البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

خطبة الاستسقاء

العربية

المؤلف محمد ابراهيم السبر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة الاستسقاء
عناصر الخطبة
  1. نعمة الأمطار .
  2. الاستسقاء سنة الأنبياء .
  3. استسقاء النبي الكريم .
  4. استجابة المولى لأهل الإيمان .
  5. آثار المعاصي ودورها في تسبيب الجدب .
  6. محو الذنوب بالتوبة .
  7. الهدي النبوي في الاستسقاء .

اقتباس

وها أنتم قد حضرتم إلى هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتُقبلوا عليه بالتوبة والإنابة، وتتقربوا بصالح العمل لديه؛ فاستكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ..

الحمد لله حمداً طيباً كما أمر، أحمدُه تعالى وأشكره وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وبالخسارة لمن كفر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إرضاءً له وإرغاماً لمن جحد به وكفر.

وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ سيدُ البشر، والشافعُ المشفَّعُ في المحشر، -صلى الله عليه وسلم- عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، ومن تبع سبيلهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

عباد الله: الماء نعمةٌ من نعم الله تعالى، وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء:30]، وفي نزول الأمطار حكمةٌ بالغةٌ، حين يتقاطر على الأرض لِيَعُمَّ بسقْيِهِ وِهَادَها وتُلُولَها، وظِرابها وآكامَها، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ) [الشورى:28].

وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد، وسقِمتْ المواشي، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار، قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك:30]، وقال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) [الفرقان:77].

الجدْبُ والقحطُ بلاءٌ من الله؛ ليعلمَ مَنْ يطيعُ ومَنْ يعصيِ، ومَن يشكرُ ومَن يكفرُ، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- صلاةَ الاستسقاء، والاستسقاء هو طلب السُّقْيَا، وسؤال الغيث من المغِيث -جل وعلا-، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يُغِيثُها، وإقالةِ العثرة ممن يقيلها ولا يغيث ولا يرحم ولا يقيل العثراتِ ولا يجبر الكسر إلا اللهُ وحده -سبحانه وتعالى-.

والاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، قال تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ) [الأنبياء:60]، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لأمته مراتٍ متعددة، وعلى كيفيات متنوعة، فإذا أجدبت الأرض وقحطت، وقلت الأمطار وانحبست، فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- لطلب الرحمة والغيث.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: خَرَجَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً. رواه الترمذي.

وعن أنسِ بنِ مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والرسول -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا؛ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا! اللَّهُمَّ أَغِثْنَا! اللَّهُمَّ أَغِثْنَا".

قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلا وَاللهِ! مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا.

قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ" قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ" رواه البخاري ومسلم.

تأملوا -عباد الله- لِتَرَوا كيف يُحدِثُ الإيمانُ الصادقُ، والقلوبُ الطاهرةُ، والألسنُ المستغفرةُ، استجابةَ المولى العاجلة! إنهم أقوام أغاثوا قلوبهم بالتوبة والاستغفار والتطهرِ من الذنوب والمعاصي فأغاث الله أرضهم، واستجاب دعاءهم، تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله وحافظوا على الجُمَع والجماعات، وأدوا ما عليهم من الأمانات والمسؤوليات؛ فرفع الله تعالى ذكرهم، وبسط سلطانهم، وأمد رزقهم.

لقد كانوا يحذَرون مواطن العطب، وأسبابَ الخلل، وموانعَ إجابة الدعاء، قال -عليه الصلاة والسلام- لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: " أطِبْ مطعمك تكنْ مستجابَ الدعوة"، إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام والربا والرشوة والغش في المعاملات، وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الحِيل، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل.

جديرٌ بنا -عباد الله- أن نغيث قلوبنا بالإيمان والطاعة؛ ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلدنا، ذلكم -وربي!- هو مفتاحُ القطر من السماء، وسببُ دفعِ البلاء، ووعدُ الله لا يُخلَفُ، حيث قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ) [الأعراف:96]، فحريٌّ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16].

وإذا استسقى العباد فلم يُسقوا، وسألوا فلم يُعطوا، أسفرَ ذلك على هبوطِ مستوى الإيمان، وخللٍ في الأعمال، وإصابتهِمِ بموانعِ إجابة الدعاء، وعلينا أن نتساءل: هل رَويت قلوبنا من هذا الغيث أَم هي ظامئة؟ وأَن ننظر إلى صحائفنا، هل هي ربيعٌ بهذا الوحي أم هي مجدبة؟.

يجب علينا أن نصلح ما فسد وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، علينا أن نقوم بأداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإصلاح الأهل والبنين والبنات؛ فلا قيمة للاستغفار إذا كان مجرَّد لفظ يُرَدَّدُ على اللسان، ولا أثر لصلاة الاستسقاء إذا كانت مُجَرَّدَ عادَةٍ تفعل.

علينا أن نخلع عنا أردية الخطايا، ونتجرد من الذنوب والمظالم؛ ليُرفعَ ما بنا، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهُنَّ-: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أَيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أَنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" أخرجه ابنُ ماجه وهو صحيح.

وهل في الدنيا والآخرة شرور وداءُ إلا بسبب الذنوب والمعاصي؟! نعم، عباد الله، الذنوب والمعاصي لها شؤمها وآثارها، فكم أهلكت من أمَّةٍ، وكم قصمت من قرية: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) [الأنبياء:11]، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59].

