العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية - أركان الإيمان |
الحمد لله رب العالمين؛ تفرد بالجلال والكمال، وتنزه عن النظراء والأمثال، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشُّورى:11]. أحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشكره شكراً يزيد من فضله وإنعامه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الزُّخرف: 84-85] .
وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله؛أرسله بالهدى والبينات، وأنزل عليه المواعظ والآيات،وأيده بالبراهين والمعجزات،وختم به الرسالات، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فاتقوه حق التقوى،واستمسكوا بالعروة الوثقي، واتبعوا ما أنزل الله من الهدى؛ فإن الثابتين على دينهم قليل، والناكصين على أعقابهم كثير، (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11].
أيها المسلمون: فضل الله تعالى علينا عظيم، ونعمه كثيرة، في خلقنا ورِزْقِنا، وهدايتنا وتوفيقنا، وفي كل شؤوننا وأحوالنا.
ومن أعظم النعم وأوفاها: أن جعلنا من هذه الأمة الخاتمة التي قضى الله عز وجل بأنها خير أمة أخرجت للناس؛ فرسولها خاتم الرسل وأفضلهم، وكتابها خير الكتب وأشملها، وشريعتها أكمل الشرائع وأتمها.
إنها نعمة عظيمة من رب العالمين ذي الجلال والإنعام، والفضل والإكرام: أن جعلنا من آخر أمةٍ في التاريخ البشري، وهي أفضل أمة وجدت عند ربها وخالقها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنكم وَفَيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا على اللَّهِ عز وجل" رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن.
أمة هي الأخيرة في خلقها وإيجادها، وهي الأولى في حسابها ومنزلتها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ من يُحَاسَبُ يُقَالُ أَيْنَ الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ وَنَبِيُّهَا فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ" رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
أمة أكرم الله تعالى نبيها محمداً صلى الله عليه وسلم أعظم كرامة، ورعاه أفضل رعاية، وحباه أعلى منزلة، وتكريمه تعالى لنبيِّها هو تكريم لها، وعلو منزلته يدل على علو منزلتها.
أمة أسرى الله تعالى بنبيِّها من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، ورأى في كل سماء أنبياءها ومرسليها، بدءاً بآدم، فيحيى وعيسى، فيوسف، فإدريس، فهارون، فموسى، فإبراهيم عليهم الصلاة والسلام.
وفي السماء السادسة رأى محمد صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام فقال له موسى: "مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فلما جاوزه النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء التي تليها بكى موسى عليه السلام، قِيلَ له ما يُبْكِيكَ قال أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا من أُمَّتِي" وفي رواية قال موسى عليه السلام: "لم أظن أحداً يرفع عليّ" وقال: "يزعم بنو إسرائيل أني أكرم على الله وهذا أكرم على الله منى" "ولو كان هذا وحده هان عليّ ولكن معه أمته وهم أفضل الأمم عند الله تعالى".
بكى موسى عليه السلام غبطةً لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأمته، وأسفاً على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم، المستلزم لتنقيص أجره؛ لأن لكل نبي مثل أجر كل من تبعه؛ ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من اتبع نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم.
ثم جاوز عليه الصلاة والسلام الأنبياء كلهم، ورفع إلى سدرة المنتهى "وإِلَيْهَا يَنْتَهِي ما يُعْرَجُ بِهِ من الأرض فَيُقْبَضُ منها وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي ما يُهْبَطُ بِهِ من فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ منها "
قال ابن عباس رضي الله عنهما : "سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد وصفها عليه الصلاة والسلام فقال: " ثُمَّ رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فإذا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وإذا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قال هذه سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وإذا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فقلت ما هَذَانِ يا جِبْرِيلُ قال أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ في الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ " رواه البخاري.
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ثُمَّ انْطَلَقَ بِي-أي جبريل- حتى انْتَهَى بِي إلى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي ما هِيَ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فإذا فيها حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وإذا تُرَابُهَا الْمِسْكُ" رواه الشيخان.
وفي حديث أنس رضي الله عنه: "فلما غَشِيَهَا من أَمْرِ اللَّهِ ما غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فما أَحَدٌ من خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا من حُسْنِهَا" رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
وفي رواية للبخارى: "فإذا هو بِنَهَرٍ آخَرَ عليه قَصْرٌ من لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ فَضَرَبَ يَدَهُ فإذا هو مِسْكٌ أَذْفَرُ قال ما هذا يا جِبْرِيلُ قال هذا الْكَوْثَرُ الذي خَبَأَ لك رَبُّكَ".
ثم جاوز عليه الصلاة والسلام سدرة المنتهى حتى بلغ مقاماً سمع فيه صريف الأقلام، تنسخ المقادير عن اللوح المحفوظ، وارتقى مكاناً علياً لم يبلغه ملك مقرب، ولا وصل إليه نبي مرسل سواه عليه الصلاة والسلام، "وَدَنَا الجبار رَبِّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حتى كان منه قَابَ قَوْسَيْنِ أو أَدْنَى فَأَوْحَى الله فِيمَا أَوْحَى إليه خَمْسِينَ صَلَاةً على أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ".
قال عليه الصلاة والسلام: "فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ على مُوسَى فقال بم أُمِرْتَ قال أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ قال أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي والله قد جَرَّبْتُ الناس قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا".
فلم يزل عليه الصلاة والسلام متردداً بين ربه جل في علاه يسأله التخفيف لأمته، وبين موسى عليه السلام يشير عليه بطلب التخفيف حتى استقر الأمر على خمس صلوات، فقال له موسى: "فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قال سَأَلْتُ رَبِّي حتى اسْتَحْيَيْتُ ولكن أَرْضَى وَأُسَلِّمُ قال فلما جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عن عِبَادِي" رواه البخاري.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة العظيمة: "أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لِمَنْ لم يُشْرِكْ بِاللَّهِ من أُمَّتِهِ شيئا الْمُقْحِمَاتُ" يعني: الكبائر.
ورأى عليه الصلاة والسلام في رحلته تلك الجنة والنار، وسلَّم على مالكٍ خازن النار، فسلم عليه ولم يضحك فقال عليه الصلاة والسلام لجبريل: "مالي لم آت أهل سماء إلا رحبوا وضحكوا إليّ غير رجل واحدٍ فسلمت عليه فرد عليَّ السلام ورحب بي ولم يضحك إليَّ؟ قال: يا محمد، ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق، ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك".
وفي رؤيته للجنة والنار قال عليه الصلاة والسلام: "وإذا في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ونظرت إلى النار فإذا عذاب شديد لا تقوم له الحجارة والحديد" أعاذنا الله والمسلمين منها.
لقد كان المعراج رحلة عظيمة، ومشاهدها كثيرة، وهو كرامة من الله تعالى أكرم بها هذه الأمة بتكريم نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فله الحمد أولاً وآخراً، وله الحمد كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه.
له الحمد على إكرامه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وله الحمد على التخفيف عنا من خمسين إلى خمس صلوات، وبقاء أجرها خمسين لمن أحسنها؛ كما قال سبحانه في الحديث القدسي: "هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ " رواه الشيخان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أيها المسلمون: في حادثة المعراج ومشاهدات النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الكثير من العبر والآيات، والمواعظ والمعجزات.
فيها الدلائل والبراهين على عظمة الخالق سبحانه، وسعة ملكه، وكمال صنعه، وحسن تدبيره، وعظيم قدرته؛ فلا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، ولا معبود بحق إلا الله تعالى.
وفي المعراج الدليل على عظمة الصلاة، التي فرضها الله تعالى مباشرة، وكلَّم بها محمداً صلى الله وسلم بلا واسطة، دون غيرها من الفرائض والواجبات، وقد تلمَّس العلماء حكمة ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يجلس؛ فجمع الله تعالى له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص.
وفي المعراج بان حرص الأنبياء عليهم السلام على البشرية، ومحبتهم للناس، ومحاولة إنقاذهم من العذاب، وتخفيف الشرائع عليهم، ويتجلى ذلك في نصيحة موسى لمحمد عليهما الصلاة والسلام بأن يسأل ربه التخفيف في الصلاة؛ حتى خففت من خمسين إلى خمس صلوات. رحم الله تعالى موسى بن عمران عليه السلام؛ فقد َغبَط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبكى لما رآه، وذكر تفضيله عليه، وتفضيل أمته على أمته، لكن غيرته تلك ما حجزته عن النصيحة لمحمدٍ وأمته؛ فما زال يشير عليه بطلب التخفيف حتى خفف الله تعالى عن هذه الأمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان موسى أشدَّهم عليَّ حين مررت به وخيرهم لي حين رجعت إليه" وفي حديث أبي سعيد: "فأقبلت راجعاً، فمررت بموسى ونعم الصاحبُ كان لكم".
قال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى: "إن الله جعل الرحمة في قلوب الأنبياء أكثر مما جعل في قلوب غيرهم".
