الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | أحمد بن حسن المعلم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
وحين وصلت الأمور إلى نهايتها، والفتنة إلى ذروتها، عاد اليوم الرئيس علي عبد الله صالح إلى صنعاء، فيا ترى هل ستكون عودته لإخماد الفتنة بقرار جريء وشجاع يقضي على الفتنة، وينهي المحنة، ويكشف الله به الغمة، ويكتب له به الرفعة في الدنيا والآخرة؟ يقتدي بعثمانَ بن عفان والحسن بن علي رضي الله عنهما؛ فيتنازلَ حقناً للدماء، وصوناً للأمة من الهلاك، ويأخذ على من يبطش ويقتل باسمه، نسأل الله أن يلهمه ذلك ويوفقه له؛ فالله على كل شيء قدير. أم أنه عاد ليصب...
عباد الله: طالت المِحْنَةُ، وعصفت الفتنة، وتفاقم الشرُّ، وسالت الدماء، وأُزهقت النفوس، وهلك الحرث والنسل، وخَرُب البنيان، وتعطَّلَتِ المصالحُ، وأرهَق الناسَ الغلاءُ، وحل الخوفُ مكان الأمن، والترقُّب والقلق مكان السكينة والطمأنينة، أتدرون لماذا؟ إنها العقوبة الربانية، فقد ظلم الحكام وفسدوا، بل وأفسدوا، ولم يحكِّموا شرع الله على الوجه الذي يريده، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتحرَّوا فيما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد".
وحينما شعَر هؤلاء الحكام بالمنازعة على سلطتهم بسبب سياساتهم الخاطئة، وأعمالهم الباطلة، وظلمهم ومحاباتهم للمقربين والمتنفِّذين، مع أنه كان الواجب أن يزيلوا أسباب الظلم والغضب والتذمر الذي دفع الناس لمنازعتهم، لكنهم بدلاً عن ذلك تخلوا عن القيم والأخلاق، وتجاوزوا حدود الشرع، واستباحوا كل شي: قتلوا الأنفسَ المعصومة، وروَّعوا الآمنين، وخرَّبوا البينان، وقطعوا السبل، وفعلوا مالا يفعله إلا كبار الطغاة والمفسدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وضاعت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يقم بها من حُمّلوا أمانتها على الوجه الذي يزيل الشر، ويردع الظالم والفاسق؛ وذلك من أعظم أسباب الفتنة، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [المائدة:78].
وانحرفت المعارضة عن الخط الذي يجب أن تكون عليه، فتحوَّلت إلى السعي للوصول للسلطة بأي ثمن، فصارت عاملَ هدمٍ بدلاً أن تكون عامل إصلاح، وأخشى أن ينطبق عليها قول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:204-205].
وتعددت قيادات الثُّوَّار، وتفرقت أهواؤهم، وتباينت مقاصدهم وأهدافهم، وغاب عن معظمهم الهدف والمطلب الأسمى الذي هو جديرٌ أن يُخرج اليمن من محنته ويضعه في موضع الصدارة والريادة، ويُبرئه من جميع علله وأسقامه، ألا وهو تحكيم شرع الله في كل صغيرة وكبيرة، فلم يحظوا بنصر الله وتأييده؛ لأنه سبحانه وتعالى قد تعهد أن ينصر من ينصره، فقال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:40-41]. وقال جَلَّ جَلالُه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
ولم نسمع بشكل رسمي وعلَني من جميع هؤلاء أن ما يفعلونه نصرٌ لله، وسعي لتمكين كتابه إلا مَن رحم الله، بل هناك أصوات تنفي ذلك، تنفي أن يكون قيامها نصراً لله ولكتابه وتحكيم دينه وشرعه، بل وتهاجم من ينادي بذلك، وهناك من يتجاهل ذلك ولا يعرِّجُ عليه، وقلّةٌ هي التي تنادي به، والحكم للغالب.
وجميع الأطراف مِن حُكَّامٍ ومعارضين يتبارَون في استرضاء أعداءِ الله، وتقديم الخدمات لهم، وإبداء الاستعداد للحفاظ على مصالحهم، وتقبُّل مشورتهم، ونحن نعلم أن مصالحَ أعداءنا تتعارض مع ديننا، ومع سيادتنا وعزة شعوبنا وأوطاننا، فكلهم يتبارى في إرضائهم واسترضائهم وتقديم الوعود لهم بأنهم سيكونون خدماً وجنوداً طائعين لهم إلا من رحم الله، وقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران:149-150]، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118].
