المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
العربية
المؤلف | مراد وعمارة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الهدي والأضاحي والعقيقة |
فالأضحية هي شاةٌ يُتقرَّب بذبحها إلى الله تعالى بعد صلاة العيد، وهي سنَّة مستحبَّة على أهل كلِّ بيت من المسلمين، ممَّن وسَّع الله عليه في المال. وليست بواجبة لعدم الدليل على الوجوب، فإنَّ الاستدلال بحديث: "على أهل كلِّ بيت في كلِّ عام أضحية"، الذي رواه أحمد وغيره من وجهين ليس بصحيح، وكذا حديث: "من كان له سعة ولم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلاَّنا" ..
أيُّها المسلمون: أنتم في الأسبوع الأخير من شهر ذي القعدة، ثم يليه شهر ذي الحجَّة، وهو أعظم الأشهر حرمة عند الله تعالى، فيه العشرة الأيَّام الأولى قبل عيد الأضحى، التي هي أفضل أيَّام العام، والعمل الصالح فيها أعظم أجرًا ممَّا سواها، واليومان التاسع والعاشر يومان عظيمان، بل هما أعظم الأيام عند الله -عزَّ وجل-، فالتاسع هو يوم عرفة وهو يوم القر، والعاشر يوم عيد الأضحى وهو يوم الحج الأكبر.
فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما بسند صحيح من حديث عبد الله بن قرط الثمالي عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أعظم الأيَّام عند الله يوم النحر، ثمَّ يوم القر".
ولهذا أقسم الله بهما في قوله تعالى: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) [الفجر:3]. فالشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة. فهما أعظم الأيام حرمة وأعظمها بركة. كما أنَّ ليلة القدر هي أفضل الليالي وأعظمها حرمة وبركة.
والحديث عن عظمة هذين اليومين وما فيهما من البركات يطول جدًّا، ولا يتَّسع له هذا المقام، ولكن سأتكلَّم عن منسكين يتعلَّقان بيوم النحر.
فقد خصَّ الله تعالى هذا اليوم بمناسك يتقرَّب بها عباده إليه، ففي هذا اليوم يعمل الحجَّاج أكثر أفعال الحج من رمي الجمار وذبح القرابين وحلق الرؤوس وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة. وأمَّا غير الحجاج فعليهم في هذا اليوم منسكان عظيمان: صلاة العيد والأضحية.
وإذ نحن على مقربة من هذا اليوم فينبغي على كلِّ مسلم أن يتهيَّأ لأداء هذين المنسكين على أحسن الوجوه وأكملها، من الإخلاص والاتباع اللذين هما شرط القبول في كل عمل صالح.
أمَّا المنسك الأول -وهو صلاة العيد- فقد شرحت لكم أحكامها في خطبة مضت.
وأمَّا المنسك الآخر -الأضحية- فهذا أوان بيانه؛ فالأضحية هي شاةٌ يُتقرَّب بذبحها إلى الله تعالى بعد صلاة العيد، وهي سنَّة مستحبَّة على أهل كلِّ بيت من المسلمين، ممَّن وسَّع الله عليه في المال. وليست بواجبة لعدم الدليل على الوجوب، فإنَّ الاستدلال بحديث: "على أهل كلِّ بيت في كلِّ عام أضحية"، الذي رواه أحمد وغيره من وجهين ليس بصحيح، وكذا حديث: "من كان له سعة ولم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلاَّنا". رواه أحمد وابن ماجه والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعًا، فالصواب أنَّه موقوف.
ولا يدلُّ على وجوبها أيضًا قول النبيِّ –صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل أن يصلِّي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح". رواه البخاري ومسلم، فهذا ليس صريحًا في الوجوب، بل هو أمر معلَّق بالشرط لبيان صفة الحكم، ولو أفاد الوجوب لكان السلف أسبق إلى فهم ذلك وتبليغه.
وعلى هذا جمهور الأئمة من السلف والخلف، أنَّ الأضحية سنة مستحبة لمن قدر عليها، غير واجبة. ولا يصح عن الصحابة غير هذا، وكفى أنَّه قول أبي بكر وعمر اللذين أمرنا بالاقتداء بهما.
وإذا علم هذا، فاعلم أخا الإيمان إذا كنت عاجزًا عن الذبح، غير قادر على ثمن الأضحية كما هو شأن كثير منَّا بل كما هو حال أكثرنا، فإن كانت لك نيَّة صحيحة على إرادة التقرب إلى الله بالذبح فإنَّه سينالُك أجرها بتضحية غيرك. نعم، فإنَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذبح كبشين وقال: "اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يضحِّ من أمَّتي". رواه أبو داود وأحمد والحاكم.
ويتعلَّق بالأضحية آداب وأحكام وسنن نبيِّنها بعد حين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
قد علمتم ما تقدم، فاعلموا أنَّه لا يجوز ذبح الشاة قبل صلاة العيد، فمن ذبحها قبل صلاة العيد أعاد كما تقدَّم.
وكلُّ أيَّام التشريق يجوز فيها الذبح، وهي الأيام الثلاثة التي بعد يوم العيد، فيجوز تأخير الذبح إلى اليوم الثالث بعد العيد، لقول النبيِّ –صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ أيَّام التشريق ذبح"، وهو حسن بطرقه.
ولا يجوز من الأضحية إلاَّ ما بلغ السنَّ المطلوب، وسلم من العيوب.
فالسنُّ المطلوب من الضأن -أي: الكبش- الجذعُ، وهو ما أكمل سنة، وقيل: ما جاوز ستة أشهر. ومن المعز ما استكمل سنتين.
وأمَّا السلامة من العيوب، فكما رواه مالك في الموطأ وأصحاب السنن بسند صحيح عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربعٌ لا تجزي: -ويدي أقصر من يده- العوراء البيِّن عورها، والعرجاء البيِّن ظلعها، والمريضة البيِّن مرضها، والكسير التي لا تنقي"، أي: لضعفها وهزالها، وقال علي بن أبي طالب: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن. وهو حديث صحيح بمجموع طريقيه.
والمستحبُّ من الأضحية الكبش الأقرن الأملح، أي: الأبيض الذي يخالطه لون أسود حول عينيه وفي قوائمه؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أنَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد. ومعنى الحديث أنَّ قوائمه الأربعة وبطنه وما حول عينيه أسود اللون.
ويكره التباهي بالأضاحي، فإنَّ الكبش الواحد يجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، ولو كثر عددهم.
قال أبو أيوب الأنصاري: "كان الرجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحِّي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويُطعمون، حتَّى تباهى الناس فصاروا كما ترى" رواه مالك والترمذي وابن ماجه بسند حسن.
هذا، وإنَّ من عجيب أمر الناس اليوم أنَّك تجد الغنيَّ الثريَّ يمتنع عن الضحية؛ إمَّا شحًّا وإمَّا كبرًا، وتجد الفقير البائس يستقرض ويستدين ويتكلَّف المشاقَّ من أجل أن يضحِّي، فإن كانت نيَّته المباهاة فقد خسر، وإن كانت نيَّته التقرب إلى الله، فإنَّ الله تعالى لم يكلِّفه ما لا يستطيع، وقد نال المحروم أجره بتضحية غيره، وعلى كلٍّ فإنَّما الأعمال بالنيَّات، ولكلِّ امرئ ما نوى.
وبعد:
فهذه عُدَّة علميَّة لتستعدُّوا بها على أداء منسك الأضحية أحسن أداء وأكمله؛ إخلاصًا لرب العالمين، واتباعًا لسنَّة خاتم النبيِّين، صلَّى الله وسلَّم عليه وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين. أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم.