الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
والمتأمل لأحوال شبابنا اليوم يجد بعضهم يشترطون مميزاتٍ لا تكاد تجدها إلا في نساء الجنة، يجنح أحدهم إلى المثاليات ويرسم في ذهنه صورًا من التخيلات، فإما أن تكون الفتاة مثل الفنانة فلانة في المسلسل المدبلج وإلا فلا زواج، وإما أن يكون الزوج مثل الفنان الساقط الشاذ، وإلا فلا زواج.
أما بعد: عندما تحدثنا عن الزواج في الخطبة الماضية، اشرأبّت أعناق كثير من الشباب وتحركت أشجانهم لهذا الخطاب، وحق لهم ذلك، فالدعوة إلى الزواج هي دعوة إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإكمال نصف الدين، وحصول العفة والطمأنينة والاستقرار.
ونصيحتي لكل شاب أن يبادر إلى امتثال قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج".
أيها الشاب: قد يُوسْوِس لك الشيطان، ويزهّدك في الزواج، فيقول لك: كيفَ تُقدم على أمرٍ لا تستطيعه، أنت قليلُ ذاتِ اليد، ولن تجد من يقرضُك ولا من يعينك، فاصرف النظرَ عن الزّواج، وانغمِس في الشهوات والملذّات.
فأقول: اقطع الطريق على الشيطان، واستعن بالله وسيعينك الله -بإذن الله- وخذ هاتين البشارتين من القرآن ومن صحيح السنة، أما بشارة القرآن: فقد قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32] وأما بشارة الحبيب صلى الله عليه وسلمفقد روى الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله, والمكاتَب الذي يريد الأداء, والناكح الذي يريد العفاف".
فإذا عزمت على الزواج فعليك بذات الدين والخلق، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم مريد النكاح إلى اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين القويم، والخلق الكريم، والمنشأ الطيب، الودود الولود.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
وروى أبو داود والنسائي وصححه الألباني عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم".
وما عناية رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وحثه على اختيار المرأة الصالحة إلا لما يؤمل منها من قيام بالحقوق الزوجية، ورعاية شؤون الزوج، وتربية الأولاد، وبناء الأسرة على أسس من التقوى والإيمان.
أما ضعيفة الديانة وسيئة الخلق؛ فإنه لا يؤمَّل منها بناء أسرة صالحة، ولا يتحقق بسببها هناءٌ ولا سعادة، بل قد تكون سبب عناء وبلاء على الزوج، فليحذر الشاب من الانخداع بجمال المرأة الظاهر دون نظر إلى الجمال الحقيقي، وهو جمال الدين ومكارم الأخلاق، وطيب المعشر.
يحدثني أحد الإخوة الفضلاء بقصة عجيبة، عاش فيها تجربتين في الزواج, يقول الأخ: لم أكن حريصًا في زواجي الأول على اختيار ذات الدين, تعرفت على فتاة غير مستقيمة، واتفقنا على الزواج، ذهبت إلى بيت أهلها، وكانوا على درجة كبيرة من الانحراف، وبينما نحن جلوس في البيت دخلت أم الفتاة وقامت بعمل سحر من البخور، فعمي علي ولم أعد أشعر بنفسي، فأحضروا المأذون وعقدوا العقد وأنا تحت تأثير السحر ولم أفق إلا في آخر الليل، فقمت بضرب الفتاة وأمها وخرجت من البيت.
وبعد أيام جاءت الفتاة بعقد النكاح واصطلحت معها، وعشت معها بضع سنوات، كانت الأم تعمل لي السحر وابنتها تساعدها في ذلك، أصبت في بدني وفي حالتي النفسية وفي مالي كنت أملك الملايين، فضاعت مني بسبب كرهي لتجارتي وإهمالي لأموالي بسبب السحر, وبعد سنوات تقع الأم الساحرة تحت وطأة المرض الشديد، فتمسك بيدي وتقول لي: سامحني على ما بدر مني، وتموت الأم الساحرة لتلقى الله بعملها عليها من الله ما تستحق.
