العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فنعمة النوم نعمة رحِمَ الله بها الخَلق، ففيها راحة الأبدان، وسكون الجوارح، وهدوء النفس، ولا يعلم قدر هذه النعمة ولا يتصورها حق التصور إلا من أصيب بقلق نومي، أو بأمراض، أو توالت عليه همومٌ وغمومٌ كدَّرَت صفو حياته، وأذهبت راحة، نومه فهناك يعلم قدر هذه النعمة ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن لله علينا نِعماً عظيمةً لا نستطيع حصرها وعدَّها، نِعمٌ نتقلب فيها صباح ومساء، لا غنى لنا بنعمة منها طرفة عين، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].
ومن تلكم النعم نعمة نتلبس بها في حياتنا كل يوم ونحن عنها غافلون، وعن تدبُّر وتعقُّل معانيها والاعتبار معرضون، من تلكم النعم نعمة النوم، فنعمة النوم نعمة رحِمَ الله بها الخَلق، ففيها راحة الأبدان، وسكون الجوارح، وهدوء النفس، ولا يعلم قدر هذه النعمة ولا يتصورها حق التصور إلا من أصيب بقلق نومي، أو بأمراض، أو توالت عليه همومٌ وغمومٌ كدَّرَت صفو حياته، وأذهبت راحة، نومه فهناك يعلم قدر هذه النعمة.
والله -جل وعلا- إذ أنعم بهذه النعمة ذكّر بها العباد أولاً ليشكروه عليها، وليعتبروا ويتعظوا، (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم:23]. والله -جل وعلا- جعل الليل سكوناً وهدوءاً للنوم، وجعل النهار مبصراً للحركة وانتشار الناس.
وهو -جل وعلا- قادرٌ أن يجعل الكُل ليلاً أو الكل نهاراً، لكن رحم الله عباده فداول بينهم الليل والنهار؛ لتقوم معايشهم، ويشكروا الله على هذه النعمة: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص:71-73].
أيها المسلم: والله -جل وعلا- يتوفى الأنفس عند منامها، فإن أراد -جل وعلا- فسح الأجل أعادها إلى الحياة، وإلا أمسكها عنده: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر:42].
أيها المسلم: وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- للنوم آدابا، تلك الآداب للنوم إذا طبقها المسلم قويت صلته بربه فأصبح دائماً مع ربه في يقظته ومنامه؛ لأن الأذكار حصنٌ للمسلم من كل البلاء، حصنٌ له الإكثار من ذكر الله.
فالأذكار عند النوم والأذكار عند اليقظة منه، والأذكار عند الطعام والشراب ودخول المسجد والخروج منه، ودخول المنزل والخروج منه، كل هذه الأذكار متى حافظ عليها المسلم قويت صلته وثقته بربه، وأصبح دائماً على صلة بربه، يعلم كمال ضروريته وحاجته لربه، وأنه محتاج إلى ربه في كل أحواله، لا غنى له به عنه طرفة عين، هكذا المؤمن الحق.
فمن آداب النوم التي شرعها -صلى الله عليه وسلم- أنه كان من هديه الحث على التبكير بالنوم، فكان إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه إلا أن تكون له حاجة للمسلمين يسهر مع أبي بكر وعمر في مصالح الأمة، قال جابر بن عبد الله لمّا ذكر العشاء وأن النبي كان أحياناً يبكرها إذا رآهم اجتمعوا عجّل، وإذا رآهم تأخروا تأخّر، قال وكان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعد العشاء. قال العلماء: كراهية النوم قبل العشاء خوفاً من فوات العشاء، وكراهية الحديث بعد العشاء خوفاً من التكاسل عن صلاة الفجر.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يحث على النوم على طهارة فيقول: "إذا آويت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة"، ونهى المسلم أن ينام على مكان ليس له حاجز؛ خوفاً من سقوطه منه، فقال: "مَن نام على سطح ليس له حجر فمات فإنه قد برئت منه الذمة".
وكان -صلى الله عليه وسلم- ينام أحياناً على شقه الأيمن فيضع خده الأيمن على يده اليمنى ويقول: "بسم الله وضعت وجنبي بسم الله أرفعه، إن قبضتَّ روحي فارحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
ونهى -صلى الله عليه وسلم- المسلم أن ينام وفي يديه أثر الطعام خوفاً من أن يصيبه شيء فقال: "مَن نام وفي يده غمرٌ فأصابه شيء فلا يلومنَّ إلا نفسه".
وكان -صلى الله عليه وسلم- يرشد المسلم إلى أذكار يقولها عند منامه؛ لتكون هذه الأذكار مسلية له، مذهبة همومه وغمومه، مبعدة للشيطان عنه.
فأولاً شرع للمسلم أن يقرأ على فراشه آية الكرسي فقال: "من قرأ آية الكرسي كل ليلة لا يزال عليه من الله حافظ، ولا يقربه الشيطان حتى يصبح"، وأرشد أيضاً إلى قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة:285]، إلى آخرها، وقال: "مَن قرأ الآيتين من أواخر سورة البقرة في ليلة كَفَتَاهُ"، أي: كفتاه من السوء، قال علي -رضي الله عنه-: ما كنتُ أظنُّ أن شخصاً يعجز عن قراءة هذه الآيات من أواخر سورة البقرة كل ليلة.
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه فقرأ فيهما قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرأ هذه السور الثلاث ثم يمسح بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا آوى إلى فراشه قال: "بسم الله، اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت".
وأرشد علياً وفاطمة ابنته أن يقرءا عند منامهما سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين، وقال لهما: "هذه خير لكما من خادم"، فأرشدهما إلى التسبيح والتحميد والتكبير عند النوم. كل هذه الأذكار تعالج مصائب النوم، وتجعل المسلم ينام على ذكر وعلى عمل صالح.
ومن آداب النوم نية المسلم قيامَه آخر الليل، فإنه إذا نام وعزيمته أن يقوم لله ما تيسر من آخر الليل فتلك نعمة عظيمة، وفضل من الله على المسلم.
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ من منامه ذكر الله -جل وعلا- فقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، ويقرأ العشر الآيات من سورة آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [آل عمران:190]، إلى آخرها.
وكان يقول: "الحمد لله الذي رد إلي روحي، وعافاني في جسدي، وأذِن لي بذِكْرِهِ" وربما قال: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور"، وكان ربما قال "الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر"، وأخبر أن من قالها إذا استيقظ من منامه ثم دعا اسُتجيب له، وإن توضأ وصلى تُقبلت صلاته. أيها المسلم، هذه الأذكار عند النوم وعند اليقظة تحصنك من تلاعب الشيطان بك، وتحفظك من مكائد الشيطان.
إن هناك أشياء تنغص على النائم نومه وتكدر عليه صفو نومه، ألا وهي الرؤى، ألا وهي الأحلام المزعجة، والرؤى المكدرة التي تقض مضاجع العبد، وتكدر حياته، وتجعله بعد يقظته من نومه في هَمٍّ وحزن مما رأى مما شاهد في منامه.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- عالج هذه القضية للمسلم، وأرشدنا إلى العلاج النافع الذي نتقي به شر هذه الأحلام المزعجة، والرؤى المكدرة لصفو نومنا وحياتنا، فأخبرنا -صلى الله عليه وسلم- أن الرؤى على أقسام: منها رؤى صالحة التي يراها أو تُرى له، قال الله -جل وعلا-: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [يونس:62-64]، فُسرت البشرى بالرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له.
ورؤيا المنام حق، لا سيما الأنبياء، كما أخبر الله عن إبراهيم وعن يوسف -عليهما السلام- وكما وقع لنبينا -صلى الله عليه وسلم- حينما أُري في المنام مَن سحَرَه، والمكان الذي سُحر فيه صلوات الله وسلامه عليه.
وهناك رؤىً مما يُحزن بها الشيطان المسلم فلا يلتفت إليها، وهناك رؤىً مما يعرض له من أحاديث نفسه فيتصورها في المنام وهي لا حقيقة لها، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إذا رأينا في منامنا أمراً يسرنا أن نحمد الله على هذه النعمة، ونشكره على هذا الفضل، ولا نخبر بها إلا مَن نُحِبُّ، إلا مَن يُحبنا ونعلم أنه يحب الخير لنا.
وإذا رأينا في منامنا ما يزعجنا ويكدر نفوسنا ويقض مضاجعنا إذا رأينا ذلك فعلينا أولاً أن نتفل عن يسارنا ثلاث مرات، ونتحول من النوم من جنب إلى آخر، ثم نستعيذ بالله من الشيطان، ونستعيذ بالله من شرها، ثم نكتمها ولا نحدث بها أحداً، ثم إن تكررت فلْتَقُمْ ولتصلِ لله ليُذْهِبَ الله عنك تلك الرؤى المخيفة، ولا تقيم لها وزناً، ولا تهتم بها.
ولا تعلق على الرؤى أمراً؛ ليس لأن الرؤى لا يبنى عليها أحكام، ولا يقام لها أحكام، ولا تحدد بها أشياء، إنما كثير منها مجرد أوهام، فالمؤمن لا يهتم بذلك، إن رأى ما يسره حمد الله وأثنى عليه وكتم تلك الرؤيا، وكما قال يعقوب لابنه: (لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) [يوسف:5].
وإن رأيت ما يسوؤك فتحول من جنب إلى جنب، إن كنت نائماً على جنبك الأيمن فتحول أو العكس، ثم استعذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وابصق عن يسارك ثلاث مرات، ولا تخبر بها أحداً، واكتمها وكأن شيئاً ما كان، فإن ذلك أسلم لنفسك، وأحفظ لنومك.
جاء رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: رأيت في النوم كأن رأسي ضُرب فتدحرج فتبعتُه. فقال: "لا تخبر الناس بتلاعب الشيطان بك"، هكذا السنة للمسلم، فإذا طبق هذه السنة ارتاح، وارتاح بالُه، واطمأنَّتْ نفسُه، أما إذا علق على هذا الأمل، وأصبح منزعجاً يبحث عمَّن يعبر ومن يفسر، وربما وقع في يد انسان لا علم عنده ولا بصيرة فعبرها بغير واقع، أو ربما عبرها بالواقع، والرؤيا على طرفي جناح طائر، متى عُبِّرَتْ وقعَت، ومتى أخفيت ونُسيت فإنها لا تؤثر شيئا ولا تضر المسلم في أمر دينه ودنياه.
فعلينا أن نحافظ على الأذكار المشروعة التي تحفظنا في يقظتنا ومنامنا، فكل الأذكار المشروعة متى تعلمها المسلم وحفظها وتلاها واعتاد على ذلك صار في راحة وهدوء، أسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [الأنفال:20-21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
أيها المسلم، إياك أن تدّعي الرؤيا وأنت لم تَرَ تلك الرؤيا؛ فإن الكذب فيها حرام، و"مَن تحلَّم حلماً ولم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل".
أيها الإخوة: للأسف الشديد! إن هناك لِتعبير الرؤى طرقاً أُحدثت، وقنوات ومواقع الكترونية أصبحت تهتم بالرؤى، وأصبح هناك من يدَّعي التعبير وليس له أهلية التعبير؛ فالرؤيا شيء وتعبيره شيء آخر!.
هناك قنوات خاصة يتصل بها مَن يتصل، ويذكر رؤاه وأحلامه، ويأتي مَن يفسر، وكلها تعتمد على المادة، يدفع هذا الرائي مبلغاً يتقاسمه المعبر والقنوات والاتصالات بينهم، فأصبحت تجارة تروج، ومكاسب، والحقيقة أن كثيراً منها مزعج، وكثيراً منها مؤذٍ، فربما وقع طلاق بين الزوجين، وربما انهدم البيت، وتفرقت الأسرة، وتقاطع الأرحام؛ بأسباب أولئك المعبرين الذين لا يحسنون ما يعبرون، ولا يتقون الله فيما يقولون.
المؤمن لا يُحزِن أخاه، إن عرَض عليه رؤاه ورآها حقاً أرشده للحق، وإن رآها غير ذلك نصحه بنصيحة عامة وهدَّأه، ولا يعبر أمراً ربما يقع في محذور؛ فإن هؤلاء المعبرين كثير منهم لا علم عندهم، إنما هي صناعة تجارة، مكاسب من وراء تلك التعبيرات الخاطئة، يتصدى لها من لا يحسن التعبير.
إن التعبير علم لا شك فيه، كما قال الله عن يوسف: (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) [يوسف:6]، وقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) [يوسف:101]، إلى آخر الآيات، فهو علم؛ لكن المصيبة أن يدَّعيها مَن لا يحسنها، ويدعيها من لا يفهمها، ولا عناية له بمعرفتها، ولا خبرة له بها، وإنما مكاسب مالية.
ربما عبَّر الرؤيا في شق والتعبير في شق آخر، يخضع التعبير إلى المصالح المادية، فربما أغرى شخص بأمور وربما ثبطه عن أمور على حسب ما يعطى، فإن أعطي كثيراً عبر بما يظن أنه يسر هذا الإنسان، وإن أعطي قليلاً عدل بها إلى موضع آخر، فكونها تتخذ في القنوات والمواقع بهذا الشكل المزري هذا أمر لا يصلح.
ولا ينبغي أن يتصدى لكل علم إلا مَن يحسنه، فالمعبرون حقاً مَن يتقون الله فيما يعبرون، ولا يسببون بالتعبير ازعاجاً ولا إضراراً بالناس ولا ايذاءً لهم، ألا ترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي: "لا تخبر الناس بتلاعب الشيطان بك"؛ لكي يمنعه عن البحث عن التعبير؟ إياك -أخي- أن تبحث عن مَن يُعبِّر، إن رأيت خيراً فاحمد الله فإنها ما بين بشرى خير وتحذير من شر، وإياك أن تتبع هؤلاء المعبرين فيوقعونك في حرج ومشاكل وهموم وغموم لا يعلمها إلا الله، أسأل الله للجميع التوفيق والسداد في الأقوال والأعمال.
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبدالله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربُّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين الأئمةِ المَهدِيِّين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُرْ عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم كن له عوناً ونصيراً في كل ما أهمه، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك يا رب العالمين، واجعله بركة على أمته وعلى المسلمين أجمعين، اللهم وفق ولي عهده سلطان بن عبد العزيز لكل خير، وأمده بالصحة والسلامة والعافية، ووفق النائب الثاني واجعله موفقاً في مسؤوليته، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلِحْ ولاة أمر المسلمين، واجمع كلمتهم على طاعتك، وأعِذْهم مِن مُضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (ربَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.