البحث

عبارات مقترحة:

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

كغثاء السيل

العربية

المؤلف عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. ضعف الأمة الإسلامية وتكالب الأعداء عليها .
  2. أسباب ضعفها وتكالب الأعداء عليها .
  3. مكمن القوة في المؤمن .

اقتباس

ترى أطفالا فزعين وآباء يبكون وغرقا وحصارا، حتى أصبح الدم المسلم -بل والسنِي- أرخص الدماء! يقتلون على النسبة والهويّة، ويُحاصَرون ويُجوعون ولا من نصير.. فالمآسي تتوالى منذ فلسطين ونكبتها، وحتى سوريا وتدميرها وتجويع أهلها، وتصفية أهل السنة في العراق؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.. اقتصاد وإعلامٌ بُني على الحرام، وتضييق على الخير ومجالاته.. إنَها كلُّها مظاهر تدل على ضعف الأُمة، وهي داعيةٌ إلى البحثِ عن أسبابِ ..

الخطبة الأولى:

‏الحمد لله ولي المؤمنين وناصر المستضعفين، لا معقب لحكمه ولا راد لقضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن استن بسنته ووالاه وسلّم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الأمم تضعف عبر تاريخها وتتأخر، لكنها لا تلبث أن تنهض من كبوتها إذا راجعت نفسها ونظرت في أحوالها، فعالجت القصور وسدت النقص ورتقت الخلل، أما إن أهملت نفسها وبعثرت جهودها فستذهب في ركام التاريخ (وَإِنْ تَتَوَلَوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:11].

ولننظر إخوتي لحال أمتنا.. بعدٌ عن شرعِ الله، وإبعاده عن مواطن الحكم والثقافة والأخلاق.. هدمٌ للمساجدِ وانتهاك للمقدسات واحتلال للأراضي ونهب للثروات.. إراقة للدماء وهدم للبيوت وحرق للأحياء وهتك للأعراض!

ترى أطفالا فزعين وآباء يبكون وغرقا وحصارا، حتى أصبح الدم المسلم -بل والسنِي- أرخص الدماء! يقتلون على النسبة والهويّة، ويُحاصَرون ويُجوعون ولا من نصير.. فالمآسي تتوالى منذ فلسطين ونكبتها، وحتى سوريا وتدميرها وتجويع أهلها، وتصفية أهل السنة في العراق؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله..

اقتصاد وإعلامٌ بُني على الحرام، وتضييق على الخير ومجالاته، وفتح لباب الشر والفسق وخياناته.. الهمم ضعفت بل خارت.. إنَها كلُّها مظاهر تدل على ضعف الأُمة، وهي داعيةٌ إلى البحثِ عن أسبابِ هذا الضعف وعن أسباب إصلاحها؛ لتستعيدَ عِزتها ومجدها.. فالمسلمون لم يزدادوا مؤخراً إلا ضعفاً إلا من رحم الله..

ترى أُمةً في غالبها جوفاء؛ لا روح فيها ولا دم، وأصبحت بلادُهم حلالاً سائباً لا مانع له، ودولهم فريسة لكلِ طاغيةٍ أو خائن، وقويُّهم لا ينصرُ ضعيفهم؛ إلا بقايا أصواتٍ هنا وهناك لا تكاد تُسمع حتى صدق فيها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها" قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن" قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت" (رواه أبو داود وغيره).

عباد الله: أمتنا خير الأمم التي أخرجت للناس بمنطوق القران؛ فما بالها أصبحت هكذا ضعيفة وذليلة في واقعنا المعاصر؟ وكيف عظم فينا البلاء؟ حتى نطق الأخرس.. وتكلم الرويبضة، وأمسى من لا رأي له صاحبُ الرأي المقدم.. نفوسٌ صغيرة ذليلة فقدت طعم العزة، وأفئدة ٌغافلة لاهية نسيت ربها، واستخفَت بوعده ووعيده في الدنيا والآخرة.. خلافاتٌ بيننا لأتفه الأسباب تعبث بنا.. أصبح منطق التكفير والتفجير وإفساد الأمن والتطرف لغةً مسوَغة عند البعض يُسمِيها جهاداً! أو يتعدى على ثوابت الدين ويُسمي ذلك إصلاحاً وليبرالية!! صحيح أن البلاء أكثره منا لكن زادنا أن قضايانا ضاعت تحت أقدام يهود حاقدين وبدعم نصارى متآمرين، وأنظار مستسلمين متخاذلين.. حتى رخصت دماؤنا.. وصدق فينا

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرحٍ بميت إيلامُ

عظم البلاء فأصبح الدين عند البعض أقوالاً وشعاراتٍ ومظاهر بلا أفعال ولا تعامل، وأصبح التعليم تنظيراً لا تطبيقاً، وضاع دور الأب والأم، وأصبح بعضُ الشباب عبئاً على وطنه وأمنه ونظامه، وتحوّلت المرأة لسلعةٍ للأزياء والجمال واللهو وضياع الوقت..

الأمانة نادرة! والنظامُ عبئاً والرشوةُ سائغة والسلامُ حلماً، ولست أدعو هنا لليأس؛ فكتاب ربنا وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يعداننا بالنصر والتمكين، ووجود طائفة منصورة ستظلّ في الأمة سبباً للإصلاح والتجديد، وبعث البشائر بنصر هذا الدين ونبذ التخلّف والفتنة ونشر العقيدة والتوحيد بعزِّ عزيزٍّ أو بذل ذليل.. (كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي)!

السؤال: من أين أتانا الخلل والضعف إذن؟! كنا متفوقين زمناً؛ ننشر الحضارة والسلام والأخلاق، فإذا بنا نستجدي أمثلة الأخلاق والنظام من غيرنا؟! وكرامتُنا ودماؤنا أرخص من الماء!! فلعلنا إذن نتعرف بعض أسباب الوهن والضعف باختصار ويكفيني أنها تدعونا للتأمل والعلاج والاعتبار:

1- عباد الله: إن من أهم أسباب ضعف المسلمين: بعدُهم عن دينهم وغياب الإيمان بالدين وتطبيق تعاليمه في كثير من الأمور التي تهمُّ حياة الناس؛ من أنظمة الحكم والسياسة، ومراتع الفن والثقافة، ومجالات الخلق والتعامل والاقتصاد والأسرة حتى أصبح الإسلام اسماً وطريقة أكثر منه معنىً وشريعة وشُوّهت عظمةُ هذا الدين ورسالته بأن أصبح شعاراً ومظهراً وليس دثاراً ومخبراً، وأنه مصدر العزة والتمكين.

2- كذلك من أهم أسباب ضعف المسلمين: نجاح أعدائها بصرف هذه الأمة عن دينها، فغزوهم عسكرياً وفكرياً، ونفخوا في القوميات العرقية والحدود الإقليمية والنعرات الجاهلية، وأضعفوا العقائدَ والفضائل، وسفكوا الدماء وأوقدوا الحروب والصراعات، وصادروا الحقوق والحريات، وصنعوا المنظمات المتطرفة التي تعمل لصالحهم، وتسببوا بأكثر الصراعات.. ثم يدّعون أنهم دعاة السلام والحقوق، ويهاجمون تطبيق الحدود بما يتفق مع مصالحهم فقط (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217] (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَصَارَى حَتَى تَتَبِعَ مِلَتَهُمْ) [البقرة:120] هكذا قال الله.. ساعدهم ومكّن لهم أيضاً أصحاب مسالك ملتوية امتلأت بهم بلادُ المسلمين، فجاسوا خلال الديار بشبهٍ وشهوات، وخانوا الأمة وباعوا أوطانهم بثمنٍ بخس، وفتحوها للأعداء يعبثون فيها (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَاعُونَ لَهُمْ وَاللَهُ عَلِيمٌ بِالظَالِمِينَ) [التوبة: 47].

