الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | محمد عبدالولي الشعراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق |
واليوم نقف مع حال الباطنيين ودورهم في هذه الحملات العشر، والتاريخ يعيد نفسه في ذلك الدعم والوقوف العجيب من قبل الباطنيين، وخيانتهم العظمى لأمة الإسلام، بالترحيب بالقوى الصليبية، بل بدلاً من الاحتجاج عليها، تؤجج الأحقاد على أتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، في مسيرة مليونية تعيد شعار "يا لثارات الحسين"؛ إتمامًا لحديثنا عن الدور الذي تلعبه القوى الصليبية في المنطقة ..
أما بعد:
أيها المسلمون: مصداقًا لقول ربكم: (لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة:10]، وكما لا يخفى عليكم، لقد تعرض العالم الإسلامي في الماضي لثماني حملات صليبية عسكرية حربية، شنت منطلقة من مبدأ الدين ومحاربة أتباع سيد المرسلين، وكشفت تلك الضغائن الخفية التي لا يتصورها عاقل، والتي يبطنها لنا عباد الصليب، والتي تمثلت جلية في تلك المجازر الوحشية، وبرك الدماء التي صنعتها تلك القوات بالمسلمين، بلا تفريق بين مدني أو عسكري، بل ذبح الأطفال والنساء الشيوخ وبقرت بطون الحوامل، وداست مراكبهم المرضى في الشوارع، هدمت المساجد، وسرقت مقتنياتها، وأتلفت الكتب ونهبت المنازل، واستباحت المحرمات، أحرقت الدور على من فيها، لقد صنعوا بالمسلمين بمصطلح اليوم أفظع أنواع جرائم الحرب.
ثم تلتها الحملة التاسعة المغولية الهولاكية، فأقبلت بالهلاك والذبح الجماعي، وزادت على صنيع الصليبيين بتدمير معالم الحضارة في عاصمة الخلافة بغداد، وإحراق الكتب العظيمة، ثروة الأمة التي لا تقدر بثمن، وتحويل أنهار العراق إلى لون الحبر والمداد، من ألوف الكتب والوثائق التي سطرها علماء الإسلام، عبر قرون دفعوا فيها راحتهم، وسلامة عيونهم، وأعمارهم ثمنًا، ثم هذه نهايتها؟!!
واليوم هذه الحملة العاشرة مرة أخرى على العالم الإسلامي، ابتدأت بالاستعمار ثم احتلال فلسطين وانتهاك حرمة بيت المقدس، من قبل إخوان القردة والخنازير، والدعم اللا محدود وحتى هذه الساعة من كل الدول الصليبية بلا استثناء، للسرطان المسمى بإسرائيل، وانتهت باحتلال لم يسبق له مثيل للعراق، مرورًا بحروب التصفية الجماعية لمسلمي البوسنة وكوسوفا والشيشان وأفغانستان، وحتى هذه الحملة على العراق مرة أخرى، والتي تدير رحاها أقوى دولتين تتبجحان بأكذوبة حقوق الإنسان، والمحافظة على التراث وحماية الآثار، تعيد إلى أذهان المسلمين نفس المشاهد، بقصف غير مسبوق للمدنيين، وقتل للأبرياء والأطفال، وهدم للبيوت، وتدمير للبنى التحتية، بل ولم يكتفوا بهذا فحسب، فتحت أعينهم وبمباركتهم تُرك آلاف المرضى والجرحى في المستشفيات بلا أطباء وبلا دواء، وترك آلاف المساجين بلا طعام أو شراب، بسبب خلو السجون من السجانين.
بل وفي نفس الوقت الذي شنوا فيها حربًا على حكومة طالبان المسلمة، وأحد أهم مبرراتها تدمير صنم بوذا، بدعوى أنه تراث أثري يجب المحافظة عليه، نراهم في نفس الوقت يشرفون على سلبٍ كامل، ونهب لم يسبق له نظير لمئات الآلاف من الآثار والتراثيات، التي هي بقايا لما يزيد على سبعة آلاف سنة من حضارات متعاقبة في بلاد العراق، وعلى مرأى العالم ومسمعه، حتى رأينا بكاء علماء الآثار على هذه الكارثة الإنسانية التي لا توصف.
واليوم نقف مع حال الباطنيين ودورهم في هذه الحملات العشر، والتاريخ يعيد نفسه في ذلك الدعم والوقوف العجيب من قبل الباطنيين، وخيانتهم العظمى لأمة الإسلام، بالترحيب بالقوى الصليبية، بل بدلاً من الاحتجاج عليها، تؤجج الأحقاد على أتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، في مسيرة مليونية تعيد شعار "يا لثارات الحسين"؛ إتمامًا لحديثنا عن الدور الذي تلعبه القوى الصليبية في المنطقة، لكي تثبت أقدامها على تراب العالم الإسلامي في اللعب بورقة الباطنية، الذين أجادوا الدور وبرعوا فيه، تواطؤًا مع كل حملة صليبية، بل وكل حملة مغولية، بل وكل مهاجم لبلاد الإسلام.
ها نحن نواصل رفع الستائر المسدلة:
هذي الحقائق أرويها وأسردهـا
أخي المسلم: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عدو الباطنية اللدود، والسيف الذي سله الله على كل عدو لسلف الأمة -رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته- عن الباطنية: "...واعلم أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأن أصل كل فتنة وبلية هم الباطنية، ومن انضوى إليهم، وكثير من السيوف التي سُلَّت في الإسلام إنما كانت من جهتهم، واعلم أن أصلهم ومادتهم منافقون، اختلقوا الأكاذيب، وابتدعوا آراء فاسدة، ليفسدوا بها دين الإسلام، ويستزلوا بها من ليس من أولي الأحلام"، "فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلمًا، يعادون خيار أولياء الله تعالى بعد النبيين، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه، ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين، وأصناف الملحدين، كالنصيرية، والإسماعيلية، وغيرهم من الضالين".
وقال: "كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين، ومعاونة للكافرين، وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير، حتى جعلهم الناس لهم كالحمير، يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه، وهذا هو الكذب والنفاق، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق، فهم في ذلك كما قيل: "رمتني بدائها وانسلت"، إذ ليس في المظاهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم، ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم".
وقد قال الإمام مالك -رحمه الله-: "الذي يشتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس لهم سهم، أو قال: نصيب في الإسلام". بل لكم أن تتصوروا هذه الهجمة حتى على رسول الله بالهجوم والتعرض لحبيبته وقرة عينه أم المؤمنين، ليعيدوا إلينا فرية معلمهم الأول الذي علمهم النفاق ابن سلول، باتهام عائشة بالفاحشة مرة أخرى.
الله أكبر!! ما أعظم المشابهة؛ اليهود اتهموا مريم الطاهرة المطهرة عليها السلام بالزنا، وأحفادهم هؤلاء اتهموا عائشة الصديقة الطاهرة المطهرة أم المؤمنين بنص القرآن بهذه التهمة، ألا لعنة الله على الكافرين، وصدق الله العظيم: (النَّبِىُّ أَوْلَى بِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوجُهُ أُمَّهَـاتُهُمْ) [الأحزاب:6].
أيها المسلمون: إن الإنسان لا يستطيع أن يتصور كيف يقود الحقد والضغينة هؤلاء القوم، لدرجة أنهم حتى أقبح أنواع الدناءة لا يتورعون عنها، وربما تورع عنها عباد الصليب والأحجار، أليس قد بلغ من حنقهم أنهم يحقنون الفاكهة بالبول، ثم يبيعونها؟! ويضعون أذكارهم -أعزكم الله- في الأواني والأكواب قبل تقديمها لمن يخالفهم؟!! فكيف يتقى شرهم؟! لم يفُتْ علماء التاريخ وغيرهم أن يذكروا طرفًا من أذى الباطنية، أليس شيخ الإسلام هو الذي قال: "...وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير، فيه ألوف من الباطنية، يسفكون دماء الناس، ويأخذون أموالهم، وقتلوا خلقًا عظيمًا وأخذوا أموالهم، ولما انكسر المسلمون سنة غازان، أخذوا الخيل والسلاح والأسرى، وباعوهم للكفار النصارى بقبرص، وأخذوا من مرّ بهم من الجند، وكانوا أضرّ على المسلمين من جميع الأعداء...".
فلم أر ودهم إلا خداعًا
أخي المسلم: إن الباطنيين: "حين يعيشون في دول لا تدين بمعتقدهم، يتجه جهدهم إلى العمل والتخطيط للتمكين لمذهبهم وبني جنسهم، وإلحاق الضرر بغيرهم، ومن يقرأ ما فعله ابن يقطين الباطني بالمساجين المساكين، ويرى محاولات الباطنيين الدائبة في التسلل إلى أجهزة الأمن، وكذلك التغلغل في جيوش الدول الإسلامية، يعرف أن هدفهم من ذلك ليس خدمة الدولة ولا الدفاع عنها ضد أعدائها، ولكن استغلال هذه الأجهزة في العدوان على المسلمين، ونصرة الباطنية ومذهبهم كلما لاحت لهم الفرصة...".
نعم، فالباطنية كعادتهم: "وفي سبيل الوصول لأغراضهم، سيحاولون الدخول ليتمكنوا بواسطة ذلك من التسلط على عباد الله الصالحين، وإلحاق الضرر والأذى بمخالفيهم، بل هم يثبتون هذا في كتبهم، فهذا نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية يقول: إن علي بن يقطين وصل إلى منصب وزارة في عهد هارون الرشيد، وأنه قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين -أي أهل السنة- فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين، فماتوا كلهم، وكانوا خمسمائة رجل تقريبًا".
وقد أثنى الزعيم الباطني في كتابه "الحكومة الإسلامية" على هذا الرجل لدخوله الشكلي، كما يعبر في الدولة الإسلامية لنصرة الإسلام والمسلمين -يعني الباطنية ومذهبهم-.
وكثير منا يعلم قصة ابن العلقمي الباطني، الذي جعله المستعصم وزيرًا أربع عشرة سنة، وكيف كان هذا الباطني من أهم أسباب سقوط دولة الخلافة في بغداد، واستيلاء التتار عليها، وارتكبت بواسطته أعظم جريمة حرب في التاريخ، ذهب ضحيتها في شهر واحد مليون وثمانمائة نفس، ثم ترى أحفاده الباطنيين المعاصرين يثنون على صنيعه هذا، بل وعدُّوه من أعظم مناقبه.
ولعلنا لا نتعجب من حقد الباطنية على أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، إذا نظرنا للروايات الأثيمة التي حشا بها القوم كتبهم، كما في كتاب الشرائع للباطني ابن بابويه، بروايته عن داود بن فرقد أنه سأل شيخه عن قتل مخالفهم من أهل التوحيد؟! فقال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًا أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل.
وقال آخر مجيبًا لمن سأله، وناصحًا له: "أشفق إن قتلته ظاهرًا أن تُسأل: لم قتلته؟! ولا تجد السبيل إلى تثبيت حجة، ولا يمكنك إدلاء الحجة، فتدفع ذلك عن نفسك، فيسفك دم مؤمن من أوليائنا بدم كافر، وعليكم بالاغتيال".
فيا أيها المسلم: قد أعطاك الله فطنة فاحذرهم أن يغتالوك، فلقد ذكر في كتاب رجال الكشي للباطنية، أن باطنيًا رفع تقريرًا إلى أحد رؤوس الباطنية، يخبره أنه تمكن -وحتى ذلك الوقت- من قتل ثلاثة عشر مسلمًا لا ذنب لهم إلا أنهم من أهل السنة، ويعتز هذا الباطني ويفتخر، ويصف كيف استطاع أن يقضي عليهم فيقول: "منهم من كنت أصعد سطحه بسلم حتى أقتله، ومنهم من دعوته بالليل على بابه، فإذا خرج عليّ قتلته".
ألا يجدر بنا بعدُ كأمة واعية، أمة تقتفي هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبع سنته، أن نأخذ حذرنا، وأن لا نغتر بظواهر الأمور، فالمؤمن كيس فطن، ليس بالخب ولا الخب يخدعه، ونصيحتي التي أذكّر نفسي وإخواني بها: لا ننسَ التاريخ، لا ننسَ التاريخ؟!
فانظر كيف يعيشون في وسط المسلمين، ويتسمون باسم الإسلام، وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل، وهذه اعترافاتهم تشهد بآثارهم السوداء.
وفي وقتنا المعاصر التاريخ يعيد نفسه، أصبحت لهم دول كما كانت الدولة العبيدية والبويهية والحمدانية والصليحية، وهاهم قد نكلوا بأتباع سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- أيما تنكيل، وأقاموا لهم المذابح والمجازر، وصب عليهم العذاب صبًّا، وكثر فيهم القتل، فلم تكن تمضي ليلة واحدة بغير إعدام، وأيضًا فقد امتلأت سجونهم بأهل التوحيد رجالاً ونساءً.
بل -يا عبد الله- لقد وصل حقدهم البغيض، وإجرامهم الرهيب، إلى أن حراس ثوراتهم الشيطانية، كانوا يغتصبون البنت العذراء البكر قبل إعدامها، وليس لها ولمثيلاتها ذنب سوى أنهن من بني أتباع سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولك أن تشعر بمشاعر من يرى أخاه الإنسان... يقتل ظلمًا، أو يرى أختًا يُعتدى على عرضها، وتهتك حرمتها، ثم تقتل مظلومة، وهو لا يملك أن يدافع عنه أو عنها، وأما عن الحرية الدينية فهناك أكثر من ثلاثمائة ألف من أهل السنة والجماعة، وحتى اليوم لا يوجد لهم مسجد واحد يصلون فيه جماعة على أرض أحفاد ابن العلقمي!!
أخي المسلم: هذا قليل من كثير، ولكن اعلم أن الباطنية إذا كانوا ضعفاء أخلدوا إلى الأمن، وأظهروا المودة والمحبة لأهل التوحيد، فإذا قويت شوكتهم عاثوا فيهم قتلاً واضطهادًا، واغتصابًا وإجرامًا، وإن شئت فقلّب صفحات التاريخ وانظر إلى الواقع، وسيتضح لك خذلانهم للمسلمين، وتآمرهم عليهم كلما حدثت لهم حادثه ووقعت لهم كارثة، وحلت بهم نائبة، وما أمر بغداد عنا ببعيد، أعرفت الآن معنى أن ترى حاقدًا يلبس جلد الثعلب؟! (إِنَّ فِى ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو البر الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أظهر دينه المبين، ومنعه بسياج متين، فحاطه من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سخَّر لدينه رجالاً قام بهم وبه قاموا، واعتزَّ بدعوتهم وجهادهم وبه اعتزوا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، كان يربّي ويعلّم ويدعو، ويصوم ويقوم ويغزو، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
إن القوم الضالين، وكل فرق الباطنية المنافقين، أعلنوا حملة شعواء لا هوادة فيها على الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وعلى أتباعه، الذين لا ينفك الباطنيون عن نعتهم بالوهابية والوهابيين، وكأنهم طائفة من غير أهل السنة!
وكما عادى هؤلاء بكل وسيلة شيخ الإسلام علم الدنيا والأعلام، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، فهم يسلكون مع الشيخ ابن عبد الوهاب الطريقة نفسها، من التشهير ومناصبته وأتباعه العداء، فهذا زعيم الباطنية الهالك في كتابه: "الحكومة الإسلامية" يصف حركة المجدد الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بشتى الأوصاف المقذعة، فتارة يسميهم: "وحوش نجد"، وتارة: "وحداة البعران في الرياض"، وتارة يقول: "ممن يعدون من أسوأ المخلوقات البشرية"، وتارة يقول: "الوهابيين، الذين هم مجموعة من رعاة الإبل المجردين من أي علم ومدنية..."، فما هو السبب؟!
أولاً: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب (1115- 1206هـ) ولد ببلدة العيينة القريبة من الرياض، وتلقى علومه على والده دارسًا شيئًا من الفقه الحنبلي والتفسير والحديث، حافظًا للقرآن الكريم وعمره عشر سنين.
لقد سلك الإمام -رحمه الله تعالى- في بحثه عن فرق الباطنية مسلك الباحث الموضوعي، الذي اعتمد في كل جزئية تناولها على مراجعهم ومصادرهم، شأنه شأن المنصفين المقسطين، ولا غرو في ذلك فهو -رحمه الله تعالى- سلك مسلك أئمة السلف في الرد على المخالفين، لا سيما وأن الإمام قد تأثر إلى حد كبير بمنهج الإمامين العظيمين: ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله تعالى-، فجاءت كتابته عن الرافضة سديدة وموثقة.
إن الشيخ بسبب تصديه ومحاربته العظيمة لعباد القبور والأضرحة، وقيامه بأهم الواجبات وهو تصفية التوحيد من أدران الشرك، وهدمه للقباب والأضرحة، وإبطاله أن يكون هناك عتبات أو مراقد مقدسة لأي أحد كان، ومنعه من الطواف بها، والاستغاثة، وطلب كشف الكربات، وتفريج المهمات، وتطبيق ذلك عمليًا، بهدم قبة قبر زيد بن الخطاب، وجميع أضرحة ومزارات نجد، وبسبب فضحه للباطنيين على نفس طريقة الإمامين العظيمين: ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله تعالى-، وقيامه بالرد عليهم وتبيين دجلهم ونفاقهم، وحتى اليوم أتباعه يدعون بدعوته، فإن القوم يعادونه عداءً ليس له نظير، فإنه أكبر فاضح لهم.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وبسبب الباطنية حدث الشرك وعبادة القبور، وهم أول من بنى عليها المساجد".
إن الباطنية يعبدون ويتقربون لقبور الصالحين، فإذا كان حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". رواه البخاري ومسلم في قبور الأنبياء، فكيف من اتخذ المشاهد لمن هم أدنى من الأنبياء؟!!
وهو الذي منع النبي من الأمر بإبراز قبره للناس، كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، قالت: "لولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتخذ مسجدًا"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". رواه أحمد.
وهذا الذي يفعله هؤلاء الباطنيون -بالله عليكم- أليس من أعظم الشرك؟! وجعل قبور الصالحين أوثانًا تدعى وتعبد ويركع لها ويسجد، إن الله تعالى في عليائه أمر بإقامة الوجوه عند كل مسجد، ولم يأمر أن نقيمها عند كل مشهد، ثم إذا كان الغلو مهلكة لأمم السابقة، فهل أعظم منهم غلوًا؟!!
وعن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله". أخرجاه. وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين". رواه النسائي وابن ماجه.