هذا على مستوى القوى الفاعلة، وأما عامة الأمة فهي في غفلتها وفي بعدها عن ربها، هناك فسادٌ أخلاقي، وظلمٌ اجتماعي، وتركٌ لحقوق الله، وارتكاب لحدوده، واعتداء على حرماته وعلى حرمات العباد.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد قامت الثورات في البلاد العربية كلها لمحاربة الفساد، لكننا عندما نُحكمُ عقولنا ونرجع إلى أنفسنا ننظر: هل بدأنا نحاربُ الفساد في أنفسنا؟! هل الثوار الذين قاموا لمحاربة فساد الدولة غيّروا ما بأنفسهم وأرونا أدلة وبراهين على أنهم بريئون من الفساد، محاربون له في أنفسهم وفي أهليهم وفي أحزابهم وفي من حولهم؟! هل نحن في أُسَرنا وفي معاملتنا وتجارتنا حاربنا الفساد ونحن قادرون على إزالة ذلك الفساد دون إراقة للدماء ودون قتال ولا تدخلات أجنبية؟ فهل فعلنا ذلك؟ إذا لم نكن قد فعلنا ذلك في أنفسنا وفعَله من ينادون بمحاربة الفساد؛ فثقوا أن الفساد لن يتغيَّر ولن يزول، ذهبت الدولة أو بقِيَتْ، انتصر الثوار أو انهزموا، أبداً لن يزول الفساد حتى نبدأ محاربة الفساد في أنفسنا وأعمالنا وتجارتنا، وبين أحزابنا وقبائلنا وداخل أسرنا، وإلا فلن يكون إلا دماً ودماراً، وتعودُ حليمة إلى عادتها القديمة.
أقول: إن كل ما تقدم وغيره مما لا نحصي هو سبب ما نحن فيه، هو سبب هذه الفتن والمحن التي طالت كل أحد، حتى الحيوان والنبات لم يسلم منها، فانقطاع الديزل قد أيبسه وأماته.
أيها الإخوة: مِن عقوبات الله تعالى التي هدَّد بها الأمم، ونحن جزءٌ منها، قد هدد الله -عز وجل- الأمم أنه في مرحلة من المراحل لا يقتصر على عقوبة من السماء بأن تنزل الصواعق أو تتزلزل الأرض أو تطلع البحار ويحصل الطوفان، بل بأن يجعل بأسها بينها، ويذيق بعضها بأس بعض، كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65]، نعم، إن هذا الذي يحدث في بلادنا هو عقوبة مِن ربنا، وهو بما كسبت أيدينا جميعاً، وإن كانت المسؤوليات متفاوتة، إلا أننا جميعاً مشتركون فيها.
وعلينا جميعاً أن نعمل على الخروج منها، وقد بيَّن الله تعالى الموقف الذي يجب علينا أن نقفه حينما يأتي البأس، وتحل الفتن، ونهدد بالعقوبات فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43].
كان الواجب على الجميع حينما شعروا أن هناك عقوبات وفِتَنَاً وأنها سوف تأكل الأخضر واليابس، أن نراجع أنفسنا ونحكِّم عقولنا، وننظر ما هي الأسباب التي دعت إلى هذا، ونعمل جميعاً على إزالتها، ونرجع إلى الله نتوب إليه ونتضرع بين يديه، نعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه؛ لكن، للأسف الشديد! القيادات التي تتبنى التغيير أو التثبيت وكل الأطراف يرون أن لا ملجأ من أمريكا إلا إليها، قليل الذين يرون أن لا ملجأ من الله إلا إليه، كما قال تعالى: (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ولكن الوقت لازال فيه إمكان، والتوبة بابها مفتوح، وعلينا جميعاً أن نتوب بقدر ذنوبنا، وكل يشعر أنه قد يكون هو سبب في هذه الفتنة، تارك الصلاة عليه أن يلوم نفسه ويقول: لعلِّي أن أكون أنا السبب في هذه الفتنة، وشارب الخمر عليه أن يرجع ويقول: لعلي أن أكون أنا سبباً في هذه البلية، وهكذا مُروّجو الفواحش والمخدرات وغيرهم أن يقولوا لعلنا نحن الذي جنينا على هذه الأمة.