وقال القرطبي: "وأما تخصيص موسى بأمره للنبي صلى الله عليه وسلم بمراجعة الله تعالى في الحط من الصلوات فلعله إنما كان لأن أمة موسى كانت قد ُكلِّفت من الصلوات مالم يكلف غيرها من الأمم، فثقلت عليهم فخاف موسى عليه السلام على أمة محمد من مثل ذلك، وعلى هذا يدل قوله:"فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك" وفي صحيح مسلم قال موسى: "فَإِنِّي قد بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ" وفي سنن النسائي "فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فإنه فَرَضَ على بَنِي إِسْرَائِيلَ صَلَاتَيْنِ فما قَامُوا بِهِمَا فَرَجَعْتُ إلى رَبِّي عز وجل فَسَأَلْتُهُ التَّخْفِيفَ فقال إني يوم خَلَقْتُ السماوات وَالْأَرْضَ فَرَضْتُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً فَخَمْسٌ بِخَمْسِينَ فَقُمْ بها أنت وَأُمَّتُكَ فَعَرَفْتُ أنها من اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى صري فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى عليه السَّلَام فقال ارْجِعْ فَعَرَفْتُ أنها من اللَّهِ صري أَيْ حَتْمٌ فلم أَرْجِعْ". وقوله (صرى) أي: حتم واجبة لا مراجعة فيها.
أيها الإخوة: إن قراءة تفاصيل حادثة الإسراء والمعراج، والتأمل في أحداثها ومجراياتها؛ لمما يقوي إيمان المؤمن، ويكون سبباً في صلاح قلبه، وزكاء عمله، متى ما تأمل ذلك حق التأمل، وأخلص لله تعالى؛ إذ يرى شيئاً من مظاهر عظمة الخالق سبحانه فيخشاه ويحذره، ويبصر آياته ومعجزاته؛ فيزيده ذلك إيماناً إلى إيمانه، ويقيناً إلى يقينه، ويلحظ رحمته بعباده في التخفيف عنهم؛ فيقوده ذلك إلى حمد الله تعالى وشكره على نعمته، ويعرف للأنبياء فضلهم ومنزلتهم؛ فيحبهم ويسأل ربه أن يحشر معهم، ويعلم حق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فيتبعه ويطيعه طاعةً لله تعالى القائل (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ) [النساء:80] والقائل سبحانه (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7].
وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الابتداع في دين الله تعالى، أو تعظيم أزمانٍ لم يعظمها، أو تخصيصها بفضائل لم يشرعها، أو بعباداتٍ لم يأذن بها؛ كما يفعله من يفعله من المسلمين بتخصيص رجب بعباداتٍ لم يأذن بها الرب جل جلاله، ولا شرعها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لاعتقادهم أن الإسراء كان فيه، وبالأخص في ليلة السابع والعشرين منه!! وذلك ما لم يثبت من جهة التاريخ؛ فالخلاف في ليلة الإسراء كبير جداً،ولو عُرِف ذلك لما كان حجة للمحتفلين بها أن يحتفلوا؛ لعدم احتفال النبي صلى الله عليه وسلم بها، ولا احتفل بها صحابته الكرام رضي الله عنهم، ولا التابعون لهم بإحسان، ولا الأئمة الأربعة المشهود لهم بالعلم والفقه والفضل؛ وإنما وقع ذلك بعدهم!!
إن هذه الاحتفالات ما هي إلا من البدع والضلالات، ولو تناقلتها وسائل الإعلام في شتى الأقطار، ولو شارك في احتفالاتها قراء ومشايخ على رؤوسهم عمائم،ولو عظم بهرجها وزخارفها، ولو قرأ فيها من قرأ، ووعظ فيها من وعظ، وبكى فيها من بكى، وتأثر فيها من تأثر بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن ذلك لا يغني من الحق شيئاً، والحق يعرف بالدليل من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يُدْرَكُ الحق بهوى النفوس وخشوعها، وتأثرها بتلك الاحتفالات وما يجري فيها من قصائد ومدائح، وغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن اليهود يخشعون عند حائط البراق، والنصارى يتأثرون بقصة المسيح عليه السلام، والهندوس يبكون تحت أبقارهم وهم على باطل، وما سُمي الهوى هوى إلا لأن النفوس تهواه، ولو كان عبادةً محدثة.
وأما كثرة المحتفلين بتلك المناسبات فليست دليلاً على الحق؛ لأن الله تعالى ما جعل الكثرة دليلاً على الحق؛ بل الحق ما جاء في الكتاب والسنة ولو قلّ أتباع ه، وقد قال سبحانه: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام:116]. وقال سبحانه: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف:103].
فاتقوا الله ربكم ـ أيها المسلمون ـ واحذروا البدع والضلالات؛ فإن الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.
وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم...