البحث

عبارات مقترحة:

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

يا ليت قومي يعلمون!

العربية

المؤلف رياض بن يحيى الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. لا عزة ولا نصر لنا إلا بالعقيدة والإسلام .
  2. شهادة التاريخ والواقع على ذلك .
  3. تجسيد ابن عبد الله بن أبي لعقيدة الولاء والبراء .
  4. فضل الطاعة في العشر من ذي الحجة .

اقتباس

وبغير الإسلام ملكتنا الدنيا، وسادنا أنجاس العالم، وأصبحنا أمماً ممزقة، ودويلات مفرقة؛ وبغير الإسلام أصبحنا غثاء كغثاء السيل، فقهرَنا أحفاد القردة والخنازير؛ وبغير الإسلام سلبت قدسنا، واغتصبت أرضنا، واستبيحت دماؤنا، وانتهكت أعراضنا، وهدمت بيوتنا؛ بالإسلام كنا كل شيء، وبغير الإسلام أصبحنا لا شيء..

الحمد لله رب العالمين، يا رب! يا رب! يا رب! اللهم داوِ جراح معاصينا بدواء طاعتك، ونوِّر ظلام قلوبنا بنور هدايتك، أمِدَّنا بروحٍ من عندك، وأعِنَّا على نفوسنا الأمَّارة بالسوء، حتى تتحول إلى أنفس لوَّامة، وأنفس مطمئنة راضية مرضية.

اللهم يا عالم الأسرار، يا قابل الأعذار، اجعل خير أعمالنا خواتمها، واجعل خير أعمارنا آخرها، واجعل خير أيامنا يوم لقائك؛ اللهم أكرمنا ولا تُهِنَّا، وزدنا ولا تنقصنا، وارفعنا ولا تضعنا، وانصرنا ولا تنصر علينا.

وأشهد ألا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

سمع أحد العباد قارئاً يتلو (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد:19]، فقال: أواه! وارتفع بكاه؛ وكان أحد الملوك الصالحين يسمع أحد القراء يقرأ بتلحين: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمـــَلَائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:18]، فجلس يبكي ويقول: وأنا أشهد مع الشاهدين. قال أبو معاذ الرازي: لو تكلمت الأحجار، ونطقت الأشجار، وخطبت الأطيار، لقالت: لا إله إلا الله الملك الغفار.

يَا مُنْزِلَ الآياتِ والقُرْآنِ

بَيْنِي وَبَيْنَكَ حُرْمَةُ الفُرْقَانِ

اِشْرَحْ بِهِ صَدْرِي لِـمَعْرِفَةِ الهُدَى

وَاعْصِمْ بِهِ قَلْبِي مِن الشَّيْطَانِ

يسِّرْ بهِ أمري وَأَقْضِ مَآرِبي

وَأَجِرْ بِهِ جَسَدِي مِن النِّيرانِ

واحْطُطْ بِهِ وِزْرِي وَأخْلِصْ نِيَّتِي

وَاشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَصْلِحْ شَانِي

وَاقْطَعْ بِهِ طَمَعِي وَشَرِّفْ هِمَّتِي

كَثِّرْ بِهِ وَرَعِي وَأَحْيِ جَنَانِي

أنتَ الذي صوَّرْتَني وخلقتَني

وهدَيْتَني لشرائعِ الإيمانِ

أنتَ الَّذِي أطعمْتَني وَسَقَيْتَني

مِن غَيْرِ كسْبِ يَدٍ ولا دُكَّانِ

أنتَ الَّذِي آويتَنِي وحَبَوْتَنِي

وَهَدَيْتَنِي مِن حَيْرَةِ الخِذْلَانِ

وَزَرَعْتَ لِي بَيْنَ القُلوبِ مَوَدَّةً

وَالعَطْفُ مِنكَ بِرَحْمَةٍ وحَنَانِ

ونشرتَ لي في العالمينَ مَحَاسِنَاً

وَسَتَرْتَ عَن أَبْصَارِهِمْ عِصْيَانِي

واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي

لَأَبَى السَّلامَ عليَّ مَنْ يَلقَاني

وَلَأَعْرَضُوا عَنِّي ومَلُّوا صُحْبَتِي

وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كرامةٍ بِهَوَانِ

لكنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي

وَحَلمْتَ عَن سقَطِي وعن طُغيانِي

فلك المحامدُ والمدائحُ كُلُّهَا

بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي

وأشهد أن سيدنا، وقائدنا، وقدوتنا، وإمامنا، وحبيبنا، محمدا رسول الله؛ أرسله الله على الظلماء كشمس النهار، وعلى الظمأ كالغيث المدرار، شرح ربه له صدره، ورفع له ذكره، وأعظم قدره، وأنفذ أمره، وأعلى شرفه.

ماذا أقول في النبي الرسول؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء؟ أم أقول للشمس أهلاً يا كاشفة الظلماء؟ أم أقول للسحاب سلمت يا حامل الماء؟
سيدي يا رسول الله:

صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ يَا عَلَمَ الهُدَى

وَاسْتَبْشَرَتْ بِقُدُومِكَ الأيَّامُ

هَتَفَتْ لَكَ الأرْوَاحُ مِنْ أشْواقِهَا

وَازَّيَنَتْ بِحَدِيثِكَ الأقْلَامُ

أما بعد: فيا حماة الإسلام وحراس العقيدة: يا ليت قومي يعلمون! يا ليت قومي يعلمون! يا ليت قومي يعلمون! خواطر نظمتها، وعبراتٌ نسجتها، ونسائم أرسلتها، لتصل من قلبي إلى قلوبكم، ومن لساني إلى أسماعكم؛ إنها خواطر، أو سَمُّوها عبرات، أو ادعوها وقفات.

مهما أسميتموها، ومهما أطلقتم عليها، فإنها جواهر وعظ، سهرت على إعدادها الليالي، وتنفستها مع أنفاسي، وعشتها بجميع جوارحي، لكي تصل إليكم أحبتي، واضحة وضوح الشمس في ضحاها، جلية جلاء القمر إذا تلاها، مبتغياً بها وجه الإله، وسائلاً بها كل رضاه.

فيا ليت قومي يعلمون! يا ليت قومي يعلمون! وبحبل الله يعتصمون! وبكتابه يعملون! ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يتبعون!.

أيها المؤمنون الأعزاء: يا ليت قومي يعلمون! تجدونها في: (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يس:1-4]، أطلقها رجل مؤمن، قام في قومه داعياً، ولربه ناصحاً، ولنهج ربه هادياً؛ لكن قومه كذبوه، واتهموه، ثم قتلوه، فأدخله ربه جنات تجري من تحتها الأنهار، جنات عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الأخيار، (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس:26-27].
 

أيها المؤمنون: يا ليت قومي يعلمون أننا قوم أعزنا الله بالإسلام، وإذا ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله، شعار صرخ به الفاروق، فهل تدرون من هو الفاروق؟ إنه عمر الذي إذا سلك طريقاً سلك الشيطان طريقاً غيره، إنه عمر، الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، إنه عمر الذي أيد الله أحكامه من فوق سبع سموات، إنه عُمَرُ الذي أيد الله به الإسلام، وأعز الله بجرأته وزهده وعدله خلافة الإسلام؛ إنه عُمَرُ الفاتح الأول لبيت المقدس، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى سيد الخلق أجمعين؛ إنه عمر، درة في جبين التاريخ، وجوهرة في تاج الإسلام؛ إنه عمر، الذي تفتقد الأمة اليوم إلى رجل مثله، غيرة وجرأة وحمية وشجاعة وزهدا وعدلا؛ إنه عمر، درة في جبين التاريخ، وجوهرة في تاج الإسلام،

أولئِكَ آبائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ

إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَريرُ الْمَجَامِعُ

نعم أحبتي في الله: إننا قوم أعزنا الله بالإسلام، فيا قومنا! يا قومنا! لم تبتغون العزة في غير الإسلام؟‍‍‌‍‍ لم تبتغون العزة في الولاء لأمريكا سيدة العالم؟لم تبتغون العزة في العروش وكراسي الحكم؟ لم تبتغون العزة في القبيلة القوية، أو الأسرة النافذة؟ لم تبتغون العزة في جمع الأموال، وبناء القصور، واقتناء السيارات؟.

يا قومنا! إن كنتم تبحثون عن العزة في كل هذا، فهيهات هيهات لما توعدون! يا قومنا! إن كنتم تبحثون عن العزة الكاملة، فابحثوا عنها حيث وجدها الفاروق؛ فقد وجدها الفاروق في الإسلام فأعلنها مدوية: نحن أعزنا الله بالإسلام، واذا ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله!.

أقولها صريحة
هيهات لا تحاولوا
فنحن مسلمون
تَعْرفنا المشاعلُ
وساحة الفداء إذ نُنَازلُ
نظيفة أكفُّنا إن أَخَذَتْ
نظيفةً إذا تُناوِل
قُدْنا فكان العدل ميزانا على ميزانه نُعامل
قُلنا فكان قَوْلنا كفعلنا، والكلُّ حقّ فاصل
لم يَبْق بعد قولنا ما يدّعيه قائلُ
ما غيَّر الزّمان سيرةً لنا
ولا تنكَّرتْ لِضَيْفنا المنازل
ماضون ما مضى الزمان عزْمةً
ولو غَلَتْ بنا المراجل
قافلة ماضية تَتْبعها قوافل

الموت لا يُخيفنا
مِن دَمِنا المعْجون تُخْتَرَع القنابل
في كل قطرة مُرَاقة كتيبة تُقاتل
غضْبتنا ليست لأرضٍ
لا
ولا حميَّةٍ
ولا لإقليميةٍ
راياتنا مرفوعة
ولا يقود سيْرنا إلى الفدا قبائل
هيهات لا تحاولوا
نموت عن آخرنا أعزّة
وليس في قاموسنا التّنازل

وها أنا أقولها صريحة لا أُبْهِم
معلنةً لا أكتم
لا تعْجبوا أني صريحٌ ليس لي مرافق يُتَرْجِمُ
فهكذا علّمني الإسلام دائما
وإنني -بكل فخر- مُسْلِمُ
ومن هنا أقولها صريحة
لا لن أكون مطْلقا لغير مؤمن مبايعا
لو قطَّعوا أعضاء جسمي وعظامي قِطَعًا
عقيدة واضحة
ومنهج لاءاته ثوابت
لا يأسَ، لااستسلامَ، لا تطبيعَ، لا تراجعَا

أيها المؤمنون: ويا ليت قومي يعلمون! أننا بالإسلام كنا، وبالإسلام لا بغيره نكون؛ ويا ليت قومي يعلمون، أننا بالإسلام ملكنا هذه الدنيا قرونا، وبه سدنا العالم سنينا، وبالإسلام قهرنا قيصر الروم، وحطمنا دولة كسرى الفرس، وفتحنا الأرض مشرقاً ومغربا، وبالإسلام كان اليهود خدماً تحت أقدامنا.

كُنَّا جِبَالاً في الِجبَالِ وَرُبَّما

سِرْنَا على مَوْجِ البِحَارِ بِحَارَا

لَمْ تنْسَ إفريقيا ولا صَحْرَاؤُهَا

سَجَدَاتِنا والأرضُ تقذفُ نَارا

بمعابدِ الإِفْرِنْجِ كان أَذَانُنَا

قَبْلَ الكتائبِ تفتَحُ الأمْصَارا

وكأنَّ ظِلَّ السيفِ ظِلُّ حَديقَةٍ

خَضْراءَ تحمِلُ فوقَها الأزْهَارَا

وبغير الإسلام ملكتنا الدنيا، وسادنا أنجاس العالم، وأصبحنا أمماً ممزقة، ودويلات مفرقة؛ وبغير الإسلام أصبحنا غثاء كغثاء السيل، فقهرَنا أحفاد القردة والخنازير؛ وبغير الإسلام سلبت قدسنا، واغتصبت أرضنا، واستبيحت دماؤنا، وانتهكت أعراضنا، وهدمت بيوتنا؛ بالإسلام كنا كل شيء، وبغير الإسلام أصبحنا لا شيء.

أيها المؤمنون: يا ليت قومي يعلمون أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون، أعلنها الصحابي الفذ، عبد الله بن عبد الله بن أبي، أعلنها صريحة، واضحة، مدوية، في وجه أبيه، أتدرون من هو أبوه؟ إنه رأس النفاق، عبد الله بن أبي بن سلول،كان هذا المنافق يصلي خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصف الأول، كان يظهر الإسلام، ويبطن الكفر.

لما غزا الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- بني المصطلق على ماء يقال له "المريسيع"، اختصم أجير لعمر بن الخطاب يقال له جهجاه، وحليف لرأس النفاق عبد الله بن أبي يُقال له سنان، فصرخ جهجاه بالمهاجرين، وصرخ سنان بالأنصار، فلطم جهجاهُ سِنَاناً، وهنا أطل النفاق برأسه، يمثله كبير المنافقين عبد الله بن أبي، فقال: أو قد فعلوها؟ والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول: سمِّنْ كلْبَكَ يأكُلْكَ! اما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذَلَّ، (يعني نفسه بالأعز، ويعني الحبيب محمداً بالأذل).

إنه النفاق، إنه النفاق، ما حل النفاق في قلب إلا عشش الكفر فيه ثم باض وفرخ، ولكن هل انتهى الموقف عند هذا المشهد؟! هل رضي الأنصار بما قاله رأس النفاق؟ هل بادروا إلى مقاطعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المهاجرين؟ هل أعلنوا حالة الطوارئ في المدينة حتى يخرج محمد وصحبه؟ هل أعلنوا الحرب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ لا، لا، لا، إذن فما الذي حدث؟.

قام صحابي جليل من رهطِ عبد الله بن أبي، وأعلنها صريحة في وجهه: أنت والله الذليل المنتقص في قومك! ومحمد -صلى الله عليه وسلم- في عز من الرحمن، ومودة من المسلمين. والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا! إنه الإيمان، إنها العقيدة، إنه الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، إنه البراء من كل عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، إنه الحب في الله، والبغض في الله.

ثم أعلنها الولد المؤمن عبد الله في وجه أبيه على أبواب المدينة، شاهراً سيفه، مقسماً بالله: والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله! والله إنك أنت الذليل، ورسول الله هو الأعز! يا الله! يا الله! يا الله! لله درك يا عبد الله! كيف جسَّدْتَ مبدأ الولاء لله ولرسوله؟ ولسان حالك يقول:

هَجَوْتَ مُحَمَّدَاً فأجَبْتُ عَنْهُ

وَعندَ اللهِ في ذَاكَ الجَزَاءُ
هجوتَ مُحَمَّداً بَرَّاً حَنِيفَاً رَسولَ اللهِ شِيمتُهُ الوَفَـاءُ
فإنَّ أبِي وَوَالِدَتِي وعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

أيها المؤمنون الأماجد: هنا مدرسة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وما أدراكم ما مدرسة الحبيب؟ إنها مدرسة مكتوب على بابها: "البر لا يبلى والذنب، لا يُنسى، والديان لا يموت؛ اعمل ما شئت! كما تدين تدان"، "كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون"، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ أشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله إلى الناس أجمعين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون: ويا ليت قومي يعلمون أن الحياة عقيدة وجهاد! ويا ليت قومي يعلمون

أَنَّ العقيدةَ في قُلُوبِ رجالِهَا مِنْ ذَرَّةٍ أقْوَى وألفِ مُهَنَّدِ

بالعقيدة مرَّغ المسلمون -وهم أذلة- أنوف العتاولة من قريش على تراب بدر! (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران:123].

وبالعقيدة تقابل جموع المسلمين وعددهم ثلاثة آلاف في مؤته مع مائتي ألفٍ! يقول قائل المسلمين: والله ما نقاتلهم بعدد ولا عدة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين! بعض المسلمين يرى هذه الحشود فيقول لخالد: يا خالد إلى أين الملجا، إلى سلمى وأجا؟ فتذرف عيناه الدموع وينتخي ويقول: لا إلى سلمى ولا إلى أجا، ولكن إلى الله الملتجأ.

وبالعقيدة يشحذ صلاح الدين الهمم، فيمنع المزاح ويمنع الضحك في جيشه، ويهيئ الأمة لاسترداد المسجد الأقصى الذي هو أسير في يد الصليبيين يوم ذاك، ثم يقودها حملة لا تبقي ولا تذر، فيكسر شوكتهم، ويعيد الأقصى بإذن الله إلى حظيرة المسلمين.

ثم ماذا بعد صلاح الدين؟ عادوا بعد صلاح الدين بفترة، يوم تخلى مَن تخلى عن مبادئ صلاح الدين، عادوا فاحتلوه وذهبوا إلى قبر صلاح الدين، ورفسوه بأرجلهم وقالوا: ها قد عدنا يا صلاح الدين، ها قد عدنا يا صلاح الدين! وهم ينشدون: محمد مات خلّف بنات!.

إن ما يجري هناك تتفطر له الأكباد، إن المسجد الأقصى بلسان حاله لَيصيح بالأمة المسلمة: وا إسلاماه! وا فاروقاه! وا صلاحاه! فلا أذن تسمع، ولا قلوب تجيب! وحكام العرب والمسلمين في غيهم يعمهون، فيا ليتهم يعلمون!.

يا مَن تسَاقَطَت الرؤوسُ أمامَكُمْ

ووَصلْتُمُ الإعصارَ بالإعصارِ
واستشهَدَتْ حتَّى "الحجارةُ"عندَكُمْ وجُيوشُنا في "حانةِ" الخمَّارِ
حتى المدافعُ والبنادقُ أصبَحَتْ محشوَّةً بالجُبْنِ والكافيار!
لا تحلموا يوماً بسيفٍ غاضِبٍ أو طلقةٍ من بُندُقِيَّةِ جَارِ
كُلُّ السُّيُوف "تأمْرَكَتْ" وتحوَّلَتْ سكِّينةً في مطبخِ الدُّولار!

بغدادُ يا دارَ الرشيدِ، تَصَبَّرِي

فالنَّارُ قد خُلِقَتْ لأهلِ النَّارِ
للبائعين شعوبَهم وكأنَّها قِطَعٌ من الفِلِّينِ والفخَّارِ
لمقاولين يصدِّرُون ترابَهُم ليباعَ ملفوفاً بدون غبار
حقَنوا دماءَ صِغارِنا بعروبةٍ مجهولةِ الأبويْنِ والأصهار
فنساؤهُم باسْمِ السَّلامِ حَرَائِرٌ ونساؤنا باسْم السَّلامِ جوارِي
لم يبق سيفٌ من سُيوفِ مُحَمَّدٍ إلا وباعوه إلى الكُفَّارِ

يا قدسُ يا أمَّ الحَزَانى، هاهُمُ

سكَبُوا على خدَّيْكِ ماءَ النارِ
باعوكِ في سوقِ السلامِ وأوقعُوا بالصُّلْحِ بين الثأر والثُّوَّار
حتى المصاحف صادروها باسمه لتُرتَّلَ التوراةُ في الأسْحار
فإذا دعتْ للحَجِّ "أمريكا" فهمْ مِن أوَّلِ الحُجَّاجِ والزُّوَّارِ
فهناك "بيتٌ أبيضٌ" طافوا به وبكَوْا على أعتابِ تلك الدار
وتمسَّحُوا بترابِهِ وبأهلِهِ وتضرَّعُوا ودعَوْا على الكفَّار
وتوسَّلوا برئيسِهِ وكأنه من أهل بدرٍ أو من الأنصار

يا قدسُ يا مسرَى النبيِّ، تَصَبَّرِي

لا بُدَّ للجَزَّارِ مِن جَزَّارِ
إن أجَّروك ففي جهنمَ وحدَها سيُسَدِّدون ضريبةَ الإيجار
وسيكتبُ التاريخُ فوق قُبورِهم شِعْراً بماءِ الذُّلِّ والأوزار
ولسوف ينتقمُ الترابُ لِنَفْسِهِ فمِن التُّرابِ وِلادةُ الإعصارِ

وبالعقيدة يواجه القائد المسلم ألب أرسلان بجيشه المنهك العائد من الجهاد، الذي لا يزيد عدد جنوده عن خمسة عشر ألف مجاهد، يواجه جيشاً من الصليبين قوامه ستمائة ألف مقاتل صنديد! ستمائة ألف مقاتل يواجهون خمسة عشر ألفاً فقط! أي أنه يتوجب على كل مسلم أن يواجه أربعمائة صنديد! يا الله! يا الله! هل هذه قوى جسدية؟ لا، ولكنها العقيدة، العقيدة، ويا ليت قومي يعلمون!.

نظر القائد المسلم إلى جيشه، فوجده جيشاً منهكاً من القتال، ما بين مصاب وجريح قد أنهكه السير الطويل، فكَّر وقدر ونظر في جيشه، أيترك هذا الجيش الكافر ليدخل إلى بلاده ويعيث فيها الفساد؟ أم يجازف بهذا الجيش، خمسة عشر ألف مقابل ستمائة ألف!.

فكر قليلا ثم هزه الإيمان، وخرجت العقيدة لتبرز في مواقفها الحرجة، فدخل خيمته، وخلع ملابسه، وحنَّط جسده، ثم تكفن وخرج إلى الجيش وخطبهم قائلا: إن الإسلام اليوم في خطر، وإن المسلمين في خطر، وإني أخشى أن يُقضى على لا إله إلا الله من الوجود. ثم صاح: وا إسلاماه! وا إسلاماه! وا إسلاماه! ها أنا ذا قد تحنطت وتكفنت، فمن أراد الجنة فليلبس كما لبست، ولنقاتل دون لا إله إلا الله حتى نهلك أو ترفع لا إله إلا الله.

فما هي إلا ساعة ويتكفن الجيش الإسلامي، وتفوح رائحة الحنوط، وتهب رياح الجنة، وتدوي السماوات بصيحات: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! يا خيل الله اثبتي، يا خيل الله اركبي، لا إله إلا الله.

والتقى الجمعان، واصطدمت الفئتان، فئة تؤمن بالله، وتقاتل في سبيل الله، وتشتاق إلى لقاء الله؛ وأخرى كافرة لا تحب لقاء الله؛ ودوَّت صيحات: الله أكبر! واندفع كل مؤمن ولسان حاله: وعجلت إليك ربي لترضى؛ فتطايرت رؤوس، وسقطت جماجم، وسالت دماء، وفي خضم المعركة إذا بالمنادي ينادي مبشِّرا: انهزم الرومان، وأُسر قائدهم (رومانس). الله أكبر! لا إله إلا الله! صدق وعده، ونصر جنده، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249].

ذهب من جند الله كثير وكثير نحسبهم شهداء، وبقي الباقون يبكون، لماذا يبكون؟ هل يبكون على ما فاتهم من غنائم؟ لا والذي رفع السماء بلا عمد! لكنهم يبكون لأنهم مضطرون إلى خلع أكفانهم وقد باعوا أنفسهم من الله!.

أما القائد المسلم فبكى طويلا، وحمد الله حمدا كثيرا، وبقي يجاهد حتى لقي الله بعقيدة لا تقف في وجهها أية قوة؛ ويوم حلت به سكرات الموت كان يقول: آه! آه! آمالٌ لم تُنَلْ، وحوائجُ لم تُقْضَ، وأنفس تموت بحسراتها! لقد كان يتمنى أن يموت تحت ظلال السيوف، ولكن شاء الله له أن يموت على الفراش.

فَتَعْرِفُ يَا ابْنَ أُمِّي فِي العَقِيدَهْ

يَا أخا الإسلامِ في الأرضِ الـــمَدِيدهْ
ما حياةُ المرءِ مِنْ غَيْرِ عَقيدَهْ وَجِهادٍ وصِرَاعَاتٍ عنيدهْ

فَهْيَ طُوبَى واختباراتٌ مجيدهْ

فانْطَلِقْ وامْضِ بِإيمانٍ وَثيقِ

وإِذَا مَا مسَّكَ الضُّرَّ صديقي

فَلِأنَّا قَدْ مَشَيْنَا فِي الطَّرِيقِ

أيها المؤمنون الأفاضل: غداً تهل علينا نسمات مباركات، تحملها لنا الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، التي أقسم الله تعالى بها فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]، قال المفسرون: المقصود بالليالي العشر العشر الأيام الأولى من شهر الحج؛ ومنها يستحب صيام تسعة أيام من أول الشهر حتى اليوم التاسع منه، وهو يوم عرفة.

وتعالوا -أحبتي- لنسمع الصحابي بن الصحابي، الفقيه ابن الفقيه، الورع ابن الورع، عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ماذا أخبره الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- عن فضل هذه الأيام؟
قال -رضي الله عنه وعن أبيه- سمعت حبيبي محمدا -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" -يعني أيام العشر من ذي الحجة-، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".

أما فضل صيام يوم عرفة فيكفي أن تعلم أن الحبيب محمداً -صلى الله عليه وسلم- قال فيه: "صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده"، سبحان الله الجواد الكريم! صيام يوم عرفة يكفر الذنوب التي ارتكبتها في السنة الماضية، والتي ترتكبها في السنة اللاحقة، إذا اجتنبت الكبائر! فأوصي نفسي وإياكم بالإكثار من العمل الصالح في هذه الليالي الفضيلة، والأيام الجليلة.