المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | أحمد عبدالرحمن الزومان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
ما أحوج الناس كلهم الصغير و الكبير إلى قدوة يقتدون بها في أبواب الخير فبالقدوة الحسنة تحصل المحاكاة وتترسم الخطى فلذا علينا معاشر الآباء والمربين والمسؤلين مسؤلية تربية من تحت أيدينا وتوجيههم إلى معالي الأمور وطلب مرضاة الله والمسابقة إلى الخيرات والبعد عن كل ما يخل ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
عباد الله: ما أحوج الناس كلهم الصغير و الكبير إلى قدوة يقتدون بها في أبواب الخير فبالقدوة الحسنة تحصل المحاكاة وتترسم الخطى فلذا علينا معاشر الآباء والمربين والمسؤلين مسؤلية تربية من تحت أيدينا وتوجيههم إلى معالي الأمور وطلب مرضاة الله والمسابقة إلى الخيرات والبعد عن كل ما يخل.
علينا مسؤلية تربيتهم بالعمل والقدوة قبل القول فكم من فعل أبلغ من قول ولاشك أن محل القدوة في هذه الأمة بعد نبيها هم الصحابة ومن بعدهم من القرون المفضلة فأذكر طرفاً من أخبارهم تذكيراً للناسي وشحذاً للهمم.
أهل القدوة ممن سبقونا لا يبتغون من الناس شيئاً مقابل ما يقومون به من أعمال صالحة بينهم و بين ربهم من صلاة و صيام وذكر أوما يؤدونه للناس من نفع متعد لهم من صدقة و مساعدة المحتاج و تعليم الجاهل و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاينتظرون من الناس مكافاءة على ذلك أوثناءً حسناً بل غايتهم مرضاة ربهم (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:8-9].
ترقى بهم الإيمان حتى بلغوا مرتبة إيثار رضاء الله على هوى النفس في تعاملهم مع من يسيء إليهم ويقابل إحسانهم له بإساءته إليهم، حينما رميت أم المؤمنين عائشة بالإفك وكان ممن خاض فيه مسطح بن أُثَاثَةَ فعندما اظهر الله براءتها حز ذلك في نفس الصديق كيف يصدر هذا من شخص قريب لي عليه أيادي فقد كان مسطح بن أثاثه فقيراً وكان الصديق ينفق عليه لقرابته وفقره تقول عائشة في قصة الأفك فقال أبو بكر والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله عز وجل: (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فقال أبو بكر: "والله إني لأحب أن يغفر الله لي فَرَجَع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال لا أنزعها منه أبدا " رواه أحمد بإسناد صحيح.
أهل القدوة السابقون لايطلبون الشهرة بين الناس وانتشار الصيت ولا يتعرضون لها ولا لأسبابها عن أُسَيْر بن جابر قال: "كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال نعم. قال: من مراد ثم من قَرَن. قال: نعم قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم قال: نعم. قال: لك والدة قال: نعم. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرَن كان به برص فَبَرَأَ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي فاستغفر له فقال له عمر: أين تريد؟ قال الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي. قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمرَ فسأله عن أويس؟ قال: تركته رث البيت قليل المتاع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرَن كان به برص فَبَرَأَ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فأتى أويساً فقال: استغفر لي. قال: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي. قال استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي. قال: لقيت عمر قال: نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه" رواه مسلم .
فهم يعلمون خطر طلب الجاه و طلب الحظوة عند الناس فمن غلب على قلبه حب الجاه صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفاً بالتودد إليهم والمراءات لأجلهم ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتاً إلى ما تعظم به منزلته عندهم وذلك بذر النفاق وأصل الفساد.
وإن كانت الشهرة تأتيهم من غير طلبها فهذا غير مذموم بل هو القبول الذي يجعل لهم في الأرض لصدقهم مع ربهم و دليل محبة ربهم لهم.
أهل القدوة السابقون يعملون بالطاعات ويجتهدون فيها ويخافون أن ترد عليهم أعمالهم فيعطون من أنفسهم مما أمروا به مما يقدرون عليه من صلاة وزكاة وحج وصدقة وغير ذلك و مع هذا كله قلوبهم خائفة من عدم قبول أعمالهم وردها عليهم فالمؤمن الحق يجمع إحسانا وشفقة والمنافق يجمع إساءة وأمنًا (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:60-61] بل إذا ترقى بهم الإيمان وبلغوا ذروته خشى الواحد منهم على نفسه النفاق وسوء الخاتمة فهذا فاروق هذه الأمة وخليفة خليفة رسول الله يخشى على نفسه النفاق ويقول لأمين سر رسول الله حذيفة بن اليمان: أنْشُدُك الله أمنهم أنا؟ فيقول له حذيفة: لاوالله يا أمير المؤمنين، وقيل لجابر بن زيد: أتخاف النفاق؟ فقال: وكيف لاأخافه!وقد خافه عمر بن الخطاب رضي الله عنه!.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
أهل القدوة السابقون قوم حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم فأصبحت مرضاة ربهم عندهم لا يساميها شيء فبهذا الإيمان الصادق استعذبوا العذاب وتخلوا عن محبوباتهم طلباً لمرضاة محبوبهم جادوا بالنفيس قبل الرخيص فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحبُ أمواله إليه بَيْرُحَاءَ وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن الله تبارك وتعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بَيْرُحَاءَ وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخٍ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقَسَمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه" رواه البخاري ومسلم.
أهل القدوة السابقون يتابعون النبي في كل شيء في دقيق الأمور وجليلها لاينتظرون من النبي أمراً ثم يناقشونه هل هذا واجب فنفعله أوسنة فنتركه بل يبادرون بمتابعة النبي على كل حال فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بهم فيخلع نعليه وهو في صلاته فيخلع الصحابة نعالهم فلما انصرف قال لم خلعتم نعالكم فقالوا يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا قال إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثاً فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما" رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
لشغفهم بمتابعة النبي أحبوا ما يحب النبي من الأشياء التي لا يظهر فيها قصد القربة والتعبد إنما أحبها النبي وفعلها بمقتضى بشريته فقد دعا خياط رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس:" فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يتتبع الدباء من حوالي القصعة قال أنس: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ" رواه البخاري ومسلم .
وقيل لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " رأيتك تلبس النعال السِّبْتِيَّة! فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها" رواه البخاري ومسلم.
فهؤلاء سلف الأمة و صالحيها علمهم وعملهم من مشكاة النبوة فهم القدوة بعد نبينا (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90]وليس في هذا تقليلاً لمعاصرينا فلا تخلو هذه الأمة من القدوة في العلم والعمل فهذه الأمة مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره.