القادر
كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...
العربية
المؤلف | أحمد بن حسن المعلم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
إلى الذين ما زالوا في عافية من الحكام، أو بدأت المخاضات والإرهاصات لديهم، لكنها لم تتحول بعدُ إلى العاصفة والطوفان، أقول: اعتبروا بغيركم، وسارعوا في إصلاح الأوضاع، وأهمها ما بينكم وبين الله -عز وجل-، ولا تركنوا إلى المغريات الكاذبة، فالجيش والأمن لم ينفع إخوانكم الماضين، والمال انقلب جحيماً يتلظى عليهم، والأحلاف والأصدقاء المزعومون كذلك.
عباد الله: لعلكم جميعاً تابعتم ما جرى لطاغية ليبيا، ولاحظتم الثوار وهم يقودونه ذليلاً كسيراً حقيراً يتوسل إليهم، كما يقول بعضهم: يا أولادي لا تقتلوني، أنا أبوكم!.
فأين خطبه النارية؟ وأين كبرياؤه واستخفافه بهم، ووصفهم بأنهم جرذان، وغير ذلك من الألقاب الدالة على احتقارهم والتعالي عليهم؟ لا داعي للإغراق في وصف ما جرى له ولأولاده ولكبار المجرمين من معاونيه وقرابته.
وهذا يذكرنا بقصة فرعون وبني إسرائيل التي لخصها الله تعالى في قوله: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص:4-6].
هذه هي حال فرعون الأول، وهي حال أحد فراعنة العصر -القذافي- كما جرى أمس، وهي حال كل فرعون معاصر يقتدي بفرعون الأول، يلاقي نفس مصيره، وما ربك بظلام للعبيد!.
وسنة الله في الطاغية لا تتغير ولا تتبدل: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62]، وقد قال الله تعالى تعقيباً على قصة فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ) [الزخرف:54-56]. قال السعدي -رحمه الله-: ليعتبر بهم المعتبرون، ويتعظ بأحوالهم المتعظون.
وقال تعالى في خاتمة قصة آل لوط: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:82-83]، ففرعون الأول وقومه سلَفٌ ومَثَلٌ لكل فرعون وظالم وطاغية يأتي بعده إلى يوم القيامة، والذي نزل بآل لوط من العذاب الذي لم تعذب أمة بمثله كذلك ليس عن الظالمين ببعيد، أي ظالم كان إلى يوم القيامة، وما نزل بفراعنة وظالمي وطغاة هذا العصر سينزل بكل من سار على نهجهم واتبع سبيلهم، دون نظر إلى اسمه ولا إلى بلده ولا إلى ما يحوط نفسه به من دعايات، فالذي يعلم الحقائق هو الله.
وهنا ملاحظة جديرة بالانتباه، وهي أنه بمقدار التعنت والعناد والتكبر عن الاستجابة لصوت الحق والعقل تكون العقوبة، فابن علي لأنه أسرع في الاستسلام ولم يطل العناد والقمع كان أقلهم عقوبة، وحسني كان في الدرجة الثانية؛ لأنه زاد في العناد على سلفه، والقذافي زادت عقوبته لزيادة إصراره على الفساد، وشدة تنكيله بالشعب.
وستظل السنة ماضية، وعلى من هم الآن في محل الاختبار أن يعوا الدرس، وأن يختاروا لأنفسهم النتيجة التي تكون نهايتها أخف وألطف، ولا يجلبوا على أنفسهم الأشدّ والأقدح من العقوبات، فالنهاية حتمية؛ وإنما عليهم أن يختاروا كيفية ودرجة تلك النهاية، وباب التوبة لا يزال مفتوحاً أمامهم إن اغتنموه، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) [الزمر:53].
فعليهم أن يغتنموا التوبة في زمن الإمكان، فإن تأخروا يكون الجواب كما جاء من قبلهم: ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) [غافر:84-85]. ولا يعني هذا أننا نكفرهم؛ وإنما نبين سنة الله في عباده وهي جارية على الكافرين وعلى الطاغين من المسلمين وغير المسلمين.
وهذه ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى: إلى من ثارت شعوبهم، ولا إمكان لتدارك الأمر إلا بالتنحي من وجه العاصفة، فليتنحوا تفادياً لنهاية كنهاية هذا الطاغية الذي تشبث حتى النهاية، فأهلك الحرث والنسل، وأهلك نفسه وأهله ولم يربح دنيا ولا آخرة، ولم يرفع لنفسه ذكراً إلا لعنة الدهر، فليدَعوا المكايدة ويريحوا ويرتاحوا.
الرسالة الثانية: إلى الذين ما زالوا في عافية من الحكام، أو بدأت المخاضات والإرهاصات لديهم، لكنها لم تتحول بعدُ إلى العاصفة والطوفان، أقول: اعتبروا بغيركم، وسارعوا في إصلاح الأوضاع، وأهمها ما بينكم وبين الله -عز وجل-، ولا تركنوا إلى المغريات الكاذبة، فالجيش والأمن لم ينفع إخوانكم الماضين، والمال انقلب جحيماً يتلظى عليهم، والأحلاف والأصدقاء المزعومون كذلك.
هاهم يشمتون بالقذافي بعد أن تخلوا عنه وحاربوه، وما أنتم أعز عليهم منه: (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج:18]، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" رواه الترمذي وغيره من حديث عائشة -رضي الله عنها- مخاطبة به معاوية خليفة المسلمين، ونحن نخاطبكم به اليوم.
الرسالة الثالثة: إلى دعاة التغيير في بلادنا: لا تغتروا بما جرى في ليبيا، وإن كنا جميعاً فرحين به ومؤملين أن يسهم في التعجيل بكل قضيتنا، غير أنه لا بد من النظر إلى عدة اعتبارات قبل أن تقرروا سلوك طريقهم، وقد اخترتم لأنفسكم نهج السلم كما تؤكدون كل يوم، فعليكم بالثبات عليه، وعليكم أن تعلموا أن النصر من عند الله، والفرج بيده، ولن يعطيه إلا من يستحقه، فاسعوا إلى استحقاقه بالالتزام بشرعه وبضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأقول لدعاة التغيير هنا في حضرموت: إياكم أن يستفزكم ما جرى في ليبيا، أو أن يستفزكم متهور طائش لا يحسب للعواقب حساباً؛ فيخرجكم عن طوركم، ويزج بكم وبنا جميعاً في أتون فتنة لا يعلم مداها إلا الله .
وأقوله للجميع هنا: للسلطة، ولدعاة التغيير بأصنافهم، لأهلنا المواطنين جميعاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:24-25].