وبعد سنوات من المعاناة، قمت بتطليق زوجتي، ثم كان زواجي الثاني بامرأة صالحة، كانت أعظم العون لي بعد الله في تجاوز محنتي امرأة صالحة، سباقة لعمل الخيرات، والإحسان إلى الفقراء, تصبر على غضبي وهيجاني بسبب السحر، تدعو لي دائمًا، رزقني الله منها عددًا من الأولاد البررة.
وعلى الطرف الآخر، لا تزال زوجتي السابقة تتنقل بين عدد من السحرة ليجددوا عمل السحر، كلما فك الله عني السحر بالقرآن والرقية الشرعية ابتليت بغيره, لم أزل على هذه الحالة السيئة في نفسي ومالي، حتى شاء الله الفرج، في أحد الأيام، خرجت من البيت وأنا في حالة نفسية سيئة، أريد أن مزق ملابسي من الضيق، وفجأة وبينما أنا أقود السيارة، إذ هوت السيارة على جانبها فخفت، أوقفت السيارة؛ فإذا بصوت أسمعه يقول لي: اقرأ أواخر سورة الحشر, كنت أذكر سورة في القرآن اسمها الحشر، لكني لم أكن أحفظ منها ولا آية، فيشاء الله تعالى أن تجري هذه الآيات على لساني حتى أكملت السورة، و والله ما وصلت إلى المكان إلا وقد حفظت الآيات كلَها, قال لي صاحب الصوت: إن ما فيك سيزول بسبب زوجتك لأنها تدعو لك، والله سيفرج عنك بسبب دعائها -أو كلاماً نحو هذا- ومنذ ذلك اليوم -بحمد الله- وأنا في عافية في بدني وسعة في رزقي، ولا أزال محافظًا على القرآن متمسكًا بزوجتي الصالحة التي لا تقدر بثمن, وصدق النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" رواه مسلم عن ابن عمرو.
إذن، اظفر بذات الدين تربت يداك.
والمتأمل لأحوال شبابنا اليوم يجد بعضهم يشترطون مميزاتٍ لا تكاد تجدها إلا في نساء الجنة، يجنح أحدهم إلى المثاليات ويرسم في ذهنه صورًا من التخيلات، فإما أن تكون الفتاة مثل الفنانة فلانة في المسلسل المدبلج وإلا فلا زواج، وإما أن يكون الزوج مثل الفنان الساقط الشاذ، وإلا فلا زواج.
حسبنا الله على القائمين على تلك المسلسلات.
يا أخي: الجمال مطلوب, ولكن ليكن معقولاً ونسبيًا، وبعد الدين والخلق وليس مقدمًا عليه.
عليك -يا حبيبي- أن تجعل جلّ اهتمامك بالدين والخلق فهو أساس الاختيار، وهذه المرأة سوف تكون أميرة بيتك وحاضنة أطفالك، وأستاذة أبنائك.
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى | شَغَلت مآثرهم مدى الآفاقِ |
والأمر كذلك بالنسبة للفتاة في اختيار الزوج، فلتحرص الفتاة وأولياؤها على الزوج الصالح، وفقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولياء النساء بتزويجهن بالأكفاء، وقبول الخاطب إذا خطبهن، والحذر من ردّه متى كان صالحًا في دينه مستقيمًا في أخلاقه، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة وحسنه الألباني.
وإن مما يُؤسَى له -يا عباد الله- أن يَعمَد بعض الأولياء إلى عَضْل من تحت ولايته من النساء من بنات أو أخوات؛ لأطماع مادية أو لعادات اجتماعية، لا أصل لها في شريعة الإسلام، فيلحقون بهن عظيم الضرر، وشديد الحسرة والألم, والويل ثم الويل لهؤلاء الأولياء الظلمة من غضب الله تعالى عليهم ومساءلتهم يوم القيامة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" كما في الصحيحين عن ابن عمر.
