الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | محمد بن مصلح بن هاشل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
الإنسان الأنانيّ يمثِّل حالة مرَضية في الحياة الاجتماعية؛ ولذا عملت التربية الإسلامية على تحرير الإنسان من الأثَرة، وتصحيح سلوكه على أساس توازن العلاقة بينه وبين الآخرين; لتتوازن الحياة الاجتماعية، وكم هو دقيقٌ الحديثُ النبوي الذي قاله -عليه الصلاة والسلام- كأساس لبناء السلوك: "لا يؤمن أحدكم حتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله: أوصيكم ونفسي -هذه المقصِّرة- بتقوى الله، فتزودوا؛ فإن خير الزاد التقوى.
عباد الله: عنوان هذه الخطبة "الأثَرة واللامبالاة"
لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلادٌ بِأَهْلِهَا | ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تَضِيقُ |
إنَّ للأثرةِ مظاهرَ عديدةً تتجسد في سلوك الإنسان وأوضاعه الفردية والاجتماعية، أذكر أبرزها: أما أولها فالتفرُّد بالرأي، فهو أبرز مظاهر الأثرة، الرغبة العارمة في الاستحواذ على الأعمال والمصالح والمنافع ومجالات الظهور الاجتماعي، والعمل على إلغاء الآخرين، أو تحجيم حركتهم، واعتبار مَن يعمل معه خطراً عليه، وليس مكملاً لجهده ونشاطه.
ومن مظاهر الأثرة فرضُ الرأي الفردي على الآخرين، ومصادرة آرائهم، انطلاقا من فهم خاطئ لنفسه ورأيه، فيسوقه هذا الفهم إلى عدم احترام الرأي الأخر، وإقناع نفسه بأن الآخرين ليس بوسعهم أن يفكروا أو يخططوا أو يرتقوا مستوى تفكيره، وعندما تتشرنق هذه العناصر حول نفسها تتحوّل إلى مشكلة داخل النشاط الجمعي، فتنتهي بالعمل إلى الإعاقة، أو التمزيق والانشطار، أو الانحلال.
إن الأنا الفرديَّ عالَمٌ قائم بذاته، بأحاسيسه ومشاعره، لذّاته وآلامه، أفراحه وأتراحه، حبّه وبغضه، مصالحه ومضارّه، يتحرّك الأنا وكأنّه وحيد في عالم الموجودات، لا شيء غيره، بل لا يريد أن يرى أحداً ينافسه في شيء، بل ويسعى إلى أن لا يشاركه أحد، لو استطاع أن يقبض على الأرض وما حَوَت، والفضاء وما اشتمل عليه لفعل.
الأثرة استغراق مرَضيٌّ في حبّ الذات، يعبر الإنسان المصاب بمرض الأنا أو الأنانية أو الأثرة عن هذا الشعور بطرق شتّى، وبأنماط متعددة من السلوك، كالاستئثار بالمال، وكالحسد، والحقد، وحرمان الآخرين، ووضع العقبات أمامهم؛ لئلاّ يتقدّموا في الحياة.
الإنسان الأنانيّ يمثِّل حالة مرَضية في الحياة الاجتماعية؛ ولذا عملت التربية الإسلامية على تحرير الإنسان من الأثَرة، وتصحيح سلوكه على أساس توازن العلاقة بينه وبين الآخرين; لتتوازن الحياة الاجتماعية، وكم هو دقيقٌ الحديثُ النبوي الذي قاله -عليه الصلاة والسلام- كأساس لبناء السلوك: "لا يؤمن أحدكم حتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
إن هذا الحديث يقوم على أساس عقيدي وإيماني، فالإيمان الحقيقي لا يتحقّق في حياة الإنسان إلاّ إذا أحب للآخَرين ما يُحب لنفسه، وكره لهم ما يكره لها، عندئذ يتحرّر من الأثرة وعبادة الذات، ويفكِّر في مصلحة الجماعة، ويندمج معها، وتتوازن في نفسه وعقيدته وسلوكه مصلحة الذات مع مصلحة الآخرين.
ولا تقف التربية الإسلامية والسلوكية الإيمانية إلى حدّ الموازنة بين مصالح الذات ومصالح الآخرين، بل وتتسامى الدعوة الأخلاقية في الإسلام إلى أن يتربى الإنسان على الإيثار.
من مظاهر الأثرة أو الأنانية "الجشع المادي"، فنلاحظ مظاهر الأنانية في الحياة الاقتصادية، تتجسّد في سلوك ذلك الإنسان الجشع المستأثر عندما يحتكر الطعام والدواء والسلع التي يحتاج الناس إليها ليضطرّهم إلى رفع الأسعار وامتصاص دمائهم، أو عندما يقرِّر المستوى المتدنِّي من الاُجور للعاملين معه، والتابعين لأعماله ومشاريعه.
انّه إنسان يعاني من عقدة مرضية تدفعه نحو هذه الممارسة العدوانية على قوت الناس وجهودهم وضرورات حياتهم، لذا حرّم الإسلام الاحتكار، وألزم السلطة بإجبار المحتكر على البيع بأسعار معقولة اقتصادياً ليحمي المجتمع من شرور هذه العقدة الأنانية، وأمر بالعدل، وان لا يبخس الناس أشياءهم، فيعطى العامل والمنتج الذي يقدِّم الخدمات ما يناسب جهده وقيمة عمله.
ومن دوافع الهدم الأناني هو الحسد، فالحسود لا يستطيع أن يرى الآخَرين وقد تفوّقوا عليه في موقعهم الاجتماعي أو الفكري أو السياسي أو المادي، أو أن يجري الخير على أيديهم، فيُقبل الناس على ما عندهم من عمل ونشاط، أو تكون لهم نشاطات وكفاءات متفوّقة عليه، لاسيما إذا كان له عمل ونشاط مماثل، ويلجأ هذا الصنف من مرضى النفوس إلى سلوكية سلبية عدوانية، يلجؤون إلى الهدم والانتقام والتخريب بدافع الأنانية والحسد.
فهو بدلاً من أن يتّخذ أسلوب المنافسة المشروعة، ويعمل على بناء نفسه، وتوظيف جهده البنّاء، يدخل في عملية هدم وانتقام من الآخرين، وإعاقة مشروعهم وجهدهم بشتّى الوسائل والأساليب، من انتقاص قيمة عملهم، والتأليب عليهم، والطعن في نزاهتهم، إلى آخر ذلك من التّرّهات.
وبهذا الاتّجاه السلبي يكرِّس جهده في صراع ضدّ الآخرين، سواء أكان يعمل ضمن جماعة أو مؤسّسة أو مشروع جماعي، أو كان منفرداً أو خارج ذلك النشاط، وقد ساق القرآن قصّة ابني آدم مثلاً مروّعاً للحسد والأنانيـة، وروح الانتقام من الآخرين لنجاح أعمالهم ومشاريعهم التي يقومون بها، حتى ولو كانت عبادة! فمِن خلال الحوار الذي دار بينهما تتجسّد نفسية الحسود الحاقد على الآخرين، الذي لا يطيق رؤية غيره، وقد أدّى عملاً ناجحاً، أو حقق موقعاً اجتماعياً متفوّقاً عليه.
لذلك حرص القرآن على أن يتلو هذه الحادثة المعبّرة عن أسوأ وضع سلبي هدّام على مسامع البشرية عبر أجيالها المتعاقبة؛ لتكون عبرة وعظة وموعظة لأولي الألباب، قال تعالى في كتابه الكريم، مخاطباً نبيّه الكريم:
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:27-30].
هـكذا ينتهي مشهد الصراع بين أخَـوَين عاشا طيلة حياتهما مترافقين، نهاية مُروِّعة، لا لشيء إلاّ لأنّ أحدهما تُقُبِّل عمله، ونجح في فعله، ولم يتقبّل من الآخر، ولم ينجح في عمله؛ لسوء فعله وسريرته!.
لقد انتهى الموقف إلى القتل والانتقام، فلم يكن الحسود ليطيق رؤية أشخاص وأعمال وأنشطة متفوّقة عليه، ولم يتعامل مع الموقف بطريقة ايجابية بنّاءة، بأن يفكِّر في إصلاح نفسه، أو أن يحسِّن عمله، فيتحقّق النجاح لجهده ومشروعه، بل انطلق من دوافع الهدم والسلبية، والتفكير في القضاء على صاحب المشروع والعمل المعوِّق، فانتقم منه بالقتل.
انّها جريمة الإنسان الاُولى على هذه الأرض، تحكي قصّة الأناني الحسود، وتصوّر طبيعة العدواني الهدّام؛ إنّ هذا الصنف من السلوك ينطبق على فاعله قول الله تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة * وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) [النساء:53-55].
من مظاهر الأثرة والأنانية غيرة المرأة غير الطبيعية، فهذه من مظاهر الأنانية الهدّامة التي تحوّل حياتها وحياة الزوج والاُسرة إلى جحيم لا يطاق، فهي تريد أن يكون زوجها ملكاً لها، إنّها تغار من صلته الحَسَنة مع اُمّه وأرحامه وإخوانه، وتعتبر ذلك مضايقة لعلاقتها به، فهي تريد منه أن يقطع أو يقلص علاقته مع الناس جميعاً، ولا يحسن إلى أحد من الرجال والنساء، لا سـيما مَن تتصوّر أ نّها ستكون زوجة له.
ولذلك تراها تحاسـبه على تأخّره عن الوصول في الوقت المألوف، وعلى مساعدته وإحسانه للآخرين، وتراقب حركاته، وتواجهه بحساسية مفرطة من أن تكون له اهتمامات بالآخرين من الرجال والنساء، حتّى ولو كانت تلك النساء اُمّه أو خالته أو أخواته أو ذوي رحمه. وكم تتسبّب الغيرة تلك بهدم الحياة الأسرية، وتعكير صفو العلاقة الزوجية! لذا اعتبر الإسلام حُسن تعامل الزوجة مع زوجها، وانتصارها على تلك الحساسية المرضية جهاداً.
نعم عباد الله: إنها الأنانية التي تصنعها القلوب البليدة، الأنانية التي تصنعها النفوس العنيدة، الأنانية التي تحملها الأجساد البالية، والقلوب الخالية؛ الأنانية التي يغذيها حب النفس، ونحن نراها حاضرة سافرة في مجتمعاتنا، ناسين أو متناسين أنه لا دين لمن لا خلق له، ولا خلق لمن لا إيثار له ولا حب عنده؛ إنها رسالة الأخلاق، تلك الرسالة التي هي من صميم الإسلام، وعمل الإسلام.
إنها الأنانية التي تحمل سائق السيارة أن يقود السيارة بلا ذوق ولا أخلاق، يمنع عشرات السيارات خلفه من السير، لماذا؟ لأجل أن يمشي هو كما هو يريد، ولو خالف اللوائح والأنظمة، يقطع الإشارة ويقف مع زميله يتحدث ويتسامر، وقد سَدَّ على الناس طريقهم، يشتم هذا ويتهم ذاك ويشير إلى الآخر حتى ولو كان على خطأ واضح بيِّن؛ والسبب هو الأنانيةُ واللامبالاة.
احتجازه للصَّفِّ الأيمن عند الإشارة الحمراء أمام مَن يريدون الانعطاف إلى اليمين، وحبسهم معه في انتظار الضوء الأخضر، فتجد هذا الأناني يمنع الأفواج من الناس من المسؤولين والمضطرين من أن يستأنفوا سيرهم دون أدنى اهتمام ولا أدنى مبالاة؛ لماذا؟ إنها الأنانية واللامبالاة؛ لأنه لا يقبل إلا أن يكون في الصف الأول ولو على حساب تعطيل الآخرين وأذيتهم وإرهاق أعصابهم، نعم، إنها الأنانية واللامبالاة.
يحْرج زملاءه في العمل، يتعبهم في خدمته، ومع ذلك يتبع كل أحد منهم في زلته، يطعن في ذاك ويشكو ذاك، وهو أساس كل بلية ورزية، ينسى الجميل ممن أحسن إليه، ويحب النيل ممَّن وقف معه وإليه، همُّه نفسه وحسب؛ والسبب هو الأنانية واللامبالاة.
نعم، إنها الأثَرة والأنانية التي تحمل صاحبها على إلقاء المهملات من الأوراق وأكياس وبقايا الطعام والعلب وزجاجات فارغة وما شابهها، يقوم بإلقائها في الشارع، يفتح النافذة ويرمي بما تجود به يده أو ينتهي من شرب زجاجات البارد مثلا، ثم يضعها على الرصيف ويمضي، وربما برميل الزبالة أمامه أو قريبا منه فلم يكلف نفسه عناء الاتجاه إليه!.
والبلدية لم تُبقِ مكانا إلا ووضعت عنده براميل للمهملات؛ لعل هذا الصنف من الناس أن يتنبه لها ويشعر بالمسؤولية، وبعضهم لا يقوم من مكانه بنزهة في الحديقة أو في البر إلا وخلَّف ورائه هو وأهله أكواما من المخلفات، وكان الواجب عليهم أن يحفظوها في أكياس ثم يرموا بها في مكانها المخصص.
ولكن كثيراً من الناس يتوارثون الكسل والإهمال، يرون غيرهم يسيء فيسيئون مثله، يقول: الناس كلهم هكذا، والمكان متسخ قبل أن نصل. وهذه هي الإمعة التي حذر منها النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي من حديث حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا".
وقل مثل ذلك للآخر الذي وقف على مصرف طريق، وكلما جاءت سيارة عاد بسيارته للوراء ليحرج قائد سيارة قادمة أو يربكه أو يتسبب له في حادث من أجل يضحك مع زميل له في سيارته! إنها اللامبالاة، أو لأنه لم يجد موقفاً وقف خلف سيارات كثيرة سادَّاً عليها الخروج، ثم لا يخرج بعد ذلك ويتأخر كما يحلو له.
وذاك قد أخذ بخَّاخاً من البويه ليلون كل جدار، شاكيا همه وغمه، وناشرا حزنه وغرامه على جدار مدرسة، أو مبنى دائرة، أو جدار جار، في عبث لا مسؤول، وتصرف غير معقول.
وآخر يتجاوز ويأتي أخر يتجاوزه هو ويربكه ليس عنده صبر لمدة دقيقة بأسباب الأثرة واللامبالاة، وقل بعد ذلك ما هي النتيجة حينما تأتي سيارة أخرى بتلك هذه السرعة!.
وآخرون جلسوا أمام بيت أراد أهله الخروج منه وهم جالسون عابثون، في سوالفهم منهمكون، وأهل البيت محرجون، تتعالى قهقهاتهم وأصواتهم في لا مبالاة.
وشلة جلسوا يلعبون الكرة بين بيوت الجيران في أذى صريح، غير عابئين براحتهم ولا بخصوصيتهم، في لا مبالاة.
أيها الإخوة الكرام: فمن مظاهر الأثرة أيضا عدم التنازل عن أي مصلحة ولو لأهل الحاجة أو لأهل الاضطرار، ومنها ما يُحدث إغلاق الطرق على الناس، غير مبالٍ لحاجات الناس، واضطرار المضطرين، والمرضى والمساكين.
وقُل مثل ذلك عن كتابة بعض العبارات النابية على زجاج السيارة، أو على جدران، أو تخريب الأماكن العامة كالحدائق والمتنزهات.
وماذا تقول على من يتصل على الدفاع المدني للإبلاغ عن حريق موهوم، لمجرد أن يصنع مقلبا؟ وماذا تقول للذي يقف دون مبالاة على بوابات المستشفى تاركا سيارته داخلا بمريضه زاعما لنفسه أنه في خطر، وربما جاءت حالات أصعب من التي معه، ولكنها الأنانية واللامبالاة.
ومن الذي أوقع العداوة -عباد الله- بين أبناء الأب الواحد إلا محاولة استئثار بعضهم بالميراث حينما يموت والده، واستحواذ الأكبر على النصيب الأكبر، فتمَّت العداوات بأسباب الأنانية واللامبالاة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله: وفي نهاية المطاف، ماذا فعلت الأنانية والأثرة بينا واللامبالاة؟ أفعال بائدة، وتصرفات بائدة، وليت الأمة التزمت السنّة وصاحب السنة، إذا لما رأيت الأسنَّة على بعضنا مشرعة، وعلى أجساد بعضنا مسرعة، لكن هي النفوس حين تبتعد عن القرآن، ومنهج السنة، وأخلاق النبي العدنان، الذي أخبر أنه: "لا إيمان لمن لا يحب الأخ كحب النفس".
إذا شاعت الأثرة بمُجتمع تهتك وفقد تماسكه، أنت بخير إذا لم تغتصب مالا، أنت بخير إن لم تبنِ مجدك على أنقاض إنسان، أنت بخير ما دام غناك لم يُبْنَ على إفقار إنسان، أنت بخير إذا لم تبن عزك على إذلال إنسان، أنت بخير إذا لم تُفن حياتك على موت إنسان.
في حديث بن عمر رضي الله عنهما قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".
أيها الأخوة: من مظاهر الأثرة أن بها تحل النِّقَم، وتذهب النعم، والظلم الاجتماعي يدمر المجتمع، إن الأثرة دليل على دناءة النفس وخستها، إن الأثرة معول هدم وشر مستطير، إن الأثرة تؤذي وتضر، وتجلب الخصام والنفور، بالأثرة يضيع العدل، وينتفي الخلق.
الأناني شخص يهتم بمصلحة ومنفعة شخصية دون الالتفات لشؤون الآخرين ومصالحهم، يتحدث عن نفسه كثيرا أمام الزملاء، لا يُبدي احتراما وتقديرا لأحد، يستأثر بنفسه كثيرا ينتقد الآخرين باستمرار، ويُلقي اللوم عليهم، غير جاد في حياته، ضعيف الانتماء للمجتمع، يجد صعوبة في مصادقة الآخرين، يتكلم بضمير أنا ولا يذكر كلمة نحن، يحب نفسه كثيرا، مغرور، لا يلتزم بعهوده ومواثيقه.
نسأل الله أن يصلح قلوبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
صلوا عليه وسلموا تسليما...