الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - فقه النوازل |
وإن الالتئام بين الراعي ورعيته يثمر أموراً عظيمة، فأولها اجتماع الكلمة، وتآلُف القلوب، فإن القلوب إذا تآلفت واجتمعت قويت الأمة وعزَّت، وإذا تفرقت الكلمة ضعُفت الأمة وضعُف كيانها، ولذا يقول الله تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ..
الخطبة الأولى إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: لقد اهتم الإسلام بشأن المجتمع المسلم، ووضع الأسس والقواعد لبناء هذا المجتمع المسلم، وسعى في تحقيق استقراره وثباته واستمرار أمنه؛ ليعيش الناس في طمأنينةٍ وأمنٍ وراحة بال، ويعبدوا الله بنفسٍ مطمئنة، وقلبٍ حاضر.
وإن من أعظم الأسس التي يقوم عليها بناء مجتمعٍ قويٍ متماسكٍ متعاونٍ التلاحم بين الراعي والرعية، فكلما وجد التلاحم كلما شاعت الرحمة والمودة.
ومن رحمة الله بالمجتمع المسلم أن يوفق له قيادةً صالحةً خيِّرة تسعى في راحته، وتبذل كل غالٍ ورخيص في سبيل إسعاده، وحلِّ مشاكله، ورفع معاناته، ولا يتم ذلك إلا بتعاون الجميع، وقيام كلٍ بالحق الواجب عليه.
أيها المسلمون: وإذا تأملنا نصوص الكتاب والسنة وجدنا فيها أن للحاكم حقوقاً على الرعية، كما أن للرعية حقوقاً على راعيها.
فالراعي للأمة له علينا حقوق، أول حقٍ له علينا طاعته في الظاهر والباطن، بإمتثال ما أمر به، وترك ما نهى عنه، ما لم يأمر بمعصية، يقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59]، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية".
ومن حق الراعي على رعيته نصرته ظاهراً وباطناً، فلا تنصره بلسانك وفي قلبك غلٌّ وحقد، بل لابد أن تنصره ظاهراً وباطناً؛ لأن في نصرته نصرةً للإسلام، وإقامةً للدين، ودفعاً ورداً لكيد المفسدين والمنحرفين.
ومن حقوق الراعي على رعيته بذل النصيحة له، فالنصيحة لمن ولاه الله أمرنا أمرٌ مطلوبٌ منا، نصيحةٌ خالصةٌ صادقةٌ تنبثق من قلبٍ محبٍ شفيقٍ حريصٍ على مصالح الأمة، لا يهدف من نصيحته تشويهاً ولا شماتةً ولا علواً ولا تثريباً، ولكن يقصد بها حقاً، ويريد بها خيراً، فيسلك بها مسالك الخير، وقنواته المعتبرة، حتى يكون ناصحاً لأمته.
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"، فتنصحهم بدعوة الخير لهم، وتحبيب الرعية لهم، وإيصال كلمة الحق النافذة الخالصة الصادقة غير مشوبةٍ بأيِّ أمرٍ من الأمور.
ومن حق الراعي على الرعية معرفة قدره ومكانته وحرمته، والتعامل معه على قدر ذلك، فإن هذا هو الحق، وسلف الأمة كان لهم بقادتهم اتصالٌ وارتباطٌ والتحامٌ، مع الزهد عمَّا في أيديهم، لكنها المحبة في الله، والحرص على مصلحة الأمة.
ومن حق الراعي على رعيته تحذيره من كل مَن يريده بسوء، ...، أو خارجيٍّ يُخشى من شره، فإن الواجب على المسلم التعاون معه في صد كلِّ شرٍ وعدو.
ومن حق الراعي على رعيته إعانته على مسؤوليته، وما تحمَّل من أعباء، بقدر الإمكان، ومن حق الراعي على رعيته رد القلوب... إليه، وتقريب القلوب، والدعوة إلى المحبة والمودة بين الراعي ورعيته، ومن حق الراعي على رعيته الذب عنه بالقول والفعل والنفس والمال.
فإذا أدت الرعية الواجب عليها، تآلفت القلوب، واجتمعت الكلمة، وقوِيَت الأمة، وأصبح لها كيانها المتلائم، وبنيانها المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً.
وفي مقابل ذلك فحاكم الأمة وقائدها يجب عليه أمور، حماية المجتمع، وتحصين ثغوره، والأخذ على يد المفسدين، وإبطال كيد الكائدين.
ومن حقهم عليه إظهار الدين، والعقيدة السليمة، ونشر العلم، وتأييد أهله، ومن حقهم عليه إقامة شعائر الدين من الصلوات، "ما أقاموا فيكم الصلاة"، وغيرها مِن شعائر الإسلام، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
ومن حقهم عليه إقامة حدود الله على المخالفين والمعتدين من غير تفرقة بين قويٍ وضعيف، وشريفٍ ووضيع؛ ذلك لأن إقامة الحدود تردع المجرمين، وتوقفهم عند حدهم، (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179].
ومن حقهم عليه العدل بينهم في كل الأمور، ورفع الظلم عنهم، فإن العدلَ سببٌ لاستقرار ملكه، وقوته، وثباته، فبالعدل تجتمع القلوب، وتحل البركات والخيرات.
وإن الالتئام بين الراعي ورعيته يثمر أموراً عظيمة، فأولها اجتماع الكلمة، وتآلُف القلوب، فإن القلوب إذا تآلفت واجتمعت قويت الأمة وعزَّت، وإذا تفرقت الكلمة ضعُفت الأمة وضعُف كيانها، ولذا يقول الله تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46].
فقوة الأمة بإجتماع كلمتها، وتماسك أفرادها، وشكر الله على نعمة الأمنِ والاستقرار والالتحام بين الراعي ورعيته، ومن ثمرات ذلك القضاء على المفسدين والمجرمين؛ لأن الراعي والرعية متى ما التأم شملهم فإن المفسد لا يستطيع أن يجوس خلال الديار، بل يعلم أن الأمَّةَ قوَّةٌ واحدةٌ لا يستطيع العدو الذليل أن يندس بين صفوفها، وينشر بلاءه وفساده بيننا.
ومن ثمراته الاستقرار والثبات، فمتى صفت القلوب، وأحبَّت الرعية راعيها، وصفت القلوب من الغل والحسد، فستسكن النفوس، وتستقر الأوضاع، وتهدأ الأمور، ويعيش الناس في خير، ويبتعدون عن الفوضى والإضطراب.
ومن ثمرات ذلك أن النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي إنما يتم في الأمن والاستقرار والالتحام، ومنها أيضاً إفشال المخططات الخارجية التي تأتي للأمة من خارج أرضها؛ لأن الأعداء يحاولون شق الصفوف، وتفريق الكلمة، وإضعاف شمل الأمة، فمتى كانت الأمة واعيةً فاهمةً مدركة لكل الأخطار لم تسمح لعدوٍ لدود يجوس خلالها، وينشر باطله وفساده؛ لأن الأمة جميعاً عيونٌ ساهرة على أمنها واستقرارها في كل أحوالها.
أيها المسلمون: هكذا يجب على الأمة أن تعيش بخير، إن الأمن نعمةٌ من نِعم الله على هذه الأمة، الأمن والإستقرار نعمة من الله على الأمة، ذكَّر الله بها العباد في كثيرٍ من آي القرآن، هاهو الخليل عليه السلام يدعو لسكان بيت الله الحرام: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ) [البقرة:126].
والله تعالى يقول: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) [القصص:57]، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت:67]، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ...) [النحل:112].
فلنعلم أن الأمن نعمة من الله علينا فلنحافظ عليها، ولنشكر الله عليها، ولنستعن بها على ما يرضي ربنا، فإننا إذا التزمنا طاعة الله كانت النعم نعماً على الحقيقة، ومتى كفرنا بالنعمة -لا سمح الله- وأخللنا بما أوجب الله علينا أُزيلت منا تلك النعم، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال:53].
فالخيرات والبركات إنما تحصل بالتمسك بهذا الدين، وتطبيق حدوده، وقيام كُلٍّ بما يجب عليه، نسأل الله أن يحفظ مجتمعنا ومجتمعات المسلمين من كل سوء، وأن يحقن الدماء، ويحفظ الأموال، ويصون الأعراض، ويهدي كلاً إلى طريقه المستقيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدَ لله، حمداً كثيراً، طيباً، مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: من سنة الله في هذه الحياة أنْ جعل الموت نهاية كل إنسان، فالموت مكتوبٌ على كل البشر إلى آخر نسمةٍ من ذريته، (وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [البقرة:36].
وقد أخبرنا الله -جل وعلا- بأن هذه السنة ماضيةٌ على كل الخلق، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن:26-27]، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185].
ويقول الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:34-35]، (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر:30-31].
أيها الإخوة: وإن كنا فقدنا عزيزاً غالياً علينا، عزيزاً في قلوبنا وقلب كل مسلم، فقدنا صاحب السمو سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، فقدناه، رحمه الله، ونحن راضون بقضاء الله وقدره، نقول كما قال الله: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:156-157]، ولكن نرجو من الله أن يكون قدم إلى عاقبةٍ حميدة، وأجرٍ عظيم.
فالألسن شهدت له بالخير، وأثنت عليه، مَن يعرفه ومن لا يعرفه، وهذه من نعم الله، فالعباد شهداء الله في أرضه، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: مُرَّ بجنازة والنبي -صلى الله عليه وسلم- قاعد، فأثنوا عليها خيراً، فقال: "وجبت"، ومُرَّ بجنازة أخرى، فأُثنيَ عليها شراً، فقال: "وجبت"، قال عمر -رضي الله عنه-: ما وجبت يا رسول الله؟ قال: "هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه".
لقد خلَّف هذا الفقيد -رحمه الله- أعمالاً جليلة، ومواقف مشرفة، ووقفات متنوعة مع الأرامل والمحتاجين والمرضى وجميع فئات المجتمع، ترك آثاراً حميدة، وليس هذا غلواً فيه، ولكن ثناءٌ على الله بأن هذه الأعمال الصالحة يظهرها الله في هذه الدنيا، وهذا عاجل بشرى المؤمن، فرحم الله سلطان بن عبد العزيز، وجزاه عما قدم لأمته خيراً، إنه على كل شيءٍ قدير.
أيها الإخوة: ومِن نِعَمِ الله -جل وعلا- أنْ وفَّقَ خادم الحرمين إمام المسلمين عبد الله بن عبد العزيز -وفقه الله وبارك في عمره وعمله، وأمده بالصحة والسلامة والعافية، إنه على كل شيءٍ قدير- وفقه الله فاختار لولاية العهد وملء هذا الفراغ العظيم، اختار لها شخصيةً عرفها الناس بالصدق والحزم والحكمة وسداد الرأي، اختار أخاه نايف بن عبد العزيز ليكون ولي عهده، وليسد هذا الفراغ العظيم.
وهذا الرجل، نايف بن عبد العزيز، عرفه الناس بحزمه وحكمته، وسداد رأيه، وإخلاصه، وتقلده لمناصب مهمة في الدولة، أقام في الداخلية ما يزيد على خمسةٍ وأربعين عاماً بإخلاصٍ ونشاطٍ وتحمُّلِ مسئولية كبيرة، وواجه صعوباتٍ عظيمةً؛ لكنه عالجها بحكمةٍ، ورأيٍ صائبٍ وسديدٍ، فوفقه الله وأعانه وأمده بالصحة والسلامة والعافية والقوة في دينه وبدنه.
إنه اختيارٌ مناسب، فالذي اختار هو إمامنا، ومن اختاره الكل فعلى خير، فجزى الله خادم الحرمين على ما قدم لأمته خيراً، ووفق الله نايف بن عبد العزيز لكل خير، وأعانه على هذه المسؤولية الجسيمة، والمهمة العظيمة.
ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ويجمع كلمة الجميع على طاعته، ويحفظ هذا البلد وسائر بلاد المسلمين من كل سوء، ويحميها من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين المتربصين بها الدوائر، الذين يحبون الفوضى والاضطرابات في المجتمعات المسلمة، ويحبون الفصل بين الحكام وشعوبهم بفوضى واضطرابات، وسفكٍ للدماء، وانتهاكٍ للأعراض، ونهبٍ للأموال، لكن -ولله الحمد- هذه القيادة المباركة موفقة، ما يمضي سيِّدٌ إلا ويعقبه سيِّدٌ آخر، ما يمضي فضيل إلا ويعقبه آخر، توفيقا من الله، وتأييدا منه، ورحمةً بنا.
فالحمد لله على آلائه وفضله وإحسانه، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه المصير، ونسأل الله أن يوفق حجاج بيته الحرام، ويكلل مساعيهم، ويسهل نسكهم في أمنٍ ويسر، إنه على كل شيءٍ قدير.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
عباد الله: إننا في هذا الشهر المبارك، هذا اليوم أول أيام شهر ذي الحجة، هذه العشر المباركة لها فضلٌ عظيم، فهي عشرٌ مباركة لها فضلٌ عظيم، نوه الله بها في كتابه، (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]، وقال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) [الحج:28].
هذه أيامٌ مباركة، أيام عشر ذي الحجة يقول فيها -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
فيها يوم عرفة الذي استُحب صيامه لغير الحجاج، يقول فيه -صلى الله عليه وسلم-: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر سنةً ماضية وسنةً آتية".
وفيها يوم النحر الذي يُكمل الحجاج فيه أعمال حجهم، وهو يوم الحج الأكبر، شُرِعَ لمن أراد أن يضحي عن نفسه، أو أن يضحي عن أبويه لكنها من ماله، أنه إذا دخلت هذه الأيام أن لا يقص ظفراً ولا شعراً، ويبقي ذلك إلى أن يضحي كما أمر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.
واعلموا -رحمكم الله- أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، وأعِذْنَا مِن مُضِلَّاتِ الفِتَن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم كن له عوناً ونصيراً في كل ما أهمه، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك، اللهم وفقه للصواب، اللهم بارك له في عمره وعمله، واجعله بركةً على نفسه ومجتمعه وأمته، وأمده بالصحة والسلامة والعافية.
اللهم وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأفعاله، وبارك له في مسؤوليته إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم اغفر لسلطان بن عبد العزيز، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأدخله فسيح جنتك، واجعل قبره روضةً من رياض جنتك، اللهم جازه عما قدم خيراً، إنك على كل شيءٍ قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].
اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق.
وقد عزم المسلمون على إقامة صلاة الاستسقاء يوم الاثنين بأمرٍ من خادم الحرمين وفقه الله، فأدوا تلك الصلاة، وأحسنوا إلى عباد الله، وارحموا الفقراء يرحمكم الله، (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195]، (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.