البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

استعراض في أبين وخور في دماج

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. واقع أهل السنة في دماج .
  2. غياب الدولة في دماج وحضورها في أبين .
  3. مقارنة بين الفريقين   .
  4. انحياز الحكومة دليل التعبية للغرب .
  5. نصيحة للمسئولين في اليمن .

اقتباس

ماذا يعني أن تقاتل الدولة قتالاً مستميتاً بكل ما أوتيت من قوة في حضرموت وأبين وغيرها من مناطق اليمن، إلا أن هذا يتبخر وينتهي في دماج، فلا قوات ولا مواجهات، ولا حتى مجرد تهديدات، لطرف معتدي محارب، يظلم ويقتل على الهوية، ويبطش ليل نهار، وينكل بالناس في تلك المناطق ويذيقهم البأس والنكال، فماذا يعني هذا؟...

الخطبة الأولى:

الحمد لله ناصر المستضعفين، وولي المسلمين، وجابر المنكسرين، وناصر عباده الموحدين، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين، الذي بعثه ربه بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

عباد الله: لايزال إخواننا من أهل السنة في دماج محاصرون، ومن عدوهم مظلومون، ولا يزال القصف يطالهم كل يوم بجميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتوسطة.

إهانات واعتقالات، تشريد وانتهاكات، ظلم وتعسفات، عربدة وتوغلات، وجور وتدخلات، من قبل الحوثة الروافض، وكأنهم دولة داخل الدولة، بل ويتصرفون وكأنهم هم الدولة وهم أصحاب الحق والقانون والنظام.

إن من عجائب هذه الحرب السافرة الظالمة على إخواننا في دماج ومن أغرب غرائبها هو موقف الدولة اليمنية المتناقض إزائها، والعاجز عن إيقافها، بل والضالع فيها، والمتواطئ مع بعض أطرافها.

فما معنى أن تضرب الدولة بيد من حديد في أبين وحضرموت والبيضاء ضد ما يسمى بتنظيم القاعدة، ولكنها في صعدة وعمران والجوف وحجة تبدو متراخية ومتواطئة لا يسمع صوتها، ولا يعرف موقفها، ولا يرى الناس قوتها وآلتها العسكرية، فماذا يعني هذا؟!.

ماذا يعني أن يرى الناس عنجهية الدولة وترسانتها العسكرية وأسلحتها المختلفة توجه إلى طرف دون طرف، وتضرب بها قوماً دون قوم، مع أن كلا الفريقين يجهر بعدائه لها، ويعلن سخطه عنها، ويعلن حربه ضدها، ولكنها تتعامل مع فريق باللين والعطف والحنان، وفريق آخر تتعامل معه بالقوة والبطش والنكال.

من ياترى عاداها أكثر؟ ومن قتل في جنودها أكثر؟ ومن أهانها وسدد ضرباته إليها أكثر؟ ومن قام بخوض حروب متتالية معها أكثر؟ إن الجواب معروف عند الجميع.

إن الحوثيين الروافض هم من خاضوا مع الدولة ستة حروب متتالية -على الأقل- أهانوها فيها أبلغ الإهانة، وقتلوا فيها وجرحوا من جنودها الألاف المؤلفة، وسيطروا خلالها على عدد من المناطق وظلوا مسيطرين عليها ولا زالوا إلى اليوم يحتفظون بها، ويقيمون الدورات العسكرية داخلها، بل ويقيمون العروضات والمناورات العسكرية فيها، ويحتفظون في وسطها بمستودعات هائلة للذخيرة المتنوعة، ومع هذا كله فالموقف معهم هو التعاطف والتقرب والتزلف إليهم للانضمام للحوار، والمشاركة في صنع القرار، والعفو العام والاعتذار الصريح إليهم عن تلك الحروب التي خاضوها ضد النظام.

وأما الفريق الآخر الذي لم يفعل عشر معشار ما فعله الفريق الأول، ولم يظهر بالشكل العلني السافر الذي يظهر به الفريق الأول، ولم يخض مع الدولة حروباً نظامية رهيبة كما خاضها الأول، ولم يطالب بالمستحيل كما يطالب به أولئك الروافض.

مع هذا كله فإن الموقف معهم محسوم، والسلاح القاتل ضدهم موجه، والحرب عليهم معلنة وقوية، والمنع عليهم قائم، والحظر ضدهم صريح، والضربات الموجهة عليهم عنيفة.

فهم المستحقون للضربات المباشرة بالطائرات بدون طيار، وهم الممنوعون منعاً باتاً من المشاركة في الحوار، وهم المحظورون من الظهور والانتشار، وهم المطاردون في كل جبل وسهل وقفار، فماذا يعني هذا التصرف من قبل الدولة؟ وعلى ماذا يدل؟ ولماذا هذا الجور والانحياز في الحكم على فريقين كلاهما يعلن حربه عليها، ويصرح بأنه عدو لها وضدها؟.

ماذا يعني أن تقاتل الدولة قتالاً مستميتاً بكل ما أوتيت من قوة في حضرموت وأبين وغيرها من مناطق اليمن، إلا أن هذا يتبخر وينتهي في دماج، فلا قوات ولا مواجهات، ولا حتى مجرد تهديدات، لطرف معتدي محارب، يظلم ويقتل على الهوية، ويبطش ليل نهار، وينكل بالناس في تلك المناطق ويذيقهم البأس والنكال، فماذا يعني هذا؟.

كل ما فعلته الدولة إزاء موضوع إخواننا المحاصرين في دماج هي أنها أرسلت لجنة وساطة للصلح بين الفريقين، وتقريب وجهات النظر بين الخصمين، إلا أنها -وللأسف الشديد- كانت لجنة منحازة لطرف دون طرف، ومجاملة لفريق على حساب الفريق الآخر، كما يصرح بذلك أهل دماج، مما يجعلهم يفقدون أملهم فيها، ويصرحون بمجاملتها وانحيازها.

إن الدولة بدلاً من أن ترسل حملة عسكرية لهذه الميليشيات الطائفية التي تحاصر فريقاً من شعبها، وتقاتل أبنائها في محافظة صعدة وما حولها، إذا بها ترسل لجنة واسطة لهم! أما الحملة العسكرية ضدهم فهذا أمر ممنوع ومجّرم، لأن من يستحق الحملة العسكرية غيرهم لا هم.

وعندما قام عدد من علماء اليمن بالتوسط بين القاعدة والدولة للصلح بينهما، ووافق الطرفان مبدئياً، ثم إذا بالدولة تنقلب على عقبيها، وتنكث عهدها، وتصرح بأنه لا يمكن لها أن تصالح من تسميهم الإرهابيين، وأصدر العلماء يومها بياناً يحملون فيه الدولة كامل المسئولية عن كل الدماء التي تراق والأرواح التي تزهق، (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [البقرة : 27]، ويقول -سبحانه-: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة : 177].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله, والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه -صلى الله عليه وسلم-.

أما بعد:

أيها الناس: إن هذا الخور والضعف الواضح، والمجاملات الزائدة للحوثة المجوس، والعداء الشديد والاستعراض البهلواني على من تتهمهم الدولة بالانتساب إلى السلفية الجهادية، إنما يدل على أمور كثيرة منها:

أن الدولة مسيرة لا مخيرة في إدارة شئونها وتصرفات قادتها، فالأمر ليس أمرها، والحكم ليس لها، والفصل في القرارات الحاسمة إنما هو بيد غيرها، وللأسف الشديد أنه بيد الغرب والأمريكان وسفراء الدول الغربية الذين يسيرون البلاد بوصاية الدولية، وما على الدولة إلا تنفذ سياساتهم، وتطيع أوامرهم، وتقول لهم بلا نقاش سمعنا وأطعنا.

وهذا لاشك خطر عظيم، وتبعية مطلقة، وولاء واضح للمشركين والكفار، وقد نهانا الله عن موالاتهم والتبعية لهم فضلاً عن تلقي الأوامر منهم في أمور فيصلية وشئون خاصة تهم أمر شعب مسلم مغلوب على أمره، يقول الله -تبارك وتعالى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [آل عمران : 149]، ويقول: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) وقال:(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة : 9] فماذا نريد بعد هذه الآيات كلها؟ وماذا بعد الحق إلا الضلال؟.

كما أن هذا الانحياز يدل على نفاق ومداهنة القائمين على السلطة والماسكين بزمام الأمور داخل الدولة، وإلا فلماذا هذه المجاملة لفريق دون فريق؟ ولماذا لا يحسمون الموضوع في دماج كما يحسموه في أبين وحضرموت ومأرب وشبوة؟ ولماذا يرسلون لجنة وساطة منحازة؟ كل هذا يدل على مداهنتهم وولائهم لطرف الروافض على طرف أهل السنة.

إن هذه المجاملات ستضر ولن تنفع، وستشب النار حتى تصل إليهم لتريهم حقيقة مجاملاتهم ومداهناتهم، أو عجزهم وسكوتهم، أو استسلامهم للأوامر الخارجية التي تأتيهم من خارج البلد فلا يجرؤون على ردها ورفضها، ويرون أنفسهم مكرهين على قبولها وتمشيتها، والتغاضي عنها.

وهذا لن يعفيهم من المسئولية، ولن يرفع عنهم اللائمة، فإما أن يتولوا شئون البلد ويقوموا به كما أمر الله، ويعدلون بين الناس بميزان العدل والشرع، وإما أن يستقيلوا ويخرجوا من تلك المناصب والقيادات، إبراء للذمة وإخلاء للمسئولية. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ، أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ" [أحمد (11143)].

وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي -يعني للإمارة-؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا" [مسلم (1825)]. فهذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، فعلى المسئولين عن ما يدور في دماج وصعدة وماحولها أن يراجعوا أنفسهم، ويتقوا الله في دماء المسلمين وحرماتهم قبل أن يندموا حين لا ينفع الندم.

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56], اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

اللهم رحماك بإخواننا المستضعفين في دماج, اللهم انصرهم واجمع على الحق كلمتهم, وأيدهم بجنود السموات والأرض. اللهم أفرغ عليهم صبرًا وثبِّت أقدامهم وانصرهم على عدوهم. اللهم ارحم شهداءهم، وعافي جرحاهم، واشفي مرضاهم، وفك قيد أسراهم، يا أرحم الراحمين.