الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | أحمد فريد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
كل ما يحصل للعباد من إحن ومحن فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير.. فالله -عز وجل- لا يبدِّل حال العباد من النقمة إلى النعمة، ومن الرخاء إلى الضنك والشقاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى الفسق.. فما هي الأسباب التي يتنزل بها عذاب الله، وما هي سنة الله -عز وجل- في القوم المجرمين، وبتعبير آخر ما هي أسباب هلاك الأمم. فأول هذه الأسباب الكفر بالملك الوهاب، وتكذيب الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام...
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
ثم أما بعد: فقد جرت سنة الله -عز وجل- في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم، فإذا اتقى الناس ربهم -عز وجل- خالقهم ورازقهم، أنزل الله -عز وجل- عليهم البركات من السماء، وأخرج لهم الخيرات من الأرض، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 96].
وقال تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16]، وإذا تمرد العباد على شرع الله، وفسقوا عن أمره أتاهم العذاب والنكال من الكبير المتعال، فمهما كان العباد مطيعين لله -عز وجل-، معظِّمين لشرعه، أغدَق الله -عز وجل- عليهم النِّعَم، وأزاح عنهم النِّقَم، فإذا تبدَّل حالُ العباد من الطاعة إلى المعصية، ومن الشكر إلى الكفر، حلَّت بهم النِّقَم، وزالت عنهم النِّعَم.
قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112]، فكل ما يحصل للعباد من إحن ومحن فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30].
وقال تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم:36].
فالله -عز وجل- لا يبدِّل حال العباد من النقمة إلى النعمة، ومن الرخاء إلى الضنك والشقاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى الفسق قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال:53].
فما هي الأسباب التي يتنزل بها عذاب الله، وما هي سنة الله -عز وجل- في القوم المجرمين، وبتعبير آخر ما هي أسباب هلاك الأمم.
فأول هذه الأسباب الكفر بالملك الوهاب، وتكذيب الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، فقد أهلك الله -عز وجل- الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وقرونا بين ذلك كثيرا بسبب كفرهم بالله -عز وجل-، وتكذبيهم لرسله.
قال تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا) [الفرقان:35-40].
وقال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) [ق:12-14].
ومن أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد وكثرة الخبث.
قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].
قال الشنقيطي -رحمه الله-: "الصواب الذي يشهد له القرآن، وعليه جمهور العلماء أن الأمر في قوله: "أمرنا" هو الأمر الذي هو ضد النهي، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره، والمعنى: أمرنا مترفيها بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله واتباعهم فيما جاءوا به: "ففسقوا" أي خرجوا عن طاعة أمر ربهم وعصوه، وكذبوا رسله: "فحق عليها القول" أي وجب عليها الوعيد: "فدمرناها تدميراً" أي أهلكناها إهلاكا مستأصلاً، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم.
ثم قال رحمه الله: فإن قال قائل: "إن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله: "أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع المترفين وغيرهم في قوله: "فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" يعني القرية، ولم يستثن منها غير المترفين.
والجواب من وجهين:
الأول: أن غير المترفين تبع لهم، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم، لأن غيرهم تبع لهم كما قال تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب:67]. وقال تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَ) [إبراهيم:21]. إلى غير ذلك من الآيات.
الثاني: أن بعضهم إن عصى الله وبغى وطغى، ولم ينههم الآخرون فإن الهلاك يعم الجميع كما قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال:25].
وكما في الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أنها لما سمعت النبي يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت له: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث" (رواه البخاري: 13/13/14).
ومن أسباب هلاك الأمم الكفر بنعم الله -عز وجل- وعدم القيام بواجب شكرها.
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ:15-19].
وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].
ومن أسباب هلاك الأمم: ظهور النقص والتطفيف في الكيل والميزان ومنع حق الله وحق عباده ونقض العهود والمواثيق، والإعراض عن أحكام الله تعالى.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن–؛ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله -عز وجل- ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" (رواه ابن ماجة 4018، وحسنه الألباني بشواهده).
ومن أسباب هلاك الأمم: التنافس في الدنيا والرغبة فيها والمغالبة عليها عن عمرو بن عوف الأنصاري أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله فلما صلى رسول الله انصرف فتعرضوا له تبسم رسول الله حيث رآهم ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟" قالوا: أجل يا رسول الله قال: "فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم" (رواه البخاري: 11/247-248).
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" (رواه مسلم: 16/134).
وقال –صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا" (رواه أبو داود: 1682).
ومن أسباب هلاك الأمم كثرة التعامل بالربا، وانتشار الزنا – والعياذ بالله – فإن هذا مما يخرب البلاد، ويهلك العباد، ويوجب سخط الرب -عز وجل- .
عن ابن مسعود عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله -عز وجل-" (رواه أحمد في المسند 1/402، وقال الألباني في صحيح الجامع (5510) حسن).
والربا نوعان: ربا الفضل: وهو الزيادة في الجنس الواحد الربوي.
والأجناس الربوية: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء.
والنوع الثاني: هو ربا النسيئة، وهو الزيادة التي يأخذها صاحب الدين في مقابلة دينه.
قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة :275-276].
وانتشار الزنا سبب لظهور الأوجاع والطواعين التي لم تكن في السالفين كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا".
وانتشار الزنا يرفع العفة، ويخلط الأنساب ويجلب الفوضى، نسأل الله -عز وجل- أن يرفع عن بلاد المسلمين الربا والزنا.
ومن أسباب هلاك الأمم: تقصير الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن أبي بكر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، هم أعز وأكثر ممن لا يعملها، ثم لم يغيروه إلا عمّهم الله تعالى منه بعقاب" (رواه أبو داود: 4316).
وعنه قال –صلى الله عليه وسلم-: "مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا في سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا مالك؟ قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه وأنجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم" (رواه البخاري: 5/132).
قال الإمام الغزالي: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
ومن أسباب هلاك الأمم: ترك الجهاد والإخلاد إلى الأرض.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (رواه أبو داود: 3445، وقال الألباني: صحيح لمجموع طرقه، انظر الصحيحة رقم: 11).
واتباع أذناب البقر، والرضا بالزرع علامة على الإخلاد إلى الأرض، والإخلاد إلى الأرض وترك الجهاد سبب الذل والهوان.
ومن أسباب هلاك الأمم مخالفة أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-.
قال الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يُعبد الله وحده، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم" (رواه أحمد 2/50،92، وصححه الألباني في الإرواء رقم: 1269).
ومن أسباب هلاك الأمم الغلو في الدين، والغلو هو التنطع ومجاوزة الحد، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "هلك المتنطعون" (رواه مسلم 2670).
وقال –صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" (رواه النسائي 5/268، وصححه الألباني في الصحيحة رقم: 1283).