البحث

عبارات مقترحة:

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

سورة الأحزاب

العربية

المؤلف مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. تعريف بسورة الأحزاب .
  2. ملخص للمواضيع الكبرى للسورة .
  3. مُجْمَلٌ لمحتواها العام .
  4. غزوة الأحزاب .
  5. تفسير لآيات من السورة. .

اقتباس

سورة الأحزاب هي السورة الثالثة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتُها ثلاث وسبعون آية، وهي سورة مدنية تناولت الجانب التشريعي لحياة الأمة الإسلامية، شأنها شأن السور المدنية، وقد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة، وبالأخص أمر الأسرة، فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتمع السعادة والهناء، وأبطلت بعض التقاليد والعادات الموروثة، وطهَّرَتْه من رواسب المجتمع الجاهلي، ومن تلك الخرافات ..

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صَلَّى الله عليه وسلَّم وعلى آله وصحبه الكرام، وأتباعه على الحق والهدى إلى يوم الدين.

فيا أيها المسلمون: سورة الأحزاب هي السورة الثالثة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتُها ثلاث وسبعون آية، وهي سورة مدنية تناولت الجانب التشريعي لحياة الأمة الإسلامية، شأنها شأن السور المدنية، وقد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة، وبالأخص أمر الأسرة، فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتمع السعادة والهناء، وأبطلت بعض التقاليد والعادات الموروثة، وطهَّرَتْه من رواسب المجتمع الجاهلي، ومن تلك الخرافات والأساطير التي كانت متفشية في ذلك الزمان.

وسُمِّيَتْ سورة الأحزاب بهذا الاسم لأن المشركين تحزبوا على المسلمين من كل جهة، فاجتمع كفار مكة مع غطفان وبني قريظة وأوباش العرب على حرب المسلمين في المدينة المنورة في السنة الخامسة من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الله ردَّهُم مدْحُورين، وكفى الله المؤمنين بتلك المعجزة الباهرة.

ويمكن أن نلخص المواضيع الكبرى لهذه السورة الكريمة فيما يلي:
أولا: التوجيهات والآداب الإسلامية والاجتماعية ،كآداب الوليمة، وآداب الستر والحجاب وعدم التبرج، وآداب معاملة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واحترامه، إلى آخر ما هناك من آداب اجتماعية.

ثانيا: الأحكام والتشريعات الإلهية، مثل حكم الظهار والتبني والإرث وزواج مطلقة الابن من التبني، وتعدد زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- الطاهرات والحكمة منها، وحكم الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وحكم الحجاب الشرعي، والأحكام بالدعوة إلى الوليمة وغير ذلك من الأحكام التشريعية.

ثالثا: الحديث عن غزوة الخندق (الأحزاب) بالتفصيل حيث صوَّرَتْها السورة تصويراً دقيقاً بتألب قوى البغي والشر على المؤمنين، وكشفت عن خفايا المنافقين، وحذَّرَت من طرقهم في الكيد والتخذيل والتثبيط، وأطالت الحديث عنهم في بدء السورة وفي ختمها حتى لم تبق لهم ستراً، ولم تُخْفِ لهم مكراً إلا بينته، وذكرت المؤمنين بنعمة الله العظمى عليهم، حيث رد كيد أعدائهم بإرسال الملائكة والريح، كما تحدثت عن غزوة بني قريظة، ونقض اليهود عهدهم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ومما جاء في السورة ما يلي:
في الآية الأولى أمر الله عز وجل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتقوى، والمراد الاستدامة والثبات عليها، ونهاه عن طاعة الكفار والمنافقين فيما يدعونه -صلى الله عليه وسلم- إليه من اللين والتساهل وعدم التعرض لآلهتهم بسوء، وأن لا يقبل أقوالهم وإن أظهروا أنها نصيحة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الأحزاب:1].

وفي الآية الثانية: أمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- باتِّباع ما يوحى إليه ربه من الشرع القويم، والعمل به، والتمسك بالقرآن المنزل عليه، (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [2].

وفي الآية الثالثة: أمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوكل والاعتماد عليه، وتفويض الأمور إليه، واللجوء إليه، وكفى بالله أن يكون له حافظاً وناصراً له ولأصحابه ولأمته من بعده: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [3].

وفي الآية الرابعة: رد من الله تعالى لمزاعم الجاهليين أن يكون لرجل من قلبين في جوفه، قال مجاهد: نزلت في رجل من قريش كان يدعى (ذا القلبين) من دهائه، وكان يقول إن في جوفي قلبين أعقل بواحد منها أفضل من عقل محمد!.

ورد آخر للظهار، وهو أن يظاهر الرجل من زوجته ويقول: أنتِ عليَّ كظهر أمي. قال ابن الجوزي: أعلم الله أن الزوجة لا تكون أما، وكانت الجاهلية تطلِّق بهذا الكلام؛ وردٌّ أخر أن يكون الابن من التبني (الأدعياء) الذين ليسو من الزوجة لا يكون ابنا لكم حقيقة، وأن ذلك مجرد قول بالفم لا حقيقة له من الواقع.

