاف الله صفة الضلال البعيد لمن يماري في أمر الساعة ويشك في شانها (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [الشورى:18].

وأخبر الله عن المفرطين في الاستعداد ليوم القيامة بأنهم: (كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً) [النبأ:27-28]، (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً).

وأخبر الله عن أهل الإيمان أنهم يشفقون من الساعة، ويخافون من قيامها، بخلاف غير المؤمنين فإنهم يستعجلون بها ولا يهمهم أمرها، قال الله عز وجل: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)، وأخبر الله عن حال أهل اليمين يوم القيامة، وأن السبب في وصولهم لهاتيك المنازل، وعملهم لبلوغها هو إيمانهم بيوم القيامة وتصديقهم للحساب ويقينهم به: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:19-24].

وهناك حقيقتان غائبتان عند كثير من أهل هذا الزمان، أولاهما: اقتراب الساعة ودنو أجلها مصداقاً لقول الله عز وجل: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الانبياء:1-2]. وقول الله عز وجل: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر:1]، وفي آية ثالثة: (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) وفي آية رابعة: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) [الأحزاب: 63]، وفي آية خامسة: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً) [المعارج:6-7].

والحقيقة الثانية -يا عباد الله-: إتيان الساعة مباغِتةً للناس ومفاجِأةً لهم مصداقاً لقوله جل وعلا: (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف:187]. وقال -سبحانه-: (أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) وفي آية ثالثة (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) وفي آية رابعة (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وفي آية خامسة (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وقد ظن كثير من الناس أن هذين الأمرين -وهما قرب الساعة، ومباغتتها للناس- ليسا إلا نوعاً من المبالغة، أو التخويف، أو التضخيم الذي ليس له أساس من الواقع، خاصة وأنه لم تقع بعدُ علاماتُ الساعة الكبرى.

كما ظن البعض الآخر أن اقترابها هو اقتراب نسبي بالنسبة للخالق عز وجل؛ فيومٌ عنده كألف سنة مما يعدُّ البشر، وفي حقيقة الأمر فإن الساعة قريبةٌ وشيكة الوقوع حتى عند المخلوقين أيضاً، ولكن ذلك لن يظهر لهم حتى يقفوا بين يدي الله عز وجل، ويمثلوا أمامه للحساب، وقد تأكد ذلك في غير ما آية من كتاب الله عز وجل منها قوله تبارك وتعالى: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء:52]، وقال -سبحانه-: (قَالَ: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [يونس:45]. وقال تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) (طـه:102-104]، وقال سبحانه ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الروم:55-56]. وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) [الاحقاف:35].

فهؤلاء البشر يوم القيامة لا يظنون أنهم بقوا كثيراً قبل أن يمثلوا أمام ربهم للحساب؛ فالساعة قريبة عند الله تعالى وقريبة عند البشر، ولكن البشر لغفلتهم وقصور نظرهم وتسويل الشيطان لهم يرونها بعيدة، والواقع أن يوم البعث والحساب هو قريب بالنسبة لكل نفس خلقها الله عز وجل؛ فإن الموت يأتي في أي لحظة دون علمِ مَنْ يأتيه بموعد إتيانه؛ فكمٍ من صحيح مات بغير علة وكم من سقيمٍ عاش حينا من الدهرِ.

معاشر المسلمين: وإن الله تعالى يخوف عباده من يوم القيامة؛ ليستعدوا له، ويكرر لهم الآيات والنذر؛ من أجل تذكيرهم وحثهم على التوبة والرجوع إلى الله تعالى، وأخبر -سبحانه- في كتابه أن التذكرة والاستفادة من تكرر الآيات وتقلب المثلات لن تكون لجميع البشر؛ فبعض الناس يقترب حسابهم وهم في غفلة معرضون لاهية قلوبهم، والتذكرة ستكون للمتقين والذين هم من خشية ربهم مشفقون.

قال الله عز وجل: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ*خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)، وقال -سبحانه-: (وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ).

وهذا حال بعض الناس الذين طُمس على قلوبهم وران عليهم ما كانوا يكسبون من المعاصي، فيمرون على الآيات ولا يتعظون، وتأتيهم العبر ولا يعتبرون، ولا يستفيقون حتى يروا العذاب الأليم، وفي ذلك الوقت فقط يقولون: (رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون: 99].

