البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

القرآن المعجزة الخالدة

العربية

المؤلف عبدالرحمن بن فهد الودعان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. قصة تشير لإعجاز القرآن العلمي .
  2. خلود معجزة القرآن الكريم .
  3. من ألوان إعجاز القرآن الكريم .
  4. إعجاز القرآن العلمي كان سبب إسلام كثيرين .
  5. من إعجاز القرآن العلمي .
  6. دعوة لتعريف الناس بالقرآن الكريم المعجز .

اقتباس

في أحد المؤتمرات الإسلامية حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يقوم أحد كبار العلماء الأوربيين، رئيس جمعية علماء النفس في بريطانيا، ورئيس قسم الكهرباء في جامعة سيتي بندن، يقوم قائلا أمام علماء المسلمين: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أنا لم أعرف الإسلام معرفة حقيقية إلا هذا الأسبوع، أسبوع المؤتمر، ما كنت أتصور أن في الإسلام كلَّ هذا الإعجاز، وهذه الحقائق، وهذه الأنوار ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

عباد الله: بينما كان ذلك الشاب الأوربي يتابع أحد البرامج الإعلامية على الشاشة الصغيرة؛ لفت انتباهَه مقابلةٌ تلفزيونية يجريها أحد الإعلاميين مع ثلاثة من علماء ورواد فضاء أمريكيين، والمذيع يجادلهم حول الإنفاق على تجارب الصعود إلى القمر، والملايين المهدرة في الإنفاق عليه، يقول لهم: أيُّ سفَهٍ هذا؟! مئات الملايين من أجل أن تضعوا العَلَمَ الأمريكي على سطح القمر؟! فقال له الرواد الثلاثة: لم يكن هذا هو الهدف، لقد كنا ندرس التركيب الداخلي لسطح القمر، لقد وجدنا حقيقة لو أنفقنا فيها أضعاف هذه الملايين لإقناع الناس بها ما صدَّقَنا أحد!.

فقال: وما هذه الحقيقة؟ قالوا: هذا القمر قد انشقَّ في يوم من الأيام ثم التحم! قال: كيف علمتم ذلك؟ قالوا: وجدنا حِزامًا من الصخور المتحولة يقطع القمر مِن سطحه إلى جوفه، فاستشرنا علماءَ الأرض، علماءَ الجيولوجيا، فقالوا: لا يمكن أن يكون هذا قد حدث إلا إذا انشق القمر ثم التحم. وهنا يقفز الشاب الأوربي من على كرسيِّهِ وهو يصيح: معجزةٌ تحدثُ لمحمد -صلى الله عليه وسلم- قبل 1400 سنة يسخِّرُ الله الأمريكيين لينفقوا مئات الملايين لإثباتها! إذًا، هذا الدينُ الإسلاميُّ حقٌّ.

وتذكَّر الشاب البريطاني ذلك الكتاب الذي أهداه له أحد الشباب المسلم فيه ترجمة للقرآن الكريم، وكان أول ما قرأ فيه تفسير قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر) [القمر:1]، قال: فقلتُ: هل يعقل هذا الكلام؟ ينشق القمر ويلتحم؟ هذه خرافة، فصدَّه ذلك عن قراءة الكتاب، وعن الدخول في الإسلام، وها هو الآن يسمع إثبات ذلك مادِّيًا وعيانا فيقوده ذلك ليعلن: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وليصبح بعد ذلك داعيا إلى الله تعالى في بلده، بل إنه رئيسٌ لأحد المراكز الإسلامية في بريطانيا.

فنستمع إلى أصل هذه المعجزة المتجدِّدَةِ التي سجلها الله تعالى في كتابه الكريم الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42]، يحدثنا عن ذلك الصحابيّ الكبير والإمام الجليل المحدث الفقيه عبد الله بن مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- فيقول: انْشَقَّ الْقَمَرُ على عَهْدِ رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَة فَوْقَ الْجَبَلِ وَفِرْقَة دُونَهُ، فقال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اشْهَدُوا" رواه البخاري ومسلم، ويقول أَنَسٌ -رضي الله عنه-: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ. رواه البخاري ومسلم.

عباد الله: لو سأل سائل عن معجزات نبي الله موسى لقيل له: لقد أعطي من الآيات ما رآه قومه في زمانه فآمن من آمن وكفر من كفر، أعطي العصا وغيرها من المعجزات، وأعطي عيسى -عليه السلام- معجزة إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغيرها من الآيات الدالة على نبوته -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لو قيل اليوم للنصراني أو اليهودي: أين معجزة نبيكم نريد أن نراها اليوم؟ لكان جوابهم: ليس لكم إلا السماع بها ولا يمكن أن تروها، لقد انتهت المعجزة منذ مئات أو آلاف السنين.

ولكن لو سئل المسلم اليوم عن معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبرى لأمكنه أن يقول: هذه هي معجزته، وهذه هي آيته الكبرى: القرآن الكريم. (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41-42]، وهذا مصداق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إلا أُعْطِيَ ما مِثْلهُ آمَنَ عليه الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كان الذي أوتيته وَحْيًا أَوْحَاهُ الله إلي، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يوم الْقِيَامَة" رواه البخاري ومسلم.

ومصداق قوله تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام:19].

وما هذا إلا لأن دين محمد -صلى الله عليه وسلم- باق إلى يوم القيامة، وهو حجة على الناس أجمعين، ولا تزال هذه الآية الكبرى يؤمن بسببها الملايين من الناس، على تنوع عظيم في إعجاز هذا الكتاب الكريم، فهذا إعجازه اللغوي البياني الذي لا يزال مفعوله العظيم وأثره إلى يومنا هذا، وإن كان قد قل أثره بسبب بُعد الناس عن الفصاحة، لكن لا يزال أثره كبيرا ومؤثرا حتى على بعض العجم، حيث يتذوقون حلاوته ويتأثرون به مع عدم فهمهم لشيء من معانيه العظيمة!.

وهذا إعجازه في الشفاء لا زال مؤثرا على كثير من الناس: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً) [الإسراء:82].

يا أهل القرآن: إن من أنواع إعجاز هذا الكتاب الكريم: الإخبارُ بكثير من العلوم التي سبق بها علماء الأرض في الطب، وخلق الإنسان، وفي الفلك والأكوان، وفي غير هذا ، يقول الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ) [فصلت:52-54].

في أحد المؤتمرات الإسلامية حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يقوم أحد كبار العلماء الأوربيين، رئيس جمعية علماء النفس في بريطانيا، ورئيس قسم الكهرباء في جامعة سيتي بندن، يقوم قائلا أمام علماء المسلمين: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أنا لم أعرف الإسلام معرفة حقيقية إلا هذا الأسبوع، أسبوع المؤتمر، ما كنت أتصور أن في الإسلام كلَّ هذا الإعجاز وهذه الحقائق وهذه الأنوار، إن هذا يشهد لي أن هذا الكتاب من عند الله، وأن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ومن أنواع إعجاز القرآن ما أخبر به من الشفاء في عسل النحل: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:69].

فالعسل شفاء من أمراض كثيرة، بل له أثر في عامة الأمراض، وبخاصة مع الحبة السوداء، فالعسل قاتل للجراثيم، ويمنع نمو البكتريا، بل يؤدي إلى قتلها فورا، وهو مضادٌّ للعفونة، فيمكن أن يبقى آلاف السنين دون أن يصيبه أيُّ تلفٍ أو فسادٍ إذا أُحسِن تخزينه، فهو لا يَفسد حتى لو تعرض لكل أنواع الميكروبات.

وفي تجاربَ مُخْتَبَرِيَّة متعددة مِن علماءَ مصريين، وفي جامعات غربية متعددة في كُلُورَادُو وواشنطن وكندا وغيرها أُحضرت أنواعٌ الميكروبات المسببةِ للأمراض مثل: التيفود، والدوزنطاريا، والسِّلّ، وزُرعت في عسل النحل، فوُجد أنها ماتت جميعا، منها ما هلك خلال خمس ساعات، ومنها ما بقي عشرَ ساعات، ومنها ما هلك خلال أربع وعشرين ساعة، وأعلاها مقاومة بقي لمدة أربعة أيام فقط.

حقًّا إن العسل كما قيل: (مقبرةٌ حقيقيةٌ للميكروبات)، كما إن العسل سبب في التئام الجروح المستعصية، واندمال الحروق، وللشفاء من أمراض كثيرة بإذن الله تعالى.

أيها المؤمنون بالقرآن: ومن إعجاز القرآن الكريم ما أخبر الله تعالى به من أن مرا كز الإحساس وغيره تتركز في الجلد، وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء:56]، لقد كان المعتقد أن الإحساس من صفات الجسد بكل أجزائه، وأنه متساو في درجة إحساسه بالأشياء، لكن علم التشريح الحديث جاء بحقيقة جديدة كان الناس يجهلونها هي: أن مرا كز الإحساس وغيره إنما تتركز بالجلد بكمية كبيرة، حتى إن الإنسان لا يشعر بألم وخز الإبرة إذا أدخلت في جسمه إلا عند دخولها منطقة الجلد فقط، والقرآن الكريم يذكر هذه الحقيقة قبل علماء التشريح في القرن العشرين.

أي أن الإحساس بالألم والعذاب يتركز في جلودهم، فإذا نضجت استراحوا من عذاب النار، لكن العليم الخبير بخلقه يعلم ذلك، ويخبرنا به قبل أن نعرفه، ويقول إنه سيبدلهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب. فهل كان لمحمد -صلى الله عليه وسلم- أجهزة تشريحية خاصة به من دون الناس؟! أم أن هذه آية من آيات صدق نبوته -صلى الله عليه وسلم-.

ووقف البروفيسور تاجانات تاجاسون بعد استماعه ومناقشاته لمحاضرات الشيخ عبد المجيد الزنداني وهو يقول: في السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت مهتمًّا بالقرآن الكريم الذي أعطاه لي الشيخ عبد المجيد الزنداني أثناء محاضراته عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وفي السنة الماضية اطلعت على محاضرات البروفيسور كيث مور والشيخ الزنداني الذي طلب مني ترجمتها إلى اللغة التايلاندية، وإني أؤمن أن كل شيء ذكر في القرآن منذ 1400 سنة لا بد وأن يكون صحيحا، ويمكن إثباته بالوسائل العلمية.

وحيث إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يقرأ أو يكتب فلا بد أنه جاء بهذا الدين من الله، وتلقاه بواسطة الوحي من الخالق العليم، ولذا فإني أعتقد أنه قد حان الوقت لكي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. إن أثمن شيء اكتسبته هو اعتناق هذه العقيدة، ولقد أصبحت مسلما والحمد لله.

قال يحيى بن أكثم رحمه الله تعالى: كان للمأمون، وهو أمير إذ ذاك، مجلس نظر، فدخل في مجلسهِ رجلٌ يهودي حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام، قال: فلما أن تقوَّض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم. قال له: أسلِم حتى افعل بك وأصنع، ووعده، فقال: ديني ودين آبائي، فانصرف.

فلما كان بعد سنةٍ جاءنا مسلمًا، قال: فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما أن تقوَّض المجلس دعاه المأمون فقال له: ألست صاحبَنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سبب إسلامك؟.

قال: انصرفت مِن حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنا مع ما تراني حَسَنُ الخطِّ، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتُرِيَت مني. وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتُريت مني.

وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها إلى الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رمَوا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.

قال يحيى بن أكثم: فحَجَجْتُ في تلك السنة فلقيت سفيانَ بنَ عيينة فذكرت له الحديث، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل، قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قول الله -عز وجل- في التوراة والإنجيل: (بما استحفظوا من كتاب الله) [المائدة:44]، فجعل حِفظهُ إليهم فضاع، وقال عز وجل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر:9]، فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضِعْ .

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: عباد الله: ونحن نتلو كتاب الله تعالى لا بد أن نتأمله ونتدبره ونتعرف على معانيه الجليلة، قال الله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُها) [محمد:24]، فأخبر أن الذي لا يتدبر القرآن ولا يتعرف على معانيه كالمقفَل قلبُه، وفي هذا دلالة على بعده عن ربه -جل وعلا-، والمؤمن قريب من الله، قريب من كتابه، قريب من كلامه، يقرؤه ويتفهم معانيه الجليلة.

يا أهل القرآن: يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:125]، في هذه الآية الكريمة لونٌ من ألوان الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى؛ فقد اكتشف الطيارون الذين يحلِّقون على ارتفاعات عالية أنهم يعانون من ضيق يجدونه في صدورهم يزداد كلما صعِدوا في السماء حتى يصل إلى درجة الاختناق, وذلك بسبب تناقص (الأكسجين) عن الكمية اللازمة كلما ازداد الإنسان ارتفاعا في السماء.

هذه الحقيقة لم تكن معروفة من قبل، إذ إن الناس كانوا يعتقدون أن الهواء يمتد بصفاته المعروفة إلى الكواكب والنجوم، لكن القرآن ذكر هذه الحقيقة قبل أن يعرفها البشر جميعا منذ ما يقرب من أربة عشر قرنا من الزمان، إذ قال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:125].

أي: من استحق أن يضله الله بأعماله السيئة، ومحاربته للدين، جعل الله صدره يضيق بالموعظة، أو بما يذكِّره بالإسلام كضيق ذلك الذي يصعَد في السماء، والبشر كلهم كانوا يجهلون هذه الحقيقة وهي حقيقة حدوث الضيق الشديد لِمَن يصعد في السماء، ولم تعرف هذه الحقيقة إلا بعد أن صعِد الإنسان بالطائرات إلى السماء، فهل كان لمحمد-صلى الله عليه وسلم- طائرة خاصة به من دون الناس فعرف بها هذه الحقيقة؟! أم إن هذا وحي نزل بعلم الله؟!.

عباد الله: حقٌّ علينا أن ندعوَ الناس إلى دين الله تعالى مِن خلال تعريفهم بما في القرآن الكريم مِن الآيات البيِّنات الدالة على صدق نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن صورها ما ذكرناه آنفا من صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم التي أذعن لها جهابذة علماء العالم في أنواع العلوم التجريبية والكونية، وكل مسلم عليه أن يبلِّغ دعوة الله تعالى بقدر استطاعته، قال الله تعالى: (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108]، وكلنا أتباعُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- .

اللهم ....