وفي الآية الخامسة: أمر الله تعالى برَدِّ نسَب هؤلاء إلى آبائهم الأصليين، فهو أعدل في حكم الله وشرعه، فإن لم تعلموا آباءهم الأُصَلاءَ فتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الإسلام، وأولياؤكم في الدين، فليقل أحدكم: يا أخي، ويا مولاي، يقصد أخوة الدين وولايته.

ولهذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما كنا ندعو زيدَ بنَ حارثةَ إلا زيدَ بنَ محمَّد، حتى نزلت (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) [5]. أخرجه البخاري. وبيَّن سبحانه أنه لا ذنب على المؤمنين فيما أخطؤوا به، وإنما الإثم فيما قصدتم وتعمَّدتم نسبته إلى غير أمه.

وفي الآية السادسة: بيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرأف بالمؤمنين وأعطف عليهم وأحق بهم من أنفسهم، في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ، وطاعته أوجب، وزوجاته الطاهرات أمهاتٌ للمؤمنين في وجوب احترامهن، وتحريم نكاحهن، واستحقاق التعظيم.

(وَأُولُو الْأَرْحَامِ)، وهم أهل القرابات، (بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [6]، أي أحق بالإرث من المهاجرين والأنصار في شرع الله ودينه، مع الحث على الإحسان إلى المؤمنين والمهاجرين في الحياة، أو الوصية إليهم بعد الموت، فإن ذلك جائز، وهكذا، فإن الآيات لكل منها أهداف ومعانٍ ذكرنا بعضها، والبعض الآخر لم نذكره.

وتنتقل السورة للتحدث عن غزوة الأحزاب، حيث تحزَّبَت قريش وغطفان ويهود بني قريظة وبني النضير على المسلمين، وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً، فلما سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإقبالهم حفَر الخندق بإشارة سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب معسكره، والخندق بينه وبين المشركين، واشتد الخوف، وظن المؤمنون كل ظن، وظهر النفاق في المنافقين، حتى قال أحدهم: يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر، ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط! فأرسل الله سبحانه على الأحزاب ريحاً شديدة، وجنوداً من الملائكة، وكانوا قرابة ألف.

قال المفسرون: بعث الله عليهم ريحاً عاصفاً، وهي ريح الصّبا، في ليلة شديدة البرد والظلمة، فقلعت بُيُوتَهم، وكفأت قدورهم، وصارت تلقي الرجل على الأرض، وأرسل الله الملائكة فزلزلتهم، ولم تقاتل، بل ألقت في قلوبهم الرعب.

وبيَّن الله سبحانه أن الأحزاب جاؤوا من فوق الوادي، أي من أعلاه قِبل المشرق، ومنه جاءت أسد وغطفان، ومن أسفل الوادي، يعني من أدناه قِبل المغرب، ومنه جاءت قريش وكنانة وأوباش العرب، أي جاؤوهم من جهة المشرق والمغرب، وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، وأعانهم يهود بني قريظة، فنقضوا العهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وانضموا إلى المشركين، فاشتد الخوف، وعظم البلاء على المسلمين.

ولهذا قال تعالى (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) [10-11]، فليس بعد الشدة من شدة، (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [12]، أي: باطلا وخداعا.

(وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) [13-17].

وتمضي السورة في بيان أحداث الأحزاب، وأحوال المنافقين والمشركين واليهود مع المسلمين حتى نهاية الآية العشرين، بعد ذلك أمَر الله المؤمنين بالاقتداء بالرسول الكريم في صبره وثباته وجهاده، فقال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، أي قدوة حسنة تقتدون به -صلى الله عليه وسلم- في إخلاصه وجهاده وصبره، وفي جميع أقواله وأفعاله وأحواله، (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [21]، أي مخلصاً في إيمانه، ويكثر من ذكر ربه بقلبه ولسانه.

(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [22]، أي: هذا ما وعدنا الله ورسوله من المحنة ثم الابتلاء ثم النصر على الأعداء، وما زادهم ما رأوا من كثرة جند الأحزاب ومن شدة الضيق والحصار إلا إيماناً عميقاً بالله، واستسلاماً وانقياداً لأمره.

ثم قال الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)، حيث نذروا إن أدركوا حرباً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا، (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ)، أي: فمنهم من وفى بنذره حتى استشهد في سبيل الله، كأنس بن النضر، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)، أي: ينتظر الشهادة في سبيل الله، (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [23]، أي: وما غيروا عهدهم الذي عاهدوا به ربهم أبداً.

(لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) [24-25]، أي: ردَّهم خائبين خاسرين، مَغِيظين حانقين، (لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ) [25-26]، أي: وأنزل يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد وانقلبوا على النبي وأصحابه أنزلهم من حصونهم، (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)، أي: الخوف الشديد حتى فتحوا الحصون واستسلموا، (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ)، يعني الرجال، وقتل منهم يومئذ ما بين الثمانمائة والتسعمائة، (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) [26]، يعني النساء والذرية.