3- من أسباب ضعف المسلمين: أن الأمة ذلّت وضعفت حين تراخت وركنت للهو والترف وتركَت عزائمَ الأمور، ومن أعظمها ذروة سنام الإسلام، ألا وهو الجهاد وإعداد القوة بالمواقف (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال:60] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة -أي الربا- واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تحدثوا توبة".

ضعف المسلمون ورضي بالقعود أولو الطول والقادرون ممن يستطيعون القوة والبذل، لكنهم تقاصروا عنها حتى أصبحت دماءُ المسلمين وأعراضُهم وديارُهم مبذولةً والدماءُ رخيصةً، لا يُذاد عن حرمة ولا يُنتصرُ لكرامة، أضف لذلك ما بُلي به الجهاد ممن تسمّى باسمه وهو متطرّف يسعى للفتن وإفساد الأمن وتشويه الإسلام برايات الجهاد وشرعه وهو منها براء!! أو مليشيات رافضيّة تدّعي المقاومة وهي تصفّي أهل السنة على الهوية!..

4- ضعف المسلمون لما تفرقوا واختلفت كلمتهم فيما بينهم لأتفه الأسباب، فأصاب الأمةَ في مقتل؛ فمشكلات المسلمين بينهم تمتد لسنوات، وتطالُ دماءَهم وأعراضهم وأموالهم وحدودهم التي زرعها غيرهم فيما بينهم، عنصريةٌ وتبديعٌ وتخوينٌ وخلافاتٌ أرهقتهم وفرّقتهم وقادتهم إلى حروب، واتهام بينهم أو عدم اتفاق (وَلاَ تَكُونُواْ كَلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آلعمران:105] فكان من نتيجته أن استهان بهم الطغاة، ورماهم العدا عن قوس واحدة أصابت الصميم. ورغم أن العالمَ يتحد ليتحكّم فنحن نختلفُ لنتفرّق، وصدق الله -جل وعلا-: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)

5- من أسباب ضعف المسلمين: فقدُ الأمةِ للصلة التاريخية بسلفها منذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته ومن بعدهم؛ فأهملت تاريخَها وأضاعت أسباب قوتها التي نشرت الإسلام وفتحت لها البلدان، ولم تدرك أسباب ضعفها عبر التاريخ والخلافات وما سقط من بلدان كانت لها! ولم تتأمل التاريخ لتستلهم منه العبر للحاضر، والأممُ التي لا تقرأ تاريخها وتُهمله سيأتيها مستقبلٌ ليس لصالحها.

6- من أسباب ضعف المسلمين الآن: غيابُ التخطيط وعدم استشراف المستقبل في شؤون حياتنا؛ تعليماً واقتصاداً وسلماً وحرباً لنُحدِدَ مكاننا ونبني قوّتنا ونُعدَها عندما نحتاجها، ونجعلَ الإسلام والمسلمين مؤثّرين في العالم بدل الإقصاء لاسيما ونحن نملك من الطاقات والثروات ما نستطيع به التأثير لو أردنا، بدلاً من تخبطات وثورات وفتن ضرّتنا أكثر مما نفعتنا..

7- إن من أسباب ضعف المسلمين: عدمُ تطوّر التعليم في بلدانهم وصياغته علميّاً وعمليّاً؛ ليُحقّق الأماني ويتجاوز الواقع، وينافس الآخرين ويبني العقول والثقافة! فالأمة تنهض -بتوفيق الله-، ثم بتعليم مبني على كتاب الله وسنة رسوله الكريم، واستيعاب المفيد من علوم العصر الجديدة..

من المؤسف أن تكون مُخرجات التعليم متواضعةً بما نرجوه منها وما أُنفق عليها.. فالتعليم لن ينجح إذا لم يتفاعل بين المجتمع والمدرسة، أو غاب عنه الإخلاص والتخطيط، أو لازمه تعجلٌ للنتائج وتناقض المشارب..

إن دَوْر التعليم إزالةُ أسباب جهل الأمة بدينها، وأن يدفعَ نماءها ويُحقِقَ أسبابَ وجودِها ويُنميّ أخلاقَها؛ لتتحصن ثقافياً وأخلاقياً وتقوى بعد الضعف، فتكونَ مصدرَ الأصالة ومنبر التوجيه ومنار التأثير.