فبالمعاصي تزول النِّعَم، ويحلُ الفقرْ، وتتوالى المحنُ والإحن، وتتداعى الفِتَن، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، ويقول سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].

والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذَّر من المعصية؛ لما لها من آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات، فقد روى الإمام أحمدُ -رحمه الله- عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشر كلماتٍ، وذكر منها: "إياكَ والمعصيةَ! فإن بالمعصية حلّ سخط الله -عز وجل-"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّ العبد لَيُحْرم الرزق بالذنب يصيبه" أخرجه أحمد وابن ماجة.

بسبب المعاصي تنتشر الأمراض الفتاكة، والآفات القاتلة، والحوادث المروعة، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].

المعاصي تُحيل النعمةَ نقمةً، والرحمةَ عذاباً، ألا ترون الأمطار تهجم أحياناً بفيضانات مهلكةٍ، وسيولٍ عارمةٍ، تدمّر القرى والمدن؛ فتذهب بكثير من الأرواح والمساكن، وتغير معالم الأرض، وتحدث شراً مستطيراً؟!.

حتى البهائم تئن من ويلات المعاصي ويدركها شؤمها، قال الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-: إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم. وقال عكرمةُ -رضي الله عنه-: دوابُّ الأرضي وهوامها، حتى الخنافس والعقارب، يقولون: مُنِعْنَا القطر بذنوب بني آدم. وقال مجاهد -رحمه الله-: إن البهائم لَتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدت السنة، وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم.

إخوة الإسلام: مَنْ الذي لا يقع في المعصية والخطيئة؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ لَمْ تذنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ" أخرجه مسلم. وروى الترمذي وابن ماجه وأحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُل ابْنِ آَدَمَ خَطَاءٌ، وَخَيَرُ الخَطَائيِنْ التَوابُونْ".

وأَي نفس غيرَ نفوس الأنبياء -صلواتُ الله وسلامه عليهم- ترقى لمنزلةٍ لا تدركها كبوة، ولا تغلبها شهوة؟ إلا أنّ المذنبَ مع ذنبه ينبغي أن يكون ذليلاً خائفاً مشفقاً، يخشى على نفسه من شؤمِها، ويلتهب فؤاده ندماً وحسرةً، ويرفع يديه لمولاه تائباً مستغفراً، فهو ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135].

التوبةُ الصادقةُ تمحو الذنوب مهما عظمت، ومن ظن أن ذنباً لا يسعه عفو الله، فقد ظن بربه ظن السوء، نعم -إخوتي في الله-، باب التوبة مفتوح، مهما تعاظمت الذنوب، وتكاثرت المعاصي واستحكمت الغفلات، فلا قنوط من رحمة الله، ولا بعد عن الله، فالله -سبحانه- يبسط يده باللَّيل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمسُ من مغربها.

فهلمَّ – أخي المسلم – إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته، هلمَّ إلى التوبة قبل أن فوات الأوان، واذكر نداء ربك -جل في علاه-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].

وها أنتم -عباد الله- قد حضرتم إلى هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتُقبلوا عليه بالتوبة والإنابة، وتتقربوا بصالح العمل لديه؛ فاستكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].

أريقوا ماء الأسف على أدران الذنوب تغسلها، أخْلِصُوا التوبة لله يقبلها، وأصلحوا الأعمال لله يضاعفها، وأَتْبِعُوا الحسنة السيئة تمحها، توجهوا إلى رحمة ارحم الراحمين، والجؤوا إلى فارج الكربات، ومجيب الدعوات، تضرعوا إليه، وارغبوا فيما عنده، وألِحُّوا في الطلب، واعزموا القصد، فإن ربنا جواد كريم، رؤوف رحيم، خزائنه ملآى، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمنِ الرحيم، ملِك يوم الدّين، لا إله إلاّ الله يفعل ما يرِيد، لا إلهَ إلا الله الوليّ الحميد، لا إله إلا الله غِياثُ المستغيثين، وراحِم المستضعفين، نستغفِر الله، نستغفِرُ الله، نستغفِر الله الذي لا إلهَ إلاّ هو الحيّ القيوم ونتوب إليه.

(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:286]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا!.
اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم لتحيي به البلاد، وتغيثَ به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد .

اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ.
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت؛ اللهم وأدِرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إناَ خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.

اللهم اكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم ارحم الأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرتع، والشيوخ الركع، وارحم الخلائق أجمعين.

اللهم أرسل لنا سحاباً ثقالاً، وأنزل لنا مطراً مدراراً، وأخرج لنا حباً ونباتاً، وجناتٍ ألفافاً.
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].

هذا وصلّوا وسلِّموا على الرحمةِ المهداة، والنعمة المسداة، محمّدِ بن عبد الله، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال -جلّ من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد وعلى آلِه وصحبه أجمعين.

عبادَ الله: اقتَدوا بسنّةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يقلِب رداءه حين يستسقي، وتفاؤلاً بقَلب حالِ الشّدّةِ إلى الرخاء، والقحط إلى الغيث، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابةِ، وألحوا في المسألة، وأكثروا من الاستغفار، عسى ربكم أن يرحمكم، فيغيثَ القلوب بالرجوع إليه، والبلدَ بإنزال الغيث عليه.

ربَّنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.