البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

العدل أساس بقاء الدول

العربية

المؤلف عصام بن عبد الله السناني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. فضل العدل .
  2. حقيقة العدل .
  3. عدل الإسلام .
  4. أولى الناس بإقامة العدل .
  5. تحريم الظلم وبيان سوء عاقبته .
  6. نماذج من عواقب الظالمين .

اقتباس

وحسنُ العدلِ وحبُه مستقرٌ في الفطرِ؛ فكلُّ نفسٍ تنشرحُ لمظاهرِ العدلِ، ولقد دلتِ الأدلةُ الشرعيةُ وسننُ اللهِ في الأولينَ والآخرينَ أن العدلَ دعامةُ بقاءِ الأممِ، ومُستقرُ أساسات الدولِ، وباسطُ ظلالِ الأمنِ، ورافعُ أبنيةِ العزِّ والمجدِ، ولا يكونُ شيءٌ من ذلك بدونِه، فالقسطُ والعدلُ هو غايةُ الرسالاتِ السماويةِ كلِّها: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِ?لْبَيّنَ?تِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ?لْكِتَ?بَ وَ?لْمِيزَانَ لِيَقُومَ ?لنَّاسُ بِ?لْقِسْطِ...).

 

 

 

 

أما بعد: 

فيا أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوه -رحمكم الله-، وأحسنوا فهو سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. يقول تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

أيها المسلمون: العدلُ تواطأتْ على حسنِه الشرائعُ الإلهيةُ والعقولُ الحكيمةُ والفطرُ السويةُ، وتمدح بادعاءِ القيامِ بِه ملوكُ الأممِ وقادتُها وعظماؤُها وساستُها.

وحسنُ العدلِ وحبُه مستقرٌ في الفطرِ؛ فكلُّ نفسٍ تنشرحُ لمظاهرِ العدلِ، ولقد دلتِ الأدلةُ الشرعيةُ وسننُ اللهِ في الأولينَ والآخرينَ أن العدلَ دعامةُ بقاءِ الأممِ، ومُستقرُ أساسات الدولِ، وباسطُ ظلالِ الأمنِ، ورافعُ أبنيةِ العزِّ والمجدِ، ولا يكونُ شيءٌ من ذلك بدونِه، فالقسطُ والعدلُ هو غايةُ الرسالاتِ السماويةِ كلِّها: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِلْبَيّنَتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَبَ وَلْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِلْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِلْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25].

إن أيةَ أمةٍ تعطلتْ من هذه الخَّلةِ الجليلةِ فلا تجدُ فيها إلا آفاتٍ جائحةً وزوايا قاتلةً وبلايا مهلكةً وفقرًا معوزًا وذلاً معجزًا، ثم لا تلبث بعد ذلك أن تبتلعها بلاليعُ العدمِ، وتلتهمها أمهات الفتنِ.

عباد الله: بالعدلِ قامتِ السمواتُ والأرضُ، وللظلمِ يهتزُّ عرشُ الرحمنِ. العدلُ مفتاحُ الحقِ وجامعُ الكلمةِ ومؤلفُ القلوبِ. إذا قامَ في البلادِ عَمَّرَ، وإذا ارتفعَ عن الديارِ دمَّرَ. بالعدلِ يشتدُ أزرُ الضعيفِ ويقوى رجاؤُه، وبالعدلِ يهونُ أمرُ القويِّ وينقطعُ طمعُه، (لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ).

إن الدولَ لتدومُ مع الكفرِ ما دامتْ عادلةً، ولا يقومُ مع الظلمِ حقٌ ولا يدومُ به حكمٌ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه اللهُ-: "إن اللَه ينصر الدولةَ العادلةَ وإن كانتْ كافرةً، ولا ينصرُ الدولةَ المسلمةَ إذا كانت ظالمةَ".

والعدلُ في حقيقتِه -عبادَ الله- تمكينُ صاحبِ الحقِ ليأخذَ حقَّه، في ظلالٍ يكونُ الناسُ في الحقِ سواء لا تمايزَ بينَهم ولا تفاضلَ، وإنَّ أمةَ الإسلامِ هي أمةُ الحقِ والعدلِ، أمةٌ أمرَها ربُّها بإقامةِ العدلِ في كتابِه أمرًا محكمًا وحتمًا لازمًا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمَنَتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِلْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 58]، (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْولِدَيْنِ وَلأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 135].

لا أعدلَ ولا أتمَّ ولا أصدقَ ولا أوفى من عدل شريعةِ الله، فهي مبنيةٌ على المصالحِ الخالصةِ أو الراجحةِ، بعيدةٌ عن أهواءِ الأممِ وعوائدِ الضلالِ، لا تعبأ بالأنانيةِ والهوى، ولا بتقاليدِ الفسادِ، إنها لمصالحِ النوعِ البشري كلِّه ليسَ لقبيلةٍ أو بلدٍ أو جنسٍ: (فَلِذَلِكَ فَدْعُ وَسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَبٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَلُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى: 15].

عدلُ الإسلامِ يسعُ الأصدقاءَ والأعداءَ، والأقرباءَ والغرباءَ، والأقوياءَ والضعفاءَ، والمرؤوسينَ والرؤساءَ. عدلُ الإسلامِ ينظمُ كلَّ ميادينِ الحياةِ ومرافِقها ودروبِها وشؤونِها. في الدولةِ والقضاءِ، والراعي والرعيةِ، والأهلِ والأولادِ. عدلٌ في حقِ اللهِ، وعدلٌ في حقوقِ العبادِ، في الأبدانِ والأموالِ، والأقوالِ والأعمالِ. عدلٌ في العطاءِ والمنعِ، والأكلِ والشربِ. يُحق الحقَ ويمنعُ البغيَ في الأرض وفي البشر: "كلكم راعٍ، وكلّكُم مسؤولٌ عن رعيته".

وإن أولى الناسِ بإقامةِ العدلِ في الأرضِ همْ ولاةُ أمورِ المسلمينَ، حقٌ عليهم أن يقيموا العدلَ في الناسِ. وفي مثلِ هذا صحَّ الخبرُ عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أهلُ الجنةِ ثلاثةٌ: ذو سلطانٍ مقسط متصدق موفٍ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقٌ القلبِ لكلِ ذي قربى، ومسلمٌ عفيف متعففٌ ذو عيالٍ"، وفي الحديثِ الصحيحِ: "إنَّ المقسطينَ عندَ اللهِ على منابرَ من نورٍ عن يمينِ الرحمنِ، وكلتا يديه يمينٌ، الذين يعدلونَ في حكمِهم وفي أهلهِم وما ولُوا"، والإمامُ العادلُ سابعُ سبعةٍ يظلهم اللهُ في ظلِه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُه.

والوَيلُ ثمّ الوَيل للقَاضِي إذا ظلَم، والحاكمِ إذا جَار عنِ العدل، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". رواه الشيخان. وروى الترمذي وحسنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "إنّ أحبَّ النّاس إلى اللهِ يومَ القيامة وأَدناهم منه مجلِسًا إمامٌ عادلٌ، وأبغَضُ النّاسِ إلى اللهِ وأبعَدُهم منه مجلِسًا إمامٌ جائرٌ"، وفي المسندِ عن حديثِ أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلاَّ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولاً لاَ يَفُكُّهُ إِلاَّ الْعَدْلُ، أَوْ يُوبِقُهُ الْجَوْرُ".

عباد الله: وإذا حلَّ الظلم بالولاياتِ حلَّ بالأمةِ الفسادِ؛ لأن الظلمَ والفسادَ قرينانِ، بهما تخربُ الديار، وتزولُ الأمصارِ، وتقلُ البركات، ويحلُ الغشُ محلَّها، وهو ظلماتٌ في غياهب تُزِلُ الأقدامَ وتُضلُ الأفهامَ. إنه ليسَ شيءٌ أسرع في خرابِ الأرضِ ولا أفسد لضمائرِ الخلقِ من الظلمِ والعدوانِ، ولا يكونُ العمرانُ حيث يظهرُ الطغيانُ، وإن الظالمَ الجائرَ سيظلُّ محاطًا بكلِّ مشاعرِ الكراهيةِ والعَداءِ والحقدِ والبغضاءِ، لا يعيشُ في أمانٍ، ولا ينعَمُ بسلامٍ، حياتُه في قلقٍ، وعيشُه في أخطارٍ وأرَق؛ لأنَّ الظلمَ جالبُ الإِحنِ ومسبِّبُ المحنِ، والجَورُ مسلبةٌ للنعمِ مجلبةُ للنقمِ، وقد قيل: الأمنُ أهنأُ عيشٍ، والعدلُ أقوى جيشٍ.

ومع ذلك فالظلمُ لا يدومُ ولا يطولُ، وسيَضمحلُّ ويزولُ، والدهرُ ذو صَرفٍ يدورُ، وسيعلمُ الظالمونَ عاقبةَ الغرورِ. أين الذين التحفوا بالأمنِ والدَّعَةِ، واستمتعوا بالثروةِ والسَّعةِ من الأممِ الظالمةِ الغابرةِ الظاهرةِ القاهرةِ؟! لقد نزلت بهم الفواجعُ، وحلّتْ بهم الصواعقُ والقوارعُ، فهل تعي لهم حِسًّا أو تسمَعُ لهم ركزًا؟! كيف يُقدِسُ اللهُ قومًا يتخمُ غنيهُم، وفقيرُهمْ لا يجدُ ما يسدُّ به رمقَه؟! وكيف يُقدِسُ اللهُ قومًا لا يُؤخذُ من قويِهم لضعيفهِم؟!

عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- قال: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: "أَلا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟!"، قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ -يَا غُدَرُ- إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتْ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ".

وعن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته"، وقرأ: (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). متفق عليه.

قد يستبطئُ الظالمُ العقوبةَ فيتمادى في ظلمِهِ، وهو قد لا يدري أن سترَ الغيبِ عمَّا قليلٍ سينكشف عنْ خزيه؛ لأن اللهَ سبحانَه إذا أخذَه لنْ يفلته، وكيف يفلته وهناكَ دعواتٌ مطردةٌ أو مشردةٌ مكلومةٌ مظلومةٌ تنطلقُ بالأسحارِ، تخترقُ الحجبَ فتصلُ إلى باريِها وناصرِها، فإذا هو يقول لها: "وعزّتي وجلالي، لأنصرنَّك ولو بعدَ حينٍ".

فسبحانَ من سمِعَ أنينَ المضطهدِ المهمومِ، وسمعَ نداءَ المكروبِ المغمومِ، فرفعَ للمظلومِ مكانًا، ودمَغَ الظالمَ فعادَ بعدَ العزِّ حقيرًا طريدًا مهينًا، (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون: 41].

لا تظلمنّ إذا ما كنتَ مقتدرًا

فالظلمُ آخرُه يأتيك بالندمِنامتْ عيونُك والمظلومُ منتبهٌ يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لم تنمِ

عباد الله: ذكرت كتب التاريخِ أن خالدَ البَرمكيَّ لما نُكبَ وسجنَ هو وابنهُ قالَ الابنُ لأبيه: يا أبتِ: بعدَ العزِ أصبحنا في القيدِ والحبسِ! قال الأبُ: "يا بنيَ: دعوةُ مظلومٍ سرتْ بالليلِ غفلنَا عنها، ولم يغفلْ اللهُ عنها".

ولقد حفظ لنا التاريخُ أن الترفَ بلغَ بأحدِ ولاةِ الأندلسِ أن تمنتْ زوجتُهُ أن تمشيَ على الطينِ حينما رأتْ النساءِ يفعلنه، فنشرَ لها الكافورَ والعنبرَ والمسكَ على الحصباءِ، وصنعَ لها منها طينًا ملكيًا من أموالِ الناسِ وقوتِهم، وكثيرٌ منهمْ لا يجد كسرةَ خبزٍ، فلمْ يمضِ وقتٌ قصيرٌ حتى سلطَ اللهُ عليه ابن تاشفينَ الذي أنهى دولتَه وأخذه أسيرًا مع أسرتِه، وأرسلَه مكبلاً بالقيودِ فسجنَه في أغمات، وحتى صارَ من فقرِ أهلِه أن كانتْ زوجتُه وبناتُه يغزلنَ للناسِ من أجلِ لقمةِ العيشِ. ثمَّ ها هو الملكُ المترفُ بالأمسِ يقولُ في سجنِه وقد جاءَه العيدُ وهو في ذلِّ الأسرِ:

فيما مضى كنتَ بالأعيادِ مسرورًا

فساءك العيدُ في أغماتَ مأسورًاتـرى بناتـكَ في الأطمارِ جائعةً يغزلنَ للناسِ لا يملكنَ قِطميرًاقد كانَ دهرُك أنْ تـأْمُرهُ مُمْتثِلاً فـردّكَ الدهرُ منهيًّا ومأمورًا

ورأى رجلٌ حفيدَ الخليفةِ المعتمدِ بعدَ زوالِ ملكِ آبائه وقدْ اتخذَ من الصياغةِ صناعةً، فنظرَ إليه وهو ينفخُ النارِ بقَصَبةِ الصائغِ فقالَ:

صَرَّفتَ في آلة الصُّواغِ أُنُملَةً

لم تدر إلا الندى والسيفَ والقلمَيـدٌّ عَهِدتُكَ للتَّقبيلِ تبسطُها فتسـتقلُّ الثريـا أن تكونَ فمًا

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:
 

 

 

 

لم ترد.