إن الآيات تتابع، وأشراط الساعة الصغرى تترادف، والتقارير والدراسات تتنبأ بتغيرات كبيرة في العالم رصدت تغيراتٍ مناخيةً سوف تؤدى إلى فناء دول, وإعادة البشرية إلى البدائية, وأن نيازك مدمرة ستضرب الأرض, وأن الاحتباس الحراريَّ سيؤدى إلى موت الآلاف، وكثرة الأمراض الجديدة, وأن (80%) من الأراضي الأمريكية مهددة بالغرق في المحيط, وأن الشرق الأوسط سيكون أكثر المناطق أماناً, و أن مخزون الأسلحة النووية سيصيب البشرية بكوارث عظيمة.

إنها تقارير مفزعة نسمعها كل يوم فى عصر العلم والاكتشافات!!، ومرت علينا كثير من النذر والآيات، لقد كثر الهرج وهو القتل وما تسمع ولا تقرأ في الأخبار إلا طالعتك بمقتل أعداد هائلة في أيام متتابعة، كثرت الزلازل، وفشت الأمراض، وتكررت التغيرات الكونية والخسوفات؛ فهل غيرت فينا قدر أنملة؟! وهل اهتزت لها شعرة منا!! هل ترك الكافر كفره؟, وهل ترك الظالم ظلمه؟ وهل رجع الباغي إلى رشده؟ وهل عملنا بطاعة الله؟ واجتنبنا معاص الله.

إنه مع اقتراب الساعة وظهور مثل هذه النذر المخوفة لا يبقى إلا الاستعداد للقاء الله وإحسان المسير إلى الله؛ وإلا فالموت قريب, والكل سيلقى ربه حتماً لا محالة وإن لم تقم عليه الساعة.

فلا تعص ربك وترجو رحمته؛ فإن لكل مقدمة نتيجة ولكل عقيدة تأثير، ولا تفرط في جنب الله وترجوا الأمن يوم القيامة، فلا بد من الاستعداد اليوم، ولا بد أن نستفيد من الآيات والنذر، ونتوب إلى الله قبل أن تبعثر القبور ويحصَّلَ ما في الصدور، لا بد أن نصحوا الآن ونتقي الله عز وجل، ونخشى: (يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً ) [لقمان: 33].

لا بد أن نصحوا الآن ونخافَ من يوم تنفطر فيه السماء، ويخرج الناس من الأجداث إلى ربهم ينسلون.

ألا تخاف -يا عبد الله- من يومٍ يكون الناس فيه (كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) في كثرتهم وانتشارهم، وضعفهم وتخبطهم، وموجان بعضهم في بعض؟!.

ألا تتفكر -يا عبد الله- في بهتك، وحيرتك، وانكسارك، وذُلِّك، وافتقارك، وقلتك، يوم لا تجد إلا عملك وسعيك الذي سعيت (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:6] ؟!.

ألا تتخيل قيامَ الناس وثورانَهم من قبورهم دفعةً واحدةً، وانبعاثَهم مرةً واحدةً، وأنت بينهم وفي جملتهم منكسفاً وجهك، متغيراً لونك، متعثرة قدمك، قد مُلئ قلبك فزعاً، وأنت حيران عطشان سكران: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) شاخصَ البصر نحو النداء، مستمعاً لذلك الدعاء، ولو وجدت مطاراً لطرت، ومفراً لفررت؟!.

ألا تتفكر -يا عبد الله- في ذلك الازدحام والانغمام، والاتساق والالتصاق، واجتماع الإنس والجن، وما يُجمع من سائر أصناف الحيوان، وانضغاطهم، وتدافعهم، واختلاطهم، لا فرار ولا انتصار، ولا ملاذ ولا هروب، وقربت الشمس، وكانت قدر ميلٍ، وزيد في حرِّها، وضوعف في وهجها، ولا ظل إلا ظلُ العرش، وقد انضاف على حر الشمس حر الأنفاس لتزاحم الناس، واحتراق القلوب بما غشيها من الكروب، ويؤتى بجهنم في ذلك اليوم؛ ليزداد الحر حراً، لها سبعون ألفِ زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألفِ ملكٍ يجرونها، أربعةُ آلافٍ وتسعمائةِ مليونِ ملك يجرون جهنم، واشتد الفرَق، وعظم القلق، وسال من الأجسام، وانبعث من كل موضع من الجسد، وكان الناس في العرق على قدر أعمالهم؟!.

ألا يتفكر الإنسان إذا سال عرقه، وجرى من قرنه إلى قدمه بحسب عمله..؟! ألا تعلم -يا عبد الله- أنه لو سال عرقك في الدنيا طول عمرك في طاعة ربك على ألا تعرق في ذلك اليوم - لكان ذلك يسيراً، ولَمَا كان أبداً كثيراً؟.. فهل أعددنا -يا عباد الله- لذلك اليوم من عُدَّة؟ وهل تبنا وقمنا بما يلزم من التوبة؟ وهل تركنا المعاصي وعدنا إلى الله رجاء النجاة في ذلك اليوم؟ وهل اعتبرنا بكل آية تمر علينا؛ فإن الآيات كثيرة، وإن النذر عديدة (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ )وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [يوسف:105-107].

اللهم اجعلنا في يوم الفزع من الآمنين، واغفر لنا أجمعين، وأظلنا في ظل عرشك يا كريم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه

أما بعد:

فيا عباد الله: بين حين وآخر تطالعنا وسائل الإعلام بأن نهاية العالم سنةُ كذا وكذا تحديداً، ويذكرون في ذلك تنبؤات لا حصر لها جعلت البعض ينتحر أو يهاجر أو يترك عمله!!، والخطر كبير فى نقل الأخبار دون تثبت وخصوصاً مع سهولة الاتصال.

والواجب علينا أن نترك الواقع يفسر لنا أمارات الساعة وعلاماتها فهي ستحدث -بإذن الله- حتماً لا محالة وفق خبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا داعي للتكلف والتعجل, ولا يجوز التعويل على كلام العرافين والكهان، ولا اعتماد المنامات في التحديد، ولا يصح الجزم والقطع وإدعاء معرفة الغيب.

وعلينا أن نعلم أن الساعة لن تقوم حتى تستوفى جميع الأمارات الصغرى والكبرى, والواجب علينا أن نعيش طاعة الوقت التي أشار لها النبي صلى الله عليه وسلم وهي الإعداد لهذا اليوم العظيم، بالعلم النافع والعمل الصالح.

فقد روى البخاري ومسلمٌ: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ "قَالَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ أحمد عليه نفسي من صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".

فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب هذا الرجل بجواب الحكيم، وهو لفت النظر إلى الأمر المهم وهو الاستعداد للساعة وليس معرفة وقتها، وهذا هو ما يجب علينا تحديداً ألا نتكلف فيما لم يكشف لنا من أمر الساعة مع اعتقاد قربها ودنوها، وأنها قريبة عند الله عز وجل، وأن قيامةَ كلِّ إنسان من الخليقة هي موته وقبض روحه، فإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته، ولن يفوته من أهوال القيامة شيء (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [التغابن:7]. فسوف يبعث الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، وربما لم يدرك الإنسان الفتن والملاحم وبعض أشراط الساعة وتكون رحمة له؛ لأن الساعة تقوم على شرار الخلق.

روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: "كان رجال من الأعراب جفاةٌ يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: "إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم" قال هشام: "يعني موتهم" ففسر ساعتهم بموتهم وانقراض عصرهم؛ لأن من مات منهم فقد قامت قيامته.

ولا بد أن نستعد للقيامة وأهوالها والفتن التي تسبقها بالعلم الشرعي؛ فالذي ينجيه الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن هو الذي جعل الله له نوراً في قلبه، نور الفطرة، ونور الإسلام، ونور العلم الشرعي: (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

اللهم يا من منح أولياءه نوراً! امنحنا نوراً من نورك، اللهم اجعل في قلوبنا نوراً، وفي أسماعنا نوراً، وفي أبصارنا نوراً، وعن أيماننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، اللهم أعظم لنا نوراً.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.