8- من أسباب ضعف المسلمين اختلالُ نظام الأسرة؛ إما بإهمال أبوي للرعاية والقوامة، أو بسوء معاملة تُباعد بينهم، أو بضعفِ دورِ أمٍّ انشغلت عن بيتها وأولادها؛ أو بإغفال مواهب الأولاد وهدر طاقاتهم، أو ترى قطيعةَ رحم بين الأقارب أبعدت ما بينهم، وغير ذلك من مظاهر غزت الأسرة -وهي اللبنة الأمتن في بناء المجتمع-، وأضعفت بناء الوطن والأمة..

لقد غزتنا -إخوتي- وسائل التواصل في بيوتنا فضرّت أكثر مما نفعت لأن تعامل الأسرة لم يفهمها، فأصبحت الأسرة بداخلها غريبةً غيرَ متواصلة، وهذا له أثر كبير في إضعافها أو تحصينها.

9- من أسباب ضعف المسلين: غيابُ الهمم العالية والطموح وضعفه لدى الكثير، فأصبحوا يؤثرون الهزيمة والضعف؛ فالكثيرُ رضوا بفشلهم، وازدرى بعضهم تاريخهَ وقيَمه، ويستحي من نفسه وأمته، ويؤمن بفضل الغير ويُفضِلُهم ويُؤثِرُ ثقافتَهم، وسيطرت المادة وانشغل الناس بها وأصبحت همَهم! وأصيبت الأمةُ بالتواكل؛ فضاعت جهودُها، وفقدت الحكمة في الدعوة والموعظة، واستُعجلت النتائج، واختصر البعض مراحل الصراع بلا إعداد؛ مما أدخل الأمة بمتاهاتٍ ضيقةٍ، فتحمَلت من العبء ما لا تستطيع، ومن العنت والعذاب ما لا تطيق.

10- من أسباب ضعف المسلمين: التناقض الكبير لدينا بين القول والفعل، والكم والكيف، والجمود وعدم التطور، فأصيبت الأمة بالضمور والتخلف العلمي والتقني.. فنحسب كم أنفقنا ولا نحسب ما استفدنا، ونهمل غالباً من نجح، ولا نحاسب من قصَر أو فسد، نهدر طاقتنا ونسرفُ فيها؛ من أموال ومياه وبيئة وغيرها، ونُشوّهُ مرافقنا أو نهمل الاستفادة منها، ثم يأتينا من يسرف في المال والطعام ويتباهى بذلك ويصوّره؛ إسرافاً ومكابرة، ثم نقول كما قال قوم عاد: (مَنْ أَشَدُّ مِنَا قُوَةً) وكأننا نتشبع بما لم نعط، نهمل الكثير، ونرضى بالقليل الذي لا ينفعنا.

11- من أسباب الضعف المهمة: إعلامٌ يُنسب للمسلمين، وهو بعيد عن فهمنا وأخلاقنا؛ بل هو تغريب وتقليد لغيرنا.. باطلٌ تختنقُ الفضائل في لُجّته وَتنْبت الأجيال في حمأته، يتحوَلُ فيه المجرم بطلاً، والخائن أميناً، والغادر مجاهداً، والمستهتر قدوة.. إعلام يقدم الربح المادي على الفائدة، ويُقلّد الغرب بلا مواربة، إعلام زائف مضلل يعبث بعقول مشاهديه ومستمعيه وقارئيه ويطرح في غالبه التافه أو ما يضر أو لايجلب النفع! شعارات كاذبة وبطولات موهومة فضاعت معه الشعوب وضعفت الأمة بإعلامٍ كان من المفترض أن يقودها.. ثم زاد البلاء بممارستنا مع وسائل التواصل الحديثة؛ بنشر الكذب والأراجيف والإشاعات، والتركيز على تفريق الأمة من خلالها والله المستعان.