(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا) [27]، أي: لم يطؤوها بعدُ بأقدامهم، وهي خيبر؛ لأنها أخذت بعد بني قريظة، وكل أرض فتحها المسلمون بعد ذلك، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) [27].

ثم تحدثت السورة الكريمة عن زوجات الرسول الطاهرات، وأمَرَهُن بالاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زهده، وعدم التطلع إلى زهرة الحياة الدنيا، لأنهن قدوة لسائر نساء المؤمنين، وذلك في الآيات من (28- 34).

ثم تحدثت عن المغفرة والأجر العظيم للرجال والنساء المتمسكين بالإسلام والإيمان والقنوت والخشوع والصدق والصبر والصدقة والصيام وحفظ الفروج وذِكْر الله الكثير، وأن لهم درجات رفيعة عند الله، ثم أعقبها ببيان أن طاعة الرسول من طاعة الله، وأمْر الرسول من أمر الله، ثم ذكرهم تعالى بالنعمة، وهي بعثة السراج المنير المبعوث رحمة للعالمين محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ثم أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بذكره ذكراً كثيراً، وتسبيحه بكرة وأصيلاً، وأنه هو الذي يرحمكم على الدوام فيصلي عليكم هو وملائكته لينقذكم من الضلال إلى الهدى، وأنه واسع الرحمة بالمؤمنين، وأن تحية المؤمنين يوم يلقون ربهم السلام، والإكرام في الجنة من الله سبحانه الذي هيأ لهم أجراً حسناً وهو الجنة وما فيها من النعيم المقيم.

كما تبين السورة حكم طلاق المؤمن للمؤمنة إذا نكحها ثم طلقها قبل الجماع، أي: قبل الدخول بها، وأنه ليس لها عدة منه لعدم المعاشرة الزوجية، فالواجب إكرامهنّ، وتخلية سبيلهن بالمعروف؛ ثم بيَّنَتْ ما أحَلَّ الله لرسوله من أزواج في الآيات (50 إلى 52)، والأحكام المتعلقة بذلك.

ولما ذكر الله تعالى أحوال النبي مع أزواجه ذكر الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمنون عند دخولهم بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاستئذان، وعدم الإثقال، وغيرها من الآداب.

فيا عباد الله: هذا مجمل لبعض ما جاء في سورة الأحزاب، وفي تفسير آياتها كثير من الحكم والآداب التي لم نذكرها، أسأل الله أن ينفعنا بها، وبما سمعنا، وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كذل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [56].

عباد الله: هذه هي الآية السادسة والخمسون من سورة الأحزاب، والصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، اللهم صَلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد هذه الآية بين الله سبحانه أن الذين يؤذون الله ورسوله بالكفر أو غيره فإن الله يلعنهم في الدنيا والآخرة، أي: يطردهم من رحمته، ويحل عليهم سخطه، ويهيئ لهم عذاباً شديداً؛ ومَن يؤذِ المؤمنين والمؤمنات بغير ما فعلوا فقد حمَّلوا أنفسهم البهتان والكذب والزور، والذنب الواضح الجلي.

ثم أمر الله عز وجل نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن يوجه النداء إلى الأمة جمعاء للتمسك بالإسلام وتعاليمه الرشيدة، وبالأخص في أمر اجتماعي (وهو الحجاب) الذي يصون للمرأة كرامتها، ويحفظ عليها عفافها، ويحميها من النظرات الجارحة، والكلمات اللاذعة، والنوايا الخبيثة، لئلا تتعرض لأذى الفُسَّاق.

وفي الآيات الأخيرة من السورة يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [70]، أي: راقبوا الله في جميع أقوالكم وأفعالكم، وقولوا قولا مستقيماً مُرْضِيَاً لله، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [71]، أي: يوفقكم للأعمال الصالحة، ويتقبلها منكم، ويمحوا عنكم الذنوب والأوزار، ومن أطاع الله والرسول فقد نال غاية مطلوبة.

ثم لما أرشدهم إلى مكارم الأخلاق نبَّهَهُم على عظم التكاليف الشرعية التي كلف بها البشرية، فقال (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا)، أي: عرضنا الفرائض والتكاليف الشرعية على السماوات والأرض والجبال، فأعرضن عن حملها، وخفن من ثقلها وشدتها، والغرض تصوير عِظم الأمانة وثقل حملها، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [72]، أي: وتحملها الإنسان، إنه كان شديد الظلم لنفسه، مبالغاً في الجهل بعواقب الأمور.

وتختتم السورة بقوله تعالى (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [73].

عباد الله: لقد تحملنا الأمانة فلنصبر على حملها، وإن حصل منا قصور فلنتب إلى الله ليغفر لنا ويرحمنا ولا يعذبنا كما يعذب من يعبد غير الله معه من المشركين، أو من يُبْطِنُ ما لا يُظْهر، وهم المنافقون، وأسأل الله أن يرحمنا، ويغفر لنا، ويتوب علينا، إنه هو التواب الرحيم.

وصلوا وسلموا عباد الله على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-