البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

الصحابة والقرابة

العربية

المؤلف أحمد بن حسن المعلم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. منزلة الصحابة ومكانتهم .
  2. أوصاف الصحابة وصفاتهم .
  3. الحب المتبادل بين المهاجرين والأنصار .
  4. محبة أهل السنة لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وإكرامهم لهم .

اقتباس

اعلموا -أيها الإخوة الكرام-: أنه كما يحبُ أهل السنة جميعاً أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن من أصحابه، بل من خيرةِ أصحابه وعلى رأس أصحابه: آل بيته الكرام، فآل البيت الذين عاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم في قمة أصحاب رسوله، وهم مشمولون بالمحبة والولاء والتقدير، ولكن أيضاً لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميزة وفضل، بحكم...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جعل أصحاب نبيه خير الناس، وطهر آل بيته من الأرجاس، وألهم أهل السنة حب الفريقين، وموالاة الطائفتين، وطهر صدورهم من الغل لهم، وانتقاص فضلهم، وإنكار عدلهم، والصلاة والسلام على من أوصى بالقرابة، ونهى عن سب الصحابة، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته أجمعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فأوصيكم -عباد الله ونفسي- بتقوى الله، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100].

هكذا يصف الله -سبحانه وتعالى- أصحاب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويبيّن مكانتهم، وعاقبتهم عنده، فوصفهم بأنهم السابقون الأولون، السابقون إلى توحيد الله، السابقون إلى تصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، السابقون إلى حمل هذا الدين، وتحمل المشاق من أجله، الذين قام على ظهورهم صرح هذا الدين، وتحملوا في سبيل إقامته وإنشائه والحفاظ عليه كل صعب، وكل جهد، وكل مشقة، عندما بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكذبه الناس صدقه هؤلاء السابقون وعاداه الناس، والاه هؤلاء السابقون وحاربه الناس؛ فالتف حوله، وثبت معه، وتعرض للأذى في سبيل دعوته، هؤلاء السابقون.

ثم لما كتب الله عليه الهجرة استقبلهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحابةُ الكرام، الذين تركوا الأهل والأموال والأولاد، وفارقوا الأوطان، وتخلفوا عن كل شيء في سبيل الله، استقبلهم إخوانهم الأنصار، فأحبوهم وأحبوا مقدَمهم إليهم، وشاركوهم في الأموال والديار، وفي كل ما يجوز لهم أن يشاركوهم فيه؛ لذلك أثنى الله عليهم هذا الثناء العاطر: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100].

ليس فقط الثناء خاص بهم، ولكنه أيضاً يندرج ويستمر وينسحب إلى من تبعهم بإحسان، وسار على طريقهم، واقتفى أثرهم، وسلك منهجهم، هؤلاء جميعاً رضي الله عنهم، ورضوا عنه، وأعد لهم جنات النعيم، جنات المأوى، جنات الفردوس أعدها لهم، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم، نعم هؤلاء هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعون لهم بإحسان، الذين ساروا في طريق واحد، واتجهوا وجهة واحدة، تآلفت قلوبهم، وامتلأت صدورهم بالمحبة لبعضهم البعض، حتى ولو تأخر زمان بعضهم، فإنهم يحبون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ويترضون عنهم؛ لأن رب العالمين قد رضي عنهم.

ويقول الله -تبارك وتعالى-: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29].

نعم هؤلاء هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) مَن الذين معه؟

إنهم أصحابه من المهاجرين والأنصار جميعهم، من آل بيته ومن قبيلة قريش، ومن سائر قبائل العرب ممن هاجر وفر بدينه إلى الله، وممن استقبلهم وآواهم وأسكنهم لديه من الأنصار، هذه أوصافهم، وذاك سبيلهم، وتلك طريقهم.

(أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) ثم مع هذه الرحمة التي تملأ قلوبهم، وصدروهم مع بعضهم البعض، هم أيضاً على علاقة طيبة عظيمة مع رب العالمين -سبحانه وتعالى-.

(تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) لله رب العالمين، وهذا أعظم مظهر من مظاهر العبادة، أن ينصهر الإنسان في الصلاة فيسجد ويركع ويمرِّغ جبهته في التراب؛ تذللاً بين يدي رب العالمين، ومحبةً له واهتماماً بأمره، تراهم ركعاً سجداً، ماذا يريدون من ذلك؟

(يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) يريدون فضله عليهم في الدنيا والآخرة، ورضوانه في الدنيا والآخرة؛ لأنه إذا أعطاهم فضله، ورضي عنهم؛ حَلت السعادة التي لا شقاء بعدها.

(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ليس معناه ظهور علامة السجود التي تكون عند المصلين، وإنما سيماهم في وجوههم الأثر الطيب الذي يكون على وجه المصلي، وخصوصاً المحافظ على الصلاة على الفرائض، وعلى النوافل وعلى قيام الليل، كما هو شأن الصحابة -رضوان الله عنهم-، تجد في وجهه نوراً وقبولاً، وبهجةً يجدها من ينظر إليه، تلك هي السيماء التي أعطاهم الله -عز وجل- من أثر عبادتهم لله، وكثرة ركوعهم وسجودهم له سبحانه وتعالى، يبغون من ذلك رضوان الله وفضله -سبحانه وتعالى-.

(ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) ذُكروا في التوراة وذُكر مثلهم ووصفهم في كتاب اليهود الذي أنزل قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمئات السنين.

(وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ) وكذلك لهم مثل في الإنجيل كتاب النصارى الذي أنزل على عيسى -عليه السلام- أيضاً قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمئات السنين.

مثلهم فيه -أي في الإنجيل-: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ) هكذا الزرعة الكبيرة والشجرة الكبيرة، أو النخلة عندما يخرج الفرخ منها، أو الشتلة التي تكون إلى جوارها، تنبت في جذوعها، أو في جذورها، ثم إن هذه النخلة الكبيرة، أو الشجرة، أو النبتة الكبيرة، تغذي تلك النبتة الصغيرة، وتحنو عليها، حتى تكبر وتستوي مثلها، أو أكبر منها، هكذا شأن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نبتوا في حجره، وغُذوا بما آتاه الله -عز وجل- من الوحي حتى عظم يقينهم وإيمانهم، وعظمت قوتهم وهيبتهم، فاستغلظوا أصبحوا غلاظاً أقوياء شداداً، يعجب الزراع عندما ينظر الزراع إلى هذه الشتلات، التي تكون حول الأشجار، وأنها حسنة النماء، قوية شديدة يعجبه ذلك، لكن مَن الذي يسخط؟ مَن ذلك الحاسد والحاقد الذي لا يريد الخير لهذا الزرع ولا لهذا المزارع؟ هو الذي يحقد، كذلك أهل الإيمان وأهل الخير يفرحون ويُسرون، كيف نبت الإسلام، وكيف تكاثر، وكيف انتشر، وكيف قوي وغلظ، حتى أصبح أعظم قوة في وقت من الأوقات، أعظم قوة على وجه الأرض، هذا يعجب أهل الإيمان وأهل الخير، ويغيض الكفار الذين لا يحبون الله ولا رسوله ولا المؤمنين، ويريدون القضاء عليهم، يغتاظون غيضاً شديداً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك من يغتابهم ويبغضهم ممن ينتمون إلى الأمة من الرافضة وغيرهم، إنما يسلكون مسلك الكافرين، بل استنبط بعض العلماء من هذه الآية تكفير الرافضة؛ لأنه يُغيظهم أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لسنا الآن في صدد الحكم عليهم، ولكن نقول أنهم سلكوا مسلك الكافرين حيث أنهم يغتاظون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

بعد ذلك يخبر الله -عز وجل- بأنه وعدهم -وهو لا يخلف – الميعاد: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29].

ويقول الله -تبارك وتعالى- للفقراء وهو يتكلم عن الفيء الذي أحرزه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في غزوة بني النضير، وحصل عليه نوع من الخلاف؛ فقال الله -عز وجل- يحكم ويفصل في الأمر: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 8-10].

هذه أول طائفة ممن يستحقون هذا الفيء هذه صفتهم: الفقراء؛ لأنهم تركوا أموالهم وديارهم وأهليهم، تركوهم وراء ظهورهم، وفروا بدينهم، ربحوا الدين وإن خسروا الدنيا؛ فعوضهم الله وأعطاهم ذاك العطاء: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في كل شيء) [الحشر: 8].

الصادقون في إيمانهم والصادقون في محبتهم لله وللرسول، والصادقون في أقوالهم، والصادقون في جهادهم، والصادقون في جميع تصرفاتهم، كذلك درجة أخرى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ).

الأنصار الذين كانوا هم أهل الديار، وهم أهل الأرض، وهم أهل الأموال، فاستقبلوا إخوانهم المهاجرين بطيب نفس.

تعلمون هذه الأيام عندما يلجأ لاجئ من وقع ظلم وعدوان كما لجأ الفلسطينيون عندما احتلت أرضهم اليهود، وكما يلجأ اليوم السوريون، وكما يلجأ ويحاول أن يلجأ المسلمون من الروهنج من أهل بورما؛ فطُردوا ومُنعوا ولم يقبلهم المسلمون، إخوانهم من أهل بنغلادش لم يقبلوهم ولم ينزلوهم مع أنهم فارين بدينهم، ما الذي حملهم على ذلك؟

إنما حوربوا وطردوا لأنهم مسلمون، ومع ذلك فالمسلمون في بنغلادش يمنعونهم من الدخول، ويرفضون أن يستقبلوهم.

أما الأنصار: (تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) ليس مجرد أنهم يسمحون لهم بالنزول، ولكنهم يحبونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ليس في صدورهم شيء مما يقدمونه لإخوانهم من العطاء من الديار ومن الأموال ومن الأمن ومن الحماية، كل ذلك يقدمونه وهم في أشد الفرح وفي أشد الابتهاج؛ يبتغون الفضل والأجر من الله -عز وجل-، بل: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

حتى ولو كانوا محتاجين لشيء يعطون إخوانهم ذلك الشيء رغم أنهم محتاجون إليه: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ثم ذكر مَن جاء بعدهم، وهذا موضع شاهدنا وما ينبغي أن نكون لأننا داخلون فيه: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].

هؤلاء هم الذين اتبعوا بإحسان، الذين يحبون الأنصار والمهاجرين يحبون الجميع ويقدرونهم ويترضون عنهم، ويدعون لهم بالمغفرة، ويدعون الله أن لا يجعل في قلوبهم وصدورهم شيئاً من الغل عليهم؛ لأنهم يهلكون لو تربى وتجمع في صدورهم غلٌ على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف يبغضون قوماً أحبهم الله ورسوله؟! كيف يغضبون من قوم يرضى الله عنهم ورسوله؟! كيف يعادون قوماً وليهم الله ورسوله؟!

لا يمكن أبداً أن يحصل ذلك لمن هو مؤمن على الحقيقة، أما من كان منافقاً يظهر بلسانه الإيمان ويُخفي الكفر في قلبه، فهذا بلا شك بأنه سيعادي من يوالي الله، ويبغض من يحب الله، ويسخط على من يرضى الله عنه، أما من كان مؤمناً فلا يفعل ذلك، هذا هو شأن الصحابة -رضوان الله عليهم-، وهذا الذي سارت عليه الأمة بجميع طوائفها، وفي مقدمتهم أهل السنة والجماعة، ولم يشذ عنهم إلا الرافضة ولاة أهل التشيع، الذين يُبغضون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل يكفرونهم، ويلعنونهم، ويلعنون أفضلهم، أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-؛ فإنه كالذكر في الصلاة كما نذكر الله نحن في صلاتنا وبعد صلاتنا، وفي مساجدنا من الأوراد الدائرة على ألسنتهم، لعن أبي بكر وعمر، وهذا إنما يدل على نفاق من يعلم منهم، وعلى غباء وجهل المقلدين الذين لا يعلمون شيئاً، وعلى أن أثر المجوس واليهود لا يزال يتغلغل فيهم؛ لأنهم هم من زرعوا هذه النبتة الخبيثة، نبتة محاربة هذا الدين في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والدليل على ذلك أن في إيران مشهد عظيم وقبر مشرف ومقدس لمَن؟ لأبي لؤلؤة المجوسي الذي قتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الذي قتل عمر بن الخطاب يستحق أن يكون مقدساً! يستحق أن يكون معظماً! يستحق أن يزار قبره ويترضى عنه، ما ذاك إلا لأنهم تسري في عروقهم أحقاد المجوس الذين أسقط عمر بن الخطاب دولتهم، وأزال ملتهم، وأقصى ملوكهم من السلطة فلم تعد إليهم.

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم من محبيه، ومحبي رسوله، ومحبي أصحاب رسوله أجمعين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد والثناء، والصلاة على رسول الله.

الوصية...

أما بعد:

اعلموا -أيها الإخوة الكرام-: أنه كما يحبُ أهل السنة جميعاً أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن من أصحابه، بل من خيرةِ أصحابه وعلى رأس أصحابه: آل بيته الكرام، فآل البيت الذين عاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم في قمة أصحاب رسوله، وهم مشمولون بالمحبة والولاء والتقدير، ولكن أيضاً لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميزة وفضل، بحكم قربهم، وبحكم انتمائهم، وانتسابهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

لقد قال الله -عز وجل- عنهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب: 33].

السياق جاء في أزواجه وهن من أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يتلو هذه الآية خرج وقد وضع كساء على نفسه، وعلى علي وفاطمة والحسن والحسين وقال لهم: "هؤلاء هم أهل بيتي".

فهم يدخلون قطعاً في هذا التطهير، آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأقربون وأزواجه الطاهرات، أمهات المؤمنين كلهم داخلون في آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكلهم داخلون في هذه الآية: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب: 33].

وكذلك وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بآل بيته بقوله: "... وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ" فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي"[رواه مسلم].

فهذه وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأمة، فيجب على هذه الأمة أن يستوصوا بهم خيراً، أن يحبوهم، أن يقدروهم، أن يقدموهم، أن يعرفوا لهم حقهم وفضلهم، والحمد لله فأهل السنة على ذلك ماضون، وهم يحبونهم ويوالونهم ويعرفون لهم حقهم وفضلهم ومكانتهم، ويصلون عليهم في كل صلاة يصلونها.

اللهم صل علي محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

الشافعي -رحمه الله- وهو إمام أهل السنة، يقول: "يا آل بيت رسول الله حبكم فضل من الله في القرآن أنزله يكفيكم من عظيم القدر إنكم من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له".

هكذا هو شأن وشعار أهل السنة: محبة آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد كانت هذه المحبة من أول يوم بين الصحابة والقرابة بينهم جميعاً، يوالي بعضهم بعضاً ويحب بعضهم بعضاً، ولعلنا أن نُخرج خطبة خاصة لبيان ما بينهم من العلاقة والحب والتقدير والتشريف، ويقول شاعر آخر:

وحبُّ آلِ رسول الله مفترضٌ

فَاحبِبْهُمُ تحظَ بالتقريب والفرَط

 فإنهم عِترَة الهادي وبِضْعَته

وفيهمُ سِرُّه فادرِكْ لذي النُقَط

 ولا يَصدُّك عن حبٍّ وتَكرُمةٍ

لهم تجانفُ بعضُ الآلِ للشَطط

 فانظُر بعدلٍ ولا تَقذِف بريئَهمُ

بذنبِ مَن أوغَلوا في الحيف والبَعط

يعني في الانحراف، فهذا هو شأننا معهم ومحبتنا لهم، ونسأل الله أن يديمها ويزيدها ويقويها ويجعلنا جميعاً شيئاً واحداً ضد من يبغض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويبغض أصحابه ويسبهم، وما كنت لأتكلم في هذا الموضوع لولا أنه قد بدأ ينتشر بحكم الأحداث والتوجهات السياسية وغير السياسية التي تدور حول الناس؛ مما سهل دخول إيران الرافضية الحاقدة المجوسية على الخط، ونشرها مذهبها وإتباع كثير من الناس لها، واغترارهم بشبهاتها؛ فصار هناك نوع من الاستجابة لهذه الشبهات.

وسمعنا وقرأنا لمن يلمس أو يطعن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى من أهل هذه البلاد، رغم أن بلادنا حضرموت منذ أن كانت سنية، محبة لله ولرسوله ولأصحاب رسوله أجمعين، دون تمييز ودون تفريق، وترد رداً عنيفاً وقوياً على كل من يتعدى على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مشهور ولا يتسع الوقت لتفصيله، لكن هذا موجود عندما ألف بعضهم شيئاً فيه طعن في معاوية أو غير معاوية، رد عليه علماء حضرموت السادة العلويون في المقدمة، هم الذين ردوا على من فعل ذلك، فجميعنا شيء واحد، وجميعنا في منهج واحد، فنسأل الله أن يديم علينا وحدة صفنا فيما يرضي ربنا، وفيما نتابع به رسولنا، ونقتدي فيه بصحابته الكرام، ونحبهم الحب اللائق بهم، كما نحب أهل بيته الكرام، نسأل الله أن يثبتنا عليه.