المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن الطاهر بن غيث |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
وينبغي للمسلم أن لا يستهين بالشيطان وكيده، ويكون منه على حذر، فلا تغلبه الثقة بالنفس؛ لأن للشيطان مداخل عديدة وحساسة، قد يدخل عليه منها دون أن يشعر، فقد يدخل عليه من باب الشبهات والتشكيك، وقد يدخل عليه من باب الرياء والإعجاب بالعمل، وقد يدخل عليه من باب تسهيل الصغائر حتى يوقعه في الكبائر وهكذا؛ لهذا حذرنا الله خطره وأرشدنا إلى الاستعاذة به سبحانه من الشيطان الرجيم ..
وبعد: فلقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يخلق الإنسان ويكلفه بمهام وشعائر وتكاليف، وجعل الله هذه الدنيا للإنسان دار امتحان يُمتحن فيها ويُختبر، وجعلها مزرعة للآخرة، فالبذر هنا والثمرة هناك، ووعد بإعطاء من أراد الدنيا شيئًا منها، ووعد من أراد الآخرة بأن يزيد له في حرثه، يقول سبحانه: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) [الشورى:20].
كما اقتضت حكمته سبحانه أن يوجد إبليس، وهو أحد مخلوقاته خرج عن طاعته واستكبر وأظهر عداوته لآدم الذي أمِرَ إبليس بالسجود له فرفض واستكبر، وتوعّد آدمَ وذريته بالإغواء والتضليل عبر الوسوسة وتزيين الشرور فقال: (لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه) [النساء: 118، 119].
لهذا كانت حياة الإنسان في هذه الدنيا في حقيقتها معركة وحربًا ضارية بينه وبين الشيطان، لا تنتهي هذه الحرب إلا بموت الإنسان، فما دام في الإنسان عرق ينبض فهو هدف للشيطان وغاراته، وقانا الله منها، ولا يمكن للإنسان أن ينتصر على هذا العدو إلا بمعرفته حق المعرفة، ومعرفة ما يحب هذا العدو وما يكره، ومعرفة طبيعته وطبيعة خلقه؛ حتى يتخذ العدة الصالحة لمحاربته.
ولقد عرَّف الخالق عباده بهذا الشيطان، وحذرهم وساوسه وكيده، وأمرهم باتخاذه عدوًا، يقول سبحانه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6]. فهذا تحذير من الله سبحانه حتى لا نستهين بهذه العداوة وهذا العدو، وحتى نعلم أن هذه الدنيا صراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، يقف في معسكر الحق الأنبياء والصديقون والصالحون والمؤمنون: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22]، وفي معسكر الباطل يقف الشياطين والسحرة والفجار والظالمون: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة: 19].
ورغم توعد الشيطان ومكره فقد بيّن لنا الرحمن -عز وجل- أن كيد الشيطان ضعيف هزيل، فقال -عز من قائل-: (فقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76]، ولكن هذا الضعف متوقف على إيمان الإنسان وتوكله واستجابته لأوامر الله -عز وجل-، فإذا اعتمد الإنسان على الله سبحانه واتبع أوامره لم يكن لسلطان الشيطان عليه سبيل، وهذا ما بينه الله سبحانه بقوله: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:99]، أما إن سلم الإنسان نفسه للشيطان فاتبع الشهوات وأكل الحرام ومارس الفواحش فقد صار من جند إبليس: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل:100].
وينبغي للمسلم أن لا يستهين بالشيطان وكيده، ويكون منه على حذر، فلا تغلبه الثقة بالنفس؛ لأن للشيطان مداخل عديدة وحساسة، قد يدخل عليه منها دون أن يشعر، فقد يدخل عليه من باب الشبهات والتشكيك، وقد يدخل عليه من باب الرياء والإعجاب بالعمل، وقد يدخل عليه من باب تسهيل الصغائر حتى يوقعه في الكبائر وهكذا؛ لهذا حذرنا الله خطره وأرشدنا إلى الاستعاذة به سبحانه من الشيطان الرجيم، لأنه خالق الشيطان والعالم بمكره والقادر على صرفه ودحره، كما حذرنا من اتباع خطوات الشيطان التي تفضي بنا في النهاية إلى الشرك والكفر، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [البقرة:208]، فهذا تحذير من اتباع خطوات الشيطان التي تبدأ باليسير الذي لا يشعر الإنسان به، وتنتهي بتلبس الإنسان بالعظيم من الأمور والخطير من المعاصي والآثام، فطلب منا سبحانه رد كيده بطاعة الله، ومقاومته بذكر الله وتلاوة القرآن وغيرها من فضائل الأعمال، وبالابتعاد عن المعاصي، وعدم الاكتفاء بهذا، بل دلنا على سبيل عظيم في مقاومته وهو الاستعاذة بالله والاستعانة به على دحر الشيطان ورد كيده.
