السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | محمد ويلالي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
فالرجل الحقيقي هو الذي يكدح ويتعب من أجل زوجته وأبنائه، لا يمل ولا يكل، لأن كلمة (قَوَّامُونَ) تفيد دوام القيام، لا يرغب في أن تغادر زوجته بيتها، وتربية أولادها، لتكد خارج البيت، ثم ليطالبها -بعد ذلك- باقتسام نفقة البيت، وحاجات الأبناء، بل هو استغلال سافر لكيان المرأة، التي -مع الأسف- رضيت -في زماننا- بهذا الواقع الجديد، واستشعرت جشع الرجال وتقتيرهم في النفقة، واعتقدت أن مكانتها في اقتسام القوامة مع الرجل...
الخطبة الأولى:
كثرت -هذه الأيام- المشاكل الأسرية، واتسعت دائرتها لتشمل كل أركان هذه الأسرة، التي نعني بها: الزوج/الأب، والزوجة/الأم، والأبناء، والإخوة، فعلى الرغم من الآيات الكثيرة، والأحاديث الوفيرة، التي عالجت هذه الأركان بدقة كبيرة، وباستفاضة لا نجدها في دين آخر، نرى أن الخرق بين مكونات الأٍسرة -عندنا- يتسع، والشرخ يتفاقم، حتى عزّ أن تجد أسرة من أسر المسلمين خالية مما يسمى بالمشاكل الأسرية، إما في إطار العلاقة بين الزوجين، أو بين الآباء والأبناء، أو بين الإخوة والأخوات بعضِهم مع بعض.
في كل بيت محنة وبلية | ولعل بيتك إن شكرت أقلها |
ولذلك ارتأيت أن أشرع في سلسلة جديدة تحت مسمى "أركان الأسرة"، أحاول -من خلالها إن شاء الله تعالى- معالجة بعض جوانبها مما يكثر حصوله بين الناس.
لا شك أن الزوج هو الركن الركين في الأسرة المسلمة، فهو قائدها، ومدبر أمورها، والحريص على سلامتها؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم : 6]، ولم ينعت القرآن الكريم الزوج بهذا الاسم مجردًا، بل نعته بصفة الإيمان أو الإسلام، وصفة الرجولية التي سنتوقف معها بعض الشيء؛ قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]. قال أبو حيان: "قيل: المراد بالرجال هنا مَنْ فيهم صَدَامَة وحزم، لا مطلق من له لحية، فكم من ذي لحية لا يكون له نفع ولا ضر ولا حُرَمٌ، ولذلك يقال: رجل بين الرجولية والرجولة، ولذلك ادعى بعض المفسرين أنَّ في الكلام حذفًا تقديره: الرجال قوامون على النساء إن كانوا رجالاً".
والقوَّام: الذي يقوم بالأمر ويحفظه، وهو المبالغ في القيام، كما كان النبي -صلى الله علية وسلم- يقول في دعائه إذا قام من الليل: "اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قَيَّامُ السموات والأرض ومن فيهن". صحيح سنن ابن ماجه.
وحصلت للرجل هذه القوامة بالفضل المذكور في الآية، ومنه النفقة على المرأة؛ قال أبو حيان: "وفي هذا دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة". قال القرطبي: "فَهِمَ الجمهور من قوله: (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها، وإذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العَقد، لزوال المعقود الذي شُرع لأجله النكاح". وهذا هو مذهب الإمام مالك والشافعي.
فالرجل الحقيقي هو الذي يكدح ويتعب من أجل زوجته وأبنائه، لا يمل ولا يكل، لأن كلمة (قَوَّامُونَ) تفيد دوام القيام، لا يرغب في أن تغادر زوجته بيتها، وتربية أولادها، لتكد خارج البيت، ثم ليطالبها -بعد ذلك- باقتسام نفقة البيت، وحاجات الأبناء، بل هو استغلال سافر لكيان المرأة، التي -مع الأسف- رضيت -في زماننا- بهذا الواقع الجديد، واستشعرت جشع الرجال وتقتيرهم في النفقة، واعتقدت أن مكانتها في اقتسام القوامة مع الرجل، حتى صدر تقرير عن منظمة العمل الدولية، يفيد أن عدد النساء العاملات في العالم سنة 2007م بلغ 1.2 مليار امرأة، مقابل 1.8 مليار رجل، وبلغ العدد في دول شرق آسية تسعًا وسبعين امرأة عاملة مقابل كل مائة رجل عامل.
أما في المغرب، فتشير الإحصائيات إلى أن نسبة 15.7% من الأسر المغربية تعولها نساء، وترتفع هذه النسبة في الوسط والجنوب إلى قرابة 21%، ما يقارب 28% منهن متزوجات من رجال لا يعملون. فأين هذه الرجولة؟! ثم أين هذه القوامة؟!
وزاد الشيخ السعدي معنى آخر للقوامة فقال: "قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد". فالرجل راع على أهل بيته، ومسؤول عن رعيته يوم القيامة، هل كان يأمرهم بطاعة الله؟! هل ستر زوجته بالحجاب الشرعي؟! هل وجّه أبناءه إلى طريق الحق، فعلمهم كتاب الله، ونشأهم على سنة رسول الله -صلى الله علية وسلم-؟! (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).
ألا إن تقـوى الله أكـرم نسبـة | يسامى بها عند الفخـار كريم |
إذا أنت نافست الرجال على التقى | خرجت من الدنيا وأنت سليم |
لقد عرف التابعي الجليل سهل بن عبد الله الرجولة فقال: "هي اتباع السنة"؛ لأن البيت المسلم لا حياة له إلا باقتفاء أثر مَن بنى هذا البيت على أركانه الحقيقية، وهو الرسول -صلى الله علية وسلم-، القائل: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت". مسلم.
وعرف الرجولة شيخ الإسلام بقوله: "فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها". فالذي لا يعرف الرياءُ والسمعةُ لأفعاله طريقًا هو الرجل، والذي لا يمن بصنائع معروفه هو الرجل، والذي يقوم الليل، ويصوم النهار، ثم يرى نفسه مقصرًا ومفرطًا في جنب الله هو الرجل.
فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60]، أَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟! قَالَ: "لاَ يَا بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ -أَوْ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ-، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّى، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لاَ يُتَقَبَّلَ مِنْهُ". صحيح سنن ابن ماجه.
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا | (الله أكبر) في شوق وفي جذل |
أرواحهم خشعت لله في أدب | قلوبهم من جلال الله في وجل |
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم | من خشية الله مثل الجائد الهطل |
الرجولة الحقيقية تجعل صاحبها يعدل ألفًا من غيره، قال النبي -صلى الله علية وسلم-: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةً قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ". البخاري.
لما طلب عمرو بن العاص -رضي الله عنها- المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنها- في فتح مصر، كتب إليه عمر: "أما بعد: فإني أمددتكَ بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقامَ الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومَسلَمة بن مخلد".
ولقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنها- لأصحابه يومًا: تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهبًا أنفقه في سبيل الله. ثم قال عمر: تمنوا. فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين. فقالوا: تمن أنت يا أمير المؤمنين. فقال عمر: "أتمنى أن يكون ملء هذه الدار رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله". (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23].
الخطبة الثانية:
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "الرجولة هي الصفح عن عثرات الإخوان". فالزوج الذي يملك نفسه إذا ما أغضبته زوجته، أو أغضبه ابنه أو ابنته، هو الرجل الحقيقي، الذي يعالج خلافاته بالعقل، والرزانة، والتؤدة، لا بالتهور، والصخب، والجلبة، والتفوُّه بالكلام النابي، والتسرع بنطق كلمة الطلاق، التي صارت موضوع استهتار واستخفاف من طرف بعض الأزواج -ولا أقول الرجال-، الذين يطلقون كلمة الطلاق مائة مرة في المجلس الواحد، ثم يتراجعون وكأن شيئًا لم يقع.
والرجولة هي أن تتواضع لمن دونك، وتخفض جناحك لمن فضلك الله عليه بمال، أو جاه، أو وظيفة، أو منصب؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "الرجولة: أن لا تهرب إذا أقبل طالب المعروف". وقال الحافظ: "الرجولة: أن لا تَحتجب ممن قصدك".
سأل معاوية بن أبي سفيان صعصعة بن صوحان -وكان من حكماء العرب-، فقال: "يا ابن صوحان: صف لي الناس. فقال: خلق الله الناس أطواراً: فطائفة للسيادة والولاية، وطائفة للفقه والسنة، وطائفة للبأس والنجدة، وطائفة رِجرِجة بين ذلك، يُغلون السعر، ويُكَدِّرون الماء، إذا اجتمعوا ضروا، وإذا تفرقوا لم يعرفوا".
فمن أية طائفة يصنف أزواج هذا الزمان؟! أهم من أهل السيادة الحقة، والولاية المستحقة، الذين لا يركبون ظهور الضعفاء ليبلغوا المراتب، ولا يظلمون البؤساء ليتسلقوا المناصب؟! أم هم من أهل الفقه والعلم بالدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؟! أم هم من أهل البأس والنجدة، ينافحون عن أعراض المسلمين، ويدفعون الصائل عن حرمة أهل الدين؟! أم هم من الذين يدبون على الأرض، لا يقام لهم وزن، ولا يعرف لهم قدر؟!