ومن المهم عند الاختيار، السؤالُ عن حالِ الخاطب والمخطوبة، وهو أمرٌ لازم لبيان ما قد يخفى في أحدهما من مثالبَ قادِحة، وعلى المسؤول الصّدقُ في الجواب والبيانُ بكلّ وضوحٍ وأمانة لإبداء خوافي المحاسِن والمساوئ، وكتمانُ معايِب أحدِهما عندَ السؤال ضربٌ من الغشّ للمسلمين.
ومع السؤال والاستشارة، لا بد كذلك من الاستخارة، وهي من أعظم أسباب التوفيق للشاب والفتاة.
نسأل الله –تعالى- أن يوفق شبابنا وبناتنا لما يحبه ويرضاه، وييسر لهم الزواج، ويبارك لهم فيه، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى.
ونحن نقول: فاظفر بذات الدين.
هذه قصة مؤثرة وقعت في الأسبوع الماضي لزوجة صالحة، أنقلها عن أحد المشايخ الفضلاء وهو خطيب أحد الجوامع القريبة منا، وتربطه بالمرأة قرابة، فهو بمواقفها أدرى، ولتحري خبرها أحرى.
الداعية الفاضلة أم وليد, امرأة تذكرك قصتها بالرعيل الأول من السلف الصالح.
عُرفت أم وليد بالتفاني في الدعوة إلى الله –تعالى- فلا تكاد تحضر مناسبة أو اجتماعا أو زواجا إلا وتذكر الحاضرات بعظمة الله وتحثهم على مراقبته, فضلا عن إلقائها المحاضرات الدورية في المصليات النسائية ودور التحفيظ القرآنية, وكان لها درس أسبوعي ثابت في عصر كل جمعة في منزلها يجتمع فيه نساء حيها, ولها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدم سابقة، بأسلوب رقيق يعبق الابتسامة, فإذا رأت فتاة مقصرة في لباسها عاتبتها بعتاب لطيف وكلام مؤثر.
بل كانت أم وليد سببًا في استقامة وصلاح زوجها أبي وليد, فقبل تسع سنوات وبعد عناء وتعب وإجراء عملية، وضعت أم وليد مولودها، فدخل عليها زوجها، وقال: حمدا لله على سلامتك, اطلبي يا أم وليد فلكِ عليَّ ألا أرفض لك أي طلب؟
فهل طلبت جوالا جديدا أو طقم مجوهرات فاخر؟ لا، قالت له: سأطلب طلبا هل تعاهدني على إجابته؟ قال: نعم، قال أطلب منك أن تعفي لحيتك لتكون موافقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنذ ذلك اليوم واللحية تزين وجه زوجها الكريم، فما أزكاه من طلب.
وفي الأشهر الأخيرة جمعت أم وليد مبالغ طائلة لتوزيعها على الفقراء والمساكين وحفر الآبار لسقيا المسلمين وبناء المساجد.
فسبحان من جعل لها في كل مجال خير سهم، وفي كل أرض معروف رسم.
كانت رحمها الله صوامة قوامة، بل قال أبناؤها إنها في هذا العام كانت تصوم يوما وتفطر يوما.
وفي أحد الأيام تنام عندهم في البيت إحدى كبيرات السن، فتستيقظ قبل أذان الفجر بساعتين فإذا بأم وليد تقوم الليل.
كانت أم وليد تدعو الله كثيرا في محاضراتها أن يتوفاها الله تعالى وهي تلقي درسا أو يتوفاها في بيته الحرام.
وفي الأسبوع المنصرم تعيَّن أحد أبنائها في وظيفة جديدة فأبت عليه إلا أن يبدأ بعمرة وطلبت أن تصحبه في العمرة, وقبل السفر بأيام رأت رؤيا فأخبرت ابنتها أنها رأت رؤيا خير وأن رؤياها إن صدقت ستعرفونها بعد أيام قليلة, وقبل السفر بخمسة أيام ألقت درسا عن الموت والعزاء وأحكامه ومخالفاته بحضور قريباتها, بل تذكر ابنتها أن لها مصلى خاصا فيه سجادة لا تطوى, وقبل سفرها للعمرة طوت سجادتها على خلاف العادة, فسبحان الله.
وعند الخروج للمطار ودعت أبناءها وزوجها ورفعت يديها للسماء ودعت لزوجها وأكثرت وهي تقول: جزاك الله عني خير الجزاء, فقد يسرت لي أن أدعو لربي، ولا حرمك الله أجري حيث لم تحرمني من الدعوة إلى الله، واستمرت في الدعاء ربع ساعة وهو يسمعها.
وبعد السفر، وصلوا إلى المسجد الحرام في الثلث الأخير من الليل، فطافت مع ابنها وابنتها وكانت تلح بالدعاء أن تأتيها منيتها في هذا المكان الطاهر، ثم شرعوا في السعي وفي منتصف السعي نادى مؤذن المسجد الحرام لصلاة الفجر، فقالت لابنها وابنتها: سنصبح صائمين، فاليوم خميس ومن شعبان، فأصبح الثلاثة صائمين, وفي بداية الشوط الخامس، وبين الأذان والإقامة، صعدت أم وليد الصفا فاستقبلت القبلة ورفعت يديها تدعو وابنتها تقف بجانبها، تقول: لم يرعني إلا أن خرت والدتي ساجدة لله تعالى، قلت: ربما مرت بآية سجود، انتظرتها لتقوم من سجدتها، فلما أطالت حركتها فلم تتحرك، حاولت أن أقيمها فسعلت مرتين ثم سقطت على الأرض, جاء الطبيب فقال: لقد ماتت.
فيا لله ما أحسنها من خاتمة! لقد ماتت الداعية أم وليد فجر الخميس الماضي، وهي صائمة وتؤدي مناسك العمرة، وبين يدي فريضة من فرائض الله، وفي خير أرض الله.
وبعد الوفاة، يأتي إمام المسجد المجاور لبيتهم معزيا زوجها أبا وليد، فيقول: ستفتقد حلقات المسجد داعما رئيسا للحلقات, وسيفتقد أطفال الحي تلك الساعات والجوائز التي تقدم للمحافظين على الصلاة، فقد كانت أم وليد تقدمها, فيفاجأ الإمام أن زوجها وأبناءها يسمعون الخبر لأول مرة، فقد أخفته عن أقرب الناس لها إخلاصا لربها، بل ربما فاز أحد أبنائها بإحدى الساعات لمحافظته على الصلاة فيأتي مبشرا أمه فتستبشر وتدعو للإمام بكل خير لنشاطاته, فما أجمل الإخلاص وما أبهى مقام التعامل مع الله.
تلكم هي ذات الدين، أم وليد, صدقت مع الله فصدق الله معها.
نعم، كلنا سنموت لكن أجمل ميتة وأحسن خاتمة أن تموت والله راض عنك, نسأل الله حسن الخاتمة، التي يوفق لها كل من أحسن في دنياه العمل، وبطاعة الله اشتغل.
أقول: هذه أجمل ميتة، وقد فجعت هذا الأسبوع بما كتبه أحد كتاب جريدة الوطن وهو يتذكر موت أحد المغنين فقال: "ترجّل فلان عن كرسيّه، وهو على عرش فنّه وتاريخه، في أجمل ميتةٍ تليق بإنسانٍ, وسيفه في يده، لا يموت مدبرًا ولا منزويًّا", الخ كلامه الساقط, وما أحوج ذلك الفنان -رحمه الله- إلى الدعوة له بالرحمة والمغفرة، بدلاً من هذا الكلام الخطير الذي يخشى على دين صاحبه.
نسأل الله أن يرحم موتى المسلمين وعلى صحفنا السلام، حين يكتب فيها هؤلاء الأقزام أو اللئام وعند الله الخصام.
اللهم صل على محمد.