البحث

عبارات مقترحة:

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم

العربية

المؤلف عبدالله بن حسن القعود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. كل ابن آدم خطاء .
  2. الحذر من الاستمرار في الخطأ .
  3. التوبة والعودة إلى الله تعالى .

اقتباس

ولئن كان الاستمرار على الخطأ قبيحاً، ولئن كان البقاء والإصرار على الجهل والسفه والسوء قبيحاً، فإنه يتضاعف شره ويشتد إثمه ويعظم قبحه إذا صدر ممن توالت عليه النذر، أمثال نذر الشيب وطول العمر، أمثال نذر القرآن وظهور تأويله فيمن لم ينتذروا به عبر الأيام والأزمان ..

 

 

 

 

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. أحمده تعالى، يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين أنابوا إلى ربهم وأسلموا له، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:135-136]

أيها المسلمون: إننا في هذه الدنيا معرضون لأخطاء شتى، فهي ملأى بما يجر إلى الأخطاء لا حول ولا قوة إلا بالله، والمعصوم من عصمه الله، ولا عجب أن يخطئ الإنسان فيها أو أن يصدر منه إساءة أو سفه أو جهل "فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" كما قال عليه الصلاة والسلام.

إنما العجب ممن يدرك خطأه أو جهله وإساءته وسفهه، ويظل متلبساً بذلك، آمناً مكر الله ووعيده في قوله: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99]

ولئن كان الاستمرار على الخطأ قبيحاً، ولئن كان البقاء والإصرار على الجهل والسفه والسوء قبيحاً، فإنه يتضاعف شره ويشتد إثمه ويعظم قبحه إذا صدر ممن توالت عليه النذر، أمثال نذر الشيب وطول العمر، أمثال نذر القرآن وظهور تأويله فيمن لم ينتذروا به عبر الأيام والأزمان (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40]

نذر لم تدع مجالاً، ولا ما يسمى محالاً للخلوص من أيِّ جاهلية في هذه الدنيا: كفر أو فسق أو جهل أو سوء أو سفه، اسمعوا الحق -أيها الأخوة- يخاطبنا، يخاطب الناس خطاب الكريم الغفور الرحيم، خطاب الداعي إلى دار السلام، إلى جنة الفردوس التي لأهلها ما يشاؤون فيها، ولدى الحق مزيد، يخاطبهم (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال:38]

(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام:54] (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر:33-35]

(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:68-70]

أفلا يجدر بنا -أيها الأخوة- أن نلبي هذا النداء الكريم بمشاعرنا وجميع أحاسيسنا وواقع أعمالنا؟!، أفلا يجدر بمن لاح به الشيب، وستر له ما كان في ماضيه من عيب، أفلا يجدر بمن تخطف أقرانه من حوله، ومن قد شاركوه في شيء من سفهه، تخطفوا على غرة وهم لا يشعرون؟!

أفلا يجدر بمن رفل في نعم الله التي من أعظمها ستر ما بارزه به من عصيان رغم اعتقاده بمراقبة الله له، وأنه يغار على محارمه ولا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، أفلا يجدر بهذا أن ينضم إلى ركب أولئك الأبرار الأطهار الذين أثنى الله عليهم بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135]؟!

ألا يجدر بمن أساء منا أن يقتدي بإخوان وأسلاف كانوا من قبل مرتكسين في حمأة الجاهلية وأوضار العصيان؛ ما بين عابد وثن، وطريح خمرة، وصريع غانية، نفضوا غبار تلك الأوضار بتبديل سفههم حلماً، وجهلهم علماً، وسوئهم إحساناً، وكفرهم إيماناً، فنالوا بذلك عزة الدنيا وسعادة الآخرة؟!

فاتّقوا الله -أيها الأخوة المؤمنون-، وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، يقلع بها التائب من ذلك الذنب الذي تاب منه، ويقاطعه مقاطعة كاملة، ويحدث نفسه بألا يعود في مثل ذلك الذنب الذي تاب منه، ويرد ما استطاع من حقوق العباد إليهم، أو يستحلهم منها سيما إن كانت مالية.

يحقق لكم تعالى وعده في قوله: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8]

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]

أقول قولي هذا، وأستغفرك اللهم وأتوب إليك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك أن تجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وأن تجعل أبرك أيامنا يوم أن نلقاك فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت وليُّنا في الدنيا والآخرة، توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، واجعل لنا لسان صدق في الآخرين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم؛ إنك وحدك أهل التقوى وأهل المغفرة.