نور الدين زنكي، وهو من أعدل حكام الأرض، كان إذا رأى بداية خلل في جنده خرّ ساجداً لله ومرّغ وجهه في التراب، ويقول: يا ربّ! أبسببي تهلك عبادك؟! يتهم نفسه أنَّ ما نزل بالمسلمين هو بسببه، وهو من أصلح خلق الله وأعدلهم، فعلامَ حكامنا ومعارضونا وإعلاميونا وسياسيونا، علامَ كلنا لا نقول: ربما نحن السبب في هذه المحن فنتوب ونرجع إلى الله ليرفع عنا ما أصابنا!.
عباد الله: وحين وصلت الأمور إلى نهايتها، والفتنة إلى ذروتها، عاد اليوم الرئيس علي عبد الله صالح إلى صنعاء، فيا ترى هل ستكون عودته لإخماد الفتنة بقرار جريء وشجاع يقضي على الفتنة، وينهي المحنة، ويكشف الله به الغمة، ويكتب له به الرفعة في الدنيا والآخرة؟ يقتدي بعثمانَ بن عفان والحسن بن علي رضي الله عنهما؛ فيتنازلَ حقناً للدماء، وصوناً للأمة من الهلاك، ويأخذ على من يبطش ويقتل باسمه، نسأل الله أن يلهمه ذلك ويوفقه له؛ فالله على كل شيء قدير.
أم أنه عاد ليصب الزيت على النار، ويزيد الفتنة اشتعالاً، ويتحمل بذلك سبة التاريخ، وسيء الأوزار في الدنيا والآخرة، أعيذه بالله من ذلك، وأذكّره أن زوال الدنيا -من أقصاها إلى أقصاها- أهونُ عند الله من قتل امرئ مسلم كما جاء في الحديث، فهلّا ضحّى بملكه وسلطته من أجل حقن دماء اليمنيين، وحفظ كرامتهم، ورفع هذه المحن عنهم؟ فإنه -إن فعل- فسوف يكون بذلك في درجة عالية في الدنيا والآخرة.
كما أنني أذكر المعارضين له، بجميع طوائفهم، أن يتقوا الله، ويقدروا الأمر حق قدره، ويتعاملوا مع الواقع معاملة واقعية، لا معاملة تحقيق أحلام وآمال وطموحات الله أعلم مدى تحقيقها.
عباد الله: لقد وصلنا إلى أسوأ ما يمكن الوصول إليه، وهو إراقة الدماء وهذا عند الله عظيم، وإن لم نتدارك الأمر ونقضي عليه في المواطن التي ابتليت به، وهي لا تزال محدودة، فسوف يفشو وينتشر إذا لم نتدارك ذلك ونحجر عليه في موضعه، ونعمل على إزالته واجتثاثه؛ فإن العدوى ستنتشر، ورائحة الدم إذا شمها الإنسان تشوَّق إليها كما يتشوق مدمنُ المخدرات لمخدراتهم، وعند ذلك يتحول الناس إلى وحوشٍ ضارية، وكلابٍ مسعورة لا تبالي بما فعلت، وقد رأينا ذلك في لبنان والصومال وغيرها، فلا نريد لبلادنا أن تصل إلى ذلك، فلْيتقِ الله الجميع، وليُخرجونا من هذه الأزمة.
الخطبة الثانية:
لقد وصلنا إلى أسوأ ما يمكن الوصول إليه، وهو إراقة الدماء وهذا عند الله عظيم، وإن لم نتدارك الأمر ونقضي عليه في المواطن التي ابتليت به وهي لا تزال محدودة فسوف يفشو وينتشر، وهاهو قد قُتل البارحة أحد الذين كانوا يعملون بالأمن -صبري با معيبد- حيث اغتاله بعضُ الأفراد على دراجة نارية، وهذا مؤشرٌ خطير بأننا وصلنا إلى مربع العنف، وأن ذلك قد ينتشر، وهذه جريمةٌ نكراء، وفعلٌ قبيح، مهما كان ذرائع من قاموا به، فهو مسلم معصوم الدم لا يجوز العدوان عليه، ولا تجوز إراقة دمه.
أيها الإخوة: إزاء هذا الذي قد يحدث، هناك أمر يجب أن نهتم به، وهو العمل الجاد على إعادة اللجان أو الحراسات الشعبية في الأحياء.