فقد بيّن سبحانه أن صاحب الطاعة محفوظ من كيد الشيطان، فقال وهو يخاطب إبليس -عليه لعنة الله-: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر:42]، فعباد الله الذين يعبدون الله حق عبادته بإخلاص ويقين ويتبعون أوامر الله ورسوله لن يستطيع الشيطان أن يتسلط عليهم، أما صاحب المعصية فإن الشيطان يستزله بسبب معاصيه، وقد يهيمن عليه إذا كثرت هذه المعاصي، يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ ماَ كَسَبُوا) [آل عمران:155]، بل يقرر سبحانه أن أصحاب المعاصي قد قارنوا الشيطان وصاحبوه فأصبحوا له قرناء، يقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) [النساء: 38].
فأول حرز يتحرز به المسلم من الشيطان هو طاعة الله وعدم معصيته، وأهم طاعة وأعلاها وأجدرها باهتمام المسلم في هذا الأمر وفي غيره من الأمور: الإخلاص، فإن الشيطان بعيد عن كل مخلص، قريب من كل مشرك أو مراءٍ، لهذا فإن الشيطان نفسه صرح بعجزه أمام المخلصين واعترف بأنه لا يستطيع غوايتهم فقال: (رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: 39، 40].
الأمر الثاني الذي يُقاوم به الشيطان ذكر الله سبحانه، يذكر في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن الحارث الأشعري أن زكريا -عليه السلام- أوصى قومه قائلاً: "وآمركم أن تذكروا الله؛ فإن مثل ذكر الله كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله". ويقول فيما أخرجه مسلم من حديث جابر: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء".
إذًا فذكر الله -عز وجل- حرز وحصن من الشيطان، ينبغي للمسلم أن يتحصن به حتى ينتصر في هذه المعركة مع الشيطان.
ومن أهم الأسلحة الفتاكة المقاومة للشيطان: الاستعاذة بالله منه كما ذكرنا، فقد أمرنا بها الله سبحانه في كتابه في أكثر من آية من آيات كتابه، يقول سبحانه: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هو السَمِيعُ العَلِيمُ) [فصلت:200]، بل أنزل سبحانه في هذا الشأن سورتين عظيمتين سُميتا بالمعوذتين. كما وردت الاستعاذة بالله من الشيطان أيضًا في أحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أخرج الترمذي أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله: علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: "يا أبا بكر: قل: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم". فالاستعاذة بالله من شر الشيطان أمر عظيم، ينبغي للإنسان أن يلجأ إليه لرد كيد هذا العدو الذي يخفى عليه لكنه لا يخفى على الله.
وينبغي أن نعلم -إخوة الإيمان- أن للشيطان أماكن ومواطن يحضرها، بل لا بد أن يكون فيها، فينبغي أن نبتعد عنها حتى لا نمكنه من أن يلعب بنا أو يضلنا، فهذا أمر مهم في إحراز النصر عليه في معركتنا معه؛ من ذلك أماكن الخمر والميسر واللهو غير المباح، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:90، 91].
ومن هذه الأماكن والظروف التي يحضرها الشيطان: الخلوة بالمرأة الأجنبية، يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه أحمد عن جابر: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان"، إلى غير ذلك من ظروف وأماكن ومواطن ينبغي للمسلم أن يحذرها ويبتعد عنها؛ لأن الشيطان يحضرها ليوقع بالإنسان فيما حرم الله.
والناس -عباد الله- في حالهم مع الشيطان وفي علاقتهم معه أنواع:
فمنهم الموفق في الابتعاد عنه وموفق في الانتصار عليه، يراقب نفسه في كل أمر، ولا يستهين بأي مدخل من مداخل الشيطان، فهؤلاء هم الخلص من عباد الله، نسأل الله أن يغلبنا على أنفسنا لنكون منهم.
ومن الناس من أسلم قياده للشيطان، يسير في ركابه، ويأتمر بأمره، حتى صار الشيطان يشاركهم في كل أمورهم، وهؤلاء هم الخاسرون الضائعون، وهم الذين قال الله عنه وعنهم: (اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) [الإسراء:63، 64].
أما النوع الثالث فهو الذي يتقلب بين الحالين، فأحيانًا ينتصر على الشيطان، وأحيانًا ينتصر الشيطان عليه، وهؤلاء تحت رحمة الله وعفوه إذا هم أخلصوا وبذلوا جهدهم في مقاومة غوايته، وأخذوا بالأسباب الشرعية في ذلك.
فاحذروا -عباد الله- غواية الشيطان، ولا تهادنوه، واعلموا أن معركتكم معه قائمة، وعداوته لكم مستحكمة منذ أخرج أبويكم من الجنة، ولا تزال هذه العداوة وهذه المكائد إلى أن يفرّق الموت بين الإنسان والشيطان، أو تقوم الساعة فتنتهي أحداث هذه المعركة.
واعلموا أن طاعة الشيطان ذل وفقر في الدنيا وخزي وعذاب في الآخرة، وأن طاعة الرحمن فضل وعز في الدنيا وأمن ونعيم في الآخرة، فهل يختار عاقل الذل ويترك العز، ويختار العذاب ويترك النعيم؟! يقول سبحانه: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان: للعبد إذا ما راقب نفسه وأرضى ربه كرامات وخيرات وإنعام من الرحمن ينعم به عليه، ومن أكبر هذا الإنعام أن ينصره في معركته مع الشيطان ويثبته ويسدده، وهذه أمور يمكن لأي مسلم أن يحصل عليها إذا اتبع أوامر الله وابتعد عن نواهيه، إذا أدمن على الطاعات وفارق المعاصي، إذا حفظ جوارحه مما حرم الله وأكل الحلال، ولقد كان الكثير من سلفنا الصالح موفقين في هذا الأمر منصورين في هذه المعركة، ترتعد فرائص الشيطان إذا التقى بأحدهم، بل إنه لا يطيق حتى سماع أسمائهم، ومن أبرز هؤلاء وأعظمهم في تاريخ هذه الأمة فاروق الأمة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-، فقد كان هذا الرجل شديدًا على نفسه شديدًا في أمر الله لا يخشى في الله لومة لائم، يبكي من خشية الله، ويقف عند أوامر الله، فكان الشيطان لا يطيق أن يمر من طريق فيها عمر -رضي الله عنه-، حتى إن رسول الله قال لعمر كما عند الشيخين من حديث سعد: "إيه يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك".
فانظروا -عباد الله- إلى هذه العظمة، وانظروا إلى هذا النور المستمد من مشكاة النبوة، وانظروا إلى من خاف الله فأخاف الله منه أخبث الشياطين وأعتى المردة إبليس -عليه لعنة الله-، وجعله يفر مدحورًا مقهورًا إذا رأى ابن الخطاب، فللَّه در هؤلاء الرجال!!
واعلموا -رحمكم الله- أن عمر بن الخطاب بشر من البشر، وإنما أكسبه هذه المزية ومنحه هذه الكرامة تقوى الله وخوفه ومعية الله سبحانه: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل:128]، فكل مسلم يتقي الله ويخافه حق مخافته فإن الله يكون له ناصرًا وظهيرًا، فيهديه ويكفيه ويحميه وينصره في معركته مع الشيطان اللعين، أخرج أبو داود عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك، قد هديت وكفيت ووقيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟!".
هكذا يكون العبد عزيزًا بطاعة الله، وعزيزًا بذكر الله، وعزيزًا بالالتجاء إلى الله لا إلى سواه، ولما نسي المسلمون العودة إلى الله وطاعته وركنوا إلى الشهوات وارتكبوا الموبقات وأكلوا ما لا يحل لهم من أموال ومتاع واستمعوا ونظروا إلى ما حرم الله تسلط عليهم الشيطان، وقادهم إلى حيث يريد كما تقاد الدابة، دون أن يكون لهم أدنى مقاومة أو امتناع؛ لأنهم فقدوا الصلة بالله، وأضعف ما يكون الإنسان أمام عدوه حين يفقد الصلة بربه.
فاللهم -يا رب العالمين- ردنا إليك ردًّا جميلاً، ولا تجعل للشيطان علينا سبيلاً، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه...