هناك جانب مفقود في تربية كثير من أولياء الأمور لأبنائهم وهو : إنه قبل أن يأخذ ذويه وأبناءه بالعقوبة على التقصير في الصلاة لا يغرس في قلوبهم قبل ذلك محبة الصلاة والإقبال عليها، وقبل أن يزجرهم عن المحرمات لا يغرس في قلوبهم بغضها، والنفور منها، لذا قام الكاتب - أثابه الله - بالتنبيه على هذا الجانب مع ذكر بعض الأمثلة من حال السلف.
التفاصيل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين: وبعد يعيش مسلم هذا العصر همَّ تربية أولاده وتنشئتهم وهو يرى أمام عينيه واقعاً يقودهم نحو الفساد، ويخشى أن يجرفهم تيار الرذيلة، وهو يملك نفس الشعور تجاه أبناء سائر إخوانه المسلمين، بل ربما كان أكثر حرصاً على بعض أبناء المسلمين من آبائهم. ولهذه الحاجة الملحة، ولتضاؤل الفرص أمام المؤسسات التربوية الإسلامية التي تمارس الصحوة الإسلامية من خلالها مسئوليتها التربوية، لهذا كله كان لابد للدعاة إلى الله - عز وجل -، ولرجال التربية الناصحين لأمتهم من التأكيد على الدور التربوي للأسرة والعناية به. وهو دور يجب أن يتجاوز المفهوم السائد لدى الكثير من أرباب الأسر في عالمنا الإسلامي المعاصر والذي يرى أن دور التربية الأسرية يقف عند حد مطالبة رب الأسرة لذويه بأداء الفرائض، ونهيهم عن ارتكاب المحرمات، وهو دور له أهميته وجزء من مسؤولية رب الأسرة التربوية، لكنه ليس نهاية المطاف، ولا خاتمة الطريق. إنه قبل أن يأخذ ذويه وأبناءه بالعقوبة على التقصير في الصلاة ينبغي أن يغرس في قلوبهم قبل ذلك محبة الصلاة والإقبال عليها، وقبل أن يزجرهم عن المحرمات ينبغي أن يكون قد غرس في قلوبهم بغضها، والنفور منها. لقد حكى الله في كتابه الكريم عن وصايا بليغة عظيمة وجهها لقمان لابنه: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ...). [لقمان: 13]. الخ الآيات. وقد كان هذا شأنه - صلى الله عليه وسلم - مع أهل بيته، عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر : "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت..". ومن بعده سار السلف على هذا المنوال، فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه - رضي الله عنهم - قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا هؤلاء الكلمات كما تعلم الكتابة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر". ولقد كان السلف يعنون بتعليم أبنائهم وتوجيههم ومن ثم حفظ لنا التاريخ الوصايا الكثيرة التي تلقوها من آبائهم. عن إبراهيم بن الحبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي: "ائت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث". قال عبادة بن الصامت لابنه: "يا بني، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.." [رواه أبو داود]. كان عروة بن الزبير يقول لبنيه: "يا بَني إن أزهد الناس في عالم أهله فهلموا إلي فتعلموا مني فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم". قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: "كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها". وقال ابن سحنون في كتابه آداب المعلمين عن القاضي الورع عيسى بن مسكين أنه كان يقرئ بناته وحفيداته. قال عياض: فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه، وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم. وكذلك كان يفعل قبله أسد بن الفرات بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.