12- ومن أسباب ضعف المسلمين: تهميشُ الخيّرين ممن يريد الخيرَ بالأمة والمجتمع، ويسعون لإصلاحه والبحث عما يسعده، وإبرازُ المتلاعبين بمصير الأمة؛ ممن يسعى لإفسادها، ولا يُحقّقون لها الخير.. فضاعت قضايانا بين متطرّف لا يُؤمن بعَالمٍ ولا أَمنِ وطنهِ، وبين مُفسدٍ أو مثير للشبهات لا يراعي دين بلده ولا قيم أهله!! (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَهُ أَنَى يُؤْفَكُونَ)

13- كما أن من الأسباب التي أضعفت الأمة: انتشارُ الظلم في أوساطها وغياب العدل في بعض جنباتها، فأصبح الطغيان حكماً، ومصادرةُ الحقوق شرعاً، والقضاء على الإبداع وحرية الفكر أمناً مزعوماً؛ بل أصبحت الحرية للمسلمين حلماً، ولجأوا للغرب في مراكب الغرق بحثاً عنها؛ فأُقصي الإنسان المسلم وأشعر بالحصار، فحرمت الأمة من عطائه ومشاركته..

هذا الظلم ليس من الأقوياء فقط، بل ممن لديه مقدرة يظلم الأضعف فترى أباً يظلم أولاده وكفيلاً مع عمَاله وكلهم يتساوون "وإن الله ليخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، وينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة".

أيها الأخوة: هي بعض الأسباب -لا كلَها-، لكنها اجتمعت فأضعفت الأمة.. ومعرفتُها ثم علاجها سببٌ للقوة -بإذن الله-، ولنحذر من اليأس والإحباط؛ فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.. يحب أن تقوى العزائم ويوجد التفاؤل؛ فالمبشرات -بحمد الله- كثيرة في الدعوة والحكم والحرب والحزم.. في بلادنا وغيرها وفي انتشار الإسلام وقبوله ودخول الناس فيه أفواجاً رغم ما يطاله من تشويه وحرب وإرجاف (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2].

فلنتفاءل وإن عظم المصاب (ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كُنتُم مؤمنين * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَ الْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ الاْيَامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَهُ الَذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَللَهُ لاَ يُحِبُّ الظَالِمِينَ).

أقول ما تسمعون..

الخطبة الثانية..

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى-.

إذا عرفنا أسباب الضعف فلنعلم إخوتي أن مكمنَ القوةِ في المؤمن قوةُ إيمانه وجميلُ صبره وحسنُ ثباته؛ غير هيَابٍ ولا وَجِل، ولو تكرر منه الإخفاق والفشل.. والأمة تكون عزيزة حين تُربي أبناءها على خلق الشجاعة والعزم والحزم وعلوِ الهمة.. نعتزُّ حين نقف قادةً وشعباً للحفاظ على أمن البلاد وحماية الدين ومواجهة المنحرفين.. وصناعةُ التاريخ مرتبطةٌ بالعزة والقوة والحزم.. وأولى الناس بذلك من وُكِل إليهم الأمرُ؛ من علماءَ وقادةٍ وساسة وآباء وأمهات؛ ليكونوا قيادات صالحة مصلحة في الأمة.

ولتعلموا -رحمكم الله- أن العزة لأهل الإيمان والحق باقية ما استقاموا على النهج وأصلحوا نفوسهم وأخذوا بدروب الاستقامة؛ فالعزة لا تجتمع مع الدنايا والبعد عن الله ومحاربة الله ورسوله والجرأة على انتهاك حرماته والمجاهرة بالفسوق والمعاصي بل بالطاعة والإيمان (الَذِينَ إِنْ مَكَنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَلاةَ وَآتَوْا الزَكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).

فاتقوا الله واثبتوا على هذا الدين عقيدة وشريعة؛ ثباتاً لا يزعزعه تهديد ولا إغراء..

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين واكتب لبلادنا وبلاد المسلمين العزة والتمكين.. لا إله إلا الله وحده اللهم إنَا نسألك في هذا البرد أن تجيرنا وإخواننا.